الفصل الأول، الجزء الثاني

يبدأ المساعد التحقيق في الأمر لمعرفة لم حدث هذا رغم تخفي سايمون، ولم حدث بعد مقابلة يوسف وخصوصًا بعد محاولة التحدث عنه، وأمسك يفتش ملابس سايمون للبحث عن أجهزة تنصت قد يزرعها يوسف دون أن يلاحظها سايمون، لكنه لم يجد شيئًا وهم للتحرك بحثًا عن سبب ما حدث.

بعد نصف ساعة من تعرض سايمون للطلق الناري، كان شارلي الذي يعد سائق يوسف سلطان، ينزل من السيارة الفارهة في جراج مبنى فندقي ضخم اسمه مارل، بعد أن ركن سيارته في الحارة ميم سبعة، ثم مشى قليلاً ليركب بعد ذلك المصعد الذي يبدو من مظهره جودة هذا الفندق ومدى الرقي.

ثم ظل يتحرك حتى وصل الى طابق معين، كانت الحراسة كثيفة في ذلك الطابق مما يثير الريبة، وطفق يتحرك في الطرقات يمينا ويسارًا، يقصد بذلك مكانًا معينًا مسترشدًا بمخطط ما يمسكه بين يديه، ويتفادى مقابلته لأيٍ من رجال الأمن المنتشرين، ثم وقف لنجد أنه أمام باب غرفة مغلقة بإحكام، وتلك هي الغرفة التي يوجد بها الاجهزة المسؤولة عن توزيع الحرارة والماء في هذا الطابق.

فتحها عن طريق تعطيل ذلك القفل بطرقه الخاصة، والغريب في الأمر أنه قد بدى متمرسًا بذلك رغم كونه مجرد سائق، ثم دخل وبدأ بعدها يغلق بعض الصنابير ويغير مسار صنابير أخرى، وخرج من الغرفة وهو يشعل سيجارًا أسفل كاشف الحرائق متعمدًا، وإذ به يرميها على الارض ليحرق بذلك سجاد الأرض وكررها في عدة أماكن لزيادة حجم الحريق في وقت قصير.

ينطلق جهاز الانذار وينبه الناس للهروب، حيث إنه لا تعمل المرشات الخاصة بإطفاء الحريق في هذا الطابق، ويعود ذلك إلى تغيير شارلي لمسار المياه، مما ينتج عن ذلك حريق كثيف في هذا الطابق وينتج عنه اضرار للطابق الموجود أسفله وما فوقه بالطبع.

في نفس الوقت كان قد بدأ محمد يتحرك بجانب فرقة ليست بالكبيرة مجهزة بالأسلحة وترتدي أقنعة وسترات مضادة للرصاص إلى داخل قطاع في ميناء قديم لتحميل البضائع، مستهدفين بذلك بضائع عليها حراسة شديدة داخل الميناء، ولكنهم فالبداية يخدرون الحراس المسؤولين عن حراسة بوابات الميناء.

ثم هجموا مباغتين على حراسٍ وُجِدُو عند تلك الصناديق، الذي كان يوحي مظهرهم بكونهم مرتزقة أو تابعين إلى منظمة إجرامية ما.

بمجرد أن قضوا عليهم تمامًا، استعدت الفرقة لتحميل الصناديق على متن سفينة صادرات لإحدى شركات يوسف سلطان -او هذا ما استخدم ذريعة لنقل تلك الصناديق الضخمة-، وكانت حوالي خمس صناديق ضخمة والتي يصل طولها لسبعة أمتار او ما يقربها، أما ارتفاعها فيرتفع لمترين وعرضها يمتد لحوالي متر، فنقلوا تلك الصناديق وهربوها إلى إحدى المستودعات المخفية.


بالتوازي مع تلك الاحداث كان يوسف قد ذهب وحيدًا بسيارته، ركنها بعيداً ثم وقف أمام ما يبدوا وكأنه مستودع مهجور، ولكن كان هناك بضع حراس، بطريقة ما يدخله يوسف رغم تلك الحراسة، فيرى على بعد مسافة صغيرة مكان مغلق، وكأنه تم بناء غرفة صغيرة من الخشب داخل المستودع.

يذهب اليها ويفتح الباب ليرى أنها صممت لتكون غرفة مكتبية، ورأى شخصًا يجلس على كرسي في المنتصف ويوجد حوله ثلاثة اشخاص، شخص وراءه واثنان على جانبي الباب.
قال يوسف بنبرة ماكرة: فريدريك! لمن أدين بهذه المفاجأة الرائعة؟، ها قد وجدتك اخيراً.

ولكن فريدريك لم يبد مسرورًا، بل بدى منزعجاً من هذه الزيارة وقال: سمعت
أنك تبحث في أمري، ما الذي تريده مني؟ وكيف مررت من بين كل تلك الحراسة؟ لم أسمع صوتاً لأي طلق ناري أو هجوم.

فسرعان ما تحولت تعابير يوسف إلى تعابير جادة، ثم قال: هذا ممل قليلا، ولكن يبدوا إذا أنني سأدخل في صلب الموضوع مباشرة، فلا أريد تضييع مزيدا من الوقت في هذا المكان.

سكت قليلاً ثم أكمل عندما نظر إليه فريدريك وقال: يا فريدريك، أعلم أنك منذ سنتين من الان، في شهر نوفمبر وفي موسكو، قد قابلتَ رجلا يُرمز له بالرقم سبعة، ويدعوه البعض بآكل الخطايا، ما هي صلتك به؟ وكيف تواصلت معه؟ وهل تعرف اسمه الحقيقي؟

فريدريك: الكثير والكثير من الأسئلة والمضحك أنك هنا لتسالني عن اشياء أنا لا اعلمها، جديا عمّ تتحدث يا صاح؟ رقم سبعة؟ آكل للخطايا؟، ولكن لحظة لا تحتاج لكي تتعب نفسك بالإجابة على ذلك، فأنا لست مهتمًا على الإطلاق بأن اعرف عم تتحدث، كما أنني لست مضطراً لكي أجيبك بشيء حتى إن كنت أعرفه.

وأصدر فريد صوت فرقعة بإصبعيه كإشارة، فاذا اثنان كانا يقفان على الباب خلف يوسف يوجهان مسدسيهما الى يوسف وكذلك الشخص الواقف وراء فريدريك.

فريدريك مهددا: أتعلم ما قد يحدث لك إن لم تخرج الان؟ فانا لست متفرغا لمثل هذه الترهات!

ابتسم يوسف اثناء ذلك مستفزاً فريدريك بفعله ثم قال: من المفترض أن يأتيك اتصال الآن، وربما أكثر من واحد.

ولم يكد فريدريك يكمل سؤاله عن ماهية الاتصال الذي يتحدث عنه فاذا بهاتفه يرن ليخبره أحدهم باندلاع حريق في الطابق السابع في فندق مارل وتضرر معه الثامن والسادس..

فريدريك مفزوعًا: السابع! أليس هذا الذي يوجد به بعض..... بضائعنا؟ كما يقيم به أيضا ذلك السفير الذي يساعدنا؟

ثم يحاول فريدريك ليكمل رده عليه، ولكن يقاطعه اتصال آخر من الميناء، فيرد فريدريك بسرعه متجاهلاً مسألة الحريق -لابد انه امر بالغ الأهمية أكثر من ذلك حتى يتجاهل أمر الحريق- فيتم اعلامه أن البضائع سرقت.
ولم يكد يرفع رأسه كي ينظر الى يوسف بتعصب شديد إلا ويرى الرجلان يقعان أمامه على الارض واحداً وتبعه الاخر بلحظات، ليكتشف انها قُتلا برصاصتين من قناصة اخترقتا رأسيهما، لا يعرف من اين مصدرها، والذي كان في الواقع من فعل سارة الموجودة على بعد ثلاث مائة وخمسين مترا فوق بناية مرتفعة بجانبها كأس من الشراب كانت تحتسيه، يبدو أن لديها عادة الشرب وقت العمل.

ابتسم يوسف ابتسامة ماكرة ثم قال: رويدك ما هذه النظرات؟ هذا لم يكن سوى مجرد رد بسيط عما حدث من عدة أشهر، لقد تحديتَ الشخص الخطأ آنذاك عندما احتللت فندقي بتزوير بعض الاوراق كما أنك افسدت بعضاُ من تجارتي وسرقت بعضًا آخر، ولكن ما حدث قد حدث، ويمكنني اعتبار هذا تعويضي عليه، انا لست هنا لأقتلك لمثل هذه الأسباب، انا فقط هنا لأسألك عما كنت تنكره منذ برهة.

فريدريك: فلتترك لي متنفساً، لقد مللت من هذا الهراء.

ثم يشير فريدريك بيده الى الرجل الثالث الذي قد اعتبره ورقته الرابحة والذي لم يكن في مدى سارة، فإذا بالرجل الثالث يرفع مسدسه ويوجه، ولكنه وجه المسدس ناحية فريدريك وليس يوسف!

فزع فريدريك وقال: رامي!؟ ما هذا أخنتني؟ ما الذي يحدث؟

فرد رامي قائلا: أخونك؟، وقهقه خفيفا ثم أكمل: لم أعمل لديك سوى بأوامر من سيدي يوسف وما كنت تابعا لك قط كي اخونك فمن أكن له الولاء شخص واحد فقط، يوسف لا غير.

حينها ملّ يوسف من كثرة الحديث فقال: والآن هل يمكن ان نكمل ما جئت من أجله؟
فريدريك: حسنا حسنا! اهدأ، فهمت ما تريد، ولكن صدقني إن قلت أنني لم أتواصل مع ذلك الرجل، بل هو من تواصل معي فالبداية ولم يكن تواصلاً شخصياً حتى.

وبدأ سرد ما حدث كون تواصلهم حدث عن طريق رسائل مشفرة، وأن ذلك الرجل في يوم المقابلة لم يأت بنفسه، بل كانوا اشخاصًا تابعين له، أما عن مهاتفته فكانت كلها من صناديق الهاتف بعد أن يتم إعلام فريدريك اين اذهب.

ولكن اثناء ذلك السرد تذكر ما بدى أنه شيء قد ينقذه من هذا الموقف فقال: لحظة.... لقد تذكرت شيئا ما! معي بعض من تفاصيل الصفقة آنذاك، فأنا احتفظ بتفاصيل معظم صفقاتي، وقد كان هناك سماسرة مرتبطين به قد تستطيع الوصول إليه من عن طريقهم ان بحثت جيدا، ولكن اسمح لي ان اخرج قلادتي أولاً.

فاذا به يدخل يده في جوف ملابسه عند صدره ليخرج قلادته وهو يقول: احفظ هذا جيداً "مونيكا فريد.." لم يكمل جملته حتى يقع مقتولاً إثر رصاصة اخترقت جمجمته.
غضب يوسف وقال مخاطباً سارة من السماعة المثبتة في اذنه: ما هذا! لم أوجه لك اي أمر بذلك لم فعلت هذا؟ ما الذي حدث؟

سارة: لم يكن انا من فعل ذلك يا سيدي، لم يكن في مدى رؤيتي حتى.

فيخرج يوسف مسرعاً مع رامي من تلك الغرفة بعد أن اقتلع قلادة فريدريك، ونظر في مختلف الاتجاهات محاولاً أن يرى مصدر الرصاصة، فتبلغه ساره عن وجود انعكاس لضوء المنظار الخاص بقناصة على بعد مئتا متر، ولكنه سرعان ما اختفى ولا يمكن تحديد شخص هناك، لقد هرب.

في اثناء ذلك كان قد توجه مساعد سايمون الى مكان فريدريك ليتحرى أمر يوسف ويخبر فريدريك عن بحث يوسف بشأنه وقد دخل الى المستودع من الباب الخلفي ثم يدخل الغرفة فيُصدم بوجود فريدريك مقتولا هو ورجاله، يهب مسرعا للخارج بعد هذا المنظر محاولاً أن يعرف من كان السبب وراء هذا فلا يجد أمامه سوى يوسف، فبمشاعر مليئة بالغضب والحقد يوجه مسدسه ناحية يوسف.

المساعد: السيد يوسف! لم قتلت سايمون؟ وهل قتلت فريدريك ايضا!؟ انه مجرد رجل بريء.

رد يوسف مناديا اسم المساعد بنبرة جادة: بومبا! سأقول هذا احتراما لصداقتي مع سايمون ولأنك رجل تحترم حياة الاخرين ولا تحبذ ازهاق الارواح: انا لم أقتل سايمون، وان كنت قتلته فهذا لا يعنيك، كما انني لا احتاج لإنكار ذلك بالطبع، وأستطيع قتلك في هذه اللحظة بإشارة مني دون أن أحرك ساكناً، كما أن ملابسي جميعها مضادة للرصاص وتحتها سترات واقية ايضاً ويمكنك أن تجرب ذلك، أطلق! ولكن لن تعيش لترى النتيجة.

ثم حذره بوجود قناص قريب من هناك، وأخبره بالاختباء والذهاب الى مكان آمن، واستعطف بومبا قائلًا: لقد فقدنا شخصاً عزيراً وصديقا بالفعل -كان يقصد سايمون- لذا أريد ان احفظ حياتك من اجله.

انزل بومبا سلاحه ومن حسن حظه أن كان وراءه حائط يستتر به، وذهب يوسف مستقلاً سيارته التي اتى بها وهو يقودها، ولكن عاد بقيادة رامي.
وكذلك ايضا عاد بومبا الى سايمون.


في اثناء عودتهم بدأت سارة محادثةً مع يوسف بنبرتها الباردة وهي تحتسي كوباً: هل لي بسؤال يا سيدي؟

يوسف: ولم لا، يمكنك ذلك.

سارة: همم إذا لماذا لم تخبره؟ لماذا لم تقل أنك لم تقتل فريدريك!؟ وأنه ليس رجلًا بريئا كما يظن، هل نسيت ما قد وجدنا في شحنة الميناء؟، هل تحب أن تظهر في مظهر الرجل السيء أم ماذا؟ -قالت ذلك بنبرة لعوبة-.

يوسف: آوه بخصوص ما وجدناه هناك، ذكريني ان نتصرف بشأنها فيما بعد.
فأكملت سارة: وأيضا لم كذبت بشأن عدم اصابتك لسايمون؟

يوسف: اولًا انا لم اكذب، فقد قلت أني لم اقتله وأنا لم افعل، ولكن أمرت فقط بإصابته اصابة مميتة.. كما أنه ليس وكأنني أبالي بما قد يراه الاخرون بي، ولا اهتم لما يفعلون ما دمت اعرف مصير قراراتي وتأثيرها علي.

أخرج يوسف قلادة فريدريك، ليجدها قلادة عادية وعندما تفتحها تجد صورة له ولابنته.
ولكن لاحظ في عين فريدريك -في الصورة- وكأنه مصباح صغير جدا ليدرك بذلك يوسف أنه جهاز ينقل البيانات لاسلكيا.

فيفتح جهازه المحمول سريعاً ويفتح برنامج النقل اللاسلكي (البلوتوث) ليجد جهازا غير مقترن يضغط عليه لكن يُطلب رقم سري فيتذكر كلمات فريدريك الأخيرة "مونيكا فريد.." يكتبها ثم يظهر مربع "رمز خاطئ" ثم يعيد كتابتها مرة اخرى باللغة الانجليزية فيظهر مربع "رمز خاطئ" تبقت محاولة واحده يكتبها يوسف "مونيكا فريدريك" ولكن قبل أن يضغط موافق، اقترن الجهاز بدون طلب كلمة المرور، فإذا بملف يتم نقله الى الجهاز، ولكن بدت آثار الصدمة على وجه يوسف عندما فتحه....

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي