الفصل الثاني اول خيوط الحقيقة

Chapter 2

في تلك الأثناء، والسيارة تتحرك في ذلك الطريق الممهد، كان طريقًا يملؤه من الجانبين الفنادق والمباني العمرانية، وكان الوقت متأخرًا الى حد ما حتى كانت الاروقة والطرق فارغة، الظلام لم يجد له مكانًا في ذلك الليل بسبب الانوار المضاءه.

في داخل تلك السيارة وعلى مقعده المريح، بعد أن نظر يوسف إلى شاشة جهازه المحمول ( اللابتوب )، وفتح الملف الذي حُمِّل من الجهاز اللاسلكي من تلقاء نفسه، لم تكن نظرة الصدمة واضحةً على وجهِه على الرغم من كونه متفاجئ، ولكنه ضحك بعدها قليلًا حتى تعجب من فعله رامي، والذي كان ينظر إليه من خلال مرآة السائق.

ولكن علم يوسف وجود خطب ما، ففتح أيقونة اعدادات الجهاز بسرعة شديدة، وأخذ عناوين خاصة بالجهاز المحمول ثم نقل عدة معلومات خاصة به إلى جهازٍ للتخزين، بعد ذلك ألقى الجهاز المحمول من النافذة إلى خارج السيارة بسرعة.

نظر يوسف إلى رامي نظرةً جادة ثم قال: اذهب إلى أقرب منطقة آمنة من مناطقنا حالًا، واطلب من الباقين اجتماعًا طارئًا، ولكن تأكد هذه المرة أن تسلك أعقد الطرق التي قد تعرفها، كي نضيع من يحوم حولنا إن كان هناك وجود لمن يتعقبنا.

بدى رامي متفاجئًا من قول يوسف ثم رد قائلًا: أتظن أن احداً ما يتعقبنا؟ ولكن لا يكاد يوجد أحد يمشي في هذه الطرقات في مثل هذا الوقت.

عندها أغمض يوسف عينيه قليلاً ثم رد بنظرة باردة ونبرة توحي إلى حد ما بالغضب:
لا أعلم هل لاحظتَ ذلك أم لا، لكنني قد كنتُ مراقبًا بالفعل قبل أن أذهب إلى فريدريك من قبل احدهم، لكن الأمر الآن مختلف، ولكن لا داعي للشرح مرتين، سأشرح الأمر بعد قليل في الاجتماع، على الرغم من أنك إذا نظرت حولك ستفهم السبب في كوننا عرضة للتعقب.

فسأله رامي: هل لهذا السبب تأخرت قبل المجيء إلى فريدريك؟ لأنك كنت مراقَبًا؟ لقد أوضحت في التعليمات ذهابك إلى مكان فريدريك تمام التاسعة، ولكنك تأخرت نصف ساعة.

فقال يوسف: ليس كما قلتَ فعليًا، لكنه كان شيئًا من هذا القبيل، بالمناسبة أعلمني إذا جاء تقرير او ما شابه إلى المقر من شخص يدعى جوهان روبتين.


في وقت ما بعد تلك الاحداث التي جرت في هذه الليلة الغريبة، وفي مكان قديم شبه مهجور، أو هذا ما يبدو عليه الأمر من الخارج فقط، ولكنه من الداخل يبدو مجهزًا تجهيزًا جيدًا، لدرجة الشك فيما إذا كانت تلك الغرفة موجودة بداخل ذلك المستودع القديم فعلًا.

كان المكان من الداخل واسعًا، قديم من الخارج ومرممًا من الداخل، يعد من افضل الأماكن للاختباء، توجد فيه طاولات على الاطراف، يجتمع عليها انواع متتعدة من الشراب وبعض انواع الحلوى، وتوجد اخرى موضوع عليها بعض الاسلحة الآلية والسكاكين وبجانبها اكياس من الممنوعات.

كان يتواجد هناك اشخاص يتشاورون فيما بينهم، وهم اشخاص ينتمون إلى عصابة كثيرة العدد، متعددة العلاقات وتسمى بالخزانة السوداء، أحدهم يدعى سامح، متوسط القامة، ابيض البشرة ولكن داكن الشعر والعينين، وهو الأخ الأصغر لزعيم تلك العصابة.

بعد اجتماع بضع من الرجال بدأ سامح الحديث قائلًا: لقد رأيت ذلك بأم عيني، لابد أن سايمون قد تم قتله بأمرٍ من يوسف سلطان، لا شك أن ذلك يرجع إلى عدم حاجة يوسف إليه بعد الآن، ولكنني أيضًا عندما تتبعته وجدت فريدريك مقتولًا بعد خروج يوسف بلحظات، أظن انه كان انتقامًا لما حدث من قبل فيما بينهم، عندما استولى فريدريك على فندق مارل وأفسد بعضًا من تجارة يوسف، لم أتوقع ذلك ولكن يبدو أنه شخص خطير رغم منظره اللطيف.

وفي خلال ذلك الحديث بين سامح وبعض رجال العصابة، يُفتح الباب ببطئ ليدخل عليهم من يترأس تلك العصابة، وهو الأخ الأكبر لسامح واسمه كريم، كما أن له لقبًا ينادى به بين زعماء العصابات، وهو ملك الخزائن السفلية نظرًا إلى طبيعة عمله المتعلق بالخزائن والتهريب.

بدى كريم متوترًا حينما دخل، عندما أدرك بعضًا من كلام سامح أثناء دخوله، والذي قاطع ذلك الحديث عندما لاحظوا قدوم زعيمهم كريم، فلا ينفك كريم يدخل الغرفة حتى يقول سريعًا: أٌقلت رأيت من؟ يفعل ماذا؟ يوسف سلطان؟ هل تتبعته حقا؟ أخبرني هل تفتقر للحنكة أنت أم أنك أحمق لا تعرف كيفية التفكير السليم؟! أوتعلم عمن نتحدث؟

حرك سامح عينيه بعيدًا كعلامة على الضجر من كلام أخيه، وبدى غير مهتمٍ لما يقوله كريم في حين اكمل كريم كلامه رافعًا من شأن يوسف سلطان وهو يقول: إنه رجل الأعمال الكبير يوسف سلطان، وقد أمرتك "محذرًا إياك" ألا تفكر بالاقتراب منه تحت أي ظرف من الظروف حتى ولو عنى ذلك افشال مخططاتنا إن كانت تلتمس بما حوله.

هدأ كريم وبدأ يشرب قليلًا من مشروبٍ كان موضوعًا أمامه على الطاولة، تنهد ثم أكمل: إذا وهل قد علم بأمر تتبعك له؟

سامح: لا يا سيدي لم يعلم.

أمسك كريم رأسه من الصدمة واتكئ على المكتب ثم قال:
إذا لابد وأنه قد علم بأمر تتبعك بالتأكيد، فأنت لا تملك أدنى فكرة مع من سوف نتعامل الآن، هل يمكنك اخباري بهدوء لم قد تفعل ذلك؟

كانت مهمتك وببساطة شديدة تقتضي أن تتبع في الخفاء سايمون، ذلك الوغد الأسباني وقتله عندما تحين لك الفرصة المناسبة "وبالطبع بعيدا كل البعد عن يوسف سلطان" ومن حسن الحظ أنه قد مات بالفعل بدون ان نتدخل حتى، لا أعلم لم دفعك الفضول لتتبع يوسف، لكن بئس الحظ هذا، لا أظن أننا يمكن أن نأمل خيراً الآن إن كنا قد اغضبنا ذلك من يدعى ب"العبقري ذو الدم البارد"

غلي دم سامح من شدة الغضب بسبب هذا الكلام واستصغار اخيه للعصابة امام اسم ذلك الشخص "يوسف" مجردًا رغم قوة العصابة واحكام سيطرتها، حتى شعر وكأن رأسه يحترق، فالخزانة السوداء ليست بذلك الضعف لكي يتصرف كريم بمثل ذلك الوهن، بل إنه تقريبا يحدث مثل ذلك في كل مرة يتم ذكر يوسف بها، أن يبدو كريم خائفاً وحذراً إلى حد كبير.

لذا قام سامح من مكانه وقال في غضبه: ألا ترى أنك تبالغ بعض الشيء في ردة فعلك يا أخي العزيز؟ أنك قائد عظيم لهذه المنظمة التي يذاع صيتها في كل مكان كما أنه لا يكاد أي شخص يريد إما تهريب او تصدير شيء غير قانوني إلا وقد استعان بمصادرنا ورجالنا وقام باستئجار بعض خزائننا، نحن عصابة الخزانة السوداء لدينا ما لا ينفد من العتاد وما لا يقل عن المئات من الرجال المهرة، وإذا أردنا ذلك لأنهينا المدعو يوسف هذا وحاشيته كلها.

حينها رد كريم عليه بهدوء تام وبنبرة نصح لعل اخاه يستمع إليه: اسمع يا أخي، لقد تعاملت مع يوسف هذا مرات قليلة، لقد كانت تعاملات خفيفة ولم يحدث فيها أي مشاكل ولكني قابلته شخصيًا، أنا أعلم الشخص الخطير بمجرد النظر، وأستطيع القول أن ذلك الشخص هو كالشيطان في زي الملاك، لذا لا أحبذ أبدًا فكرة اغضابه، لا أظن أننا مستعدين للتعامل معه بعد.

بدى سامح غير مقتنع وأراد تكرار كلامه المغرور النابع من ثقته الكاملة في عصابة الخزنة السوداء ولكن لم يستمع كريم الى كلام سامح المتعجرف ولم يبد له أي اهتمام وطلب منه المغادرة من الغرفة لكي يستطيع اكمال غير المنتهي من أعماله.

خرج سامح وبصوت خافت لكنه ما يزال مسموعا قال كلاما يستهزئ به على خوف اخيه: أتعلم عمن نتحدث بلا بلا.. يا له من أحمق يخاف من مجرد رجل؟ لم قد يفعل ذلك؟ هل لأنه غني؟

ولكن بدى على ملامح سامح انه قرر اثبات عكس ذلك بطريقته الخاصة، وربما كان قد بدأ بالفعل اتخاذ بعض الخطوات الخفية.


لم يكن يوسف قد وصل بعد الى منطقته الآمنة ولكن كان من وصلا هما ساتشي وسارة بالفعل، فتنظر ساتشي في كل الانحاء ليبدو على وجهها الاعجاب من ذلك المكان، لا أحد يعلم سبب اعجابها الشديد هذا وتحمسها في كل مرة رغم أنها تأتي إلى مناطق كثيرة مشابهة.

تُعبر ساتشي عن اعجابها الشديد بهذا المكان وبسيدها يوسف قائلة: أتعلمين يا آنسة سارة الزعيم يوسف يمتلك قرابة سبعة واربعون منطقة آمنة مثل هذه، ولأكون دقيقة معك، هذا العدد هو ما أعرفه وزرته منهم فقط، حتى انني عملت فيهم مع الزعيم يوسف ولا أعلم ان كان له أخرى،

كما أن من ضمنها يوجد اربعة عشر منطقة في هذه الدولة فقط، وكل منطقة عبارة عن مخبأ تحت الارض او في بناية شاهقة بأبواب سرية مجهزة بالأجهزة العديدة بأنواعها التي ساهمت باختيارها بنفسي، كما أن بها خزائن من العتاد وبعضها يتخذه الزعيم ملجأً كي يصنع ويخترع بها، فالزعيم لديه هوايات مثل الصنع والتعديل ويحب الابتكار كما أنه بارع في صنع الاسلحة والمعدات فقد ابتكر بالفعل عدة أشياء مثل آلة حادة يستخدمها بكثرة في الحالات الفردية.

وأشارت بيدها إلى ما يبدو وكأنه سلاح، وان كنت سأشبهها لقلت أنها تشبه إلى حد كبير سيخ الشواء في طولها ونحفها وحدة رأسها، ولقد وضع في نهايتها جهاز دفع مركزي عندما تلقيها بصوره معكوسة (أي تجعل مركز الدفع للأمام) ثم ترتطم بشيء يتم الضغط عليه نتيجة الارتطام، فتنطلق في اتجاه الرأس الحاد بسرعه توازي إلى حد ما سرعة الرصاصة.

ويملك يوسف سلطان العديد منها ولا ينفك يضع بعضها في متناول يديه استعداداً للحالات الطارئة، هذا وبالإضافة إلى العديد من الساعات والعدسات اللاصقة والمعدات المعدلة من قبله وقد ساعدته ساتشي فيها، ومنها التي تمكنه من الرؤية الليلية او ما وراء بعض الحواجز الخفيفة او تلك الاجهزة للتواصل ....

لعل ساتشي استمتعت بذلك الحديث المشوق -من وجهة نظرها- والذي كانت سارة مضجرة منه، متجاهلة هوس ساتشي بخصوص الآلات والابتكار وهوسها الشخصي بيوسف، ولكن يتم مقاطعته بدخول السيد يوسف مع رامي إلى المنطقة الآمنة ليجد ساتشي وسارة قد وصلا قبله ثم يتبعه في الدخول بقليل محمد برفقة شارلي.

ابتدأ يوسف الاجتماع الصغير هذا موجهاً كلامه إلى محمد: هل بحثت عن امر الرجل الذي كان يتبعني؟ لقد أحسست بوجود شخص يراقبني، كما أحسست في ذلك الوقت بصوت يشبه صوت الكاميرا، تلك الأصوات الناتجة عن التصوير ولكن لست متأكداً فالأمر ليس دقيقا، لكن يمكن افتراض وجود شخص قد حاول تصويري هناك في مكان الحادث.

فأجابه محمد بسرعة وثقة: نعم يا سيدي، بعد ان تتبعت بعض الكاميرات الخاصة بمقر الشركة ونظرت في تسجيلات كاميرات أخرى لمباني مجاورة، استطعت أن أجد أفعال مريبة لأحد الأشخاص الذي ظننته في البداية تابعًا لسايمون

ثم وضع محمد صورة لهذا الشخص أمام يوسف سلطان، لم تبد الصورة واضحة ولكن مع ذلك مضى يوسف يحدق في الصورة وكأنه قد رأي مثل ذلك الشخص من قبل.

أكمل محمد حديثه: هذا فقط ما ظننته، ولكن تبينت بعد البحث انه أحد الرجال التابعين لشخص يدعى " كريم "، وهو زعيم عصابة من المافيا تحتل جزءاً كبيراً من المنطقة وتسيطر على مخازن عديدة وأجزاء كبيرة من الميناء،

يمكن القول أنهم يشكلون الحركة الحرة لنقل الممنوعات بأنواعها ولهم خبرة كبيرة في ذلك، ولكن لا اتوقع أن كريم وعصابته قد يمثلون مشكلة بالنسبة لك يا سيدي، فعلى ما يبدوا لم يكن تتبعك مبتغاهم في الأصل، رغم أني أجهله، لكن اظنك تعرف مرادهم من ذلك بالفعل.

بعد الإنتهاء من ادلائه بالتقرير دفعه فضوله للسؤال قائلًا: اسمح لي ان اسألك هذا، ولكن هل وجدت ما كنت تبحث عنه في ذلك الملف؟


يوسف: كما توقعت احد رجال كريم .... لا بد من أنه هو...، لا لم أجد شيئاً هناك فغالب الامر أن ذلك الشخص المدعو "آكل الخطايا" او "الرقم سبعة" قد علم بالأمر، او ربما شخص آخر ممن يبحثون عنه ولا يريدون أن أصل إليه قبلهم، ويبدو أنهم لم يستطيعوا اختراق الجهاز في القلادة لأنه مبرمج على الحذف الذاتي عند محاولة اختراقه،

لكنهم قد اخترقوا جهازي وأرادوا استخلاص بعض المعلومات عني ومعرفة مكاني به، فعندما تحمل الملف عنوة دون كلمة المرور وجدته فارغاً بالفعل ومحمل بفايروس..

على كلٍ لقد حذفت ما قد يضرني وان لم يكن بالشيء الجلل واخذت العنوان الخاص بالجهاز وسوف ابحث عن مصدر الاختراق وكيف استطاع فعل ذلك في لحظات وانا اتحرك.


ثم أشار إلى محمد، لأنه يعلم بأنه شخص ضليع في البحث؛ لطبيعة عمله السابق، وأخبره عن ارادته بأن يبحث في تلك المنطقة - التي حدث بها الاختراق - عن ما قد يكون مريبا فلابد انهم كانوا قريبين منه ليراقبوه عن كثب، مشيرًا إلى البحث عن اخر عقود الايجار واي شيء مشبوه قد حدث في قطر خمسة عشر كيلو متراً من تلك المنطقة، وأعطى محمد الاذن باستخدام مصادر يوسف تحت تصرفه.

"استخدمها بحكمة، ولكن يمكنك تأجيل ذلك لما بعد، طرأت لدينا الآن مهمة ننجزها بالفعل" قالها يوسف

ثم أكمل: أولا سأبدأ برامي، ببساطة سوف اعطيك جميع الصلاحيات على أن تكون أنت المسؤول عن هذه المهمة والمشرف عليها لأنكم ستنفذونها بأنفسكم، ولكن لن أوفر لك سوى عدد قليل لذا أرني مهاراتك فالتخطيط ولتنجز المهمة على أكمل وجه، انا لن أشارك معكم فيها ولن أكون متفرغاً كي أوجهكم، فلدي بعض الالتزامات وحسابات قديمة يجب عليّ انهاؤها، أما بالنسبة لك يا محمد فأنت سوف تتكفل بالجبهة الامامية، لتأخذ معك عشرة اشخاص مسلحين فقط.

بدى رامي غير سعيد بوقوع الاختيار عليه، وكأن أمراً ما يجعل منه مشتت الذهن.

بعدما رأى وجه رامي أجاب محمد: لا أقصد التشكيك في ثقتك بتخطيط رامي، ولكن أليس هذا عدد قليل بعض الشيء؟.

تجاهل كلاً من يووسف سلطان ورامي كلام محمد وأكمل يوسف قائلاً: أما سارة فستعزز لك الأمان من الخلف على بعد مناسب بقناصة سريعة، ولكن تحركاتكم ستكون تبعاً لأمر رامي.

ثم حدد مكان رامي والذي سيكون على بعد خمسمائة متر من الموقع المراد اقتحامه وأنه سيراقب ما يحدث بالمنظار، وسيعطي الاشارات بعد ان يخبر شارلي بأماكن المخازن الخاصة تلك ليفعل فعله المعتاد.

اومأ جميعهم بالرأس لأعلى وأسفل للموافقة وتحركوا تبعا لهذه التعليمات يترأسهم رامي.

بدأ كل منهم يجهز عتاده، ويتأكد مما قد يحتاج إليه في تلك المهمة، فكل لديه دوره، ذهبت سارة لتأخذ إحدى القناصات التي تبدو وكأن لها معنى عاطفي لدى سارة حتى نظرت ساتشي إليها نظرةً خبيثة ولكنها تجاهلتها، وجمع محمد بعضًا من رجاله واجتمع برامي ليرى خريطة المكان ومواقعهم في تلك المهمة، أما شارلي فأخذ حقيبة مصفحة وأكتفى بمجرد مسدس صغير مخبأ.

بدأ تنفيذ المهمة وتمركزوا، كل في موقعه المحدد، وها هو يتضح من هذا الموقع الذاهبون إليه أنه مكان مهجور متكون من عدة مخازن، لكن على الرغم من انه يبدو كالمبنى المهجور الا انه بكل غرابة يوجد عليه حراسة مشددة عند الابواب مما يثير الريبة ويشكك الرائي إن كان مهجوراً كما يوحي مظهره.

لكنه بالفعل ليس بمجهور لأنه يحتوي على مخزونات من الهيروين وغيره من الانواع بالإضافة الى وجود بعض اماكن مخصصة لصناعته وتغليفه وأخرى لتخزين بضائع غير قانونية مختلفة الانواع.

بدأ رامي بتحليل المكان طبقًا لخطة بدأ بوضعها ثم اعطى اشارته إلى شارلي ليبدأ المطلوب منه.

لبس شارلي زياً غريبًا وكأنه احد العمال هناك، ولكنه نجح بالدخول بطريقة ما الى الداخل بكل سلاسة وبدون أن يعترضه أحد، بدأ شارلي التثبيت بالفعل لما يملك من متفجرات وأكمل جميع التجهيزات ثم ابتعد عنها استعدادًا لإشارة التفعيل من رامي.

من جهة أخرى دخل محمد مع جنوده طبقًا للتعليمات التي وجهها رامي إلى أحد المخازن، ولكن تذكر ان هذا المخزن الذي نوه عنه يوسف بشكل خاص، وقد نجحوا بالدخول بعد قتال دار بينهم وبين قوات العدو،

لكن انتهت مع خسارة فرد واحد من رجال محمد مقابل حياة عشرات من الحراس، تفاجئ عندما دخل المخزن لأنه لم يجد فيه سوى صندوق واحد فقط من الكرتون المقوى، يبدو صغيراً بعض الشيء ووزنه خفيف الى حد كبير، فحمله معه ليسلمه إلى يوسف سلطان كما أمر منه.


في ذلك الوقت سمع باقي أفراد الحراس أدواء ذلك القتال الذي حدث واجتمعوا لكي يذهبوا اولاً لمكان التسليح قبل الدخول الى منطقة وجود العدو عزالى.

ثم..... بوووم!.... انفجر بهم المكان -غرفة التسليح التي فخخها شارلي بالفعل بعد تنكره بكونه عامل من عمال الهيروين-

فزع العاملون في قسم الهيروين والذين هم فالواقع مجبرون على العمل هناك بسبب ضغط كريم عليهم وابتزازهم أو تهديدهم، لا يمكن لومهم ان قفز أحدهم من شدة الفزع فقد سمعوا صوتاً لانفجار عنيف على مقربة، ولكن هذه الانفجارات كانت ما مهد إليهم طريقاً للخروج من استعباد كريم لهم .

بعد خروجهم مباشرة من أماكنهم والهروب، بدأ تفجير هذه المخازن واحداً تلو الآخر حتى لم يتبق منهم باقِ.

كانت تلك المخازن جميعها من أملاك لكريم وعصابته والذي غضب غضباً شديداً عندما تم اخباره بذلك.

فقال له سامح غاضباً ولكن متشمتاً: أترى؟ بسبب خوفك الشديد من يوسف تركت له مجالا أن يستصغرك وبدأ يفعل ما يريد، لعلك فرح بهذا الآن ا!.

اجابَهُ كريم بنبرة باردة جادة: لا، لست فرحاً لقد تعدى ذلك المدعو يوسف حدوده هذه المرة، وبتعديه هذا قد كلفني اكثر من حوالي مائة وسبعة عشرَ مليون دولار، عوضًا عن الخسائر البشرية والمصانع التي كانت تدر الي ربحا مستمرا.. أبلغ باقي الرجال اننا سننتقم ونريهم من تكون عصابة الخزانة السوداء.

فأجابه سامح: أنا بصدد شيء قد يغير مجريات الأمور يا أخي انتظر قليلًا حتى آتيك به.

لم يكن يوسف مضطراً على كل حال للمشاركة في تلك المهمة الصغيرة، ولكنه لم يشارك معهم لأنه في أثناء تلك العملية قد قام أولاً بملءِ خزينة سلاحه، ثم ركب احدى سياراته وذهب لزيارة صديقه القديم سايمون كراشدي في مخبأه بعد معرفته بأمر نجاته من تلك الرصاصة، وعندما وجد مخبأ سايمون دخل سريعاً منادياً: اين أنت يا سايمون؟

فإذا به يجد بومبا يقف أمامه موجهاً إليه سلاحه وكأنه كان يعلم بالفعل انه آتٍ وظل واقفاً هناك منتظراً قدومه...

عودةً بالسرد الى منطقة كريم، ولكن يرجع ذلك بعد انتهاء العملية بقليل، وبعد اخماد النار الناتجة عن التفجيرات، كان محمد قد ذهب الى أحد المخازن الفارغة ليلتقي رامي الذي طلب منه المجيء وحيدًا لمقابلته.

محمد بنبرة تعجب: إذا لم دعوتني الى هنا الآن؟ وهل لي ان اعرف لماذا طلبت مقابلتي وحيدا بدون رجالي؟ هل هناك خطب ما؟ ام أنك تشك في شخص ممن يعملون لدي؟،
قال ذلك وهو يتلفت في مكانه ويدور من الحيرة.

بكل هدوء وبدون نطق كلمة، تقدم رامي متوجهاً ناحية محمد الذي كان ظهره ما يقابل رامي، أشهر رامي سلاحه من خلف محمد ووجهه إلى مؤخرة رأسه.

رامي بنبرة تعبر عن اليأس: اعذرني يا محمد، ولكنهم من طلبوا ذلك مني.

محمد: "لكنهم"؟ من يكونون هم؟ عمن تتحدث؟

بدى رامي حزينًا ومن الواضح ان ما يفعله ليس بملئ ارادته ولكنه قال: أردت منك مسامحتي ولكن أعلم أنه لا يمكنني ان اطلب منك مسامحتي على هذا، ليس وكأنه شيء يفعله المرء وينتظر مسامحة بعده، ولكن أنا لدي اسبابي التي تدعوني لكي اقتلك هنا والآن، ولك أن تعلم أنني لا أكنّ أي ضغائن شخصية بيننا صدقني إنما هذا لحمايتهم.


يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي