الفصل الثاني

تلاقت أعين ادم مع ميدوسا عندما شعر بنبضات قلبه ترتفع وشعور حارق بداخله وكأن الاف النحلات القارصة تهاجم اعضاءه الداخلية وبدأ جسده يتجمد مع صراخه المستمر وقد اصبح جسده مجرد تمثال من الحجارة يقف مزينا المكان مثل الالاف غيره من مجنحين وسيرين وحتى الحوريين لم يسلموا من الامر

رغم انه قد تحول الى تمثال كان قلبه مازال ينبض في لحن حزين يتهشم الى ملايين القطع يعتصره الم ان احدهم قد غدر به للتو، ربما كان هذا اكثر ايلاما من اللسعات التي شعر بها وهنا عقله اجبر جسده على الاستيقاظ لينهض بسرعة شاهقا بكل قوته كأنه استعاد حياته للتو

ارتجف للحظة عندما ادرك انه مازال على مقعده في الحافلة التي قد وصلت للتو، اخذ نفس عميق وهو يلتقط حقيبته ويترجل من السيارة وهو يحاول ابعاد الحلم من ذهنه مفكرا في المشكلة الاكبر كيف سيرى بدون نظارته

وصل الى المكتبة اخيرا ونظر الى الخارج بانبهار شديد وهو يفتح الباب الضخم عندما ادخلته الى الردهة التي بها مكتب الموظفة والذي كان بحجم مكتبة ادوارد بالكامل، سار بخطوات بسيطة يلقي تحية الصباح على الموظفة الشابة والتي بادلته بهدوء تنظر له بتفحص وهي تسأله باهتمام:
-هل يمكنني مساعدتك أيها الشاب؟

ابتسم لها فهي تكبره فقط بأعوام قليلة كما انها فاتنة للغاية بملابسها العملية الجذابة مما جعله يحمحم خجلا من افكاره قبل ان يقول بصوته الاجش:
-اريد الكتب والمراجع التي تتحدث على اسطورة مرمين.

نظرت له بتعجب قبل ان تبدأ البحث بهدوء ثم نظرت له مجددا وهي تجيبه بعد لحظات:
-لم اجد اي اساطير تتعلق بهذا الاسم ولكن معنى الكلمة هو حورية البحر باللغة الافريقية.

ثم سألته باهتمام شديد وهي تنظر الى الشاشة مجددا تستعد للطباعة عليه:
-ربما يمكنك ان تبحث عن الاحياء البحرية او حوريات البحر افضل.

حرك رأسه نافيا وهو يشعر باحباط شديد قبل ان يقرر البحث عن اسطورة جديدة شيقة ليعمل على المشروع الخاص به ويمكنه ان يتجاهل وينسى كل ما يتعلق بمرمين، على الاقل حينها ستتوقف الاحلام عن الظهور، قال للموظفة بهدوء:
-لا بأس سأبحث بنفسي هذه المرة.

ابتسمت له وهي تتناول منه بطاقته المكتبية تاركة له المجال للدخول وهي تتعجب منه فالجميع يفضل البحث عن طريق الانترنت هذه الايام ولكن ادم دائما يفضل المجيء بنفسه كأن المكتبة هي ملاذه الامن هنا ولكن به شيء مختلف هذه المرة.

دخل ادم يبحث بين الرفوف عن عنوان كتاب ربما يجذبه اليه او يلفت انتباهه، رغم انه اكثر من يعلم ان الغلاف لا يمثل المكتوب في الداخل فهناك كتب بعناوين فخمة وغاية في الجمال لكن ما ان تقرأ به حتى تكتشف مدى تفاهة افكاره

وهناك كتب عنوانها لا يجذبك على الاطلاق ولكن تفتحه بدافع الفضول او الملل لتجده يجذبك الى عالم اخر ولهذا اعتاد على قراءة المقدمة اولا، ابتسم وهو يشبه البشر بالكتب لانه اكثر من يدرك ان معظم الذين تنبهر بهم من الداخل عاديين الى حد الملل ولكن العاديين يملكون قلوب من ذهب ومميزون بطريقتهم الخاصة،

او ربما الامر عائد على التوقع حينما تتوقع الكثير من شخص ولا يقدم الا ما يملكه لن يكفيك مهما حدث ولكن ان لا تتوقع شيء جليل ويأتيك الامر مفاجأة ستجدها الاروع على الاطلاق

كان منغمس في تفكيره للغاية حتى انه لم يلاحظ انه يسير دون ارادة منه وقد وصل الى رف في مكان مظلم مما جعله يتعجب، حاول الابتعاد ولكن قدمه ثبتت بالارض وكأنها التصقت بها، رفع قدمه للاعلى عندها ارتفعت بدون مقاومة ولكن ما ان كاد يسير حتى تجمدت في مكانها

اخذ نفس عميق يحاول ان ينظم افكاره ولكن انفاسه المتسارعة ونوبة الذعر التي تكاد تغمره جعلت الامر شبه مستحيل وهنا كان يجب ان يستسلم للامر ويقف ساكنا دون حراك

اغمض عينيه ينظم انفاسه وما ان هدأت نبضات قلبه حتى قرر استكشاف المكان ليعلم على الاقل لما توقف هنا دونا عن باقي الاماكن وهنا لمح لافتة صغيرة تصنف الفئات كتب بها (الاساطير الغير معروفة المصدر)

تعجب من غرابة الاسم وطوله يتساءل لما لم يرى هذا الركن من قبل انه يأتي بصورة اسبوعية يشبع هوايته من القراءة واحيانا يذهب لقاعة الوسائل التعليمية يشاهد بعض الافلام الوثائقية،

لكنه قرر التعامل مع الامر للنهاية ورفع يديه يلتقط احد الكتب عندما وجدها تتحرك من تلقاء نفسها الى اقصى اليمين، رفع حاجبه ببعض الدهشة وهو يترك الزمام ليده التي ازاحت الكتب تسقطها ارضا ثم اندفع جسده للامام ببعض العنف ويده تحاول الوصول الى شيء ما بالخلف

شعر بالغبار وبيت عنكبوت ازاحه من طريقه قبل ان تقع يديه على شيء ملمسه جديد بالنسبة اليه، امسكته يده بكل قوتها وهي تخرجه امامه ينظر بدهشة لما بين يديه كان كتاب قديم للغاية هش بعض الشيء وقد تآكلت بعض اطرافه

حمله برفق شديد كأنه يحمل مادة سريعة الانفجار ان تحركت بسرعة سيفجر المكان بمن فيه حتى وصل اخيرا الى المنضدة المخصصة للقراءة ووضعه بهدوء ولكن تساقطت بعض الفتات منه مما جعله يشعر بحسرة ان هذا الكتاب يحتضر

نظر حوله ليجد المكان خالي كما اعتاد كتم انفاسه وحاول ان يفتح الكتاب ولكن ما ان كاد يلمسه حتى ادرك انه سيدمره هكذا وهنا قرر ان يتصل بأكثر شخص سيتمكن من ان يفيده في مثل هذه الحالة

اغمض عينيه بإرهاق عندما حدق بتركيز وهو يكاد لا يرى شيئا ثم اخرج هاتفه يتصل برقم ما، ارتفع الرنين وانتظر لثواني بدت دهر واخيرا اتاه الجواب من الصوت الناعس، هنا قال بلهفة:
-مرحبا سيد ادوارد اريد مساعدتك على وجه السرعة.

سمع غمغمة السيد ادوارد وهو يعطيه درسا في الاخلاق وعن الوقت المناسب للاتصال بالاخرين وكيف يختارون كلماتهم بعناية، بينما ادم يكاد يميز من الغيظ يتمنى منه ان يصمت وهنا اخرسه مقاطعا اياه:
-سيد ادوارد لدي بين يدي كتاب يحتضر.

صمت السيد ادوارد تماما حتى ان ادم ظن لوهلة انه قد اصابته ازمة قلبية وهو ينادي عليه عندما اجابه الاخير بصوت منفعل:
-استمع لي جيدا ادم اريد اجابات دقيقة عن الاسئلة التي سأطرحها عليك الان.

استشعر ادم خطورة الامر رغم انه كان هو الاخر قلق للغاية وبدأت اسئلة السيد ادوارد وكان اهمها واولها عن الخامة التي صنع بها الكتاب، نظر له بتفحص عندما ادرك انه من جلد الحيوانات، مما جعله يجزع قليلا لانه على دراية كاملة ان كتب السحر بأكملها تكتب على الجلود

ثم جاءه السؤال الثاني على ماهية معرفة عنوان الكتاب هنا ابتسم ادم ببلاهة وهو يجيبه ببعض الاحراج:
-لا يوجد لدي ادنى فكرة عن اسمه انه مغطى بطبقة من التراب اخاف ان انفخ بها كما ان هناك بعض الحروف مطموسة على اي حال.

وصل اليه صوت شهيق مرتفع ليعلم ان السيد ادوارد قد اخذ نفس عميق وبدأ يشرح له ما هو على صدد القيام به كان اول طلب غريب للغاية ولكن وافقه ادم على الفور وهو يتجه الى الخارج متجها الى مكتب السكرتيرة وهو يحمحم قائلا باحراج:
-من فضلك انستي من اين يمكنني شراء ملمع احذية؟

نظرت له بتعجب شديد قبل ان ترتفع قليلا تنظر الى حذائه الذي كان رياضي ثم نظرت له بابتسامة مجيبة اياه:
-ميرندا هذا هو اسمي، والان اخبرني ادم كيف يمكنني ان اساعدك.

ابتسم لها ببلاهة وهو لا يعلم ما الذي يمكن ان يقوله لها لكنه قرر الاعتراف اخيرا وهو يقول بهدوء:
-اظن انني وجدت كتاب على وشك الاحتضار.

نظرت له ثم قهقهت بمرح هذه هي المرة الاولى لها تسمع احدهم يقول على كتاب انه يحتضر لهذا نهضت من مكانها وهي تتجه صوبه وهي تقول بمرح خفيف:
-حسنا لنحاول ان نعيده للحياة سويا.

ابتسم لها بمرح وهو يفكر بها (ان ميرندا هي الكتاب المثالي الغلاف رائع بجسد متناسق مثير وروح مرحة تلقائية ربما يجب ان يقرأها يوما ما)

وصلوا اخيرا الى الطاولة عندما لاحظت الكتاب الموضوع وهنا ظهر القلق واضح على ملامحها ثم هرولت مبتعدة تتجه الى مكان ما لحظات وظهرت مجددا تحمل بين يديها لوح رفيع للغاية من مادة الباغ، وضعته بمحازاة المنضدة قبل ان تقرب الكتاب منه بحرص شديد حتى توسطه تماما

حملته بحرص شديد وهي تتجه الى ما خلف الارفف وهي تقول لادم ان يتبعها ولبى ندائها على الفور وهي تشير الى جيب تنورتها ان يقوم باخراج المفاتيح تحت تهديد واضح من عينيها ان يلتقط المفاتيح فقط دون ان يمسها

مد ادم يده بتوتر لا يريد منها ان تفهمه بطريقة مخطئة يلتقط المفاتيح قبل ان يضعها في المزلاج يحركه بداخله ثم بدأ بفتح الباب على مصرعيه عندما رأى درجات سلم تتجه الى الاسفل هبطت عليها ميرندا وهو يلحقها محاولا ان ينتبه على خطواته مع الاضاءة الخفيفة لا يرى شيئا على الاطلاق

وما ان وصلت ميرندا الى الاسفل حتى اضاءت المكان دفعة واحدة وهنا راقب ادم المكان يحاول معرفة تفاصيله كان اول ما اكتشفه انه بداخل قبو وضع في وسطها قفص زجاجي له نظام مخصص به

لم يفهم ادم اي شيء عندما ابتسمت ميرندا وهي تفتح القفص وقد امتلكت زمام الامور تشرح له دور القفص بالتفصيل وقد كان اسلوبها سلس وسهل وهي تشرح له

لم يكن لدى ادم فكرة ان الكتب المهمة والقديمة يتم تخزينها بطريقة معينة ابتداء من درجة الاضاءة ودرجة حرارة الغرفة والحموضة في الجو ، كما انه لم يعرف من قبل ان بعض الكتب يتم خياطتها وابدال بعض الورق ان تمكنوا من ذلك، حتى ان هناك بعض الاغلفة يتم تغييرها بكل سهولة

وما ان انتهت ميرندا من الشرح حتى وضعت الكتاب بهدوء شديد وهي مازالت تشرح له ان هذا الكتاب له وضع مختلف للغاية حيث ان الخامة التي صنع منها قابلة للتحلل كما انه لم يعامل جيدا لسنوات عديدة ربما تصل الى قرون ولم تنسى ان تتعجب من وضعه باهمال في الرفوف الخارجية

اراد ادم ان يخبرها ان اكثر ما اثار تعجبه بشدة هو ان الكتاب قد اجبره على رؤيته، ولكنه صمت يراقبها تعالجه حينما بدأت بامساك ملمع احذية وهي تقوم برشه بعناية فائقة ليقول بتعجب شديد:
-هل تقربين للسيد ادوارد؟

نظرت له بتعجب للحظة قبل ان تضحك بقهقة وهي تحاول ان تركز اكثر تجيبه بتساؤل:
-لا اعلم من هو السيد ادوارد ولكن لماذا؟

سحرته بضحكتها الطفولية للمرة الثانية حتى انه كاد يسألها على موعد غرامي عندما تذكر حبيبته مما جعله يتنهد بضيق يذكر نفسه بوعوده الكثيرة الا يخون يوما يكفيه انه كان يرى والدته تبكي ليلها وهي تعلم انه بين احضان امرأة اخرى، لهذا اجابها باقتضاب ينظر للمكان من حوله:
-لا شيء فقط اخبرني ان افعل مثلما تفعلين.

حركت رأسها بتفهم وهي تستغرب تغير طريقته في التعامل حتى ظنت انه فقط يهاب الاماكن الضيقة ثم استدارت مبتعدة تبحث في احد الرفوف على زجاجة لتأخذها وهي تعطي ادم طبقا عميق قائلة بهدوء:
-يبدو ان ادوارد هو الاخر يعمل في مكتبة، والان هلا احضرت لي مقدار لتر من الماء هنا

تناول الطبق وهو يخرج يملؤه من الصنبور في المرحاض الصغير وهو يفكر ان القبو في حد ذاته يعتبر منزل صغير هناك فراش يمكن النوم عليه وها هو المرحاض لن يتعجب ان كان هناك مكان لصناعة القهوة

انتبه الى امتلاء الوعاء اخذه وهو يسير بتركيز حتى لا يسكب منه شيئا ثم وضعه امام ميرندا التي كانت قد ارتدت نظارتها الطبيةوهي تقول بابتسامة:
-اخترت اسوأ يوم حتى تنسى نظارتك المنسوب اكثر من المطلوب

ثم احضرت كوب ووضعت به المياه الزائدة قبل ان تحضر الزجاجة واحضرت قطارة وبدأت بوضع النقاط في الطبق والتي صنعت بقعة على وجه الماء مما جعل ادم يدرك انها تركيبة من الزيت،

ثم وضعت مادة شفافة ادرك من رائحتها انها خل ثم مزجتهم جيدا ثم وضعتهم في بخاخة ورجتهم جيدا قبل ان تبدأ في رش الكتاب والذي من دهشة ادم قد بدأ ينظف بينما تتساقط القطرات المبللة على الطاولة وقد كانت متسخة للغاية من اثر الغبار

لدهشته احضرت مجفف الشعر وبدأت تجفف الكتاب وهي تقول بابتسامة سعيدة:
-وها قد انتهينا للتو من اعداد الكتاب بالفعل.

تهللت اسارير ادم بسعادة وهو يقترب منه يريد ان يلتقطه قائلا بامتنان حقيقي:
-لا اعلم كيف يمكنني ان اشكرك ميرندا على مثل هذا الجميل

نظرت له بتعجب وهي تقف حائل بينه وبين الكتاب وهي تقول بحزم شديد:
-ماذا تظن نفسك فاعل اولا الكتاب لا يمكن لمسه الان انا فقط انقذته كما انه ليس كتابك حتى تأخذه انه ملك للمكتبة.

نظر لها بعدم تصديق وهو الذي ظن انها منقذته حتى انه اعجب بها بالفعل تأتي الان وتحطم اماله في الحصول على الكتاب كيف يخبرها ان هذا الكتاب هو من نادى عليه واشار على مكانه بنفسه لكنه اكتفى بالصمت وهو يقول بضيق واضح:
-حسنا هل يمكنني ان استعيره على الاقل.

لوت شفاهها بتفكير وهي تتفحص الكتاب بعناية ثم اجابته بتأكيد:
-لن يمسه شخص قبل شهر ثم ستبدأ المكتبة بتصنيفه ودراسته قبل ان تسمح باستعارته واظن انه حتى بعد كل هذا الانتظار سيتم اعتباره من الكتب النادرة ولن يتم اخراجه على اي حال.

كاد ان يجن وهو الذي على بعد خطوات من الحصول عليه لهذا اجابها ببعض العصبية:
-حسنا على الاقل دعيني اصوره حتى ابحث عنه على الانترنت.

ترددت للحظة قبل ان تبتعد تعطيه المساحة لتصويره ولكنه سب بصوت غير مسموع قبل ان يقول بضيق شديد:
-لا يمكنني ان ارى شيئا هلا يمكنك التقاطها من اجلي

حركت رأسها بيأس منه وهي تلتقط منه هاتفه قبل ان تلتقط عدة صور للكتاب موضحة به اسمه وخامته وهيئته ثم لم تنسى ان تصور له تسجيل مرئي ايضا تشرح بصوتها كل ما يخص الكتاب قبل ان تعطيه الهاتف

ركز ادم جيدا وهو يرسل الصور والتسجيل المرئي الى السيد ادوارد وانتظر لبعض الوقت حتى جاءه رد السيد ادوارد برسالة صوتية منفعلة للغاية:
-ادم اين وجدت هذا الكتاب لن تصدق حقا ما هو العنوان المكتوب على الكتاب انه مرمين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي