الفصل الرابع

يشغلك التفكير في امرٍ ما حتى تظن انه نهاية الحياة متجاهلًا معه ما ذهب وما هو أت،


وهكذا كان حال ادوارد بعد قراءته اسم ميرمين واضح باللغة الافريقية على المجلد، نسى خلالها ضياع مكتبه وتعبه الذي يأكل جسده وركز عليه.

حاول ان يهدأ قليلًا يحاول ان يتذكر ان كانت مثل هذه العلامات قد ظهرت مسبقًا عندما كان يدرس ميرمين من البروفيسور خاصته ولكن لم يحدث امر من هذا القبيل من قبل.

وبعد ان هدأ اخيرًا وانتظمت أنفاسه القلقة، خطر في باله امرًا هامًا! هل يمكن لروح ميرمين ان تتجسد او ان تستحوذ على ادم؟ ماذا إن كان تعليمه مجرد خطرٍ جديد سيواجه؟، ولهذا قرر ان يتأكد اولا من الامر قبل ان يباشر بسقيه للأسطورة.

شعر انه اتخذ القرار الخاطئ في ذلك عندما اعطى ثقته الى ادم، ماذا ان كان هو قدح الزناد للعالم الحالي ولكن لم يذكر من قبل انه يمكن إحياؤها او انها مازالت موجودة حتى الان؟.

لم يكن لديه فكرةً ان التوتر والقلق اعتصروه داخليًا الا عندما شعر ان الارض تميد بأسفله وانه يحتاج الى الراحة على وجه السرعة،


كان يجب ان يتصل بأحدهم كي يهتم به، لذلك امسك هاتفه يقصد الاتصال بطبيبه وما ان اجابه حتى قال بتعب شديد:
-اظن ان ساعتي قد حانت تعالى على وجه السرعة.

لم يكن لدى ادوارد انه قام بالاتصال بآدم بدلًا من طبيبه وقد جلس على المقعد ينتظر ان يلقي حتفه،


بينما الاخر كان يقود دراجته بصورةٍ جنونية في الطرقات رغم قرب المسافة بينهم الا انه شعر انها للابد.

سب ادم حمقه بقوة، كان من الواضح ان هناك خطب ما بالسيد ادوارد ولكنه ظل يؤكد لنفسه انه فقط بسبب التقدم في العمر،


انتبه انه وصل اخيرًا الى المكتبة وبعد ان قام بربط الدراجة بالقفل الخاص بها، اسرع الخطى الى الداخل عندها وجد السيد ادوارد يأخذ دواءه وقد تحسنت صحته قليلًا رغم التعب البادي على وجهه.

اقترب منه ادم يسنده بينما سيارة الاسعاف اتت بعده بثواني وقبل ان يفهم ادم شيئًا كانت قد ترجل منها رجلين يحملون منصة وهم يضعون السيد ادوارد في الخلف عندها قال ادم الذي كان في حالة انفعال شديدة:
-سآتي معكم الى المشفى.

لم ينتظر منهم الاذن وهو يركب الى جواره يحاول ان يتماسك ولكنه لا يمكن ان يتخيل خسارة شخص يعتبره مثل والده بهذه البساطة!.


لقد كان السيد ادوارد يملك فقط فتاة في عمره رحلت مع والدتها عندما انفصلت عنه وبقي بمفرده حتى تعرف عليه.

شعر ادم بيد ادوارد تتمسك به مما جعله يجفل لثانية قبل ان يضمها بكفه بقوة وهو يربت عليها مطمئنًا:
-لا تخف سيد ادوارد ستكون على ما يرام.

ابتسم ادوارد ببعض الضعف وقد اخذ الدواء يبدأ مفعوله ويسترد عافيته وهو يقول بحنو:
-انت هو القلق بني لا تخف انا على ما يرام.

دقائق ووصلوا الى المشفى بينما استقبل الطبيبين الوحيدين في الطوارئ السيد ادوارد وهم يقومون بالإسعافات الاولية،


والتي لم يكن يحتاجها على اي حال بعد اخذ الدواء ولكنهم قرروا وضعه اربع وعشرون ساعة تحت الملاحظة.

في هذه اللحظات كان ادم يجلس امام الغرفة بترقب شديد بينما الجوع يعتصر معدته ليكتشف انه لم يتناول شيئًا منذ الافطار،


كما انه يريد الذهاب الى المرحاض وربما يتصل بأماندا يصالحها لا يعلم لما فقد اعصابه اليوم.

ولكن لم يسنح له وقته الا لقضاء حاجته عندها اقتربت منه الممرضة تخبره بهدوء ان السيد ادوارد يريد محادثته.

طرق الباب للحظة قبل ان يفتحه وهو يدلف بهدوء ينظر الى السيد ادوارد بابتسامة مشجعة عندما اشار له الاخير ان يقترب منه،


فأطاعه وهو يجلس الى المقعد الى جواره يقرب رأسه منه حتى يسمع ما يريد قوله.

ازاح السيد ادوارد قناع الاكسجين وهو يمسك قميص ادم يقربه اكثر يقول بصوت يكاد يكون مسموع:
-لدي ورم خبيث في النخاع لا علاج منه الا مسكن قوي للغاية اظن ان الامر بضعة أشهر قبل وفاتي.

لم يجد ادم شيئًا لقوله او حتى كلمة مواساة واحدة لكن؛ دموعه انسابت منه بهدوءٌ دون ان يشعر بها الا عندما تجمعت عند ذقنه الحليقة،


مسحها ادم بظهر يده وهو يبتلع الغصة التي اجتاحته عندما تحدث ادوارد هذه المرة بصوت واضح:
-وقبل موتي ادم دعني اخبرك بقصتي كاملة عن ميرمين ستكون انت تلميذي المستقبلي.

رفع ادم يده يعترض وهو يقول بصوت متحشرج من اثر البكاء:
-لا اظن انني الاجدر بالثقة بها سيدي.

نظر له ادوارد بتعجب ولكن ادم اخبره بكل ما حدث معه منذ ان عرف اسم ميرمين وكيف كانت تظهر له في كل الاماكن حتى ان الكتاب الخاص بها لم يعثر عليه بإرادته،


بل هناك قوى عجيبة من دلته عليها وما ان انهى حديثه حتى قال بصوت متبعثر:
-سيدي اظن ان ميرمين تريد استخدامي في الشر!.

شعر ادوارد بسعادةٍ لا يمكن وصفها تجتاحه وهو يفكر ان ادم قد نجح في الاختبار بالفعل فها هو لم يقبل ان يكون مجرد اداة للشر حتى وان لم يكن الامر حقيقي،


حتى هو شعر ان ما مر به ادم لم يكن الا تخيلات وهلاوس من خياله الخاص.

بعد مرور اسبوع عادت المياه لمجاريها، عاد السيد ادوارد الى المكتبة يباشر اعماله وهو يجلس بهدوء على مقعده الوثير يقرأ كتابه بهدوء،


بينما وضع غليونه داخل فمه يأخذ منه نفسًا عميقًا دون ان يكترث بنفثه مرة اخرى، فقد أصبحت هذه عادته بعدما توقف عن التدخين.

عندما لاحظ باب المكتبة يفتح بهدوء يدلف من خلاله ادم الذي ما ان اقترب منه حتى القى نفسه فوق الاريكة وهو يمسك بمنشفة يمسح بها وجهه ورقبته التي تحولت الى اللون الازرق،


رفع عينيه ينظر له بدهشة لكنه لم يعلق لان هكذا هو حاله من ترك اماندا الجميع يتنمر عليه ويعامله معاملة سيئة.

زفر ادم بضيق وهو يحرك ركبته ببعض العصبية يسأل ادوارد باهتمام عن صحته وهل تناول الدواء بعد وماذا عن غداءه، ولن ينكر الاخير ان هذه المعاملة اعجبته مانحةً اياه شعور دفء العائلة.

وضع ادوار الكتاب جانبًا وفوقه الغليون الذي لم يشعله قط ولكنه يحب هذا الشعور، ثم نظر الى ادم وهو يقول بتأكيد شديد:
-ادم بما انه لم يعد لدي الكثير من الوقت دعني اخبرك بالأسطورة.

شعر ادم بالحيرة تنتابه، لا يعلم ما الذي يجب ان يفعله على اي حال يريد بشدة ان يعلم عله يرضي فضوله،


كما انه يشعر بالمسئولية في ايصال صوتها الى الشخص الذي يليه، لكنه خائف للغاية مما يمكن ان يحدث.

بداخله شعور انها اختارته هو دونًا عن الجميع لغاية لا يعلمها احد ولكن؛ مهما حدث لن يختار الجانب الشرير، وحتى ان كان هو المختار سيجبرها على اختيار الخير،


ثم ابتسم من سذاجة افكاره قبل أن ينظر الى ادوارد وقد حسم قراره:
-حسنًا انا على الاستعداد الكامل لسماعها.

نظر له ادوارد لوهلةٍ وهو يقول:
-انت تعلم ان بها الكثير من التفاصيل ويجب ان اخبرك بما كان يحدث في قديم الازل.

حرك ادم رأسه بتفهمٍ بينما اخذ ادوارد نفس عميق وهو يرجع بذاكرته الى اسطورة ميرمين.

بدأت القصة في احد الاماكن الغير معروفة فوق جزيرة ذات طبيعة خاصة سواء من الناحية الجغرافية او من الامور الخارقة للطبيعة التي تحدث داخلها او من الكائنات التي تحيا فوقها ببعض التوافق.

بالنسبة لتقسيمة الجزيرة الجغرافية كانت عبارة ثلاث جبال ملتصقين ببعضهم البعض بطريق من الصخور،


ولكن الجبلين على الاطراف غارقين بالكامل تحت المياه تنحسر عنهم المياه مرة واحدة في لعام لمدة اسبوع ثم يغرقون مرة اخرى.

ان كنت تظن ان هذا اهدار للأرض فأنت مخطئ!، لأنه بسبب هذه التقسيمة الغريبة اجتمع ثلاث شعوب يسكنون بهم،


ماذا لم اخبرك من قبل عن السكان؟!، حسنًا ربما ذكرتهم من قبل انهم السيرين والحوريين وبالطبع البشر.

هل تعلم عزيزي ان طبيعة البشر دائمًا وابدًا تختلف عن اي طبيعة للكائنات الحية؟،


هم الوحيدين الذين يرتكبون الجرائم لانهم فقط بإمكانهم فعلها او ربما من باب الشعور بالملل،


الكائن الوحيد الذي يظن انه بالعظمة حتى يسخر الله له جميع الكائنات الحية وانه خلق ليستغل كل شيء من حوله اسوأ استغلال.

انه الكائن الوحيد الذي يقتل ويزني ويسرق ويطمع فقط لأنه يريد المزيد او يمتلكه الغرور لأنه يستطيع، وهؤلاء هم سكان الجزيرة في المنتصف البشر بمميزاتهم التي تخص وسيئاتهم التي تعم ولكن لسبب ما انقلبت الآية يومًا ما.

اما الجبل على اليسار كان مجوف من الداخل وبداخله الكثير من الكهوف والتي لا يدخل الماء الى قمتها رغم انها اسفل الماء لسبب ما وكان سكان هذا الجبل هم السيرين!.

أنت تعلم شكل السيرين أليس كذلك؟ انهم يشبهون البشر لدرجة كبيرة بقدمين ويدين مثلنا ولكن لونهم ازرق باهت وعيونهم على الجانبين وليس في الأمام

كما أنهم لا يملكون خياشيم بل يتنفسون عن طريق جلدهم فـ بين يديهم واقدامهم جلد رفيع يساعدهم على السباحة.

تذكر ادم الوصف جيدًا انها هي العروس التي رآها من قبل في حلمه ولكنه استمر في الاستمتاع الى وصف إدوارد والذي بدا مملًا بعض الشيء.


ليكمل الاخير حديثه بهدوء:
-يقال ان السيرين هم هجين بين قرش تزوج بشري وانجب منها فتاة وهذه الفتاة كانت منبوذة بسبب ملامحها!،

وذات يوم تزوجت بشري وباضت منه الف بيضة لينتشر عشيرة السيرين بعدها.

ما لا تعلمه بني انهم يملكون اسنان حادة مثل القرش وزعنفة صغيرة تشبهها في ظهرها،


هنا بالفعل كان ادم قد اصابه الملل ما الذي سيفعله بزعنفتها او اسنانها ولكنه لم يظهر هذا بينما اكمل ادوارد.

وفي الجبل الثالث كان يقبع الحورين وهم نصفهم الا على بشري ونصفهم الاسفل سمكة عندما يخرجون من الماء قليلًا تتحول الى الهيئة البشرية،

هل تعلم ان الحوريين قاموا بنحت الجبل خاصتهم بيوت ومنازل بطريقة معمارية جميلة!، حتى انك تشعر انك في احد الدول المتحضرة وكان هذا اكثر ما يميزهم المعمار وايضا الغناء.

نظر له ادم بتمعن يبدو ان هذا الكلام حقيقي في حلمه لم يرى حوري واحد الا الذين قفزوا في البحيرة بهدف الهرب دون جدوى.

والان دعنا من هذه الشكليات ودعني اخبرك كيف بدأت اسطورتنا..

في احد الايام الربيعية كان الملك نبتون يتفقد رعيته بحب وهو يرى متطلباتهم يحاول ان يحصي عدد العجائز في البلدة وهو يتنهد بحيرة قائلًا لوزيره:
-يجب ان نبني بيتًا كبيرًا اخر بين البشر، لقد اصبح تعداد العجائز هذه السنة خمس وعشرون حوري.

اومأ الوزير رأسه بتفهم وهو يقول متسائلًا:
-على الارجح سيعيشون عامًا على سطح الارض قبل ان يموتون.

حرك الملك نيبتون ملك الحوريين رأسه بتفهم يشعر ان قلبه يعتصر من الحزن وهو يسأل الوزير باهتمام شديد:
-ألم يجد علمائنا والاطباء حتى الان طريقة لفهم لما لا يمكن للحوريين البقاء تحت الماء بعد الكبر؟.

كان الوزير هو الاخر في حيرة من امره ان الحوريين ما ان يصلوا الى ست الربع مائة عام يتغير تكون جسدهم ويصبح صعب لديهم العيش اسفل المياه ولكن؛ ما ان يسكنوا على الارض يشتاقون لموطنهم ويموتون من الحزن والكمد.

كاد ان يجيبه انه لا جديد وان كل شيء كما هو لولا اقتراب احد الحراس بسرعة كبيرة يركب حصان بحر ضخم للغاية يركض للخلف حتى وصل للملك.

ترجل الجندي من فوق ظهر الحصان الضخم ثم انحنى على ركبة واحدة وهو يخلع خوذته يضعها اسفل ابطه ويقول بأدب جم:
-اسمح لي بالتحدث مولاي.

نظر له الملك نبتون بتفحص ثم اشار بالصولجان الذي بين يديه والذي يشبه رأسه اربع دلافين يمسكون لؤلؤة سوداء بمنقارهم باهتمام شديد معطيًا له الاذن بالتحدث:
-سيدي لقد هاجم السيرين البشر مرة اخرى والامر اشبه بمذبحة بالأعلى!.

صدم الملك نبتون من افعال ملك السيرين وقد احمر انفه الكبير بغضب شديد وهو يقول بصوت عالي:
-ماذا تقول؟! كيف يجرؤ على نقض المعاهدة؟.

تركهم خلفه وهو يسبح بسرعة للأعلى عندها صرخ الوزير هامان بالجندي بقوة:
-ما الذي تنتظره اذهب لإحضار الحراس ومهما حدث لا تجعل الملك نبتون يقتل ملك السيرين نبراس.

اومأ الحارس بطاعة ثم امتطى ظهر حصانه وهو يتجه الى الاعلى حيث التجمع حيث جزيرة البشر بينما اتجه الوزير هامان الى سفيرة النوايا الحسنة،


وما ان دخل حتى وجدها تنسق الزهور المائية باهتمامٍ شديد وهدوء عندها ادرك لما تم اختيارها لان تكون سفيرة ليس فقط لثباتها الانفعالي!


ولكنها كانت جذابة بطريقة لطيفة لكل من ينظر لها تمالك نفسه وهو يسألها باحترام:
-سيدتي ان الملك نبتون قد صعد لجزيرة البشر مرةً اخرى بسبب هجوم اخر للملك نبراس.

نظرت له بطرف عينيها قبل ان تكمل ما تفعله وهي تحتضن زهرة برتقالية بقلب احمر واطراف صفراء بينما تقول بهدوء شديد:
-لا اعلم حقًا لمَ يهتم الملك نبتون بحياة البشريين بهذه الطريقة انهم مجرد عبيد لنا.

لم يستنكر الوزير هامان حديثها هو الاخر يظن ان تعاطف الملك مع البشر مبالغ به هو مجرد خدم وظيفتهم الاساسية الزراعة وصناعة الملابس للحوريين


ولكن؛ الملك يصر على ان يعطيهم مقابل لمجهودهم من الاسماك والحيتان.

كان يصر على ان يكون الامر منفعة متبادلة بدلًا من استخدام قوته لتسخيره لهم،


ولكن الوزير هامان اجاب بدبلوماسية وهدوء:
-ان هذه اوامر الملك ولابد من تنفيذها، والان سيدتي يجب ان تصعدي ايضًا قبل بدء قتال بين الملك نبتون والملك نبراس.

اومأت رأسها بتفهم وهي تلتقط حقيبة ملابسها، اخر ما تريده هو ان يراها بعض البشر الاقل شأنا بلا ملابس ثم ودعت زهورها بحسرة،


كانت تود ان تبقى اكثر ثم خرجت من منزلها وهي تغلق الباب خلفها.

في هذه الاثناء وبالأعلى كان ملك السيرين نبراس يقف بين قرية البشر الذين وقف الناس حولهم ببشرة سمراء وعيون ترتجف من الخوف،


وقد امسك بين يديه جثة هامدة لرجل تقطعت اوصاله وهو يقول بعجرفة واضحة:
-هذه هي نهاية كل من تسول نفسه ان يقترب من ممتلكاتي.

ثم ألقى الجثة ارضًا عندما تحولت نظرات السكان المحليين من خوف الى غضب واستنكار،



حينها اقتربت منه فتاة سمراء جميلة بطنها امامها كأنها في اواخر شهور الحمل تمسك بين يديها حجارة ما ثم ألقتها على رأس الملك نبراس اصابته بشدة.

شعر الملك نبراس بالألم الشديد وهو يضع يده على جرح رأسه الذي يسيل منه دماء فضية يكاد يفتك بالمرأة المسكينة عندها ظهر امامه الملك نبتون وهو عاريٍ تمامًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي