ال

يقف الحُراس أمام باب القصر وأعينهم الحمراء تطوق ساحة القصر بأكملها، ومن بعيد حُراس البوابة يقومون بتأمين القصر من الخارج، بينما القائد قيعان يتجول في الساحة متابعاً جنوده وفجأة.
يظهر أمامه الساحر ناصور من العدم فيرتجف قيعان خيفة في البداية قبل أن يستجمع شُتات نفسه ويقول:
-  عليك أن توقف تصرفاتك السحرية هذه أيها الساحر، أنت هنا في حَرم قصر الملك وتعرف جيداً التعليمات والتقاليد المتبعة هنا.
ضحك ناصور وقال:
-  جندي الأمس وقائد اليوم يُملي على ما أفعله.
أبتسم قيعان بسخرية ثم قال:
-  أنى أرى كبار الغيلان ووزرائهم يلتزمون، فهل ترى نفسك أعلي منهم سيدي الساحر.
غضب الساحر وأسرها في نفسه وقال:
-  أذهب أيها القائد وأخبر الملك أنى هنا في أمر هام جداً ولم ألتزم بالتعليمات وستري ما سيقوله لك.
نظر له القائد طويلاً ثم أنصرف من أمامه ودخل إلى الملك ليعلمه بقدوم الساحر وتغاضى عن شكايته ثم عاد إلى الساحر وأدخله إلى القصر.
قام الملك من على عرشه متلهفاً وقال:
-  مرحباً بك أيها الساحر، أخبرني هل يوجد جديد؟
أقترب الساحر وجلس على المقعد المجاور لعرش الملك وقال:
-  لقد علمت أيها الملك من هو المتبقي من جنودك الستة.
أقترب الملك بلهفة وجلس على عرشه بجوار الساحر قائلاً:
-  من يا ناصور؟
نظر الساحر إلى عيني الملك وقال:
-  أبنتك خائنة يا ساروخ، تعيش معهم وكأنها واحدة منهم، أصبحت أبنه ثانية للحكيم، تأتمر بأمره وتطيعه وتناست شعبها وقومها.
شرد الملك غاضباً، لقد حدث ما توقعه وما كان يتمناه ويخشاه، نجت كريمته لتصير عدوته، وحتى الشيطان يتألم، فمن منا يفرح حينما تصير قطعة منه عدوته، من منا يريد أن يري سنده وعصاه التي يتوكأ عليها تصير شوكه في ظهره.
استفاق من شروده على صوت الساحر يقول:
-  لقد أرسلت أحداً من الجان الطيارين ليستكشف لي ما يدور هناك ووجدت أشياء كثيرة.
سأل الملك بغير اهتمام وقال:
-  ماذا وجدت هناك؟
ضحك الساحر وقال:
-  عَلمت أن أبنتك تقيم ببيت الحكيم منذ أن وطأة قدميها أرضهم، بل واقتربت من اعتناق ديانتهم وتدرس في جامعتهم، وتغيرت كثيراً وارتدت الحجاب واحتفظت بهيئتها البشرية ولم تغيرها وتناست أصلها،
أصبحت صديقة مقربة من أبنه الحكيم واعتبرتها كأختها، والأكبر من ذلك أنه وجدهم يحتفلون بعقد قران أبنة الحكيم على المختار الذي كنت تريد سيفه، أصبح حكيماً هو الأخر.
شرد الملك بحديث الساحر بينما تابع هو قائلاً:
-  غريب أمرهم هؤلاء العمالقة يزيدون بعضهم في الشأن هباء، مجرد لقب ليس أكثر، ويتساوون مع الأقل منهم شأناً في النهاية.
تجاهل الملك حديثه بينما تابع الساحر قائلاً:
-  أنت الملك، هل من الممكن أن تترك قصرك وتمكث في مغارة أو في البحر أو في أي مكان كأي غول أخر، ولو فعلت هذا ما الفارق إذاً بينك كملك حاكم وكغول محكوم؟ غريب أمرهم أليس كذلك؟
أعتدل الملك في جلسته وقال:
-  لا ليس غريب، لذلك هم أقوي، هم يبحثون عن مراضاه بعضهم البعض ويطبقون المساواة بينهم، قلوبهم متألفة كأنها قلب واحد، إذا أشتكى منهم أحداً تجدهم جميعاً خلفه.
شرد للحظات ثم تابع قائلاً:
-  بدأت أشعر أننا نحن الغرباء وليس هم.
تعجب الساحر من حديث ملكه الذي تبدل حاله وقال:
-  ولكنهم فرقوا بيني وبين زوجتي، وجعلوا منها خائنة والأن يفعلون ذلك مع أبنتي ولن أتركهم يكملون ذلك.
ارتسمت علامات الغضب على وجه الملك وقال:
-  هل كان عقد قران فقط أم زفاف؟
أجابه ناصور قائلاً:
-  لا عقد قران فقط والزفاف بعد عشرة أيام.
وقف الملك من على عرشه وهو يقول:
-  لابد أن نُبدل فرحهم بالحزن، وأمانهم إلى خوف، وثقتهم ببعضهم إلى خيانة، لابد من ذلك، في البداية علينا إرجاع إينور إلى هنا ولا مانع من استضافة أشخاص أخرين معها.
وقف ناصور وقال:
-  فيمن تفكر سيدي الملك؟
أبتسم ساروخ قائلاً:
-  أبنه الحكيم.
تعجب الساحر وقال:
-  ولماذا؟
نظر له الملك وقال بغضب:
-  كما أخذ أبنتي سأعاقبه في أبنته، وكما فطر قلبي سأضعف قلبه حتى يأتيني زاحفاً على وجهه، ولكن الأهم كيف سنأتي بهم من أجارثا؟
ضحك الساحر وقال:
-  كما أتينا بالأخبار من هناك.
نظر له الملك بسخط وقال:
-  هم ليسوا أخبار أيها الأبلة، أنت تتحدث عن مقاتلتين، فلن يكون الأمر يسيراً وإن كان يسيراً على الفتاتين فلن يكون يسيراً على باقي من في أجارثا، إنهم أشداء، إنهم الأن مستعدون لأي تصرف يصدر منا.
شرد الساحر مفكراً للحظات ثم قال:
-  وجدتها، طريقة سنأتي بها بهم ودون قتال أيضاً.
فقال الملك متلهفاً:
-  وما هي هذه الطريقة؟
عاد الساحر إلى مقعده ثم قال:
-  هي طريقة جيدة ولكن تحتاج منا إلى الصبر، سأرسل مجموعة من الجان الطيارين وليكن عشرة طيارين، هؤلاء العشرة سيحلقون فوق أجارثا ليلاً ونهاراً بحثاً عن اللحظة المناسبة، وحينما تحين هذه اللحظة سينقضون على أهدافهم كالصقور التي تصطاد فرائسها، ويكبلونهم ويأتون بهم إلى هنا.
تقدم الملك نحو الساحر وهو يقول:
-  وماذا لو فشلوا؟ أو لم تأتى تلك اللحظة؟
ضحك الساحر وقال:
-  إنهم يحضرون للزفاف الأن، وأبنه الحكيم تغدو ذهاباً وإياباً للتحضير لعُرسها، وهي لا تذهب إلى أي مكان إلا وإينور برفقتها، لا تقلق وسأؤتى بهم إليك، هذا وعد منى.
أومأ الملك برأسه موافقاً ثم قال:
-  ولكن لا يوجد أمامك سوى عشرة أيام أنقضى منهم اليوم للتخطيط، ولو أنتهت هذه المدة قبل أن تأتيني بهم هنا، لا تلومن إلا نفسك، وهذا وعد مني.
أبتسم الساحر وهو يقول:
-  لك ما تريد يا صديقي، وسأزيد أيضاً عليه.
ضيق الملك عينيه متعجباً وقال:
-  وماذا ستزيد يا ناصور؟
أقترب منه الساحر وقال:
-  سأزيد أمرين، الأول سأترك هناك من يأتينا بالأخبار، فلابد لنا من معرفة خططهم وماذا سيكون رد فعلهم بعد أن نضرب ضربتنا حتى نكون مستعدين لأي شيء.
أومأ الملك برأسه ثم قال:
-  هذا هو الأمر الأول، ما هو الأمر الثاني؟
أراح الساحر ظهره إلى الخلف وهو يقول:
-  شيء سأفعله سيجعلنا نمتلك زمام الأمور، سيجعلنا مسيطرين عليهم ونحن هنا، سيجعلنا نتلاعب بهم كالدمى.
قال الملك بنفاذ صبر:
-  وما هو أيها الساحر.
نظر له الساحر وقال:
-  دعني أدبر الأمر في البداية وأحسب الأمور من جميع الجهات ثم أطلعك عليه حتى لا تفشل خطتنا يا صديقي الملك.
*****
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي