ليالي باردة

amiraowais24`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-11-26ضع على الرف
  • 93.5K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

المقدمة:-

هل تظن أن ليالي الشتاء وحدها قارصة البرودة؟

أنت مخطأ، فهناك ليالي تمر عليك تكاد تتجمد فيها بالرغم من سخونة الجو، فأنا لا أتحدث عن ليالي الشتاء الباردة وصقيعها، بل أتكلم عن القلوب المتحجرة من شدة برودة مشاعرها، وقلوب أجتاحها الصقيع محطمتا ما يحيطها من جميل؛ تلك هي الليالي الباردة.

قلوب سببت الآلام والعذاب لغيرها.

وأشخاص عبروا على جثث غيرهم، سعيا للمال والأهواء.

دعوني أعرفكم بقصة "أمل" فتاه من قرية مصرية، في أقصى الصعيد.

أذاقتها الحياة من الألم أكوابا، وجرعتها المرارة جرعت متتالية، وهدتها الصدمات هديه للحياة، وقدمت لها الأحزان لباسا تلبسه منذ نعومة أظافرها، والقسوة كان عهدا عليها أن تتحملها بصمت بدون شكوى أو تذمر.

في قرية لا يتحكم فيها القانون، وليس هناك كلمة تعلوا فوق العرف والتقاليد، وهي كلمة "العمدة" قرية يحكمها الجبروت بعينه أسما ومسمى، ولا يأخذ ذو الحق حقه إلا لو كان ذا سلطان وجاه.

تبدأ القصة في _أواخر الثمانينات_ من القرن الماضي عام 1985م.

الفصل الأول:-

في عام 2005م في إحدى المدن الحضارية.

تقف خادمة تسمى "أمل" _تبلغ ثلاثة وعشرون عاما_ تنظر للساعة المعلقة في فيلا "السيدة ثريا"، لتجد أنه لم يتبقى سوى نصف ساعة على موعد خروج "همس" _ذات الستة أعوام_، من المدرسة.

صفعت "أمل" جبينها فقد تأخرت على استلام صغيرها "مراد" من الروضة.

نظرت لسيدتها التي تركت الجريدة من يدها، وأبدت ابتسامة جميلة على محياها، فهي تعلم المطلوب قبل قوله؛ فهم معا منذ أعوام طوال.

لتقول بصوت لطيف، ظهر به الضعف بسبب تقدم عمرها: أذهبي يا بنيتي، حتى تدركي موعد خروج أبناءك، ولا تقلقي فأنا لن أبرح مقعدي، هيا أسرعي يا صغيرتي حتى لا تتأخري أكثر.

انحنت لها "أمل" باحترام، تاركتا الممسحة من يدها، وأسرعت لتلحق بموعد خروج "مراد" أولا، عندما رآها "مراد" ركض تجاهها محتضنا إياها بشده، دافنا وجهه في حضنها أكثر؛ يطالبها بالمزيد من الدفئ والحنان.

غادرت وهي تحمله على يدها بالطريق لمدرسة "همس" اشترت له بعض الحلوى.

وصلت "أمل" و"مراد" للمدرسة، وأخذت "همس" وكانت تسير بالطريق المعتاد للعودة، وكان طريقا جانبيا من النادر أن يعبر منه أحد، تلقت ضربة شديدة من الخلف، فأفلتت "همس" وأحكمت احتضانها "لمراد" لتفاديه الاصطدام بجسدها.

كانت تسمع صرخات "همس" المستنجدة، فتحت وأغلقت عينيها عدة مرات، تحاول أن توقف هذا الدوار، لكنها شعرت بشخص يحملها هي و"مراد".

لم تشعر بنفسها إلا وهي تحرك رأسها ضاربتا فكه، فأختل توازن الآخر مسقطا أيهما أرضا، فتحاملت "أمل" واستعادت جزءاً من الرؤية؛ لتنهض مسرعة باتجاه السيارة التي يأتي منها صوت "همس" المستغيث.

مدت يدها لصغيرتها التي تصارع رجلا بداخل السيارة، فسحبت "همس" من خاصرتها لكن الرجل الذي ضربته أقترب، لتدرك "أمل" أنه والد أطفالها، الذي هربت منه منذ سنوات، لتعود مسرعة تحاول أن تنتشل أبنتها.

لكن حاول "عاصم" زوجها أخذ "مراد" فسددت له لكمه بأنفه، أسفرت عن نزيف شديد.

عندها كانت أمام خيارين إما أن تجازف وتخسر طفليها، أو تضحي بفقدان أحدهما وتنجوا بالآخر...

فماذا ستختار تلك الأم الهاربة؟

وما هو السبب الذي دفعها للهرب؟

دعوني أعود بكم لعام 1985م.

في القرية، أشرقت شمس يوم الجمعة، على منازلها المبنية بالطين والطوب اللبن، وبعضها كان أصحابها فقراء، فأستخدموا جذوع النخيل لتغطية الأسقف.

في منتصف القرية حيث يوجد ذلك المنزل الجميل، هو ليس بالفخم، ولكنه كان ذو حالة جيدة بالمقارنة مع منازل القرية الأخرى، منزل تنتشر في أرجائه مشاعر الألفة والسكينة.

استيقظ "قاسم" في تمام -التاسعة صباحا- لتلتقط أنفه رائحة الفطور الشهي، فنهض مسرعا لغسل يديه وهو متشوق لتذوق طعام زوجته "أسماء" الذي لا يشبع منه أبدا.

كانت "أسماء" تعد الطعام بكل سعادة وحب، فانتفضت على أثر زَغْزَغَه "قاسم" لها، نظرت له بغضب مصطنع، ليقهقه هو على شكلها.

"أسماء" بتهديد: أنا أمسك بالسكين أني أحذرك.

"قاسم" بمزاح: لن يطاوعك قلبك على قتلي عزيزتي.

"أسماء" بشر: أذا هيا نجرب لنرى هل سيطاوعني أم لا؟

رفع "قاسم" يديه في الهواء معلنا استسلامه، قائلا برعب مصطنع: هل أنا أخطأت وتزوجت من سفاحة أم ماذا؟ أم أنكي أختطفتي زوجتي اللطيفة وأخذتي موقعها؟

ثم مال مقربا وجهه من وجهها هامسا: لكني أحبك سواء كنت سفاحة أم لطيفة، فسوف تظلين زوجتي وحبيبتي وحياتي.

أحمرت وجنتي "أسماء"، ليبتسم هو على خجلها الذي تبديه، بالرغم من طول عشرتهم سويا؛ إلا أن لمسة حيائها تزيدها جمالا في ناظريه.

وضع "قاسم" أصبعه أسفل ذقنها رافعا وجهها، وهو يتأمل ملامحها التي تفتنه -يوما بعد يوم- وطبع قبله لطيفة على جبينها.

أنتبه لصوت ضعيف ونعس، كانت أبنتهم وهي تشد سروال والدها: "أبي" أنا جائعة جدا.

أبتسم "قاسم" بعفويه لرؤية صغيرته وملاك هذا المنزل، فانحنى وحملها على ذراعه الأيسر: من هي حبيبة والدها؟

"أمل" بحزن طفولي: "أمل" حبيبة أمها فقط أبي ثيء (سيء) فلم يحدر (يحضر) لي بثتويت (بسكويت) وأنا لن أحدثه اليوم .

ضحك "قاسم" و"أسماء" على طفلتهم البريئة التي لا تستطيع أن تنطق الأحروف بشكل صحيح.

"قاسم" بحنان: حسنا يا سيدتي الصغيرة يا عيوني، ما عليك إلا أن تأمريني فقط، وأنا علي أن ألبي طلبات أميرتي الصغيرة، واليوم أعدك لن أعود ألا ومعي البسكويت، أذا أين هي قبلة والدك؟

أعطته "أمل" قبله لطيفة وحملتها "أسماء" من والدها: لا تضغط على نفسك عزيزي؛ سوف أخرج اليوم للسوق، وفي طريقي سوف أحضر لها ما تريد.

أحتضنهما "قاسم" وكأنه يملك العالم بأسره ليردف: أذا لم ألبي لكما ما تتمناه ملكتي وأميرتي؛ فبمن أشغل بالي يا "أسماء".

"أسماء" بحب: أدامك الله لنا يا عزيزي.

وضعت "أسماء" صغيرتها "أمل" على الكرسي كي تطعمها، فأجلسها "قاسم" على ساقه لتطعمها "أسماء"، في جو متناغم مليء بالمودة والمحبة.

وفي -المساء- اجتمعت الأسرة في غرفة "أمل" على السرير.

فقالت "أسماء" بمزاح: أتحبون أن أقص عليكم قصة _الرجل ذو الأرجل المسلوخة-... نظرت ل"أمل" التي أبدت ملامح الخوف... أم تحبون أن أقص قصة الأميرة الجميلة والساحرة الشريرة.

قفزت "أمل" بحماس: أنا أريد قصة -الأميرة والساحرة السريرة-(الشريرة).

فبدأت "أسماء" بسرد القصة، وهي تصورها ل"أمل" بيديها، بينما يطالعها "قاسم" بحب وسعادة.

وما هي إلا -دقائق- لتغرق "أمل" في أحلامها الوردية بين يدي "قاسم" الدافئتين، فوضعها بشكل مريح وسحبوا عليها الغطاء وغادر والديها لغرفتهم.

لحظات جميله وذكريات نادرة الحدوث، دعونا نتمنى أن تدوم للأبد، وألا يغدر بهم الزمان.

مرت -الأيام والليالي- وتعاقبت السنوات، وها هي "أمل" تكبر بين حنان أمها وعطف والدها، وقد أصبحت في -الثالثة عشر- من عمرها لقد أصبحنا في –التسعينات- 1995م.

واليوم هو يوم -عيد الفطر- وكل أفراد العائلة اجتمعوا في دار "العمدة"، كونه منزل والد "قاسم" وعمدة القرية.

الأطفال تركض وتلعب بكل مكان: فالبعض يلعب بالكرة، وهناك من يطلق الألعاب النارية، والضجيج بكل مكان.

بينما "الجد" يجلس هو وأبناؤه في المنظرة -غرفة في منزل "العمدة" مجهزة لاستقبال الضيوف والأعيان-يتبادلون التهاني، و يتناقشون في أمور العائلة، والنساء يتبادلن المُعَايدات والأحاديث التي لم تخلوا: من النميمة في غير الحاضرين، والطعنات اللفظية.

يتحدثون على كون "قاسم" من المفترض به أن يتزوج من أخرى؛ لان "أسماء" لم تعد تستطيع أن تنجب بعد استئصال رحمها في الولادة، على أثر النزيف الذي أستمر بعد أن تخطت "أسماء" موعد الولادة.

في الطفل الثاني الذي حملت به بعد "أمل" -بعام ونصف_ واضطروا لنقلها للمستشفى، ولكن انفجر الرحم، وتمكن الطبيب من إنقاذها بمعجزه من السماء.

كل هذا بسبب جهل القابلة (المولدة) لحاجة "أسماء" لطبيب منذ البداية، وتدخل جراحي (القيصرية).

لو كانوا يعلمون أنها أكثر من يتمنى لو باستطاعتها لملأت حياة "قاسم" بالبنين والبنات، ولكن هكذا إرادة الله، فقد سبق قدره، وهكذا هن النسوة لا يسلم أحد من شفرات ألسنتهم.

دعونا نذهب "للمنظرة" حيث "الجد" ورجال العائلة يجتمعون هناك.

كان "الجد" يجلس بهيبته في مكانه المعتاد بشعره الأبيض، وحواجبه الكثيفة، وعيونه الشرسة، ويلبس جلباب من أفخم الأقمشة باللون الأسود، ويمسك -بالشومة أو النبوت الصعيدي- الغليظ ويتوسط الحاضرين.

"الجد" بصوته الأجش من تدخين النارجيلة خالطه شيء من التعب: انتم تعرفون أن عُندنا عادات فالعائلة، لا يقدر أي شخص على مخالفتها...

- سعل الجد بقوة بمنديله-.

ثم تابع "الجد": وكما تعلمون أن "عبد الجبار" لديه أبنه "عاصم" وقد صار رجلا مفتول العضلات ونمت شواربه منذ زمن، وسوف يتم -العشرين- وقد حان الوقت لنزوجه...

صمت قليلا ليأخذ نفساً ليردف.

أنا أرى أن نزوجه ب"أمل" ابنة عمه "قاسم" فقد صارت عروس شابة، وقد حان الوقت لنسترها بالزواج فكما تعلمون أن "قاسم" لا ولد له يورثه.

وبهذا سيرثه "عاصم" كونه زوج ابنته وهكذا يصبح -زيتنا في دقيقنا- والفتاة في عرفنا من نصيب أبن عمها.

أنتفض "قاسم" من مجلسه بفزع، لينظر له "والده" بغضب مقطبا حاجبيه، فضرب بنبوته الأرض، لينتفض الحاضرين خوفا فذلك النبوت لا يفرق بين كبير أو صغير فأمامه الجميع بمقام الحشرات إلا الوريث "عبد الجبار".

"قاسم" بصوت مهزوز: لكن يا "أبي" حرام عليك أبنتي "أمل" لاتزال صغيرة لتتزوج.

"العمدة" بغضب: حُرمت عليك حياتك، فلتجلس بمكانك أم أنك سوف تخرج عن طاعتي الآن، لأنك ذهبت إلى المدن الحضارية.

وقف "العمدة" من مجلسه: هنا كلمتي قانون يسري على الجميع، أجلس بمقعدك؛ وألا أذقتك ضرب نبوتي غير معتبر لكونك أبني، فأوقعك قتيلا وأحرم دفنك وألقي بجثمانك للكلاب والذئاب...

قال "عبد الجبار" بهدوء: اجلس يا أبتي ولا ترهق جسدك.

جلس "العمدة" ليردف: إن ابنتك تبلغ -ثلاثة عشر- عاما ولازلت تقول عنها صغيرة، هناك من هن أصغر منها وبالكاد بلغن عمرها ومسئولات عن منزل وزوج وأطفال أيضا، أفقدت عقلك يا هذا أم جننت.

"عاصم" برفض: كلا يا أبتي لن أقبل بتلك الزيجة مهما فعلتم.

أمسك "والده" بفنجان القهوة الذي أمامه ضاربا به رأس "قاسم" لم تنفتح رأسه لكنها تركت كدمه.

ليقول: ألم يكفيك أنت وأخيك والد الفتيات، أنتم جلبتم لي العار بين الأعيان؛ ذهبتما للحضر وجلبتما لي نساء عاقرات لم ينجبن ولو أظفر صبي، لقد سودتم وجهي بين الناس بعاركم هذا، ولازال لديك وجه لتتحدث أدفنك بموضعك.

كان الصمت يعم المكان بينما أمسك "العمدة" بموضع قلبه وأبدى ملامح الألم.

كان "عبد الجبار" جالسا على يمين "العمدة" وهو -اكبر الأبناء والوريث- وكانت له مكانه ومعزه خاصة عند والده .

"عبد الجبار": لا بأس يا "كبير" دعنا نؤجل تلك الزيجة شهرا، لا دعنا نؤجلها عاما آخر؛ فلن تشكل فارقا، وهكذا تكون جميع الأطراف في تراضي، فما قولك يا أخي "قاسم".

نظر "عبد الجبار" ل"قاسم" بجانب عينه بينما يتكأ على كف يده اليسرى.

صمت "قاسم" بينما يشد بكفه على سرواله بقوه، ويبدل نظره بين أخوته وأعمامه -الواحد تلو الآخر- فقد سُلب حقه، وهو يستغيث بصمت منتظرا نصرتهم، لكن هيهات أن يتجرأ صرصور منهم على الاعتراض.

ليبتسم "عبد الجبار" بنصر: أذا كما يقال فالصمت علامة القبول، دعونا نقرأ سورة "الفاتحة" بنية التوفيق.

قرأ الجميع "الفاتحة" إلا "قاسم" فنظر له "والده" بغضب وهو يوجه نبوته بوجهه: لترفع كفيك ولتقرأ "الفاتحة"، بدلا من جعلي أنهض من مقامي فحينها سوف أفتح رأسك، وأقرأ عليك "الفاتحة" هيا أقرأ.

قرأ "قاسم" "الفاتحة" وهو يعلم أنه يقرأها على نهاية حياة أبنته، وأنه سيسلمها للموت البطيء بيديه، يسلمها لشيطان العائلة ليدمر ملاكه وصغيرته، وهو عاجز عن نجدتها مر أمام عينيه ما سوف تقاسيه "أمل" على يدي "عاصم".

أنفض المجلس بعد صلاة الفجر، وعاد الجميع لمنازلهم ودخل "قاسم" غرفته المظلمة ليجلس على السرير بصمت، يضرب كفه الأيسر بقبضة يده اليمنى خوفاً على صغيرته، يكاد اللوم وجلده لذاته يقتله.

بينما كانت "أسماء" تضع "أمل" بالسرير استغربت عدم تواجد "قاسم" فهو منذ ولادة "أمل" يضعها بنفسه بالسرير، ولا تغفوا عيناه قبل أن يقبل جبهة صغيرته وفلذة كبده.

فذهبت لغرفتهم وأضاءت الأنوار، وقفت على باب الغرفة ونظرت لزوجها فلاحظت تغير لون وجهه، فهو لم يكن على طبيعته منذ خروجه من المنظرة.

دخلت "أسماء" الغرفة وذهبت تبدل ملابسها وتطويها، لكنها تركت الثياب على المقعد، واقتربت منه بهدوء وسألته بلطف وقلق عن حاله هذا، بينما جلست على الأرض ورفعت ساقه لتنزع جواربه، وهو يقص عليها ما دار في المنظرة ثم أردف.

ثم أردف "قاسم" بقلق: لا أعلم ماذا سوف أفعل يا "أسماء"، غير أني إذا توفتني المنية لن يقف أي أحد في وجه "عاصم"؛ أنه أشبه بإبليس منه عن بني البشر.

مسح وجهه وتنهد ليكمل: هذا الوضع كما لو كنت ألقيها بيدي بالجحيم، وأنا أقف متفرجا عليها تحترق، ماذا أصنع فأخي "عبد الجبار" ما هو إلا جبار فالأرض؛ لا يقدر عليه أحد ألا رب الكون أنه لا يرحم وأبنه "عاصم" لا رجاء فيه فلا يرجى من أبن الحرام خير.

"أسماء" مدعيه الهدوء: حسنا إذا كان يرحك فدعنا نهجر القرية، ونذهب للمدينة أو لأي محافظة أخر؛ فأرض الله واسعة ، وفرج ربك يسع جميع العباد.

"قاسم" بصوت مبحوح: فكرت كثيرا يا "أسماء" إذا تركنا أبتي فلن يدعنا "عبد الجبار" فمراده ليس "أمل" وإنما ثروتي ومالي.

تنهد قاسم بقوة وعدل جلسته ليتابع: حتى إذا تحولنا لأبره فكومة قش فلن ييأس... الآن فقط علمت لما دائما ما كان يزورنا "عاصم" بشكل دوري لكن أقسم بربي على جثتي فهو لن يمس منها ولو شعرة واحدة.

جلست "أسماء" بجواره وأسندت ظهرها على خشب السرير، وربعت ساقيها فتمدد "قاسم"، ووضع رأسه على ساقها لتتخلل أصابع يدها شعره كأنها تطمئنه فأغلق عينيه من الإرهاق محاولا إراحة جسده.

شعر "قاسم" بقطرة ساخنة سقطت على وجهه، ففتح عينيه ليجد "أسماء" خانتها دموعها.

وهي تعض على شفاهها تحاول كتم شهقاتها، فمهما تصرفت بجلد وهدوء هي أم، وتعلم أن أبنتها الحبيبة التي أهداها لها ربها اللطيف؛ بعد صبر دام عمرا طويلا تلك الهدية الثمينة، التي أذا طلبت فؤاد والديها لوهبوها إياه بطيب خاطر.

كانت قلوبهم وجله من المستقبل المجهول غير مدركين لما يخبؤه الزمان، ففي الصباح تبدأ الكارثة بالكشف عن ذاتها لتتعاقب الكوارث.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي