الفصل الثاني

جلست "أسماء" بجواره وأسندت ظهرها على خشب السرير، وربعت ساقيها فتمدد "قاسم" واضعا رأسه على ساقيها لتتخلل أصابع يدها شعره كأنها تطمئنه، فأغلق عينيه من الإرهاق في محاولة منه لإراحة جسده.

نزلت دموع "أسماء" على وجه زوجها بدون أن تشعر.

فأحكم إغلاق عيونه، شاعرا بفؤاده يتمزق ألما، وأعتدل جالسا ووضع يديه على وجهه.

حاولت "أسماء" استجماع رابطة جأشها ومسحت دموعها بظهر يدها، واقتربت منه محاولة أبعاد يديه عن وجهه لتصدم من حاله.

أهذا هو زوجها الذي عرفته، أهذا هو قهر الرجال الذي لطالما سمعت عنه، تمزق فؤادها على دموع زوجها الذي هزته وأرهقته الهموم، وأتعبه الزمان بخيانة أقرب الناس إليه، وأضعفته حتى أنه أصبح عاجزاً عن حماية من يحبهم، ويسلبونه روحه ليتركوه جسداً خاوياً.

"أسماء" ظلت تقبل رأسه وكفوف يديه، وتبكي على حال زوجها.

لتقول بصوت مبحوح: أرجوك لا تبكي يا "قاسم" سوف تفرج أقسم لك سوف تفرج، لكن فوض أمرك لله، وقريبا سنجد حلا يخرجنا من هذا المأزق، وسوف ينجلي ذلك الهم عن كاهليك؛ فدعوا الله أن يريحنا ويريح العباد من ظلمهم...

أمالت رأسها لقدمه راغبة بتقبيلها لكنه أسرع ممسكا برأسها رافعاً إياها لتردف: أستحلفك بالله لا تبكي.

هز "قاسم" رأسه بإيجاب، ليخرج تنهيده تحمل معها ألما وجراحا تنزف، وروحا سقمت تبكي حالها ولا دواء لها.

حرك إبهاميه على وجنتيها بهدوء ماسحا دموعها، ثم أمسك يديها ليجلسها بجواره، وأراح ظهره على الوسائد من خلفه، فسحبها لحضنه مسندا رأسها على صدره، وظل يربت على ظهرها بلطف، بينما يطبع قبلة على مقدمة جبهتها بين الفنية والأخرى.

حاولوا بث الطمأنينة في قلوب بعضهم، ولكن هيهات فلم تغمض عيناه لصلاة الفجر، حتى أنتشر صوت المؤذن في صمت الفجر داعيا الناس لإقامة الصلاة.

مسح "قاسم" على وجهه وقام بإيقاظ زوجته فقامت معه "أسماء" للصلاة، ليؤمها ويتلوا آيات من الذكر الحكيم، بينما انهمرت دموعه شاكيا لله ضعف قوته وقلة حيلته، وما أصابه من قهر الرجال.

وكانت زوجته تدعوا الله أن يحمي أبنتها، وأن يُبعد عنها السوء، وأبناء الحرام، ويُعينها بالصالحين، وأن يثبت قلب زوجها، ويصبرهما على ما أصابهم من بلاء، وأنهم قد أصابهم الوهن من ثقل الاختبار.

في -السادسة صباحا من يوم السبت- لم يغادر "قاسم" المنزل بالرغم من عدم نومه حتى الآن، ولم يُقبل على الطعام كعادته، ولم يضع هو أو زوجته ولو لقيمة واحدة بفمهم.

بينما كانوا يطالعون أبنتهم وهي تأكل على عجل لتسرع للمدرسة؛ فهي تستقل ناقلة الركاب للمدينة حيث مدرستها.

فعلى الرغم من اعتراض "والده" على تعليمها بحجة أن المدرسة بعيدة، وأنه لا تعليم للفتيات، إلا أن "قاسم" أصر على جعلها تلتحق بالمدرسة.

نهضوا عن المائدة وجمعت "أسماء" أواني الطعام، وحملت "أمل" حقيبتها، وقبلت يدي والديها ثم همت للمدرسة.

أما "أمل" كانت بالمدرسة معروفة بين صديقاتها بروحها السمحة وطيب أخلاقها .

وكانت محبوبة بمعنى الكلمة، صاحبة الابتسامة البشوشة.

في ظهر اليوم خرج "قاسم" بعد أن تلقى اتصالاً هاتفيا من كبير العمال القائمين على البناء في المنزل الذي أشتراه منذ أشهر معدودات، وهو المصمم للبناء بصفته مهندس معماري.

ظلت "أسماء" في المنزل تعد الغداء، وفي بالها آلاف الأفكار والهموم.

كانت تفكر في مستقبل طفلتها التي سوف تجبر على الزواج من "عاصم"، وهو فتى مشهور بفساد خُلقه،وهي ووالدها سوف يسلمونها للموت بيديهم فهو مثل "أبيه" لم يترك كبيرة ولا صغيرة ألا أخذ منها نصيبه.

خانتها دموعها وهربت من محجريها لتأخذ طريقها على وجنتيها، فقلب الأم هو المتحكم في عاطفتها، ومهما أرادت تحكيم عقلها ومنطقها، فتراها تبكي على صغيرها إذا ما أصيب بنزلة بردٍ، أو شاكته شوكة.

لتغدر بها يدها فأفلت الكوب الزجاجي، ليسقط أرضا مصدراً صوتا وجل له قلب "أسماء" وأزداد خفقانه لتضع يدها على فؤادها وتقول: اللهم سترك وعفوك.

أنتشر حطام الكوب بكل أرجاء المطبخ، فمالت "أسماء" وأخذت تجمع حطام الزجاج وهي حريصة كل الحرص على عدم ترك ولو شظية صغيرة خوفا أن يصاب زوجها أو أبنتها.

بعد جمعها للحطام، غسلت يديها، وأنهت إعداد الطعام، ذهبت ترتب الأسره، وتضع ل شيء بموضعه من جديد.

ثم فتحت التلفاز، وجلست على الأريكة بغرفة المعيشة، تستمع للشيخ "عبد الباسط"، يرتل آيات القرآن، ليصدح صوته الشذى في أرجاء المنزل بقوله تعالى: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سورة "يوسف".

على الرغم من ندرته _التلفاز_ بالقرية فقلة من يملكونه، إلا أن "قاسم" أشتراه وكان يفتح منزله في أيام عرض مباريات كرة القدم للأطفال والشباب والرجال، وعندما يعرض عرض مسرحي أو أي عرض يسعد أهل قريته، كان يفتح أبواب المنزل لكل زائر.

وفي بعض الأحيان كان ينقله أمام المنزل؛ ليستطيع الجميع الأستمتاع.

عند زوجها أسفل البناء جاءه رجل يناديه: يا مهندس "قاسم" يا حضرة المهندس.

نظر له "قاسم" من الطابق -الثالث- وتحدث بصوت عالي: من ينادي.

الرجل بصوت جهور: أنه أنا " عوضين الفراش "، يا حضرة المهندس، لقد أرسلني "العمدة" لأناديك حتى تأتي إليه بشكل سريع فهو ينتظرك "بالمنظرة" ويقول لك ألا تتأخر في الذهاب إليه.

"قاسم": حسنا أذهب أنت، وأنا سوف ألحق بك الآن.

ألتفت "قاسم" ليحدث رئيس العمال: حسنا كما أريتك يا سيد "عبد السميع"، سوف أترك لك التصميمات، وسوف أترك لك البناء أمانة بين يديك... هل أفطرتم؟

عبد السميع: كلا، لم نفطر بعد يا حضرة المهندس.

مد يده في جيبه، وأخرج مبلغا، ووضعه بيد "عبد السميع": أرسل أحدهم ليجلب لكم الفطور على الفور.

ثم أخرج مبلغا أخر: وهذا أجر العمال لليوم، بعد انتهاء عملهم أعطهم أجورهم.

نظر "قاسم" للعمال، وتحدث بصوت عالي: أعملوا بعزيمة يا رجال؛ حتى ننتهي سريعا من هذا البناء، وننتقل لبناء آخر في المدينة.

العمال بصوت واحد: أكرمك الله يا سيد "قاسم".

ترجل "قاسم" من المبنى وأخذ طريقه "للعمدة" بأرجل متثاقلة.

وقف "قاسم" أمام دار العمدة للحظات، كانت بنظره ساعات، ثم بدأ يجر قدمه جرا وصولا للمنظرة، وقف أمام "والده" ثم نظر ل"عبد الجبار" الجالس على يمين أبيه رافعاً قدمه اليمنى على الأريكة بينما يتكأ على مسندها بيده اليسرى مريحا وجهه على قبضته.

"قاسم": السلام عليكم.

أبعد "العمدة" وجهه عن "قاسم": وعليكم، فلتجلس ودعني أقول ما لدي.

جلس "قاسم" وأسند يديه على ساقيه وعقدهما معا، وهو ينظر ل"عبد الجبار" الذي يبتسم ابتسامة لا تبشر بالخير.

"العمدة" بنفس ثقيل ولهجة أمره: فالتوقع على ورقة التنازل تلك.

ألتقط "قاسم" ورقة كان نصها:-

"بسم الله الرحمن الرحيم"

أقر أنا "قاسم بن حمدان بن عبد المتجلي".

أنني أتنازل عن جميع _أملاكي من عقارات أو أراضي وجميع أموالي_ لأخي الأكبر "عبد الجبار بن حمدان بن عبد المتجلي ".

وأنا بكامل قوتي العقلية، وكامل إرادتي الحرة، على أن يقوم أخي "عبد الجبار بن حمدان بن عبد المتجلي".

بنقل جميع الأملاك التي ستذكر أدناه لأبنه "عاصم" عندما يصبح زوجا لابنتي.

المنقولات :-

1- الأرض الواقعة شرقي الترعة _البالغة أربعة فدادين_ بين أراضي كلا من السيد "عبد الجبار بن حمدان بن عبد المتجلي" جنوبا وأراضي السيد" سيف الدين بن عبد الجبار بن حمدان" شمالا.

2- المنزل الواقع في غرب العزبة القبلية المجاور لمنزل الحاج "منصور بن عبد الوهاب" والبالغ 160 مترا.

3- التنازل عن المنزل الموجود بمنتصف البلدة المجاور لدار "العمدة" ووضعه ضمن أملاك عمدة البلد.

4- أتنازل عن جميع أموالي المحفوظة في المنزل أو الموضوعة في الحساب المصرفي لزوج أبنتي مستقبلا.

وهذا بمثابة عقدُ بيعٍ وشراء لا رجعة فيه.

توقيع البائع توقيع المشتري

توقيع الشهود

نظر "قاسم" لوالده مقطبا حاجبيه وقد أحمر وجهه غضبا وصرخ: ما معنى هذا يا أبتي؟ هل تريد مني أن أتنازل عن مجهودي وعرقي لأخي "عبد الجبار" وأبنه أبن الحرام؟

ألقى الورقة: حسنا، وليشهد علي ربُ السماوات السبع أن "عاصم" لن يمس ولو شعرة واحدة من ابنتي، إلا على جثتي ولن يرثني إلا أبنتي ولا حق لأحد فيما أترك إلا بما ذكر بكتاب الله، إني لن أتركها بين يدي فتى طالح عاصي يقضي وقته في العزبة في منزل الراقصة.

ضرب "العمدة" كتف "قاسم" بالنبوت بكل قوه ليتألم: صه، أغلق فمك وألا قطعت لك لسانك السلي...

قاطعه "قاسم" بعلو صوته وبغضب عارم: كلا يا أبي، لن أصمت، ولن أخضع لأخي ولا للكلب المدعو "عاصم"، ثم لما أنت غاضب من الحقيقة، ألا تعلم أن سيرته أصبحت على ألسنة الجميع _كبيرا وصغيرا_ كما أنه يعود كل يوم مع بزوغ الفجر تأخذه الأرض يمينا ويسارا من كثرة ما تعاطا خلف الطاحونة.

صمت لبرهة ونظر في وجوههم المصدومة؛ فهذه أول مرة يعلو فيها صوته أمام أبيه وأخيه فأردف: أنا أحمق فعلى من أعقب، و"والده" كان أسبق منه في هذا الطريق، سلام يا سادة البلدة.

ألتقط الورقة ممزقا إياها، وألقاها بوجه "عبد الجبار"، الذي بدأت الشياطين تخطط برأسه لجرم مشؤوم، بينما أمسك "والده" بموضع قلبه.

أنهار "العمدة" أرضا وهو يتصبب عرقا باردا، في الوقت الذي رحل به "قاسم" مغادراً ليتابع عمل العمال الموجودين بالمنزل الذي تحت الإنشاء.

كانت "أسماء" تقوم بأعمال المنزل، فانتفضت على طرقات قويه على باب المنزل، فوضعت حجابها، وذهبت لتفتح الباب لتجد "عوضين الفراش".

الرجل بنفس متسارع: فلتنادي السيد "قاسم" على عجل.

"أسماء" بمشاعر متضاربة: خرج "قاسم" منذ الصباح للعمل خير بأذن الله ماذا حدث؟

الرجل : "العمدة"... لقد سقط فاقدا وعيه، وأرسلوا في طلب الطبيب.

"أسماء" بصدمه: هل تتحدث بج...

لم تكمل حديثها لان الرجل ركض مسرعا باحثا عن "قاسم" بينما يصرخ في طريقه ليسمعه الجميع: لقد سقط " العمدة"، فتجمع الناس أمام دار العمدة وداخله، كل امرئ منهم يخالجه شعور يختلف عن الواقف بجواره.

أمام غرفة "العمدة" تجمع الأبناء والزوجات الأربعة وزوجات الأبناء ، وكل منهم تعصف بعقله أفكار متضاربة؛ فزوجاته الثلاثة يتساءلن ما هو مستقبلهن، هل سيسمح لهن بالبقاء فالدار أم سوف يخرجن على منازل أهليهن؟

وبالتأكيد كانت أفكار الزوجة الكبرى ووالدة "عبد الجبار" تختلف عن الأخريات؛ فهي تعلم أن مقامها سوف يعلوا أكثر لأنه لن يجرؤ أحد على احتلال مقام "العمدة" ويواجه براثين أبنها "عبد الجبار".

أما الأبناء فكل خوفهم من هذا الأخ الأكبر الذي لن تكون هناك سلطه أو قوه تصده وتقول له كف، وسوف يحكم تلك القرية والعزبة بسيف من حديد، وبقوة السوط.

فمن عادة "عبد الجبار" التي ورثها من "والده" أن يضرب بالسياط عندما يفقد أعصابه، أو يخالف أحدهم أوامره فإذا مات "والدهم" فلن تقوم لهم قيامة بعد الآن.

أما "قاسم" فكان جالساً على الدرج يضع يديه على رأسه فقد انهارت حقا حياته، وحياة أسرته.

ف"عبد الجبار" لن يتركه وشأنه بعد أن قام بسبه هو وأبنه، وذكر ماضيه الذي يتهرب منه، ويمنع ذكره بأي وقت أو مكان خصوصا عن ماضيه مع والدة "عاصم" التي سالت دماؤها على يديه وبخنجره.

خرج الطبيب من غرفة "العمدة" ومعه "عبد الجبار"، لينظر لهم الطبيب بأسف: عذرا فلم أستطع أن أفعل شيء؛ فقد سبق القدر وتوفته المنية، البقاء لله.

صدحت صرخات النساء بالدار، لتنتفض أجساد الحاضرين من هول تلك اللحظة؛ لقد مات "حمدان " مات من ظن أنه لن يقدر عليه أحد، مات من قتل الناس ظلما، ويعاملهم كما المواشي وأدنى منهم مقاما، إذا صح القول، كانت النفس بنظره لا قيمة لها.

في _ذلك اليوم_ اقشعرت الأبدان ووجلت القلوب، بينما يتم تشييع جثمان "حمدان" لملاقاة ربه الذي ذهب إليه بعمله بالدنيا، يحمل أوزارا ثقيلة كالجبال.

ولن تشفع له أملاكه أو أمواله ذلك الرجل الذي تناسى وأنساه غروره أنه سيقف يوما أمام خالق الكون بلا جاه ولا سلطان، مجرد من ألقابه وسوطه مبعوث كما ولد.

فيأخذ يومها كل ذي حق حقه منه فيا ويلاه من ختام ليس به إلا السعير.

خرج المحمل على أكتاف أبناء "العمدة" يتقدمهم "عبد الجبار"، بين ولولة النساء، وصكهن وجوههن، ومن تحمل التراب فوق رأسها، وهناك من شقت ثيابها كما لو أنهن من الجاهلية، ولم يروا نورا للإسلام.

وآخرون سعداء بموته؛ فها هو الرجل الذي كان أهل القرية يهابون ذكر اسمه خوفا من جبروته، وقسوة قلبه، ونبوته الذي لم يسلم منه احد، قد هلك.

كان جبارا في الأرض، وبين ليلة وضحاها أصبح جسداً يقلبه الآخرين بين أيديهم يمينا ويسارا، غير قادر عن نهرهم أو دفعهم، فأين ذهبت قوتك وجبروتك اليوم يا "حمدان"؟

أصبح عبره للجميع وها هو يوضع بين حبات التراب، وينثر فوقه الثرى.

ليدخل إلى بداية الطريق للدار الحق، هنا تنتهي كذبة الحياة الدنيا.

وبمجرد أن دفن "العمدة" في التراب، جلس الرجال في المأتم أمام المنزل، وقد جاء المأمور، وشيخ البلد، وبعض الضباط، والأمناء وغيرهم.

بينما النساء بداخل الدار لم يتوقفن عن النحيب والولولة.

في العزاء حدث مشهد، وضع الأبناء أمام الأمر الواقع؛ حيث جلس "عبد الجبار" في المقعد الأول، وجميع القادمين للمأتم كان يحيه كسيد المكان وعمدته الجديد.

لم يكن مأتما أنما هو مكان اجتمعت به النميمة، والحقد، ولإظهار لمن مقام السيادة الجديد، هذا شيء ليس مستغربا حيث كان "حمدان" يدربه على الشدة، والقسوة ليورثه هذا المقام من بعده.

كان "قاسم" يجلس بجوار "عبد الجبار" بصفته نسيب _العمدة الجديد_ كان الجو بينهما مشحونا بشده.

مال "عبد الجبار" على "قاسم" وهمس: فلتستعد يا أخي لتصفية حساباتك؛ فسوف أجعلك تدفع ثمن كلماتك التي تفوهت بها غاليا وغاليا جدا، وفي القريب العاجل سوف أجعل روحك تقابل والدك.

نظر له "قاسم" بصدمة، فهل حقا سيصل به الأمر لقتل أخيه أبن أمه وأبيه؟

هل حقا وصل به مقام الجبروت لهذا؟

ظل "قاسم" طوال العزاء، بعد هذا الحديث شاردا، وأصبحت الدنيا بوجهه قاتمة السواد من هول ما سمع.

وبعد انتهاء العزاء نهض "عبد الجبار"، وشيخ البلد، والمأمور، ورئيس الشرطة، والوجهاء، وأعيان القرى المجاورة، والبلدية لداخل الدار.

ولحقهم أبناء "العمدة" السابق، وللمرة الثانية دخل الأبناء المنظرة ليجدوا "عبد الجبار" جالسا بموضع "والدهم" فنظر كل منهم للأخر وعلى وجوههم بسمة تحمل مرارا، وحقدا، وخوفا من مستقبل مظلم حالك السواد سوف يسود القرية والعائلة من اليوم.

جلسوا بهدوء ليكملوا زخرفة الصورة.

وبعد حديث صوري، ومشاورات فارغة معروفة النتيجة مسبقا عن من سوف يصبح "العمدة"، وكان حديثا لا طائل منه فقد كان واضحا من هو "العمدة"، ولن يجرؤ احد على الوقوف بوجه "عبد الجبار".

تقرر أن "عبد الجبار" هو "السيد الجديد"، وانفض المجلس الصوري وهم الجميع بالرحيل.

لكن نادى "عبد الجبار" بصوت جهور: "قاسم"...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي