الفصل الرابع

بعد أن نامت "أمل" ذهبت أمها للمطبخ ، وما أن وصلت "أسماء" حتى سمعت طرق شديد جدا على باب المنزل لينقبض قلبها بقوة: اللهم أجعله خير.

وضعت حجابها، وأسرعت لتفتح الباب، وإذا بـ"عبد الجبار" يقف أمامها بوجهه المخيف وعلى يده شيء مغطى بعباءته البنية لتسري رجفة قويه بجسدها...

"عبد الجبار" بصوته الأجش والعنيف الذي يبعث الرعب: أذهبي لغرفتك، وأغلقي الباب فمعي رجالٌ كثر، هيا يا امرأة أسرعي.

لم تجد "أسماء" مجالاً لتسأله عن ماهية الشيء الذي على يده، وما تلك الدماء، صعدت للطابق الثاني وهي تستدير بين الفنية والأخرى؛ تحاول أن تشبع فضولها لكي تكذب ظنها.

وقفت على الدرج، واسترقت النظر لما يحدث بالأسفل.

"عبد الجبار" لـ"عوضين" الفراش: هيا فالتدخل المغسلة ، واذهب للدار وأخبر زوجتي أن تعطيك الكفن الذي لديها.

أحد الرجال المتواجدين تحدث بينما يضرب كف بكف: من كان ليتخيل أن يسقط عن حافة المنزل، لم يبرد جسد والده بقبره حتى، يا الله، صبرك الله على فراقهم يا سيد "عبد الجبار".

ليرد عليه رجل آخر: لقد ذهب ولم يترك خلفه من يحمل أسمه من بعده...

اسكتهم سقوط حذاء "قاسم" من قدم الجثة، فرأتها زوجته لتصرخ "أسماء" صرخة زلزلت أركان المنزل.

فركضت على الدرج متجهتاً للجثمان الذي وضع على المغسلة _بجوار بابي المطبخ والمرحاض_، ليعترضها "عبد الجبار".

لصرخ بها: أرجعي يا امرأة، وإلا ضربتك غير معتبر لكونك سيدة.

"أسماء" بصراخ: من الذي تستعدون لتغسيله، يا هذا لماذا سقط حذاء زوجي من هذا الجثمان؟

انهمرت دموعها لتختنق بها، فصرخت تلك الأرملة صرخة يهتز لها عرش الرحمن، فما بالك أنت بقلوب البشر، وأخذت تضرب ذراعه بضعف، فدفعها "عبد الجبار" ليطيحها أرضا.

لكنها تعود جاثية على ركبتها تقبل قدمه راجيه: أتوسلُ إليك أخبرني أين "قاسم"، أخبرني أنه لازال بالعمل، أخبروني أن ذلك الجثمان ليس لزوجي أيها الخلق، لما لا تريدون إراحتي، لما لا تنطقون، أأكلتم جميعاً ألسنتكم.

نهضت لتتمسك بظهر عباءة "عبد الجبار" أستحلف بالله أن تنكر أنه سندي الذي هناك، فلتأخذ ما تريد حتى أن أردت مني أن أتنازل عن ميراثي في أسرتي لك، لكن أتوسلك بكل أسماء الله قول لي أنه ليس زوجي.

لم يجبها "عبد الجبار" لتستيقن أن ظنها صحيح، انهارت "أسماء" على ركبتها لتبدأ بالضحك والبكاء وسط أنظار الحاضرين المصدومة من ضحكها: هل ضميرك مرتاح الآن يا جبار، _قهقهت بين دموعها_ ألا يتمزق قلبك لقتل أخيك؟ هل أنت ببشر حتى؟

صفعها "عبد الجبار" بظهر يده مطيحا بها أرضا، لكنها امسكت بموضع الصفعة وأعادت نظرها إليه.

رسمت ملامح الصدمة والألم الممزوجين بالحزن، وقد تحجرت دموعها بمحجرها: هل قتلت زوجي حقا، لقد أقسم أنه لن يفارقني ما حييت، لقد أعددت له ما أحب من طعام.

وقفت من جديد ونكزت صدره بسبابتها: لقد كان حزينا لأيام بسببك، والآن ماذا عاد محمولا على يدي قاتله، عليك اللعنة، حسبي الله عليك، اللهم أنتقم منه، وأرني به آية تجعله عبرة لمن يعتبر.

كان "عبد الجبار" يجزُ على أسنانه فقد نفذ صبره منها، فسحبها من كتفها، وألقاها بغرفة الضيوف، وأغلق عليها.

فأخذت تصرخ : دعني ألقي عليه نظرة، أتوسلك إليك، لن أتحدث، لكن دعني أراه لآخر مرة، أرجوك لا تحرمني منه هكذا، دعني أنظر لوجهه بديع الجمال ولو لمرة أخيرة، دعني أكتفي منه.

بدأت تخدش الباب وتضربه بقوة: يا ربي ذهب سندي، ذهب من كان نورا لحياتي، فارقتني روحي وأني حية، ليتني سبقتك يا ضياء عمري ليتني سبقتك.

جلست وأسندت رأسها وكتفها الأيمن على الباب لتنساب دموعها بهدوء: من سوف يؤمني للصلاة، ألن أراك بعد الآن في كل صباح؟ ألن أسمع صوتك وأنت تقرأ القرآن بصوتك الشذي، هل رحلت عني وتركتني؟ هل تركت ابنتك بلا ظهر ولا سند؟

ثم أخذت تصرخ بأعلى صوتها: يا الله يا الله يا الله

صراخها هذا كان ناراً تأججت بفؤادها تحرقها، تصرخ لعل أحدهم يرأف بحالها، فرجاؤها الوحيد هو النظر بوجه حبيب قلبها الذي ذهب للأبد.

صوت الصراخ أيقظ "أمل" فخرجت من غرفتها ووقفت بجانب حائط الدرج، فلمحها "عبد الجبار"، كانت تنظر بحيرة لما حولها وهي تفرك عينيها، فأبعد نظره عنها وذهب حيث يستعد الرجال لتكفين ما تبقى من جثمان "قاسم"

ما هي إلا دقائق حتى أتى "عاصم"، فقد أستيقظ على أصوات ولولة النساء في دار العمدة، وعندما أستوعب الأمر نهض من مضجعه، وذهب لمنزل عمه "قاسم" دون أن يبدل ثياب نومه.

عندما دخل لمنزل عمه وجد المنزل مكتظ بالرجال وصوت زوجة عمه يملئ أرجاء المنزل.

فبحث بعينه في أرجاء الدار، لتقع عينيه على تلك الطفلة المتقوقعة في زاوية بجانب باب الغرفة التي أغلقها والده على زوجة عمه.

كانت تحتضن ساقيها لصدرها دافنة وجهها في ساعدها الأيمن، تلك الصغيرة التي أصبحت يتيمة خلال دقائق معدودات.

لتبدأ الحياة تتقاذفها كما لو كانت رشة تتخبط في مهب الريح، يا لها من حياة تغدر بالجميع لا أمان فيها ولا سلام، يفاجئنا بها الموت دائما، مختطفا من أحببنا، كاسرا قلوبنا، تاركا الباقين بأرواح محطمة الكيان.

أعلم أنك سوف تقول بداخلك ما بالها تلك الطفلة تندب حظها، مبللة أوراقها بفيض دموع أحزانها على فراق والدها.

أنا على يقين اني لست بأول طفل ولا بآخرهم يخسر أباه، ويخسر سنده في مواجهة أمواج الحياة العاتية، ورياح المصائب التي تُزيل النخيل من جذوره ملقية به في مهب الأعاصير.

فما بالك بورقة ساقطة عن فروع الشجر، لا حجم لها، ولا وزن تكال به، في عالم لا ينظر إلى شيء عدى قيمة المال والجمال.

أسمعت يوما عن الغريق الذي يتشبث بالقشة، بالرغم من علمه أنها لن تنجيه من الغرق، أما أنا فقد فقدت حتى القشة، ولا ملجأ لي إلا أن أدعوا لله أن يرحمني ويعينني على ما ابتليت به...

فأقترب "عاصم" من "أمل" وجلس أمامها ومد يده ماسحا على حجابها.

"عاصم" بصوت لطيف ونعس: أرفعي رأسك يا فتاه، دعيني أراكي.

رفعت "أمل" رأسها، وما أن تقابلت عيناهما حتى أجهشت "أمل" في البكاء، فمسح الأخر عينه اليمنى بأصابعه، ثم وجهه بكفه الأيمن.

"أمل" ببكاء: أريد أبي، أين هو؟ أنا خائفة حقا، لما أمي محبوسة بالغرفة؟ لما كل هؤلاء الرجال هنا؟ هل سوف يلقون بنا خارج المنزل، ولمن تلك الدماء على الأرض؟

تأفف "عاصم" فهي تحدثت كثيرا، وهو عند استيقاظه يكون مصابا بالصداع: سوف أخبرك الحقيقة فأنتي كبيرة بما يكفي لتفهميني، لكن عديني بألا تصرخي أو تصدري صوتا، هل تعديني؟

هزت رأسها بالإيجاب: أعدك.

"عاصم" بهدوء: هذه الدماء تخص والدك، لقد مات عمي "قاسم"، وهم الآن يحضرونه لدفنه.

كانت كلماته هادئة، وكأنه أمر عادي غير منتبه لتلك التي ترتعش من الصدمة.

"أمل" بصدمة وصوت عالي: ما...

فوضع يده مغلقا فمها مجعداً حاجبيه بغضب، لتضع "أمل" كفيها على يده، كأنها تحكم إغلاق فمها، لتمنع صوت شهقاتها من الخروج، تنهد مغلقا عينيه ومسح على شعره، لتتخلل أصابعه خصلات شعره البني.

فأبعد يده ليجدها تعضُ شفتيها لتكتم شهقاتها، بينما يرتعش جسدها، ودموعها التي غطت وجهها.

"عاصم": أنتي مطبعة حقاً يا صغيرة.

صرخت "أسماء" بشدة من خلف الباب: أبتعد عن أبنتي أيها الطالح.

كاد "عاصم" ينهرها؛ لكن قاطعه خروج النعش على أكتاف الرجال، فسمعتهم "أسماء" لتزداد حدة طرقاتها على الباب، وهي تصرخ برغبتها في أن تلقي على زوجها نظرة الوداع الأخير.

لكن "عبد الجبار" تجاهلها؛ فهو يعلم أن "قاسم" لم يعد له وجه، حتى لتلقي عليه نظرة.

و"أمل" التي زادت من احتضان جسدها، تعالت أصوات شهقاتها، وهي تعلم علم اليقين أنها لن ترى ذلك الوالد اللطيف، ذو القلب الدافئ، لن تستيقظ على لمسات يده لصلاة الفجر، لن تجده يمدحها على أتفه الأشياء بعد الآن.

ألن يدخل عليها من الباب مبتسما يخبئ خلفه هدية تسعد قلبها، لقد رحل من كان يركض خلفها هي وأمها ضاحكا بصوته الأجش وأصوات ضحكاتهم تتعالى لتصل عنان السماء أثناء لعبهم.

هل رحل حقا وتركهما لظلمة الحياة؟

كانت تضغط بكفيها على أذنيها تحاول حجب ولولة النساء وصوت صكهن لوجوههن.

وصلت خالتها "هدى" وجدتها، فقد أتصل عليهم شخص ما من العائلة وأعلمهم بوفاة "قاسم".

اقتربت "هدى" من "أمل" وحملتها لغرفتها بالأعلى؛ لتكون بعيده عن الولولة والصراخ بقدر الإمكان، لكنها لم تنفك عن سؤال خالتها عن والدها الذي لن يعود بعد الآن، لتبدأ في البكاء، فتبكي جدتها.

أما "أسماء" فقبل خروج المحمل، ألقى "عبد الجبار" بمفتاح الغرفة لأبنه "عاصم" فما أن أبتعد الرجال بالمحمل عن الأعين، متجهين لتأدية صلاة الجنازة، حتى فتح "عاصم" الباب لزوجة عمه.

وجدها تجلس خلف الباب، تستند برأسها على الأريكة التي خلفها، كانت ساكنه تنظر له بصمت وتضحك بشكل غريب، تورم وجهها من صكها له، وأظافرها قد تحطمت وتسيل من أناملها الدماء.

فعلم أنها كانت تخدش الباب، فآذت نفسها هز رأسه بيأس.

"أسماء" بهدوء: أين زوجي؟

"عاصم": ذهبوا به ليصلوا عليه؟

دفعته "أسماء" وركضت خلف المحمل، غير مكترثة بمظهرها، ولا بحجابها الذي سقط، ولا بقدميها الحافيتين، لم يستطع أن يوقفها أحد، وعندما وصلت لمقدمة الجنازة وجدت "عبد الجبار" في وجهها.

لكنها تجاهلته وحاولت سحب النعش عن أكتافهم في محاولة منها لتراه ولو للحظه، فأسقطتها صفعه شديدة من كف "عبد الجبار" الغليظ، وسحب شاله الصعيدي عن أكتافه وألقاه على رأسها، وتركوها ورحلوا.

وما أن غادروا به حتى صرخت "أسماء" صرخة دوت في أرجاء القرية من علوها، ترتجف لها القلوب من هولها.

وصل "عاصم" ليجدها جالسة على الأرض، فأخذ الشال ولف رأسها به، وساعدها في العودة للمنزل كانت هادئة لا تحرك ساكنا.

كان يوما ترتجف فيه القلوب بحق، من قد يتوقع ان تنتهي حياة أفضل أبناء دار العمدة خلقا وأدبا وأحسنهم لسانا بتلك الطريقة البشعة، من كان ليتخيل أن يموت تلك الميتة الشنيعة.

عاد بها "عاصم" لمنزلها وسلمها لأختها "هدى" من على باب المنزل، ورحل لتجلسها على الأريكة بجانب والدتها، فألتف النساء حولها.

وكن بين من تقدم تعازيها، وأخرى تولول، ومن يصككن وجوههن، ونساء أخذهن الاعتراض على قضاء الله، وأخذن يشقون ثيابهن، ويحملن من التراب على رؤوسهن أمام المنزل.

وكان من أسوء المشاهد في هذا الوقت هؤلاء النسوة الندابات؛ الذين يندبون الموتى بكلمات وأسلوب يفقد أهل المتوفي صوابهن، ويضعن به الملح على الجراح الدامية.

كانت كلماتهن قاسية على القلب، تنزف منها العيون دما بدلا من الدموع، ولم يكن يراعين حقا لله في كلماتهن، فيسبون القدر، ويلعنون ملك الموت.

حتى أنهن تجرأن بكلماتهن على ملك الكون ورب العزه الذي تعالى وترفع عن كل شيء، فهو حكم عدل لا ينسى عباده.

فكان عقابهن فالدنيا قبل الآخر؛ فهناك من كانت تفقد أبنائها في يوم زفافهم، وهناك من حرمت من الذرية، وغيرهن متن بشكل مروع فجعل الله منهن عبره لمن تخالجه نفسه الأمارة بالسوء على أن يتفوه بكلمات لا تليق على الله ذو الجلال والإكرام.

كلمات النساء جعلت "أسماء" تنتحب وتولول.

هدئت فجأه فصمت الحشد، لتنهض "أسماء" بخطى مترنحة على غير هَدي منها، حتى دخلت المطبخ وما هي إلا لحظات ليشتم جميع الحاضرين رائحة الغاز المنتشر بالهواء.

أدركتها "هدى" على آخر لحظه، قبل أن تشعل عود الكبريت، الذي كان سيجعل هذا المنزل جحيماً على الأرض، وأغلقت زوجة "عبد الجبار" اسطوانة الغاز، وقامت النساء بفتح كافة مخارج الهواء بالمنزل.

إلا أن "أسماء" خرجت عن السيطرة، لم يعد احد يستطيع التحكم بها، وأخذت تضرب كل من يحاول الاقتراب منها.

وهي تصرخ فيهم: دعوني أصنع له مشروبا يدفئ جسده؛ فلابد أنه يشعر بالبرد الآن أتركوني وشأني...

نظرت لهم بهدوء، ثم أخذت تسير بينهن باحثة عن شيء ما لتردف: لماذا أنتم هنا؟ هااا أين زوجي؟

نظرت لهم بخوف: هل أخذتموه مني للأبد ألن تدعوني أودعه؟

صمتت قليلا لتتابع بهدوء وابتسامه: لما أنتن واقفات هكذا؟ ألن ترحلن لقد أقترب موعد قدومه.

ثم قطبت حاجبيها: لما تبكون؟ هو الآن سوف يفتح الباب، وسوف يأتي ويقبل جبيني، لقد أعتاد دائما أن يحتضنني عند قدومه، ويهمس لي بكم كان مشتاقا لرؤيتي، وأنه جائع جدا.

رسمت ابتسامة لطيفة تعبر حقاً عن حبها له: سوف ترون جميعا أن قرة عيني لن يفارقني هكذا، هو الآن سوف يدخل، ترقبوه.

كانت تنظر للباب بترقب تحت نظرات، وهمسات النساء بأنها قد جنت أو تلبسها جان، لكن مع طول الانتظار عادت "أسماء" للبكاء والنحيب، هذه المرة صمتت النساء ولم يسري بالهواء إلا صوت نواح "أسماء".

أرسلت زوجة "عبد الجبار" في طلب الطبيب من القرية المجاورة، ليرى ماذا أصاب "أسماء".

والنساء بعدما شاهدن حالة تلك الأرملة التي كادت ترقهم احياء، أصابهن الذعر وبدأن يغادرن واحدة تلو الأخرى، فقد تحاول قتلهن حقا هذه المرة.

وصل الطبيب مع أحد شباب العائلة، وعندما دخل ورأى حالة "أسماء" أخرج من حقيبته حقنة وملأها بالمهدئ، طلب من "هدى" والشاب الذي جاء معه أن يثبتاها جيدا ليحقنها بالمهدئ.

مرت ثوان معدودات لتهدئ "أسماء" وتذهب في نوم عميق، تحت نظرات الحاضرين المتوترة.

حكم على هذه الأسرة بالحزن والسواد الأبدي، بينما "أسماء" لم تعد واعية بما يحيطها وفقدت عقلها تماما؛ فهي تظل صامته ولا تتحرك من مكانها بدون مساعده، وغالبا ما تنفجر ضاحكة أو باكية، وتحطم ما يحيطها.

و اضطروا لتقييدها لتتوقف عن إيذاء نفسها، ولا تتوقف إلا بالمهدآت، واضطرت والدة "أسماء" و"هدى" أن يظلوا معها هي و"أمل" كل يوم.

وقد تم تأجيل زواج "هدى" لعدة شهور، فقد رفض "عبد الجبار" رفضا قاطعا أن تنتقلا للعيش بالمدينة في منزل الجدة.

بعد وفاة "قاسم" كثرت زيارات "عاصم" للمنزل، بحجة الاطمئنان على زوجة عمه ما إذا كانوا يريدون منه شيئا.

وكثرة تردده على المنزل، مما أخاف "هدى" فكانت كثيرا ما تلاحظ نظرات هذا الفتى الضال للصغيرة، وهي لا يخفى عليها ما يدور عنه في ربوع القرية، وسوء سمعته، ولا تستطيع منعه؛ خوفا من والده.

مرت _ثماني أشهور_ على وفاة "قاسم".

كانت "هدى" تجلس مع والدتها في غرفة المعيشة تلعب بأناملها بتوتر لتقول: أمي سوف أذهب للمدعو ب"عبد الجبار" هذا، وسوف أخبره أننا سوف نأخذ "أسماء" لمنزلنا.

صمتت للحظات وتابعت: أما "أمل" إما أن يتركها تأتي معنا أو يكفلونها هم، مهما كان فهي أبنتهم وهم أحق بها، فأنا سوف أنتقل لمنزل زوجي ويكفينا أمر "أسماء".

نظرت لها والدتها بصدمه: لكن يا بنيتي أنتي على علم بأن أختك وزوجها المرحوم لم يكونوا ليأمنوهم على الفتاة، وكما تعلمين ف"عبد الجبار" يريد تزويج "أمل" لأبنه "عاصم"، كيف تريدين مني تركها لهم؟

"هدى" بنفاذ صبر: هذا لا يعنيني في شيء أمي، إما أن تذهب معنا أو تبقى معهم، فأنا لن أتخلى عن "عمر" ومستقبلي لأجل أحد، وغدا أنا سوف أذهب لـ "عبد الجبار".

طالعتها والدتها بعيون نظراتها تسألها من أن لكي تلك القسوة، وجحود القلب، فكيف سوف تتخلى عن ابنة أختها؟

لم تجادلها والدتها، ليحل الضمت على المكان.

في الليل تسللت "أمل" لغرفه والدتها فقد غفت خالتها من التعب .

فقررت أن تتسلل لسرير والدتها بهدوء واحتضنتها، فوجدتها باردة، فأسرعت بسحب الغطاء عليهما لتعود وتحتضنها في محاولة منها لتدفئ أمها راغبة في الحصول على بعض الحنان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي