الفصل الرابع

عم الصمت ارجاء المكان وحالما سمعت صوت اغلاق باب شقته العلوية حتى شهقت ببكاء هامسه بتحشرج
- لقد تزوج علىّ
ضربت هدى على صدرها بشهقة مصدومة بينما وضعت مرام كفها على فمها تخفي صدمتها هي الاخرى
كان صوت بكائها يعلو فتركوا لها مساحتها كي تفرغ ألم قلبها دون سؤال
اقتربت منها هدى محتضنه إياها واخذت تربت على كتفها بهدوء والاخرى تغرق صدرها بدموعها
توجع قلب مرام وشعرت ان صدرها يطبق على قلبها فيؤلمه، الوجع يتردد بين اضلعها
هدهدت طفلتها التي تحتضنها فيتألم قلبها اكثر، أليس اسم ابنتها جزء من ألمها هي الاخرى
رفعت كفها إلى قلبها الذي يئن بوجع ويتهمها بالتقصير في حقه والتفريط به فلا تجد مبررا تدافع به عن نفسها
شاركنها في سكب الدموع وكأن كل واحدة تبكي وجعها الخاص
هدأت بعض الشيء وعيناها جفتا من دمعهما لتستقيم من احضان هدى جالسة تحتضن نفسها بذراعيها مغمضة العينين.. توجع قلب هدى على تلك الصغيرة التي تشعر بالوحدة فأخبرتها بحنو
- كنت سأطلب منك المبيت معي الليلة، ولكن ما رأيك ان ابيت معكِ
تبسم وجه الاخرى وهي تفرق جفنيها المنتفخين لتبتسم عيناها الحمراء هامسه
- لا حرمني الله منك يا خالتي
وقفت هدى قائلة
- سننتظر يونس حتى يأتي واخبره كي لا يقلق فشحن هاتفي قد فرغ، وسأجلب لي شيئا للمبيت
اومأت لها فيروز دون رد فتحركت الاخرى لغرفتها، نظرت فيروز لمرام الجالسة قبالتها مبتسمة بحرج قائلة
- اعتذر عن وصلة البكاء التي شاركتوني بها
بادلتها مرام ابتسامة طفيفة وهي تجيبها بصدق ادهش الاخرى
- كنت بحاجه لتفريغ ما يعتمل في صدري، لذا علىّ ان اشكرك
سمعت مرام صوت زوجها الذي يناديها من الاعلى فوقفت بقلب حزين هامسه
- لا تستسلمي، تصبحين على خير
ورحلت بهدوء مغلقة باب الحديقة الخلفية خلفها، صعدت درجات السلم بخطوات بطيئة.. لقد بات قلبها مثقلا وهي تعترف لذلك عليها ايجاد حل
وصلت لغرفتهما لتجده جالسا على طرف السرير فتوجهت للطرف الاخر وهي تضع ابنتها في منتصف السرير سائلة بحشرجة اثر البكاء
- ماذا كنت تريد؟
استدار برأسه صوب طفلته وشرع في الرقود جوارها وقد امسك بكفها الصغير مجيبا بفتور
- انت تعلمين انني لا استطيع النوم سوى جوارها
اتسعت الهوة في قلبها، هوة سحيقة شعرت اثرها ان الارض تدور من تحتها فجلست منكسه الرأس ليرفع هو رأسه لها متسائلا ببعض الاهتمام
- ماذا بكِ؟
- ‏لا شيء
قالتها سريعا وهي تنهض للخزانة خاصتها لتجلب منامة بيتية ثقيلة متجهه إلى الحمام بالخارج لعل الماء يطفئ بعض نيرانها
ولم يحدث ما توقعته، فالماء اجج شعورها اكثر فشرعت في البكاء بصمت تحت الماء البارد رغم برودة الجو فإختلطت دموعها بالماء
هل ذنبها انها تحبه؟
هل يعد هذا خطأ لانها احبت الشخص الخاطئ
نعم
الاجابة ببساطة هي نعم
ولكن ما ذنب طفلتها ان انفصلا
تأوه خافت صدر من بين شفتيها عندما اصطدمت بأحد الارفف الحديدية المجاورة لحوض الاستحمام
افيقي يا مرام.. والدتك لن تحتمل رجوعك منحنية الظهر، اخوك لن يقبل بلقب مطلقة
وقلبك.. لن يرتاح سوى بجواره حتى وان تألم، يكفي ان يبصره
لن تنكر انه كان مراعيا في البداية، لم يحبها ولكن يكفي لطفه معها.. ولكن كل هذا تغير مع ولادة ريم
ريم التي احيت ما تحت التراب
انهت حمامها سريعا وارتدت ملابسها وشرعت في تجفيف شعرها وهي تدخل غرفتهم كي تمشطه
رق قلبها له وهي تراه على ضوء المصباح الجانبي ممسكا بيد صغيرته وهو يغط في نوم عميق توقفت يداها عن ما تفعله واقتربت منهم بهدوء
كفها ارتفع تلقائيا ليلامس خصلات شعره القصيرة الناعمة سوداء اللون، لحيته المشذبة بعناية تدفعها لتقبيلها، وعن اهدابه فهي مغرمة بالعينان
افاقت حينما تحرك فتحركت من مكانها بجواره سريعا وهي تقف امام منضدة الزينة بقلب مرتجف
ابصرت صورتها في المرآة فكانت امرأة لا تعرفها.. الغاية من الزواج هي العفاف، وهي تشتاق لوصال زوجها وحلالها ولا تستطيع
زفرت افكارها مع الهواء المشتعل الذي يخرج من بين شفتيها وطلبت التريث، هي لن تهدم بيتها.. سيحل كل شيء اذا تحدثا ولكنها تخجل من البوح، هل تطلب من زوجها الاهتمام، ان يشعرها بأنوثتها كأقل تقدير
تجمعت العبرات في عينيها فمشطت شعرها بغير اكتراث واقتربت من السرير، نعم تلك هي لحظاتها المسروقة وهي تتأمل وجهه عن قرب.. تلامس انامله التي تمسك بكف الصغيرة وكأنما حدث هذا دون قصدها
فأشفقت على حالها وهي تبتعد بيدها.. هل ستتسول لمسة يد من زوجها
ووسط امواج التفكير التي تتلقفها، اشفق عليها عقلها فمنحها راحة النوم لبعض الوقت قبل ان تستيقظ طفلتها

_________

- السلام عليكم
رد بها يونس على رنين الرقم غير المسجل اثناء عودته في الحافلة، وصله صوت والدته
- وعليكم السلام، لماذا تأخرت يابني
قطب حاجبيه مندهشا وهو يقول
- اين انتِ ومن اي هاتف تتحدثين
اجابته بهمس وهي تتحرك صوب مطبخها تاركه فيروز في صالة المنزل
- انه هاتف فيروز
دق قلبه للفكرة ووالدته تردف بصوت متأثر
- كنت انتظرك كي اخبرك انني سأذهب للمبيت لديها اليوم كي لا تقلق عندما تأتي فقد فرغ شحن هاتفي
سألها بقلق
- ماذا بها فيروز؟
- ‏لا تقلق، انها بخير ولكنني اود الاطمئنان عليها اكثر ولارى حال المنزل بنفسي وما ينقصه فأنت تعلم خجلها الزائد
ابتسم بمكر وهو يجيبها
- ألا ترغبون في حارس خاص
ضحكت والدته وهي تتأكد من اغلاق الغاز قائلة
- يمكننا اللجوء إليك في وقت لاحق
- ‏وانا على اتم الاستعداد
اطفأت ضوء المطبخ خلفها وهي تسأله
- ولكن لماذا تأخرت هكذا
زفر بإختناق وهو يقول
- ارادت ندى المشي، فهو رياضتها المفضلة والان انا في طريقي بالحافلة
اتسعت عينيّ والدته بإندهاش
- سرتما كل الطريق
كان يدلك قدميه تباعا بكفه وهو يتأوه قائلا
- احتاج لتدليك عاجل لقدميّ اقسم لك يا امي
قهقهت والدته بتسلية وهي ترد بنبرة ذات مغزى
- حتى تقرر ما ترغبه سريعا ستحتمل وجع قدميك
نظر للنافذة المجاورة له على المارة هامسا
- لنا حديث طويل، تصبحين على خير يا امي
- تصبح على رضا يا بني
واغلقت الهاتف واشارت لفيروز التي وقفت من جلستها وهي تسير معها راحلتين فأعطتها هدى الهاتف قائلة
- اثقلت على هاتفك
ابتسمت لها فيروز هامسه بخفوت وهي تعبر معها الشارع لمنزلها
- لا تقولي هذا يا خالتي
وفتحت البوابة الخارجية التي اصدرت صريرا مزعجا مردفة
- انرتِ البيت

تطلعت هدى في الحديقة حولها وتذكرت جلسات الثمر التي كانت تقام بها، لعب يونس وفيروز بالكرة حولهم، اعتكاف سامر بكتبه في احد الجوانب مستظلا بأوراق الاشجار الوارفه، الوقوف على السلالم الخشبية وقطف الثمار اليانعة وشديدة النضج من الاشجار خاصتها
هز جذع النخل ونزول التمر عليهم مدرارا فيشرعون في جمعه
تجمعت الدموع في مقلتيها وهي تذهب إلى شجرة بعينها وكأنما تحفظ مكانها وسط الظلام النسبي المحيط بهم
تبعت فيروز خطواتها بصمت وقد بدأت هدى في ملامسة احروف المحفورة على جذع الشجرة وهي تتذكر يومها وكأنما كان بالامس
مسحت وجهها من اثر الدموع وهي تدعوا
- رحم الله جميع موتانا ورزقهم الفردوس الاعلى
- ‏اللهم امين
ضحكت هدى بخفة وهي تحتضن كتفها وتسير معها لباب البيت الخشبي
- علىّ التخفيف عنكِ وبدلا من ذلك احزنك
- ‏الحزن لا يفارق قلبي يا خالتي
دخلت معها لباب المنزل وقد عصفت بها ذكريات اشد قوة فأشفقت على تلك الصغيرة التي تحتمل كل هذا وحدها
- سيبدله الله بفرحة قريبة ان شاء الله
اومأت لها فيروز دون حديث وهي تشير لها للصعود لاعلى فأرتقت معها خطوات السلم الداخلية وهي تسمعها قائلة
- انا ممتنة لمجيئك الليلة
دخلت معها غرفتها فشعت نظرات هدى بالاستحسان وهي ترى النظافة والترتيب امامها فسألتها فيروز وهي تتجه إلى خزانتها متلقفه ملابس بيتية مريحة
- هل ترغبين في شرب شيء قبل النوم
جلست هدى على السرير ورغم شعورها بالارهاق الا انها لم ترغب بكسر خاطرها فربتت بجوارها قائلة
- لا حبيبتي ولكنني ارغب في سماع كل شيء عنكِ
اجابتها فيروز بإبتسامة
- غدا ان شاء الله
- ‏كما ترغبين
- سأبدل ملابسي واحضر الماء واتي
اومأت لها هدى وقد استحسنت فكرتها فبدلت ملابسها لملابس النوم وجلست على الفراش في انتظارها
وبعد بضعه دقائق دخلت فيروز الغرفة لتجد جسد هدى الذي احتل الفراش وراحت في سبات عميق
تنهدت الاخرى بإبتسامة وهي تقترب منها واضعه قبلة على جبينها وراحت تدثرها بغطاء سميك وتلتقط شالا لنفسها وتخرج للشرفة

كان يركل الحصى اثناء سيرة فهذه هواية قديمة تعود لايام الطفولة.. ارتفع رأسه تلقائيا لشرفتها فوجدها واقفه تتطلع للهاتف بين كفيها بإهتمام
ضغط على هاتفه الذي يقبع بين كفيه طوال الطريق وكأنما يحتضن صوتها
فتحه على رقمها الذي سجله برمزي تعبيري لجوهرة لامعه زرقاء اللون تشبه حجر الفيروز
ضغط على زي الاتصال ووضع الهاتف على اذنه ينافس رنينه دقات قلبه حتى اجابت الاتصال بصوتها الهادئ
- السلام عليكم
رفعت رأسها تلقائيا لبيته امامها وقد رأته واقفا متطلعا إليها ورد عليها السلام بصوت رخيم وهو يسألها
- علمتِ من أنا؟
رأى ابتسامتها التي اتسعت وهي تناظره قائلة
- بالطبع، فقد سجلت رقمك
اومأ لها برأسه وكأنما تقف امامه ويحدثها، وهكذا تمنى فعندما كانت في بيتهم لم يستطع التحدث بشيء وقد كانت الغلبة لعيناه التي تتفحصها بعدم تصديق
- هل نامت أمي؟
- ‏نعم
تنحنح قائلا بحرج وقد شعر بالغباء لاتصاله
- اعتذر عن حديثي معكِ في هذا الوقت ولكن وجدتك واقفه دونها ف....
قاطعه صوتها
- لا عليك، لا داعي للتبرير.. انا اعلم تعلقك الشديد بها
رد مستنكرا وهو يقول
- ارى تلميحا يلوح في الافق
هز قلبه سماع ضحكتها وهي ترد بشقاوة افتقدها
- هذا حقيقة وليس تلميح فأنا اذكر ذاك الطفل الذي يتعلق بذيل جلبابها في كل مكان
وتنهدت لتردف بحرقة
- ليتنا بقينا اطفالا
مس قلبه وجعها
- نحن عائلتك
- لا حرمني الله منكم
شعر بالحرج اثناء مرور احد الرجال فإستدار يتصنع فتح باب بيته وهو يرد سلام الرجل الذي رحل فلمحها بعيناه وقد ظلت محلها تنظر له قائلة كي تزيل عنهما الحرج
- علىّ الدخول الان، تصبح على خير
- ‏وانتِ من اهل الخير
والمقصود في قلبه وانتِ كل اهلي
دخل منزله واغلق الباب خلفه وهرع للشرفة مزيحا الستارة التي تطل على الشارع ولمحها مغمضه العينين تستنشق الهواء وهي تتمطى بذراعيها ثم نظرت لمنزله نظرة خاطفه قبل ان تستدير للداخله وتغلق الشرفة خلفها.. والان علم جيدا كيف ستكون احلامه التي ستشملها هذه الليلة وغدا سيتحدث مع والدته في امر ندى الذي يشعر بالذنب نحوها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي