الفصل الثالث

مضي يومين علي رحيل جنة، كانا يومين باهتين لا طعم لهما ولا لون 

يخرج الشيخ يوميا لعمله ويقضي بقية اليوم في المسجد يقرأ القرآن ويدعو ربه أن يحفظ صغيرته وان يرزقه المال فلقد ضاق ذرعا واشتاق إليها ولا يريد أن يذهب خالي الوفاض 


خرج من المسجد ليشم بعضا من نسيم الصباح العطر ووقف امام الباب يلتفت يمينا ويسارا وكأنه بلا وجهة فأغمض عينيه واخرج زفرة حارقة وتحرك بلا دليل يخطو الموضع الذي تطئه قدماه بلا هدف، لم يخيل إليه يوما أن يحزن لهذه الدرجة من أجل احد فوالله ان حزنه علي جنة يتعاظم يكاد يفوق حزنه عندما فارق بلدته في الماضي 

ظل يسير لساعتين دون أن يشعر بالوقت أو بوصوله باب الملجأ، لقد سارت قدماه منقادة لقلبه حتي وصلت لمسكنها 

ابتسم بحزن ورغم عدم رغبته في زيارتها قبل أن يحوز المال ولكن لم يقدر علي الرجوع وقد وصل الي هنا، فدخل الملجأ ليتأمل الأطفال يركضون ويلعبون هنا وهناك، جميعهم أيتام لا أهل لهم … بعضهم تخلي عنه والديه وبعضهم توفي والديه والشيخ حسن لم يرزق بأبناء فسبحان من وزع الأرزاق 

تمتم الشيخ بينه وبين نفسه: سبحانك ربي علي هذا التكامل، خلقت العقيم وخلقت اليتيم ليكونا عونا لبعضهما وآية من آياتك سبحانك لا اله إلا انت 

واكمل طريقه لمكتب مديرة الدار ثم طرق الباب حتي اذنت له بالدخول وعندما رأته نهضت مرحبة به: اهلا بك ياشيخ حسن 

الشيخ حسن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حضرة المديرة

المديرة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

الشيخ حسن: من فضلك أريد أن أري جنة لدقائق 

المديرة: اجلس دقيقة لترتاح هنا وستحضرها المرضعة

الشيخ حسن: لا … اريد ان اخلو بها قليلا في الحديقة بالخارج 

المديرة: لك ما أردت 


ودقائق مرت حتي جاءت المرضعة تحمل جنة بين يديها، التقطها بحضنه لهفة وأخذ يقبلها متحدثا: السلامُ عليكِ وعلى نقاءِ روحكِ الذى شعرتُ به مُنذُ لقائك ياصغيرتي 

ضمها الي صدره بشوق يريد أن يطفئ نيران شوقه لهذه الصغيرة وضج خفقانِ قلبه الذى يشعر به كلما رأها وكأنها ابنته من دمه ولحمه،  كان موقفَ ذهولِ ،  الجميعُ يتحدثُ و يتكلم بالصوتِ العالى ، و المكانُ مزدحمٌ بالبشرِ والأطفال ،  ولكنَ العجيبُ فى الأمر أنه لا يري سواها على الرغم من أنه كان حوله الكثير، طفلا ينادى عليه وطفلا اخر يمسكه من ملابسه ويلوّحُ بيَديهِ لكى ينظُرَ إليه ، و لكن لا يعلمُ ماذا حدث ، لم يرى سواها ولم يسمع غيرَ صوتُ مداعباتها،  ولم يأخذ أىُ أحدٍ منهم إنتباهه سِوىٰ عينيها التي تشبه بجمالها الجنة


ظل يضمها لحضنه صامتا لساعات فقط يلاعبها ويدغدها بحب ثم بدأ يحادثها وكأنها شخص بالغ امامه يفهمه فتحدث: شيئانِ يُحرّكانِ روحي: هل تعرفين يا صغيرة سأخبرك سرا، انت تشبهين امك خديجة جدا فكلتاكما احتلت من قلبي مكانة لم يظفر بها احد من العالمين، تشبهين زهرة دوار الشمس خاصتي، أراقبكما ولا امل من تملكها والتحديقُ بالشّمس، وفي الموت، انا أخبرت الجميع اني تركتك هنا بسبب الفقر ولكن الحقيقة يا صغيرتي انني علي استعداد ان اكفلك واعمل عملا واثنين وثلاثة واكمل لك حياة كريمة، ولكن مع الاسف فيبدو انني سأسافر مع النُجوم ووقتها ستضحين بائسة حزينة مع امك خديجة 

أشعر أن أجلي يقترب وزهور عمري مع خديجتي ستصبح زهورًا بلونِ الطّين، بعدما ستنزرع نفسي في التُراب، وستنمو السنابل الخضراء والصفراء على مساحة رأسي وغربان الذَاكرة ستطيرُ بلا هواء، كما أن امنيتي هي أن ادفن ببلدتي وسط سنابُل القمحٍ والغربان 


سأعطيك نصيحة يا جنتي واتمني أن تعملي بها… امممم انتظري سأكتبها لك واعطيها للأم صاحبة الدار حتي تسلمها لك عندما تكبرين 


وصيتي اليك .. 

ان تحلمي ولا تكفي يوما عن الحلم ولكن قبل أن ترسمي الأحلام ادرسي واقعك بحكمة، خذي العبرة من ماضي ابيكي حسن الذي حلم احلاما اكبر منه حتي أضحي وحيدا لا يستند علي أحد 

هذا لايعني ألا تحلمين ولكن اولا يجب أن تأخذي بالاسباب، هذا الشيخ الذي امامك صحيح يقولون اني حكيم وشيخ قدير ولكن لا أحد يعلم سفاهتي في الماضي، كانت أحلامي خيالية اتطلع لفوق الفوق حتي سقطت علي جذور رقبتي وبات كلّ شيءٍ مجرد حلم في رأسي …  هباء أحلامٍ، وتفاجئت بعمري هذا أن ريشةُ التُرابِ كانت تخدعني في كلّ حين، قريبًا سأعيدُ أمانة التراب، وأُطلق العُصفورَ من صدري ليحلق نحو جنة نحو خالقه آه وسأنتظرك هناك علي بابها يا جنتي أيّتها السنُونُو، سأفتحُ لكِ القفصَ بهذا المسدس: القُرمزيّ يسيل، دمٌ أم النار؟

أجل ان ماضي ابيك حسن كان طائشا لدرجة ان غليوني لم يكف يوما علي الاشتعال في شبابي: الأسوَد والأبيض كانا يلوّنانِ حياتي بالرّمادي، للرّمادي احتمالاتٌ لا تنتهي: رماديٌ أحمر، رماديٌ أزرق، رماديٌ أخضر!.

 التِبغُ كان يحرقني، والحياةُ كانت تنسَرب. للرّماد طعمٌ مرٌ بالعادة نألفَه، ثم نُدمِنه، كالحياة تمامًا: كلّما تقدم العُمر بنا غدَونا أكثَر تعلقًا بها!. لأَجل ذلكَ أغادرُها في أوجِ اشتعالي! ولكن لماذا؟! إنّه الإخفاقُ مَرّةً أخرى. لن ينتهي البؤسُ أبدًا !


مسح دمعة فرت من عينيه وابتسم مردفا: ااه لقد نالك شئ من نكدي يا صغيرة 

ثم اكمل كتابة: العبرة بحياتي أن ابتلاء الله كان بمثابة الضربة التي افاقتني فتحولت من الشاب حسن الطائش الي الشيخ حسن كما تريين وتبت لربي عن كل خطأ طائش ارتكبته في ساعة غفلة وحمدته علي نعمة زوجتي التي رزقت حبها وكرست حياتي لأجلها، وأريدك هكذا حبيبتي أن تحبي وتعشقي ولا تجزعي عندما تكبرين وتدركين قدر بلائك فلتتأكدي ان الله يحبك ولو لم يكن يحبك لما اصطفاك بهذا الابتلاء لتكوني كنبيه وحبيبه محمد يتيمة منذ الصغر 

وتذكري دائما هذا الحديث الشريف 


 "عَنْ أَبي هُرَيْرةَ  قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"

عل هذا البلاء حل بك ليهيئ الله الجنة لعينيك ولتكوني شفيعة لي وابنتي في الجنة يا جنتي 


أبيكي حسن …. 



انهي كتابة هذه الوصية ونهض في الحال حاملا الصغيرة وتوجه الي مكتب مديرة الملجأ ليعطيها اياه واوصاها أن تعطيه لجنة عندما تكبر وتستطيع استيعاب ما سطرته داخله، عندما تجزع أو تيأس رجاءا اعطيها إياه وذكريها دائما بوصية أبيها حسن 

وما كان منها إلا أن اخذته منه ووعدته أن تعطيها الرسالة بالوقت المناسب 


في هذه الاثناء جائته رسالة علي هاتفه تفيد ب "ياشيخ حسن… المبلغ الذي طلبته جاهز، سأنتظرك بالمسجد لأسلمك إياه" 

وحلت السعادة علي قلب هذا العجوز فاضطر أن يودع الصغيرة قائلا: صغيرتي سأودعك لساعات قليلة وأعود اليك ومعي امك خديجة 

ثم قبلها وطار الي صديقه ليأخذ منه المال ثم عاد لبيته أخيرا بعد أن تأخر عن ميعاد عودته الذي ألفت أن يعود عليه فبقيت خديجة كل حين تنظر لساعة الحائط لقد اوجست في نفسها خيفة وأصابها الكثير من التوتر لتردد بحنق:ما أخرك حسن

لحظات فقط مرت وهي بتلك الحالة ليردح صوته خلف الباب محمحما يهم بالدخول فتلك عادته مخافة أن يكون هناك ضيوف بالبيت فيستلزم أن يسمعهم بانه قادم.

تحركت نحو الباب مسرعة فدلف هو ليتفاجأ بها أمامه فتحدثت على عجل تلامس جسده لتردد باكية:أنت بخير حسن؟ 

أين كنت؟ لم تأخرت خفت أن يكون قد أصابك مكروه.

أمسك يديها المرتجفتين يهدئ من روعها ليردد بخفوت:اهدئي حبيبتي لا شيء بي أنا بخير كل الخير أيضا.

خديجة:لكن لم تأخرت كل هذا؟

الشيخ حسن:كنت عند جنة.

خديجة:جنة؟! ولم لم تأخذني معك أنا أيضا مشتاقة إليها

الشيخ حسن:بغير يوم سنذهب معا لم أحس كيف تحركت نحو الميتم ووقفت أمامه ولحظات فقط ووجدتها بحضني مثل المغناطيس جذبتني اليها تلك الصغيرة.

نظرت إليه بتذمر قليلا أها لم تحس إذا مثلما لم تحس أن هناك امرأة تموت شوقا للقيا تلك الصغيرة.

الشيخ حسن:أ حزنت خويدجتي؟

خديجة وهي تتحرك للداخل:لا طبعا لم اغضب فأنا لم أشتق لها لم اشتق لدرجة انني لم أصنع لها عرائسا من القماش لتلعب بها حين تكبر شهورا أخرى،لم أشتق لتلك الدرجة التي جعلتني أضم ثيابها التي احتفظت بها كل ربع ساعة،لم أشتق لتلك الدرجة التي جعلتني أسمع صوت بكائها في رأسي فاركض للغرفة وانا اردد"قادمة ماما قادمة" ثم لا أجد أحدا،نعم لست مشتاقة لجنة أبدا.

ابتسم وأمسك بيدها يضمها بحب ثم نظر اليها وقال:لنذهب.

خديجة:وهل يمكن زيارتها في اليوم مرتين؟

الشيخ حسن:لا ضرر في ذلك فالمديرة متفهمة.

خديجة بفرح:إن كان هكذا لأرتدي حجابي سريعا وأجهز لها العرائس ونذهب سريعا.

نظر إليها بحب وهي تتحرك أمامه تلك النظرة لم لم يغيرها زمن ولا شيب كما الحال دوما علي مر السنين يُجيد مُطالَعة عَينيها وتجيد هي كِتابة الحُب في نَظَراتِه الشابة التي لم تشيب يوما ثم زفر واردف:شتكونين أما في الجنة وزوجتي ايضا إن شاء الله صبرك هذا لن يذهب هباء منثورا

تحركا نحو الملجأ وبعد فترة وصلا إليه ودخلا مكتب المديرة ليجداها تهم بالمغادرة لغرض ما فنظرت دهشة لتردد:الشيخ حسن

الشيخ حسن:السلام عليكم ورحمة الله

المديرة: وعليكم السلام خير يا شيخ ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟

الشيخ حسن:هذه زوجتي خديجة لقد اشتاقت لجنة كثيرا وطلبت مني أن أحضرها لرؤيتها إذا أمكن.

المديرة:أهلا بك أختي

خديجة:بوركت

المديرة:فيك بركة ثم يبدو أنكم تعلقتم كثيرا بجنة حتى تزوروها باليوم مرتين ماشاء الله الفتاة محظوظة بكما لم يفعلها أحد قبلا بالعادة يأتي مشايخ كثر يحضرون الأطفال الذين يجدونهم أمام أبواب المساجد من أول لحظة وأنتم جزاكم الله كل الخير رعيتموها حتى كبرت شهرين لن أخفيكما لن أتمنى راعيين لجنة غيركما لو فقط وافقتكم الظروف.

خديجة بحزن:لقد بقي فؤادي فارغا لفراقها بالكاد أستصيغ أن ابنتي ليست بيننا لكن بالأخير حقها المشروع أن تعيش حياة كريمة حين تكبر وأن لا ترى نفسها ناقصة مقارنة بغيرها.

المديرة:المال ليس كل شيء سيدة خديجة وأنت تعلمين.

خديجة:لكن بوقتنا هذا يجب أن يوفر نحن على زماننا لا نهتم لكن هذا الجيل إن لم توفري له ما يحتاج كغيره حتى أنت وتحسين بالعجز.

الشيخ حسن:لا بأس في ذلك سيدتي لكن أيمكننا رؤية الصغيرة؟

المديرة:كنت ساخرج لتوي لعمل مستعجل لكن لا باس سأبقى قليلا حتى تريا جنة.

خديجة:يمكنك الذهاب لن نعطلك

المديرة:لا أستطيع يجب أن اتأكد أن جنة عادت لسريرها وأن كل الاطفال موجودون وسالمين قبل أن أخرج.

الشيخ حسن:بارك الله فيك 

المديرة:إذا ترونها هنا أم الحديقة

خديجة ببهجة:بالحديقة إن أمكن

المديرة:حسنا.

ثم اخرج الشيخ حسن مبلغا من المال في مظروفا من جيبه واعطاه للمديرة قائلا: هذا من أجل جنة ربما قليل ولكني سأحاول جهدي ألا ينقصها شئ طوال بقائها هنا 

المديرة: بارك الله فيك واعطاك بقدر نواياك الخيرة،لا تقلق سأحرص علي راحة جنة كأنها ابنتي 


ثم تحركا بعدها نحو الحديقة وجلسا على أحد الكراسي يطالعنا بعض الأطفال هنا جالسين يدرسون بينما باقي الأطفال الصغار السن أغلبهم في الداخل.

نظرت خديجة ناحيتهم بحزن وقالت تتحاشى النظر لحسن:كيف استطاعوا التفريط بهم.

الشيخ حسن محاولا تهدئتها قليلا وهو يربت على كتفها:لكن أسبابه حبيبتي والخصام غدا عند رب العالمين قال تعالى:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

هذه حكمة الخالق وكل سيأخذ حقه ممن ظلمه.

خديجة:ونعم بالله

لحظات فقط يتأملان الأطفال لتأتي المربية بجنة تحملها بين يديها والأخرى تنظر إليها مذبهلة وما إن لمحتها خديجة آتية نحوهم حتى هرولت هي إليها بخطوتين فقط كانت عندها مرددة:طفلتي

لتأخذ الفتاة من يدي المربية سريعا ما جعل الأخرى تتذمر وتقول:على مهلك ستوقعينها

ردت خديجة بنبرة حادة:إنها طفلتي.

ناظرتها المربية قليلا ثم تحركت بعيدا لتقول:سانتظر هناك حين ينتهي وقت الزيارة سآخذها.

خديجة:لا بأس فقط اتركينا لوحدنا.

تحركت بها خديجة نحو حسن لتقترب منه وتردد:يييه يييه وجنتي الكرز وشفاه مرسومة جميلتي حبيبة أمها هذه اشتقت اليك يا صغيرة كثيرا كثيرا سبحان الذي خلقك وجعلك بلسما يشفي كل الجروح لقد بقيت وحيدة دونك يا حلوتي

الشيخ حسن:اعطني إياها قليلا.

خديجة:لا لن أعطيها لك 

الشيخ حسن:لماذا؟أنا أيضا أريد ضمها

خديجة:لكنك أتيت وضممتها حتى شبعت إنها لي الآن.

الشيخ حسن:يعني تقولينها هكذا في وجهي؟! منذ متى خديجة؟!

خديجة:منذ الآن أفرط بعروسة المولد التي تحضرها إلي ولا أفرط بجنة.

الشيخ حسن بتذمر:حسنا رضينا سانتظر ما ورائي.

ابتسمت خديجة ثم بدأت تداعب الصغيرة بحب وتقبلها وتضمها وتشمها وكأنها فارقتها سبعين سنة لتقوم بسحب تلك العرائس من حقيبتها تريها لها وتقول:انظري انظري لقد صنعت لك عرائس بيدي صحيح لا تزالين صغيرة على اللعب بها لكن لا بأس حين تكبرين تجدينها جاهزة وانظري هذا الحذاء الصغير لن تصدقي لقد كان لي في صغري احتفظت به لأجل أطفال لكن لم يشأ الله أن ارزق بهم لكن عوضني بك حلوتي.

طالعها بحزن مرير وزفر ليردف:يارب عوضها بم يطيب خاطرها المكسور يارب،خديجة أعطني قليلا لا أستطيع التحمل

خديجة ضاحكة:انظروا من يوصف بالصبور لا يستطيع التحمل

الشيخ حسن:أمام جنة أنا ضعيف

ابتسمت وأعطتها له ليقوم بتقبيل وجنتيها وضمها قليلا ثم لم يشأ أن يحرمها منها اكثر ولو ثوان فأعادها إلى حجرها مكتفيا بتأملهما بكل الحب.

لحظات مرت لا تزال تداعب الصغيرة وتتحدث معها وجنة تنظر فقط لا تستوعب شيء لكن ذلك الوجه الذي أمامها ألفته فبدأت تتحرك وتبكي بصوت خافت بالكاد يسمع حتى المربية هناك المنشغلة بهاتفها ولم تسمعه لكن خديجة تعرف جنة وكل حركة تقوم بها ماذا تعني بها وما تحتاجه فأدركت أنها تشعر بالنعاس لتقوم بتعديلها سريعا ثم قالت:ماذا يا حلوتي أتريدين النوم؟ او علك اشتقت لصوتي وتهويدتك تلك،حسنا بأمرك سنهود لك حتى تنامي يالتأكيد لا يفعلون هنا.

رددت:"نامي يا ابنتي نامي في حضني دفئ وحنان.....

وهكذا بقيت تحركها بهدوء وتهود لها حتى نامت الصغيرة في دفئ وأمان حقا.

تحدث حينها الشيخ حسن وقال:لقد تعودت عليك وشعرت بالأمان فقد نامت سريعا.

خديجة بعيون قد اغرورقت دمعا:هذه طفلتي أنا، ليس الزاما أن تكون ابنة رحمي بل والله انها لإبنة الروح التي حلت علي عالمي فلونته وزينته، لقد مر وقت طويل علي شعوري بالسعادة وجنة جاءت ومعها فرشاتي وألواني لترمم لوحاتي القديمة بعد أن اطفأها الزمان، لطالما دعوت ربي أن يجبر بخاطري، دعوت ودعوت ودعوت حتي ظننت انه لن يستجيب دعواي في الدنيا ولكن ما أنا إلا إنسانة عجولة غفلت حتي جائني جبر ربي لأستفيق علي صوت بكائها الذي اشبع رغباتي وغريزة أمومتي… 


وأتت اللحظة ليجبر الله فيها بخاطر عبده حسن وزوجته خديجة، لحظة يفزّ لها قلبيهما تشفي كل كسورهما، يعوضهما عما كان ليطمئنا، فعوض الله إذا حل أنسي عباده ما فقدوه..


مع حبي ♥️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي