في قبضة الدم

Samar Khalaf`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-25ضع على الرف
  • 54K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

عزيزي القارئ؛
سأنتشلك الآن الى إحدى بقاع الارض؛ لتشهد عيناك لحظة قتل الانسانية وتلك الثانية الفارقة في الحفاظ عليها، سترى ما لم يدركه عقل او يتفهمه منطق لكنك ستقر بمدى اهمية الغوص في اسرار العالم المحيط؛ كي تتعرف على المجاور وما بعده.
والآن لن اُكثِر عليك في حديثنا المشوق بل دعنا نحفر الاحداث على مهل، نطرق كل باب مختلف؛ حتى تفتح لنا كل شخصية من الابطال وتفصح عما تحمله من خبايا

هيا يا سادة عَلّنا نشاركهم ماهية ( قبضة الدم ).

( الفصل الاول )




_ صوت صافير سيارات الاسعاف والشرطة يحمله الهواء على ذراته؛ لينقله عبر اذانه الى مسامع الجيران والعامة المتجولين في شوارع الاسكندرية متسائلين بقلق ماذا يحدث في تلك البناية ولما هذا التجمهر من افراد الامن والاطباء مع المسعفيين، في خضم كل هذا تتوقف سيارة فخمة سوداء اللون نظيفة المظهر؛ ليهبط منها سيقان رجل يرتدي بنطال من خامة الجينز السوداء ثم استقام بكامل جسده الشامخ ذو الهيبة وما يضفي عليه القوة اكثر هو ملابسه السوداء اجمعها، اغلق باب سيارته ثم اقتلع نظارته الفحمية ايضاً من امام عينيه الواسعة القاسية، يعمق بصره تجاه الشقة التي حدثت بها الجريمة.

اسرع احد رجال الامن اليه في خنوع قائلاً :
_ سيد عزيز لقد حدثت جريمة قتل شنيعة في منزل الطبيب الشاب رامي العامر وقد استدعينا الاسعاف لكن يبدو ان الامر لم يكن صائب حيث ان رامي توفي منذ وقت مبكر بعد اصابته

يستمع الى حديث الضابط الذي يحمل رتبة اقل منه اثناء سيره الى شقة المجني عليه دون ان يجاوبه بنصف حرف، فقط يريد ان يستجمع كل الاطراف الحادثة والمرتبطة بالجريمة قبل ابداء رأيه؛ فهذه عادته في اي مهمة توكل اليه.
وصل الى جثة رامي الملقاة ارضاً المغطاة بملائة بيضاء ثم انحنى على نصف ركبته امام القتيل، رافعاً الوشاح فلم تتأثر ملامحه كما الباقين حوله الذين اشمئزوا من طريقة التمثيل بالجثة بل اكمل رفعه حتى النهاية

خرجت كلمة واحدة من بين احباله الصوتية :
_ سيرين



_ في مكان آخر بين اطراف مدينة الاسكندرية، نرى فتاة شابة تغوص بين احضان الفراش الدافئ غافية بعمق لكن ينتشلها من حلمها اللذيذ صوت الهاتف بجوارها على الكومود ففتحت عينيها تفركهما بعناية علها تستفيق؛ حتى تستطيع اخراج صوتها المرهق بسبب دوام البارحة في المشفى .

تناولت الهاتف هامسة بنزق :
_ماذا يا مجد؟ هل انهارت الدنيا و اعتدلت لما كل هذه المكالمات والضجة يا رجل ؟

اجابها مساعدها المخلص بهلع :
_اعتذر دكتورة سيرين لكن هناك جريمة قتل اخرى تمت صباح اليوم والمقدم عزيز يطلبكِ بالاسم حتى تأتي مقر الجريمة

انتفضت كأن النوم هرب من بين اجفانها فهي تعلم جدية الامر طالما ان هذا الضابط استدعاها بنفسه، هتفت بجدية :
_ حسناً يا مجد سأتولى الامر لا عليك



_ سحبت بأناملها القفازات الطبية البيضاء الى الاسفل كي تتأكد من ارتدائها جيداً قبل التعرف على الجثة المقابلة امامها ارضاً، بينما يرمقها عزيز بأهتمام طبيبة ناجحة جميلة، رشيقة، طويلة القامة متمكنة من اداء عملها يبدو ان حركة اصابعها الرقيقة واثقة مما تفعل حينما رأت الجسد الهامد امامها فحصته بكل جمود دون ذعر او تردد رغم ان مظهرها الانثوي لا يدل على جسارتها في ممارسة مثل هكذا عمل؛ لذا ذلك هو سبب اختياره لها لمساعدته في القضية.

نهضت سيرين بعد بعض الوقت تزيل القفاز عن يديها هادرة بجدية :
_يبدو ان القتلة تلك الايام لديهم هواية في البتر من جثث ضحاياهم

نصف ابتسامة حلت على شفتي عزيز مقراً :
_ انتِ محقة لكن مع التصحيح القاتل و ليس القتلة

خرجا سوياً بعيداً عن مكان الجريمة يتحدثا بعملية لتقول له :
_لماذا التصحيح؟

التفت لها ثم وضع كفيه في جيبي بنطاله :
_ اظن انكِ امرأة ذكية بالقدر الكافي حتى تلاحظين ان لدينا الآن جريمتين في نفس الشهر بنفس الكيفية وهي البتر والتمثيل بجثث الضحية

رفعت سيرين نظارتها الطبية بحرص التي تخفي عينين زرقاوتين :
_ هذا ليس دليل قاطع على جعل المتسبب في هذه الجرائم هو قاتل واحد كما ان وجود جريمتين في نفس الشهر ليس مبرر كافي؛ فأنت يا سيد عزيز ضابط متميز ومهامك جميعها عن الجرائم فليس عليك الاندهاش

ضم فمه ثم اردف :
_هذا مجرد اعتقاد وانتِ من ستؤكديه
فتحت باب سيارتها لكن قبل ان ترتادها اخبرته :
_الطبيب الشرعي مهمته الاولى هو وضع التقارير الخاصة بمرضاه او الجثث الموكلة اليه في بعض القضايا وليس عليه الربط بين الاحداث او التأكيد يا سيد عزيز

ابتسم بهدوء ماكر يخبرها :
_حدسك الطبي يجعل الشك يدور في صدرك لكنكِ مُصرة على النفي

بادلته ابتسامة عملية :
_كون انه تم بتر عين الضحية الاولى وبتر العضو الحساس للضحية الثانية فهو ليس دليل على انه قاتل واحد وعليك الملاحظة ان العضوين مختلفين تماماً، والآن يجب عليّ المغادرة يا سيدي

اشار لها بذراعه ان تذهب كما تريد فأنطلقت في طريقها انما ركب هو ناقلته وتحرك بها؛ لنجده توقف بسبب ازدحام خروج فتيات المدرسة الاعدادية المشتركة منتظراً ان يخلو السبيل له حتى يمر لكن مشهد اثار غضبه عندما رأى فتاة رقيقة ذات سلاسل شعر ذهبية تحاول الهرب من قبضة فتى على ذراعها الايمن.

هبط من مقعد سيارته راكضاً نحوها يمسك كف الشاب الصغير :
_عليك الابتعاد يا مدلل وان رأيتك تقترب من هذه الفتاة مرة آخرى سأرسلك لمن خلقك، افهمت؟

صرخ في كلمته الاخيرة لينتفض الشاب بعيداً يجري وخلفه اصدقاؤه ذعراً من شكل عزيز بينما بكت الفتاة بحرقة ممتنة له :
_اشكرك كثيراً يا سيدي فأنت قمت بحمايتي من هؤلاء المتشردين

ابتسم منحنياً بقامته تجاهها :
_لا عليكِ يا صغيرة لكن هيا سأوصلك الى المنزل؛ حتى لا يقوم احدهم بأزعاجك مرة آخرى

نظرت سيران بخوف الى الرجل الغريب لكنه قرأ افكارها؛ فأخرج لها هويته الخاصة لتتأكد انه شرطي :
_ لن أقوم بأكلك يا فتاة، انا ضابط سأعمل على حمايتك لست مثل الاحمق الاخر

قالها بمرح فابتسمت مطمئنة تسير معه حيث سيارته منطلقين معاً فسألها :
_ من هذا؟ هل هو حبيبك السابق ؟

نفت برأسها مسرعة :
_ لا انا لا اهتم بمثل هكذا امور لكنه زميلي بالمدرسة ويتعرض لي من حين لآخر و لا اعلم لماذا تجرأ كي يختطفني اليوم!

همهم مردداً :
_ لماذا لم تخبري والديكِ ؟

نظرت بحزن يدمي القلوب الى الاسفل هامسة :
_والديّ و اخي الاكبر توفوا منذ سنوات ولا امتلك سوى شقيقتي الكبرى وجدي، و بالطبع لن اروي لهم ما يحدث لا اريد ان اقحمهما في مشاكل كبيرة بسببي

ادار سيارته كما تصف له الطريق قائلاً بأعجاب :
_كم عمرك يا فتاة فعقلك يسبقه؟

شعرت بالراحة لهذا العزيز كما رأت اسمه في هويته :
_انا اسمي سيران وفي الخامسة عشر

هز رأسه بتقبل يخبرها بسلاسة :
_حسناً سيران، وانا عزيز مهران في الثلاثين من عمري وسأتولى مهمة حمايتك من الآن يا صغيرة لا تشعري بالقلق مرة اخرى وانا بجوارك، فقط عليكِ ان تدرسي جيداً حتى تحققي احلامك

شعرت سيران ان الله اهداها معجزة اليوم فهي حقاً اهملت في دراستها تلك الفترة بسبب خوفها من زميلها الذي يقوم بتهديدها طوال الوقت إنما في خضم ذلك اخرج عزيز ( كارت ) بطاقة ورقية مدون بها ارقام هواتفه وعنوان منزله مردفاً :
_ احتفظي به وهاتفيني كلما احتاجتي الى شيء، اتفقنا ؟

اومأ برأسها عدة مرات بالايجاب ثم خرجت من السيارة بعدما اوقفها؛ لتجد نفسها وصلت الى بوابة بنايتها فذهبت تحتضن حقيبتها المدرسية بأمتنان وسعادة لا مثيل لهم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي