ابنة القمر

Fatma Elalfy`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-12ضع على الرف
  • 30.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

"الفصل الأول"
لا تكره الشمس ولكن تحلم باليوم الذي تعانق به أشعتها الذهبية ولكن تخشي حدوث ذلك.

لم تسلم من كثرة الاقاويل حولها، تتعرض دائما لتنمر ولكن أرادت أن تتحدي نفسها وتثبت للجميع بانها القوية، التي تقدر علي التحدي وتتغلب علي معاناتها.

"وتين" فتاة جميلة بملامح جذابه تمتلك وجه مستدير كالقمر وشديدة البياض تتميز بالنمش الكثيف وذات شعر أحمر في الثانية والعشرون من عمرها، تعاني من مرض متلازمة جفاف الجلد المصطبغ، هو حساسية مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية القادمه من اشعة الشمس أو من بعض الاضاءات المعينة.

وإذا لم يتم حجبه، يتطور المرض ويتحول مع مرور الوقت إلى سرطان الجلد، ويطلق علي حاملي المرض (أطفال القمر).

كانت تجلس بغرفتها كعادتها، فتلك الغرفة الصغيرة هي عالمها الخاص، تجلس أعلي مقعدها خلف مكتبها الصغير وتنظر لشاشة الحاسوب باهتمام وتدق باناملها الرقيقة أعلي لوحة المفاتيح بعض الكلمات التي تريد
البوح بها من خلال تلك الشاشة فهذه وسيلتها الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي؛ فهي تشعر بالغربة وسط العالم المحيط بها.

تشعر بان القريب يبغضها وينفر منها، فماذا عن الغرباء التي لم تعرفهم.
دقت باناملها ما تكنه داخلها من شعور خفي.

(تلك الحياة هي غربتي، لم أحسها منذ أن كنت طفلة صغيرة وانا حبيسة غرفتي وأشعر بالغربة؛ فكل من حولي ينظر لي وكأنني منبوذه؛ فأنظر إلى نفسي في المرآه واددق النظر بوجهي، ولكن لم اشعر بالنفور أو القبح.
فقد ميزني الله تعالي بوجه حسن، ولكن اتسائل داخلي كل ليلة وانا بين جدارن تلك الغرفة ماذا يرؤن بوجهي كي يجعل الجميع ينفر من لقائي والتطلع إلى وجهي.

فالشخص الوحيد الذي ينظر لي بحب حقيقي هي والدتي الغالية، هي جسر أماني وعالمي الجميل.
أحبك يا أمي يا أعظم نساء الكون، يا بئر اماني ومنبع حناني).
**

"حاتم شريف" كابتن طيار، أربعة وثلاثون عامًا ذا بشرة قمحية وعينين بلون أوارق الشجر الاخضر، شعر بني ناعم ولحيه وشارب تزيدان من وسامتة، متعدد العلاقات بالجنس الآخر.

بمدينة روما الساحره، كان داخل غرفتة بالفندق ينعم ببعض الوقت مع الفتاة التي تعرف عليها ليلا داخل الملهي الملحق بالفندق، واصطحبها معه لغرفته لقضاء وقتا ممتعاً معا.

استيقظ حاتم من نومه، ألقى نظرة خاطفة علي الفتاة التي جانبه بالفراش ثم نهض ليدلف داخل المرحاض لينعش جسده بالماء البارد قبل أن يستعد لمغادرة الفندق ومن ثم يتوجه إلى مطار روما فلديه رحلة علي متن الطائرة العائدة إلى القاهرة.

وبعدما ابدل ثيابه وإرتدى بذلته الخاصة ككابتن طيار، اقتربت منه تلك الفتاة وهمست أمام شفتيه بعد أن طبعت قبلة رقيقة اعلاها:
-مذهل بهذه الثياب.

إبتسم بغرور وهتف وهو يضع الكاب أعلى خصلاته البنية:
-انا مذهل في جميع أحوالي -سوف أشتاق لك.

طبع قبله رقيقة أعلى وجنتها وقال وهو يهم بمغادرة الغرفة:
-وانا أيضاً سوف أشتاق لكِ عزيزتي.

- هل سنلتقي مرة أخرى؟
لاحت شبه إبتسامة وقال ساخرا:
-ولما لا؟

ثم غادر الفندق علي الفور وهو يسحب حقيبته خلفه، يتنفس الصعداء ويهمس داخله:
-لقاء ثاني! تتوهم ذلك، هو لقاء واحد وكفى، أنا مثل الطير أُغرد من غصن لغصن آخر بلا أغلال تُقيدني.
**
بالقاهرة داخل منزل حورية
طرقت والدتها باب غرفتها ثم دلفت برفق، تركت الحاسوب و تطلعت إلى وجه والدتها البشوش، لتقف حورية خلف ابنتها وهي تحاوط كتفها ومالت علي أذنها قائلة:
- حبيبة ماما، ممكن ترك الحاسوب من يدكِ الآن وتخرجي لتجلسي مع أولاد خالتك؛ فالجميع ينتظرك وانا سوف أصنع البيتزا الشهية لتناول العشاء معًا.

أغلقت الحاسوب علي مضض ثم هزت راسها بالايجاب:
-سوف ألحق بكِ.

تركت حورية الغرفة ثم توجهت إلى المطبخ لتعد لهم وجبة العشاء، اما عن وتين؛ فزفرت بضيق وهي تغادر غرفتها متوجة لغرفة الصالون لكي ترحب بخالتها وابنائها التي لم تسلم من سخافة لسانهم السليط؛ فهي تبغض التعامل معهما من أجل أنهم دائمي الاستهزاء بها.

وقبل ان تدلف لداخل الغرفة استمعت لهمسات خالتها وهي تقول لابنها البكر "نادر"
-ما رأيك في ابنة خالتك؟ اريدك أن تتزوجها فلن تجد فتاة مثلها، فلديها من الجمال ما يسر الناظرين وعلى خلق، حقا فتاة لا مثيل لها واذا قبلت بها فستظل دعواتي تلاحقك.

ضحك نادر بصخب ثم نظر لوالدته:
-حقا تريدن أن أتزوج من ابنة خالتي وتين !

ثم استطرد قائلا باستهزاء مبطن:
-وماذا أفعل بها اذا؟ انا اريد زوجة اظهرها لكل من حولِي، اصطحبها معي بكل مكان، وابنة شقيقتك لن تكون الزوجة المناسبة لي.

ضحكت شقيقته ومالت علي نادر قائلة بمرح:
- يا للعجب، فاذا تزوجت بها فتكون زوجة في الليل فقط.

اردفت قائلة بسخافة:
-ولكن عليك أن ترضى بها وتتزوج من غيرها زوجة بالنهار وتترك وتين لظلام الليل التي تعشقه؛ فسوف تكون
محظوظاً يا اخي.

هتفت والدتهم بغضب:
-اصمتوا، لا اريد سماع تلك التراهات، أجننتم؟ لماذا تتحدثون عن ابنة شقيقتي بهذا الاستهزاء؟

ثم رمقت نادر بنظرات غاضبة:
-وانت من اين علمت بانها سوف توافق عليك زوج لها؟ ألا ترى نفسك وأفعالك الحمقاء؟ فانت زير نساء والله لم أرضى بك لوتين فأنت لم تدرك قيمة تلك الجوهرة النادرة.

انسابت دموعها وعادت أدراجها إلى حيث غرفتها فقد سأمت ذلك التنمر الذي يلاحقها منذ أن كانت فتاة صغيرة بالروضة وإلى الآن لم تسلم من نظرات المقربين.
**

بمكان آخر بعيداً عن ازدحام القاهرة وشوارعها "بمدينة العالمين" كان شابًا وسيما يسبح داخل حمام السباحة الملحق بفيلته، شاب قمحي طويل القامه بجسد رياضي ذا الثلاثون عاما.

يتميز بشعره الاسود الكثيف الذي يغطي عنقه وعينان بلون العسل وغمازة بذقنه تزيد من وسامته.

اتت الخادمة تهتف منادية اياه:
-سيد "أمان" أشرقت هانم هاتفتك كثيرًا واخبرتني بضرورة الاتصال بها.

كان يسترخي بجسده داخل المسبح ولكن عندما ركضت إليه الخادمة وهي تحمل بيدها هاتفه الخاص، نهض من المسبح ثم التقط منها المنشفة وضعها أعلى شعره المبتل وسحب البورنص الخاص به وارتداه، ثم التقط منها الهاتف وهو يضعة أعلى أذنه واشاح بيده لكي تغادر:
-حسنا، عودي إلى عملك.

بعدما غادرت الخادمه المكان جلس أعلى المقعد يرتشف القليل من كوب العصير الذي أمامه ثم ضغط زر الإتصال ليستمع لصوتها الجلي الذي كاد أن يخترق أذنه وهي تصيح به:
-لماذا لم تأتٌ إلى الآن؟ أنسيت أمر الافتتاح غدًا وانت مازلت تتنزه؟ أريد حضورك علي الفور، أستقل أول طائرة للعوده فهمت
لم تعطيه فرصة للحديث فقد أغلقت الهاتف بعد أن أصدرت أوامرها.

زفر بضيق وهو ينهض من مجلسه ثم سار بخطوات واسعة ليدلف داخل الفيلا ثم الصعود إلى حيث غرفته وهو يحدث نفسه قائلاً:
- الهانم أصدرت الفرمان ووجب علي التنفيذ.

سحب منشفة ودلف لداخل المرحاض لينعش جسده بالماء البارد لعله يخمد ثورة غضبه فقد سأم ذلك التسلط المقيد به من والدته؛ فمنذ أن كان طفلاً صغيراً لم يتعدى عمر الثامنة وهو يعاني من ذلك الجفاء وتلك القسوة
التي تعامله بها والدته ولا يعلم ماذا اقترف من ذنب لتعامله هذه المعاملة؛ فقد تمني أن يتنعم بأحضانها الدافئة وتغمده بحنانها وتمطره من وابل المشاعر الذي افتقدها منذ الصغر.

ولكن هيهات فهذه السيدة القاسية جعلته يسأم تلك الحياة كانه جسدا بلا روح، آلة الكترونية تنفذ أوامر صاحبها فقط.
**

بعدما اغلقت الهاتف نظرت لزوجها بضيق:
-لا أعلم متي سيهتم بعمله؟

هتف خالد مدافعاً عن أمان:
-أخبرتك مراراً بأن عليكِ أن تُحسني من أسلوبك تجاه أمان، هو شاب ناضج ويعلم علم اليقين بمصلحته، اتركيه يفعل ما يحلو له، لا داعي للتحكم المستمر بكل تصرفاته وأفعاله، دعيه و شأنه.

اعلم أنه يهتم بشئون عمله، ولم يحدث شيئاً إذا ذهب ليستمتع قليلاً بعيداً عن توتر العمل؛ فهو لم يرح أعصابه منذ اقتراب ذلك الإفتتاح؛ فهو يشعر بالضغط الزائد وعليه الراحة.

نظرت له مستنكرة حديثه ثم قالت وهي تنهض من جانبه:
-خالد لا تتدخل، أنا أعلم جيداً كيف اتعامل مع ابنائي، تابع انت عملك.

هز رأسه بأسى ثم التقط هاتفه وأجرى اتصالاً بسكرتيرته الخاصه قائلا:
-هل ارسلتي دعوات الحفل نرمين؟

صمت قليلا ثم أردف قائلا:
- تولي كل شي يخص الحفل إلى أن يأتي أمان، حسنا إلي اللقاء.

ثم أغلق الهاتف وصعد إلى الطابق الثاني، قبل أن يدلف لغرفته سارت أقدامه إلى حيث الغرفة الخاصة بابنه.

طرق بابه برفق ثم دلف بهدوء، وجد "رحيل" شاردا وهو يمسك بفرشاة الألوان ويخط بها اللوحة المثبتة أعلى الحامل الخشبي.

ربت علي كتفه برفق لينظر له "رحيل" بابتسامتة الودودة:
-مرحبا، والدي العزيز في غرفتي المتواضعة!

ثم أشار بالفرشاة الي اللوحة
التي يرسمها قائلا:
-ما رأيك والدي الحبيب في إبداع فلذة كبدك؟

دقق خالد النظر في تلك اللوحة ثم همس بتسائل:
-ماذا رسمت بني؟

أمسك رحيل الفرشاة ثم اشار علي لوحته:
-هذه السماء الصافية وهنا وضعت الغيوم وبجانبهم القمر يضيئ السماء، ولكن لا علم بماذا أطلق علي تلك اللوحة ابي؟

ثم اردف قائلاً:
-اشعر بالحيرة في إختيار أسم يليق بجمالها، ما رأيك في غيوم القمر؟

هز خالد رأسه ثم قال بشرود وهمس بصوت خافت:
-سوف تكون اكثر جمالاً اذا رسمت وجه فتاة في هذا القمر وتصبح الفتاة هي التي تنير ظلمة السماء وسط الغيوم.

اُعجب رحيل بافكار والده ليهتف بحماس:
-رائعة تلك الفكرة وسوف انفذها.

ربت خالد علي كتفه ثم قال قبل أن يغادر الغرفة:
-سأخلد للنوم، تصبح علي خير بني.
-وحضرتك من أهل الخير أبي.
**

بمنزل حورية بعد أن انتهت من طهي البيتزا، دلفت لغرفة الصالون ونظرت حولها بغرابة ثم هتفت بتسائل:
-أين "وتين" ألم تغادر غرفتها بعد؟

هتفت شقيقتها بتوتر:
- لابد وأنها خلدت للنوم، دعيها تنعم بالراحة.
-لا لم تنم الآن.

قالتها حورية وهي تسير في خطواتها لتتوجه إلى غرفة ابنتها:
-سوف اتفقدها.

نظرت سندس لأبنائها بضيق ثم همست بصوت خافت:
-سامحكم الله، أتمني ألا تكون قد سمعت تراهتكم الفارغة.
**
همست حورية وهي تجذب ابنتها من الفراش قائلة:
-صغيرتي الجميلة هيا استيقظي لتجلسي معنا بالخارج، صنعت لكِ بيتزا الدجاج التي تعشقيها، هيا انهضي.

أخفت دموعها عن والدتها ثم سارت جانبها وحاولت رسم ابتسامتها الرقيقةوهي تصافح خالتها وابنائها.

رمقتها مريم بنظرات مبهمة، جلست علي مضض وتناولت العشاء معهم دون أن تتفوه بكلمة؛ فقد كانت مجروحة بسبب ما قاله ابن خالتها وظلت شارده،
فهل ستظل حياتها هكذا؟ تعيش علي الهامش لا يشعر بها أحد ولا تحاول أن تقترب من العالم الخارجي؟ فهي تشعر بأنها منبوذة وأنها محطمة من
الداخل ولم تقدر علي مواجهة من حولها.
**
عاد "أمان" فجراً بعد أن لبى رغبة والدته، كان يشعر بالارهاق بسبب قيادته لسيارته؛ فلم يجد طيران فقرر أن يعود بسيارته من أجل أن يتلاشى غضب والدته.

ثم صعد إلى حيث غرفتة لينم قليلاً قبل أن يذهب لعمله في الصباح فعليه أن يستقل فراشه ليرح جسده المتعب من عناء القيادة المتواصلة لعده ساعات،
علي الفور أغمض عيناه ليذهب في ثبات عميق.
**

"الدنيا لحظات وذكريات تمر اللحظات وتبقي الذكريات داخلنا؛ حتي نقيم انفسنا
ونذكرها بخيرها وشرها وما ذلك علي قلب الانسان وهو يمرر شريط ذكرياته علي رأسه ويبتسم للظريف منها ويضحك للمحزن فيها لأنه من الله"

أنهت وتين كلماتها ثَم اغلقت الحاسوب وتوجهت إلى فراشها دثرت نفسها داخله ثم احتضنت وسادتها وهي تتنهد بعمق ثم أغمضت عيناها وهي تشعر
بالسلام الداخلي بعدما قررت أن تتقبل حياتها كما هي.
ليس عليها فعل شيء من أجل أن يتقبلها الاخرين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي