الفصل الرابع

"الفصل الرابع "

أما عن خالد فرمق أشرقت بدهشة ثم قال بإقتناع: أمان لم يفعل تلك
الأفعال، ثم أردف بحزن قائلا: للاسف لا تعرفين شيئاً عن أبنك
هتفت بصراخ: -وماذا عن ما رأيته أمام عيني
هز رأسه بأسي: لازلتي كما أنتِ لم تتغيري بعد طوال الوقت،

تعاقبيه علي أخطاء لم يقترفها، لا ذنب له بشيء، دائما تفرضين تسلطك، تعافبيه دون إكتراث لمشاعره،
رغم أنك تعلمين علم اليقين بأنه لم يخطئ، ومع ذلك
تُصرين علي عقابه دون ذنب، استيقظي من غفلتك قبل أن يضيع من بين يديكِ وتندمي أشد الندم
لوت ثغرها بسخرية ثم قالت: دع نصائحك لنفسك، أنت أخر شخص
تحاسبني علي تربيتي لابنائي

زفر بضيق ثم همس بألم: معكِ كل الحق، أنا أخر من ينصحك
غادر الغرفة بأسي بحثا عن أمان يريد أن يتحدث معه وعلم بأنه يوجد
بالغرفة الخاصة به المنعزلة عن القصر، توجه إليه وقف علي أعتاب الغرفة
قائلا بحنان وهو ينظر له:
- كُف عن هذا، أنت متعب، عليك أن تكون الآن داخل فراشك
نظر له بأنفاس لاهثة وجبينه يتصبب منه العرق وهتف بصوت متحشرج:

تصدقني يا عمي أليس كذلك؟ لماذا والدتي لم تصدقني؟ أنا لا أفعل هذه
التصرفات الطائشة، لم اقترف الحرام، أنا أعلم حدود ديني
أقترب منه ثم ربت علي كتفه بحنان : اُصدقك يا بني، أعلم أنك
لا ترتكب الحرام ، فقد تربيت علي يدي واعلمك جيدًا
- ولما والدتي لم تكن مثلك ؟ لما دائما تحاول أن تقلل من شأني وتزعزع
ثقتي بنفسي، ما مشكلتها معي، لما لا تحاول أن تنصت لي وتفهمني،
استطرد قائلا بسخرية:

-أعلم جيدا بأنها أحدثت ثورة من أجل الخادمة فقط، لكن لو رائتني بهذا
الوضع مع فتاة أخري لم تثور هكذا، ولن اتزوج بطريقتها، ولم
ترغمني علي فعل لا أريده ، ولم أختار شريكة لحياتي من اختيارات
أشرقت هانم.
ثم عاد يهتف بصوت كساه الحزن:

-اذا كانت ملامحي تذكرها بوالدي فهذا لا دخل لي به، ماهر الشناوي
مات وتواري جسده الثري منذ قرابة العشرون عاما، ليس ذنبي بأنها مازالت
تتذكر الماضي، أخبرها إنِ سأمت تلك المعاملة وسوف أترك لها القصر والمصنع وكل شي وأرحل، سوف أنسحب من حياتها للابد.

شعر خالد بكم الحزن الساكن بقلب أمان، تنهد بحزن ثم ربت علي ظهره
بحنان ابوي: اهدئ يا بني، أعلم بانك تشعر بالحزن الآن، ما رايك أن تاخذ
عطلة وتسافر وعندما تشعر بالهدوء تعود تمارس عملك، لكن اياك أن تترك
المصنع والشركة أنت من أظهرت أسمها في عالم الموضة، لا تفرط بعملك
مهما كان الأمر.

ووالدتك هذا ابتلاء من الله عز وجل ولأبد وأن نرضا به، أنها حالة ميؤس
منها، لا أحد يختار والديه، هذا قدرك بني
لاحت شبه إبتسامه أعلي ثغر امان، عانقه خالد بحنو وهو يقول:
- أدعو الله بأن تسترد عقلها قبل فوات الأوان

**
غادرت المنزل بخيبة أمل، فقد كانت تظن بأنها سوف تجد ملاذها هنا،
لذلك منذ أن خطت بقدميها هذا المنزل وداخلها شيًا أرادت تنفيذه ولذلك
كانت دائما تتقرب إليه بود لعله يشعر بها ويتحسن قدرها علي يده، ولكن
هيهأت فمن الصعب أن تنظر لاعالي السماء وتلتقط نجمة بين يديها ، فهو بعيد كل البعد عن ما يتخيله تفكيرها المريض.

أمسكت بالحقيبة التي لملمت بها ثيابها واغراضها والقت نظرة أخيرة علي
ذلك القصر، فقد كانت تحلم بأنه تكون سيدته يوماً ما
لوت ثغرها بألم وهتفت بشرود: ألعن حظي التعيس الذي جعلني أدخل هذا القصر، الي اين ستذهبين بقدمك يا زيزي؟ ستصبحين مشردة بالشوارع يا بلهاء

ثم ضحكت بمرارة واردفت قائلة تعاتب نفسها: نسيتي نفسك يا زينب،
نظرتي للسماء وللابراج العالية، أين أنا وأين هو؟ هو أمان بيك أبن الزاوات
والقصور، ولد في فمه ملعقة ذهب، أين كان عقلي؟ صدقتي نفسك زيزي ونسيتي أصلك يا زينب، كنت أطمع بأن أكون سيدة القصر وليس خادمة وحسب، إلي أين ساذهب؟ لا أعلم أحد بهذة العاصمة الكبيرة

سارت بخطوات مضطربة لا تعلم إلي أين تخطو بقدميها وفجاة لمعت
بذهنها فكرة، لم تتردد في تنفيذها ولعلها تصيب تلك المرة.
اوقفت سيارة أجره واملت علي السائق العنوان المنشود التي تحفظه جيداً
فقد كانت تتردد علي تلك الشقة من أجل ترتيبها بأوامر من رب عملها، فهذه
الشقة ملك لصديقه وأثناء سفره كان أمان يطلب منها أن تذهب وترتبها من
حين لآخر عندما يخبره صديقه بموعد عودته، لذلك فهي تعلم عنوانها
وتحفظه عن ظهر قلب.

**
كان يهم بصعوده الدرج ثم تفاجئ بوقوف رحيل علي أعتاب غرفته بوجه
ناعس
عندما اقترب منه خالد هتف بدهشة: لماذا تقف هكذا؟ اذهب أكمل نومك
حك موخرة رأسه وقال وهو يتطلع لوالده بنعاس: شعرت بالقلق وسمعت
صوت عالِ، من كان يتشاجر بهذا الوقت المتاخر؟

ربت علي كتفه قائلا : لا يوجد أي شجار، عد أكمل نومك تصبح علي خير
- وحضرتك من اهل الخير
قالها وهو يهم بالدلوف لداخل غرفته ثانيا ولكن استوقفه صوت والده قائلا: -رحيل انتظر
تسمر مكانه وظل يتطلع لوالده
همس خالد بصوت خافت: لم تخبرني عن الحفل، هل راقت إعجاب شقيقك

هز رأسه بخفة: بالطبع والدي العزيز
ابتلع ريقه بتوتر ثم اردف قائلا: إذا مدام حورية عملها ممتاز
- حقا عملها رائع وسوف أخبر رفاقي إذا احتاج أحد منهم لحفل عيد ميلاد
او مناسبة سعيدة لم يتردد بالذهاب إلي حورية الزهور
ثم رمق والده بنظرة شك: أخبرني خالود لماذا تهتم بأمر تلك السيدة الجميلة؟

هز رأسه بتوتر وقال بصوت مضطرب: ولماذا أهتم أنه مجرد سؤال ليس إلا، كل ما في الأمر أنها سيدة وحيدة وأردت أن أقدم لها مساعدة وهي لا تعلم شيئًا
هتف رحيل بابتسامة تشق ثغره: أعلم بأنك صاحب القلب الحنون العطوف
رمقه بنظره غاضبة ثم قال لينهي الحديث بينهم : عُد الي فراشك واخلد للنوم أفضل لك

- كنت سأخلد ولكن اقلقت منامي والدي العزيز
أكمل خالد خطواته مبتعدا عن حصار ابنه لينهي تلك التسألات، تنهد بحزن
ثم دلف غرفته، وتوجها إلي الفراش دثر نفسه وحاول أن يهرب من نفسه
بالنوم، فلم تعد لديه طاقة علي التحمل.

**
داخل منزل حورية
فبعدما باحت بما في صدرها من ألم ومعاناة، حاوتطها والدتها بحنانها، ضمتها لداخل صدرها لعلها تخفف ما تشعر به صغيرتها.
هدأت ثورة غضبها واخمدت نيران الألم التي كانت مشتعلة داخلها،
واغمضت عينيها رويداً رويد إلي أن ذهبت في النوم، لتضمها حورية
بذراعيها وتنام جوارها تلك الليلة ولكن قلبها مازال ملتاع علي صغيرتها، تفكر ماذا عليها أن تفعل لكي تسعدها.

**
بعد أن ترجلت من السيارة وأعطت السائق النقود، حملت الحقيبة ودلفت
لداخل البناية ثم استقلت المصعد الكهربائي وضغطت زر الطابق الرابع،
حيث وجهتها.
بعد لحظات كانت تقف أمام الشقة المنشودة
وثم وضعت أناملها أعلي الجرس تدقه، عندما لم ياتي رد عاودت تدقه
بالحاح ولكن يبدو بأن المنزل فارغ.

جلست مستسلمة أعلي الحقيبة ثم وضعت كفها أسفل وجنتها وظلت تحدق
بالفراغ، لا تعلم كم مر عليها من الوقت وهي تنتظر قدومه، غلبها النعاس
فاستسلمت جوفنها لنوم.

في ذلك الوقت كان يغادر المصعد ويسير بخطوات ثقيلة فقد كان ثمل،
وعندما وصل لباب شقته دقق النظر لتلك الغافلة أمام باب شقته ثم اقترب
منها ليعلم من تكون، فتح فاه بدهشة ثم هتف باسمها:
-زيزي!

فتحت عيناها باتساع عندما تفوه باسمها ثم نهضت من أعلي الحقيبة تتطلع
إليه وتلوي ثغرها متصنعة الحزن ثم هتفت قائلة:
-أشرقت هانم طردتني ولم أجد مكانا آخر أذهب إليه، لذلك تذكرت حضرتك فاتيت إلي هنا
اشار بكفه لكي تصمت فهو في حالة سُكر، دس يده داخل جيب بنطاله
واخرج مفتاح الشقة ثم وضع المفتاح وبعد أن فتحها أشار بيده لتدلف لداخل قائلا:

-تفضلي، لا اريد سماع شيء الآن سنتحدث غداً
سارت خلفه تدلف لداخل الشقة بابتسامة واسعة وهي تشعر داخلها بلذة
الإنتصار بأنها حصلت علي مسكن وشابا آخر سوف تسلسله بقيودها.

تركها وسار إلي حيث غرفته بخطوات متبطئة اثر الكحول ومن ثم ارتمي
بفراشه دون أن يبدل ثيابه ليخلد في نوم عميق.
أما عنها فشعرت بالراحة وهي تتلفت حولها بانبهار وتهتف بانتصار:
شقة رائعة من الآن ستكون مملكتي الخاصة وسوف أرتاح من خدمة
القصور، سأفعل المستحيل من أجل الفوز بقلبه وماله وممتلكاته، سأغزل
خيوطي الحريرية حوله من الآن لينجذب إلي ولا يستطيع التخلي عني.

ثم اقتربت من الغرفة المجاورة لغرفته ودلفت لداخلها، ثم وضعت
الحقيبة أرضا واقتربت من الفراش الوثير قذفت بنفسها أعلاه لتنعم بدفئه
وتغمض عيناها في غضون ثواني معدودة لتذهب الي أحلامها الوردية.

**
في صباح اليوم التالي.
فتحت وتين عيناها بكسل لتجد مكان والدتها خالي، اعتدلت في فراشها
وزفرت أنفاسها بضيق عندما تذكرت ليلة أمس
نهضت من فراشها تغادر غرفتها بحثا عن والدتها وعندما وجدت المنزل
خاوي الا منها ، تنهدت بحزن ثم عادت الي حيث غرفتها وجلست اعلي
مقعدها خلف المكتب الصغير واخرجت دفترها وبدأت تخطى به

"اليوم وصلت الي طريق مسدود مع نفسي، لا أعرف كيف وصلت الي ذلك؟
لا أعرف ما هو السبيل للخروج منما أنا فيه
اليوم والامس لا أعرف ماذا أريد
لقد وصلت إلي مرحلة لا أُحسد عليها ولا أصدق نفسي
والآن أعاهدك يا نفسي أن أكون كما تردين وتلك هي البداية"
أغلقت دفترها ثم نهضت عن المقعد، دلفت إلي المرحاض لتنعش جسدها
أسفل المياة الدافئة لعلها تشعر بالاسترخاء وتنفض عن رأسها تلك الأفكار
المرهقة والعالقة بذهنها.

بعد أن انتهت من حمامها أرتدت البورنص خاصتها ثم غادرت المرحاض،
وقفت أمام دولابها تنتقي ثيابا ترتديها لكي تغادر المنزل وتتوجه إلي حيث
متجر الزهور الخاص بوالدتها القابع أسفل البناية
فقد عزمت علي مصالحة والدتها بعد الحديث المؤلم الذي دار بينهما
بالأمس.


أما عن حورية فلم يهدأ لها بال فقد ظلت طوال الليل تفكر في حل لمشكلة
صغيرتها، أيقنت بأنها لابد وأن تنشغل بعمل تحبه ويناسب وضعها الصحي
جال بخاطرها الشاب التي التقت به عن طريق الصدفة وطلب منها تجهيز
قاعة لاحتفال بشقيقه، التقطت هاتفها بلهفة تبحث عن رقمه لتبتسم
بارتياح ثم قررت الإتصال به

تفاجئت حورية بابنتها تقف أمامها بطلتها المعتادة وهي ترتدي حُلة بيضاء
وكاب أبيض تضعه أعلي رأسها لتواري اشعة الشمس عن وجهها وترتدي
نضارتها الشمسية لتداري عينيها، ابتلعت حورية ريقها بتوتر ثم وضعت
الهاتف جانبا قبل أن تضغط زر الإتصال

اقتربت وتين تعانق والدتها بحب وتقبل وجنتيها وهتفت معتذرة عن ما باحت به أمس:
- حورية قلبي، أنا اسفة عن كل الترهات التي تفوهت بها أمس، لا تغضبي حوريتي
شددت في عناقها وطبعت قبلة رقيقة أعلي رأسها بحنان ثم اردفت قائلة:
- روح قلب حورية لا تعتذري حلوتي، فأنا التي تخاذلت عن أمور كثيرة
بالماضي

قاطعتها وتين بحزن: لا حضرتك لم تتخاذلي عني من قبل، أنا أعتذر كنت
أشعر بالحزن بسبب حديث نادر ومريم فقط
ربت علي كتفها بحنو:
-أنتي فتاة جميلة و من حقك أن تعيشي حياتك مثل أي فتاة بعمرك،
تعلمين أنتي بحاجة إلي عمل يناسبك، وسوف أجد لكي حلا بالخروج نهارًا
هتفت متسائله بدهشة: ماذا!؟

لاحت ابتسامتها الهادئة ثم قالت:
-لا عليكِ، دعي الأمر لي،ثقي بوالدتك
- طوال عمري لم اثق إلا بكِ سيدتي الجميلة، أمي العظيمة التي أعشقها،
ادامك الله تاج رأسي وآدم عمرك يا أعظم نساء العالم
عانقتها بقوة وظلت تمسد علي ظهرها برفق وتدعو الله بأن يغدقها بالسعادة
التي تستحقها فهي ابنتها قطعة من روحها وقلبها ولا تتحمل أن يُصابها
الاذي وتتحطم قواها، عليها الآن أن تثبت للعالم أكمله بأن ابنتها من حقها
العيش والتعايش بهذا المجتمع الذي مازال يقسو عليها بسبب التنمر و
السخرية التي تلاحقها إذا وجدت بمكان، اتخذت القرار الصائب من أجل
طفلتها فقط.

**
في ذلك الوقت ترك "أمان" الغرفة التي قضي بها ليلة أمس والقي نظرة
خاطفة علي القصر من الخارج ثم هز رأسه بأسي وسار بخطواته الثابتة
مبتعدا ليستقل سيارته متوجها إلي عمله داخل شركته الخاصة.
في غضون دقائق كان يصف سيارته أمام صرح الشركة، ثم ترجل منها والقي مفتاح السيارة لرجل الأمن الذي يقف أمام الشركة ودلف لداخل
بخطوات واسعة، استقل المصعد صعودا إلي الطابق الذي يقبع به مكتبة
الخاص وعندما ترجلا من المصعد سار بالرواق المؤدي لمكتبه، لم ينظر
لتلك الفتاة الجالسة أمام حاسوبها تتابع عملها ولم يكترث لوجودها دلف
لمكتبه مغلقا الباب خلفه بقوة منما جعلها تنتفض بذعر ونظرت حولها
بصدمة عندما علمت بأن رب عملها قد حضر.

نهضت من أعلي مقعدها تحمل بين يديها بعض التصاميم التي تريد أن
تعرضها عليه، ثم وقفت أمام باب المكتب تدقه برقة
لتجحظ عيناها بصدمة عندما اتاها صوته الغاضب يهتف من الداخل قائلا بصرامة:
- لا أريد أن التقي بأحد اليوم
ابتلعت ريقها بتوتر ثم عادت أدراجها إلي حيث مكتبها، ظلت تتطلع لباب
غرفته بشرود، فتلك هي المرة الأولي التي تراه غاضب بهذا الشكل

همست بصوتها الخافت وهي تجلس خلف مكتبها: لا شأن لي بذلك، يجب
أن اتابع عملي.
أما عن أمان فقد كان مثل الأسد الثائر داخله براكين مشتعلة لو خرجت
لأحرقت الأخضر واليابس
وقف خلف النافذة يتطلع للخارج بحزن دفين يريد أن يفصح عنه
دس كفه داخل جيب سترته ليخرج القداحة وعلبة التبغ، أخرج سيجارة ثم
هم بإشتعالها ليحرق صدره بالدخان مثلما يحترق قلبه الآن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي