الفصل الثاني

"الفصل الثاني"

في صباح اليوم التالي
هتفت أشرقت بصوت عالِ وهي تنادي الخادمة:
-زيزي أصعدي إلي غرفة أمان وايقظيه
هتف خالد وهو ينظر لزوجته بسأم:
-اتركيه ينعم بنوم هادئ، فهو لم يعد إلا بعد آذان الفجر، ولابد وأنه متعب بسبب قيادته طوال الليل وجسده يحتاج لقسطا من الراحة

لوت ثغرها بضجر ثم قالت:
-بعد إنتهاء العرض يفعل ما يشاء، لكن الآن لدينا أعمال مهمة ولا يوجد وقت للراحة.
أت رحيل في ذلك الوقت وهو يحمل دفتره الخاص بالرسم ثم قال وهو ينظر لوالديه:
-صباح الخير.
- صباح الخير بني، إجلس تناول فطارك

قالها خالد وهو ينظر لرحيل
التقط رحيل قطعة خبز ثم دهنها بالمربي وقضم منها قضمة ثم قال:
-ليس لدي وقت، اليوم لدي إختبار بالجامعة
قاطعته أشرقت بضيق:
-لا تفعل هذه الحماقات أجلس وتناول طعامك بادب، لا بهذا الشكل المقذذ للعين، تعامل بانك شاب ارستقراطي

لوي رحيل ثعره ثم أكمل تناول الخبز وسار بخطوات مبتعدة ثم لوح بيده
مودعا والده:
-الي اللقاء والدي العزيز
تجاهل تماماً حديث والدته الفج، فهو شاب ويريد أن يفعل ما يحلو له
دون قيود تلك السيدة المغلفة بالجليد وقسوة القلب.


طرقت زيزي غرفة أمان بهدوء ثم دلفت لداخل واغلقت الباب خلفها،
سارت إلي حيث فراشه ظلت تتطلع إليه بحب ثم رفعت أناملها تمسح علي خصلاتة السوداء.
فتح أمان عيناه عندما شعر بشي يداعب شعره، ابتعدت عنه بصدمة ثم بلعت ريقها وهتفت بتوتر:
-أشرقت هانم تنتظرك بالاسفل
ثم سارت بخطوات مبتعدة ليصرخ أمان مناديا اياها بصوته الحاد:

- لا اريد منكِ ان تقتحمي غرفتي ثانيا، لا تدخلي قبل أن أذن لكِ فهمتي؟
هزت رأسها باضطراب ثم غادرت الغرفة ركضا تحاول إستجماع شتاتها الذي
تبعثر في حضرتة، فمنذ أن خطت بقدمها داخل هذا المنزل الضخم وهي
تتودد له وهو دائما يصدها ويتحاشي النظر إليها، وهي لم تكف عن التقرب
منه؛ فلديها أحلام وطموحات رسمتها بخيالها المريض بأن تصبح في يوما

سيدة ذلك القصر وتكون هي الملكة المتوجة علي عرش قلبه، تريد أن تنهار
حصونه ويغدقها بعشقه التي طالمت حلمت به؛ ولكن هذه مجرد أحلام
واهية من نسيج خيالها.

**
بمنزل حورية

دلفت لغرفة ابنتها لكي تُقظها قبل أن تذهب إلي متجر الزهور خاصتها
همست بجانب صغيرتها بحب وهي تمسد علي ذراعيها برفق:
- ملاكي، أنا ذاهبة إلي المتجر الان، هل تريدي منِ شيء قبل أن أُغادر؟
نهضت من فراشها ، طبعت قبلة حانية اعلي وجنتيها ثم عادت لنومها
وهي تقول :
-لا أريد سوا الإهتمام بصحتك حوريتي

ابتسمت حورية ثم عادت أدراجها تغادر غرفة ابنتها بلا تغادر المنزل باكمله،
لتهبط إلي حيث الطابق الأرضي لتفتحت باب متجرها الخاص بالزهور،
وتبدا نهارها بالاعتناء بتلك الزهور التي أصبحت جزءا من حياتها اليومية.

تملمت وتين في فراشها بعدما غادرت والدتها المنزل، نهضت مسرعة وقفت
خلف نافذتها تتطلع للخارج بلهفة طفل صغير، رفعت مقلتيها الزرقويتين
تطالع الشمس في الافق، لاحت إبتسامتها ثم بحثت عن دفترها وأحضرت
قلمها وعادت إلي حيث مكانها خلف النافذة تراقب بصمت الشمس
وأشعتها الذهبية المسلطة علي زجاج شرفتها وتنتابها مشاعر السعادة وهي
تخط بقلمها ما تشعر به الآن

"حبيب أريده، قلب أُحبه، عقل أُعجب به"
هذا كل ما أبحث عنه
حبيبي أين أنت؟
أين تكون؟
ومن تكون؟
لقد طال أنتظاري لك
أُحبك قبل أن أراك
أعشقك قبل أن أفكر بك
أين انت الان؟
إلي لقاء أريده
إلي لقاء أنتظره
إلي اللقاء

**
أنتهي أمان من أرتداء ملابسه ثم التقط متعلقاته وغادر غرفته ثم هبط الدرج سريعاً، سار إلي حيث يوجد والديه هتف بوجهه الباسم:
- صباح الخير أمي، صباح الخير عمي
أبتسم له خالد بود واجابه:
-صباح الخير يا بني ، حمدالله علي سلامتك
- سلمك الله

قالها وهو يجلس بالمقعد المجاور لوالدته، همست أشرقت بحدة:
-أتمني قبل أن تسافر إلي أي مكان تخبرني أولا، لاخبرك اذا كان وجب
عليك السفر ام لا، لا تتصرف من رأسك، ليس لدينا وقت لاستجمام سعادتك
زفر أنفاسه بضيق ثم نهض من مكانه قبل أن يتناول طعامه، رمق والدته بنظرة عتاب قائلا:

- أولا أنا لم أتغاضي عن عملي ولم أهمله يوما، وقبل أن أسافر العالمين كنت
قد أنهيت كل شي وليس لدي أي ارتباطات تشغلني، وأعلم جيداً بموعد
العرض، ورجاء من حضرتك أن تاخذي بعين الإعتبار أننِ ليس طفل صغير، أنا شاب يافع وتجاوزت الثلاثون من عمري
كادت أن تهتف معترضة حديثه ولكن سبقها أمان هذه المرة قائلا:
- أنا ذاهب إلي عملي

غادر الفيلا بخطوات واسعة وداخله براكين تشتعل من الغضب بسبب
معاملة والدته الجافة المسيطرة معه
استقل سيارتة وضرب بقوة أعلي محرك القيادة ثم قادها في طريقه إلي مقر عمله داخل شركه(أمان) لتصميم الأزياء والصيحة العالمية في عالم الموضة.

أنشغل أمان بالتحضيرات التي تخص عرض الأزياء الخاص بشركته إلي أن
حل المساء وحان موعد العرض
ترك المكان ليبدل ملابسه بحُلة سوداء وتوجه إلي حفل العرض الذي يقام
علي شرف شركته.

جلس خالد وزوجته جانبه ينتظرون العرض الخاص بشركة "أمان"
أما عن أمان فقد كان يقف بجانب المصور يخبره بعدة ملاحظات لكي
يتجنبها أثناء مرور عارضات الأزياء علي خشبةالمسرح.
واثناء إهتمام نادر بما يخبره به امان، صدح رنين هاتفه مقاطعا أمان حديثه
أعتذر نادر بلباقه:

-اعتذر سيد أمان، أغلق رنين هاتفه وعاد ينظر له بأهتمام قائلا؛ تفضل أكمل حديثك
-أنا انهيت حديثي، أريدك أن تهتم بادق التفاصيل، لا أريد أن يحدث خطأ
ثم تركه أمان بخطوات واسعة ليستعد لبدء العرض.
أما عن نادر فنظر إلي هاتفه بضجر وهتف بضيق:
-لماذا تتصل بي الان؟ ماذا تريد، ثم أردف قائلا:
- علي أن أهتم بعملي أفضل


بدء العرض وتوالات العارضات يسيرون علي السجادة الحمراء يعرضون
الثياب الخاصة بشركة "أمان" يتهادون في مشيتهم وتلتقط لهم بعض
الصحف الصور الفوتغرافية.
وبعد إنتهاء العرض صُنفة شركة عالمية بسبب تلك التصاميم الخاص به
شعر أمان بالسعادة فقد حقق حلمه لإعلان أسم شركتة علي مستوي العالم

أراد رحيل أن يفاجئ شقيقه بحفلة خاصة، فقد اتفقا مسبقا مع أحدي
السيدات أن تزين قاعة للاحتفال بنجاح عمل شقيقه

**
نظرت لهاتفها بحزن فبعد أن أنتابها الشعور بالشجاعة وعدم الاستسلام لما
يقولونه الآخرين عنها، قررت المواجهة وأرادت أن تتحدث مع ابن خالتها
عن ما سمعته وأنها لن تسمح لأحد بعد اليوم أن يتنمر عليها أو يسخر من
شكلها ومرضها الذي لا ذنب لها فيه.


اغلقت حورية متجر الزهور الخاص بها وصعدت إلي ابنتها تخبرها بأن لديها
عمل بالخارج وتريد أن تصطحبها معها.
بعدما دلفت من باب الشقة هتفت حورية مناداة ابنتها:
- توتي ،قلب ماما
فجاة استمعت وتين لمناداة والدتها، جعلها تترك هاتفها أعلي مكتبها ثم أغلقت حاسوبها وغادرت الغرفة لتلتقي بوالدتها
اقتربت حورية تمسد علي خصلاتها الحمراء قائله بحب:

- ما رايك أن نغادر سويا، لدي عمل خارجا، وسوف ازين بازهاري الجميلة مناسبة خاصة لاحتفال، وأريد مساعدتك حلوتي
هزت رأسها بالرفض:
-لا اريد أن أغادر المنزل
- لما ؟صدقا حبيبتي أحتاج اليكِ لتساعديني علي إنهاء مهتمي، وكم يبدو
الجو هادئ وجميل بهذا الليل، وأعدك لا تتضايقين
انصاعت لأوامر والدتها ودلفت لغرفتها لكي تبدل ملابسها، فلا تريد أن
ترفض لها مطلباً ،كما انها حقا بحاجة لتتمنع بنسمات الهواء الباردة في
جوف الليل العليل.

**
التقي حاتم بصديقه أمان، عانقه الأخير وهو يشدد علي ظهره
-مبارك يا صديقي، ثم هتف بفخر:
-فعلتها يارجل وسوف يذاع أسمك بالشرق الأوسط
أبتسم له بخفة ثم قال بثقة:
-وهل كنت تشك بطموحي؟ أحذر أنت لا تعلم أن سقف طموحي عالي جداً
يكاد أن يصل لنطحات السحاب
قهقه حاتم عاليا ثم أرسل إليه غمزة مشاكسة وقال:

- ذؤقك تحسن فلديك عارضات جديدات، سوف أذهب لأقيمهم بنفسي
أمسكه من ذراعه مانعا إياه من الذهاب وقال بصرامة:
-حاتم ظل مكانك، هنا مكان عمل ولن أسمح لك بتخطي تلك الحدود
تنهد بضيق ثم دس يداه داخل جيب بنطاله قائلا بنفاذ صبر:
-حسنا سوف أظل مكاني متخشبًا مثلك، يا لك من شخص مُعقد
رمقه بنظرات نارية، ليستطرد حاتم قائلا:

-دعك من تلك النظرات سوف أصمت
تأفف بضيق ثم قال:
-يكون أفضل لك أن تغلق فمك
ات رحيل في ذلك الوقت ونظر لشقيقه بسعادة ثم هتف قائلا:
-مبارك اخي الحبيب، فعلت من أجلك حفل بسيط، هيا لنحتفل

لمعت عين حاتم بفرحة فقد ظن بأنها حفل راقص ويوجد بها فتايات، خاب أماله عندما أسترسل رحيل قائلا:
-حفل خاص بنا، بمكان قريب من هنا والجو هادئ لا يوجد شي يزعجك ولا يوجد صخب أطمئن
هز أمان راسه نافيا لا يريد الذهاب، ولكن اصر رحيل علي الإحتفال بنجاح شقيقه وبالفعل سارو ثلاثتهم إلي حيث القاعة التي أعدتها حورية بمساعدة ابنتها

**
كانت تزين حورية الطاولة بعناية وتضع قالب الكعكة بمنتصف الطاولة
وكأسات بها شموع فواحة مضاءة بعدة الوان مختلفة
ونثرت أرضا أوراق الزهور البيضاء والحمراء وكتبت بالمنتصف أسم أمان
بزهرة الياسمين التي أعطت للمكان رائحة جميلة.

كانت"وتين" تجلب لوالدتها باقة كبيره بها زهور متنوعة ، من زهرة النرجس والبنفسج والاوركيدا حملتة بصعوبة ثم دلفت به لداخل القاعة، كان يحجب
الرؤية عن وجهها فكانت تسير ببطئ لتصطدم فجاة بشي صلب، سقطت
الورود أرضا وتطلعت بعينيها البراقة الساحرة لأعلى لتلتقي ببركة العسل خاصته.

اما عنه فقد جحظت عيناه بقوة عندما وقعت علي تلك الساحرة بشعرها
الأحمر المموج وعيناها الزرقاء التي تشع بريق كعينان الهرة وبياض بشرتها
الثلجية ليهتف قائلا:
-سلام قولا من رب رحيم، جنية أنتِ
عندما استمعت بما تفوه به، شعرت بالحزن لتغادر المكان ركضا وكأنها حقا
جنية أتت واختفت في لمح البصر.


ركضت مبتعدة عن المكان وصوت أنفاسها المتقطعة تكاد تخرق أذنيها، لم
تتوقف عن الركض إلا لتلتقط أنفاسها، تنهدت بصوت مرتفع ثم حاولت
جاهدة أن تنظم أنفاسها بهدوء، تطلعت فجاة للخلف ثم علت شهقتها وعادت تلامس جسدها وتهتف بصوت حزين مضطرب:
-حقا أنا جنية؟!

**
كان يهم بالمغادرة بعد أن أنهي جلسة التصوير الخاصه بعارضات الأزياء
وكان يسير ببط يغادر المكان لكي يصل إلي سيارته التي يصفها مبتعدة عن
قاعة العرض، وأثناء سيره كان يضبط كاميرته ويبتسم وهو يتطلع لهؤلاء
الفاتنات التي التقط لهن العديد من الصور وفجاة استمع لصوت مألوف يهتف بإسمه.
لم تكن سوا "وتين " التي كانت علي مقربة منه تطلعت له بدهشة ثم هتفت
مناديه إياه: نادر

أقترب منها بخطواته الواسعة ينظر لها باندهاش ثم هتف متسألا:
-وتين من أين اتيتي العي هنا بذاك الوقت؟
أشارت بيدها لتلك القاعة القريبة:
-كنت مع أمي لديها عمل في تلك القاعة القريبة "قاعة سونيوريتا "
هز رأسه بتفهم ثم عاد يتسأل:
-هل يوجد شيء لما كنتِ تهاتفيني؟ أعتذر لم أجيبكِ لأن لم اكن متفرغًا كان لدي عمل هام

تذكرت ما سمعته الليلة الماضية وراودها الشعور بالحزن والألم ولكن
أستجمعت شتاتها ونظرت له بقوة وهي تهتف بصوت حاد:
-استمعت لحديثك أنت ومريم ليلة أمس
ابتلع ريقه بتوتر وهز كتفه بتسأل:
-حديث! عن أي حديث تتحدثين؟
استطردت قائلا بثبات:

-كل ما جرا يا أبن خالتي، ولكن اُحب أن أخبرك بشيء، أنا أراك
شقيقي الأكبر، شقيقي الذي اكن له كل الاحترام، لم أتذكر يوماً أنِ
اغضبتك ولم أجرحك يوماً بكلمة أو نظرة، كنت أُعاملك كأخي الذي لم تنجبه أمي،
ولم أنتظر منك سوا أن تظل جانبي كأخ يحمي شقيقته
الصغري، يحتويها ويغدقها بحنانه، وإذا تطلب الأمر نصيحة، لم أنتظر أن تكون أنت الآخر يسخر منِ أو يستهزء بمرضي، فهذا ليس ذنبي بأنِ أعاني ذلك المرض،

ولكن خابت ظنوني القريب يفعل بي هذا ماذا عن الغريب يا
أبن الخاله، أشعر بأنِ منبوذة داخل عائلتي، حتي أنت لم تُقدر ظروفي
ووضعي الصحي، أنا لست بمعاقة ذهنية ولا حركية ولا شيئ ينقصني، فأنا
أقف علي قدمي ولدي ذراعان وعينان وكل عضو داخل جسدي بمكانه
الصحيح، فلا تسخر مني أرجوك
ثم استرسلت حديثها قائله:

-أنا مميزة وراضية بما أتاه الله لي، حقا أعشق اليل لأنه يشعرني بالسكينة و
الهدوء، أحب الشمس أيضا وأتمني أن ياتي يوماً وتعانقني أشعتها الذهبية
لتُشعرني بدفئها ولكن حُرمت منها لأنها ضارة، لذلك أحافظ علي نفسي وعلي لون بشرتي فاذا تعرضت لأشعتها جسدي لم يتحمل الأمها، أنا خُلقت هكذا وهذه نعمة وليست نقمة، أما عنك يا أبن الخاله فقد

جرحتني بكلماتك الفجة وكانت مثابة خنجرًا غُرز بقلبي كاد أن يُمزق روحي، فأنا لم أئذيك يومًا لماذا أنت فعلتها؟ لا أستحق هذا منك فأنا مازلت قوية أقف علي قدمي وسخريتك تلك لا تعنيني، الآن أقف أمامك بصمود واُدافع عن حقي دون أن أنتظر والدتي لتدافع عنِ فهذا حقي.

دارت وجهها وهمت بالرحيل ولكن أسرع نادر وأمسك بذراعيها يمنعها من
السير وهو خجل من نفسه علي ما فعله بهذا الملاك البريء، فكلامها مثابة
دلو ماء بارد وسُكب عليه في ليل يناير وطقس شديد البرودة
_______
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي