جحيم زوجته

nadaelshahat16`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-01-25ضع على الرف
  • 58.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

الفصل الأول: «الزوجة الثانية».

...

«إلى أين أنتِ ذاهبة؟ لم ينتهِ الدوام بعد، هذه ليست عادتكِ في العودة للبيت مبكرًا.»

تنهدت الأخرى بضجرٍ وبدأت بجمع أشيائها في حقيبتها تجيب ورأسها لم ترفعه:

«نعم (ساندي)، هذه ليست عادتي في الذهاب مبكرًا، ولكن كما تعلمين زوجي سيعود من السفر في المساء، ويجب أن أعود للبيت مبكرًا؛ للقيام ببعض الأعمال الخاصة باستقباله.»

نظرت لها ساندي بعينيها الخضراوين اللامعتين بخبث، ثم نهضت عن الكرسي خلف مكتبها واقتربت منها تضع يدها على كتفها، بينما تلك الابتسامة المستفزة احتلت شفتيها النحيفتين تهمس بخبثٍ:

«رائع.. رائعٌ جدًا، يبدو أن السيد (چُنيد) قد تذكر أخيرًا أن لديه بيت وزوجة وأيضًا طفلة صغيرة؛ لذلك قرر العودة بعد غيابٍ دام لشهر كامل.. حقًا أنا سعيدة من أجلكِ.»

مسحت دمعةً وهميةً تمثل البكاء، فالتفتت لها الأخرى تنظر بعتابٍ، ثم ضربتها في ذراعها بخفةٍ تتذمر:

«ساندي أرجوكِ كُفي عن هذا المزاح الثقيل، زوجي دائمًا منشغل بعمله، ولكن لديه السبب؛ فهو يسافر ويعمل لكي يوفر لي ولصغيرتي الأموال لنعيش برفاهية.»

قلبت الأخرى عينيها بمللٍ، ثم عادت تجلس على الكرسي خلف مكتبها تتحدث بمللٍ:

«نعم.. نعم أعلم أنه يعمل ليوفر لكما المال وبلا بلا بلا وهذا الكلام الفارغ كله، لا أريد أن أكون سببًا في انزعاجكِ، ولكن دعيني أخبركِ أن من يحب زوجته لا يبتعد عنها كل هذه المدة بحجة العمل.»

نظرت للأسفل بتفكيرٍ وشردت في تلك الجُملة التي قالتها ساندي، إن كان فعلًا يحبها؛ فلمَ يستمر في الابتعاد عنها بحجة السفر؟

فهزت رأسها تبعد تلك الأفكار الغريبة عنه، ثم حملت حقيبتها على كتفها والتقطت مفاتيح سيارتها تتجه ناحية باب الغرفة متمتمةً لساندي بهدوءٍ:

«أنا سآخذ إجازة من العمل أسبوعًا، لقد تحدثت مع السيد (ماريو) وقد وافق على طلبي؛ لذلك لا تنتظري حضوري لأقلكِ للعمل هذا الأسبوع، وأنا سأهاتفكِ دائمًا لأكون على إطلاع بآخر المستجدات.»

أشارت لها باللامبالاة ونظرها مركز على تلك الأوراق في يدها تجيبها:

«حسنًا لا مشكلة، سأطلب من (ألبِرت) أن يقلني للعمل في طريقه لعمله، وإن لم يوافق و أنا متأكدة من ذلك فسأستقل سيارة أجرة، لا تقلقي لن أشتاق لكِ، في الواقع.. قد تجديني في منزلكِ كل يوم.»

قهقهت بخفةٍ على إزعاج رفيقتها تلك واستمرارها بالتذمر من معاملة خطيبها السيئة لها، فلوحت لها مودعةً بهدوءٍ، ثم انسحبت لتخرج من الشركة.

استقلت المصعد تنزل للطابق الأرضي من الطابق الرابع الموجود به مكتبها، وما إن وصل المصعد لوجهتها وفُتِح الباب حتى رأت السيد هاري مدير الشركة يقف أمامها في انتظار المصعد.

ابتسم لها بخفةٍ لتظهر تلك الغمازة في وجنته اليُمنى يتحدث بهدوءٍ:

«هل سترحلين الآن؟»

«نعم سيد (ماريو)، أنا حقًا أعتذر، ولكن مجبرة على الرحيل مبكرًا.»

«لا بأس بهذا فلديكِ أسبابكِ الخاصة، ولكن لمَ تستمرين بإزعاجي دائمًا؟»

صُدمت من كلمته وملامحه المريبة مع اقترابه الهادئ منها لتلاحظ فرق الطول بينهما بواقع كونه طويلًا جدًا، فنظرت له بحاجبٍ مرفوعٍ تسأله بتوترٍ:

«وكـ..كيف أزعجك سيد (ماريو)؟»

هز رأسه بسخريةٍ يجيبها بتذمرٍ طفولي:

«ها أنتِ تعاودين إزعاجي مرة أخرى، أخبرتكِ آلاف المرات أن تناديني باسمي، ناديني (ماريو) فقط أنا لا أحب الألقاب المبتذلة؛ تجعلني أشعر وكأنني رجل عجوز، وأنا ما زلتُ بالرابعة والعشرين من عمري، وهذه الألقاب تنافي علاقتنا السابقة.»

قهقهت بخفةٍ لتضيق عيناها الزمرديتان بشكل ساحرٍ مع قهقهتها، فأجابته بنبرةٍ هادئةٍ متذكرةً صداقتهما الحميمية ذات يومٍ:

«حسنًا سأحاول أن أعتاد على الأمر مـ..ماريو.»

«هذا جيد للآن، أشعر أن لاسمي طعم آخر عندما يخرج من بين شفتيكِ.»

ابتسمت بتكلفٍ بعدما شعرت بالتوتر من نظراته التي تحولت لشيء من الغموض، فانسحبت بهدوءٍ لترحل:

«حسنًا يجب أن أرحل الآن.. وو..وداعًا!»

ما إن رحلت من أمامه منسحبةً حتى ابتسم هو بسخريةٍ متمتمًا:

«هذه الفتاة، لمَ تستمر دائمًا بالخجل من الحديث معي وكأننا لم نكن حبيبين سابقًا؟ تبًا لزوجها هذا.»

ركب المصعد بهدوءٍ وصعد لمكتبه في الطابق الرابع وهو ينفخ بضيقٍ؛ لم يرَها من قبل عنيدةً بهذا الشكل وخاصةً بعدما أصبح شخصًا أكثر وسامةً وثراءً من السابق، ولكنه ابتسم بمكرٍ ولمع التحدي في عينيه يهمس في نفسه بخبثٍ:

«لنرى سيدة (چُنيد) من منا سيصمد للنهاية!»

بينما خرجت هي من الشركة وركبت سيارتها تقودها في طريق العودة لمنزلها، أو بمعنى أصح قصر الزوجية الذي تعيش فيه، وما إن رآها حارس البوابة حتى فتحها لها لتدخل بسيارتها، ثم صفّتها في ركن الحديقة الواسعة المخُصص للسيارات لتنزل منها تسير بخطواتٍ متعبةٍ وقد شعرت بالألم في رأسها فجأةً.

فتحت لها الخادمة الباب لتدخل، وما كادت تستقر في منتصف البهو حتى وجدت من يلتصق بها ويحتضن ساقيها من الأسفل بخفةٍ.

ضحكت بسعادةٍ متناسيةً الألم برأسها، ثم انحنت تلتقط صغيرتها بين يديها، قبلتها بخفةٍ على وجنتها الممتلئة تقرصها بخفةٍ متسائلةً:

«كيف حال حبيبة الماما؟»

قهقهت الصغيرة بطفوليةٍ، لتضيق عيناها الزمرديتان بنفس الطريقة التي تضيق بها عينا والدتها عندما تضحك، لتجيبها بنبرةٍ طفوليةٍ:

«بخير أمي، ولكن أنا قد ثعرت (شعرت) بالملل وأنا هنا بمفردي في هثا (هذا) المكان الواثع (الواسع).»

تقدمت من الأريكة الجلدية سوداء اللون بركن البهو تجلس عليها والصغيرة على فخذيها، لتقول وهي تقرص وجنتيها:

«أيتها الصغيرة اللطيفة لا تتحدثي مرةً أخرى وإلا سآكل كتلة اللطافة هذه وأعيدكِ لمعدتي ثانيةً، منذ الآن لن تشعري بالملل بمفردكِ؛ لأن البابا سيعود في المساء من عمله وسيبقى معنا دائمًا ولن يرحل.»

«حقًا أمي؟»

«نعم يا روح الماما، والآن هيا لتأخذي حمامكِ وتتناولي الطعام؛ لنستعد لاستقبال البابا.»

حملتها بين ذراعيها تنهض عن الأريكة، لتصعد ذلك الدَرج الخشبي -الذي يحتل منتصف البهو بطريقةٍ راقيةٍ من الرخام الأبيض- متجهةً لجناحها في الأعلى؛ لكي تستعد لاستقبال زوجها بعد شهر من غيابه عنها وعن البيت.

ولاحقًا في المساء كانت تمشط شعر صغيرتها بعد أن ألبستها فستانها الصغير الذي يغطي ركبتيها الصغيرتين باللون الأزرق، كلون زمرديتيها اللتان تضاهيان البحر في زرقتهما، فقد ورثتهما عن والدتها. صنعت لها تصفيفة صغيرة في شعرها، فقامت بعقصه على شكل ذيل حصان في كلا الجانبين.

وما كادت تضع لها مِشبك الشعر الأخير حتى انتفضت من مكانها تبتسم بسعادةٍ عندما سمعت بوق سيارة قادم من الأسفل، فصفقت بسعادةٍ كالأطفال تهتف بمرحٍ:

«إنه البابا لقد عاد، لقد عاد البابا.»

لم تكد تكمل جملتها حتى انطلقت صغيرتها تركض بسرعةٍ حتى خرجت من الغرفة، بل ونزلت للأسفل وأمها تلحق بها تسير بسرعةٍ والابتسامة تشق وجهها حتى أذنيها، لتظهر تلك الغمازة المحفورة في وجنتها اليمنى.

«أبي، أبي، أبي اثتقت (اشتقت) لك.»

قفزت الصغيرة في عناقه بسعادةٍ حينما نزلت الدَرج ورأته ينحني فاتحًا ذراعيه لها على وسعهما.

حملها في عناقه ودار بها بسعادةٍ عدة دوراتٍ لتقهقه الصغيرة بطفوليةٍ، فهمس وهو يقبل وجنتيها:

«وأنا أيضًا صغيرتي، اشتقت لكِ جدًا (نارد).»

أنزلها على الأرض بخفةٍ حينما رأى زوجته تنزل من الدَرج، بإطلالة ملائكية بثوبها النبيذي الطويل عاري الكتفين، والذي يطير خلفها مع نزولها السريع بشكلٍ ساحر.

ابتسم لها باشتياقٍ واقترب منها بسرعةٍ يدفنها بين ذراعيه بحبٍ، دفن وجهه بين خصلات شعرها الحمراء الكستنائية يهمس بصوتٍ مختنقٍ من اللهفة:

«اشتقتُ لكِ ملاكي.»

ابتسمت ضد عناقه تغمض عينيها باستمتاعٍ، لقد اشتاقت لدفء عناقه بشكلٍ كبيرٍ، فأبعدها عنه وكور وجنتيها بكفيه ينظر لها بحُبٍ واشتياقٍ كبير تبادلاه بنظراتهما.

«معذرةً على مقاطعتي لهذه اللحظة الحميمية بينكما.»

فصلت النظرات مجبرةً على ذلك؛ حينما سمعت ذلك الصوت الغريب الذي تدخل مقاطعًا هذه اللحظة الممتعة، أمالت رأسها قليلًا تنظر لتلك الغريبة التي تقف خلف زوجها وتبتسم لها ابتسامةً بدت لها بلهاء.

ضيقت عينيها ونظرت له بعدم فهمٍ، فوجدته صامتًا لا يتحدث، بينما عيناه العسليتان تخترقانها بتركيزٍ وبهما تلك اللمعة التي تعرفها جيدًا، فتحمحمت تسأل تلك الغريبة بنبرةٍ مستفهمةٍ:

«معذرةً! ولكن من أنتِ؟»

اقتربت تلك الفتاة صاحبة الشعر البرتقالي منها، ومدت لها يدها تصافحها وتلك الابتسامة البلهاء على شفتيها متحدثةً بهدوءٍ:

«أدعى (چاسمين) وبإمكانك مناداتي (چاس) فقط.. وأنا أكون زوجته.»

توسعت عيناها بصدمةٍ، وكأن أحدهم قد طعنها بخنجرٍ في قلبها للتو، فنظرت لذلك الذي يقف بجانبها بهدوءٍ وعيناه مركزتان ببرودٍ عليها، رمشت عدة مراتٍ بجفنيها محاولةً استيعاب ما سمعته أذناها للتو.

ثم التفتت لتلك البرتقالية تسألها بتلعثمٍ: «ممـ..من تتـ..تقصدين بأنكِ زوجته؟»

«أيوجد رجل غيره هنا؟ أوه أظن أنه نسي إخباركِ بهذا الأمر، ولكن دعيني أوضح لكِ.. أنا هي چاسمين زوجة (زين) الجديدة، لقد تزوجنا في الصباح؛ لذلك أعتقد أنه لم يجد الوقت ليخبركِ بذلك.»

أجابتها بابتسامةٍ هادئةٍ وأشارت لذلك الواقف بنفس ملامحه الباردة كالجليد، فنظرت لها الأخرى بعدم تصديقٍ والتفتت تنظر لزوجها، ولكن ملامح الصدمة على وجهها تبددت ليحل محلها ملامح التوتر.

فابتلعت لعابها بصعوبةٍ تسأله بشفتين ترتجفان:

«زز..زين هل ما تقوله هذه المرأة صحيح؟ هل تزوجتها فعلًا؟»

رفع رأسه من الأرض أخيرًا ونظر لها بعينيه العسليتين الناعستين يجيبها بنبرةٍ باردةٍ لا تحمل أي ذرة ندم:

«نعم لقد تزوجتها صباح اليوم.»

«أيها الحقير.. وتجرؤ على الاعتراف بهذا أمامي؟»

هتفت فيه بحدةٍ واشتعلت عيناها بالغضب لترفع يدها حتى تسقطها على وجنته، ولكنه أمسك يدها يبقيها معلقةً في الهواء لينظر لها بحدةٍ صارخًا:

«ما اللعنة التي كنتِ تحاولين فعلها؟ هل كنتِ تريدين لطمي؟»

نفضت يده بعيدًا عن يدها بقوةٍ، ونظرت له بزمرديتيها اللامعتين على وشك البكاء، لتنهار على الدَرج خلفها جالسةً؛ فلمْ تعد قدماها تقدران على حملها.

نظرت للفراغ أمامها بشرودٍ تهمس بصوتٍ بالكاد سمعه الموجودون:

«ماذا فعلت (زين)؟ هل تزوجت عليّ من أخرى حقًا؟»

يُــتبَـع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي