4

الفصل الرابع: «حفلة باريس».

....

يقف أمام الباب وأمامه زوجته تقف على فراشها وتميل بجسدها لليمين واليسار، ترقص بشكلٍ جنوني مع الموسيقى الصاخبة وفي يدها زجاجة كحول كبيرة تشرب منها لترقص مرة أخرى بجنون.

والأسوأ أنها لا ترتدي سوى قطعتي ثيابها الداخلية وذلك الجسد المثير الذي تمتلكه يتمايل أمامه بكل سلاسةٍ كأنها راقصة في نادٍ للتعرِّ.

رمش زين بجفنيه عدة مراتٍ حتى يستوعب ما يراه، ثم انتقل ببصره ليجد طفلته التي لم تتعدَ الثالثة من عمرها تجلس مربعةً ساقيها على الأرض وبيدها زجاجة كحول تحاول فتحها، والمضحك أنها ترتدي قطعتي ثيابها الداخلية نفس التي ترتديها أمها.

استعاد زين تركيزه أخيرًا وبعد عناءٍ ينظم أنفاسه التي ثارت بغضبٍ، ثم اندفع تجاه الفراش مثل الثور يشد ملاءة السرير من تحت قدميها بقوةٍ حتى تعركلت هي وسقطت على ظهرها على الفراش تضحك مثل المجانين.

أمسكها من معصمها يشدها بقوةٍ، ثم أجبرها على الجلوس ليضع الملاءة على كتفيها يغطي جسدها، فرفعت رأسها تنظر لوجهه بغموضٍ، ثم ابتسمت فجأةً تفتح له ذراعيها قائلةً:

«أوووه لقد عاد عزيزي خائن چُنيد، هيا حبيبي أعطِني عناقًا طويلًا فأنا أحتاجه.»

رفع حاجبه تعجبًا من نبرة حديثها؛ فتأكد أنها ثملةٌ، فمسح على وجهه بغضبٍ يسألها بنبرةٍ حادةٍ:

«ما الذي حدث للمنزل؟ وماذا كنتِ تفعلين؟»

ضحكت بخفةٍ تحاول النهوض من الفراش، ولكنها وقعت مرةً أخرى لتعبس بوجهها مثل الأطفال، ثم أجابته بنبرةٍ حزينةٍ:

«لقد تركتني وحيدةً في المنزل وقد شعرتُ بالملل كثيرًا؛ لذلك أقمتُ حفلةً كبيرةً ودعوتُ كل جيراننا وكل أصدقائي وصديقاتي.»

فتح عينيه على وسعهما، هل تمزح معه الآن؟ كيف تتجرأ على إقامة حفلة بدون علمه؟ انسحبت تلك الأفكار من رأسه فورًا ما إن أزالت هي الملاءة عن جسدها ترميها على الأرض بضيقٍ.

فنظر لجسدها الذي لا يغطّيه شيءٌ سوى من قطعتين تغطيان مفاتنها ليشهق بصدمةٍ، ثم هتف بغضبٍ:

«وهل كنتِ في الحفلة بثيابكِ الداخلية فقط؟»

أمالت برأسها للجانب قليلًا، ثم وضعت إصبعها السبابة على شفتها السفلى لتنفجر ضحكًا فجأةً وهي تلقي بجسدها للخلف تتمدد على الفراش.

شعر بالغضب يزداد بداخله وتلك النار تحرقه ليحملها بين يديه مثل الطفلة، ثم أخذها لدورة المياه بسرعةٍ ووضعها في حوض الاستحمام يفتح الصنبور حتى سقطت تلك المياه الباردة على جسدها.

شهقت بصوتٍ عالٍ حينما لمست تلك المياه الباردة جسدها وحاولت الخروج من الحوض، ولكنه منعها قائلًا بحدةٍ:

«يجب أن تفيقي أولًا.»

«أأ..أرجوك أخرجني؛ المياه باردة.»

هز رأسه نفيًا مع توسلها الخافت، ولكن ملامحه لانت بقلقٍ؛ حينما انكمشت على نفسها وبدأ جسدها في الارتجاف، فساعدها على الخروج من الحوض، ثم حملها يخرج بها من دورة المياه ووضعها على الفراش.

أحضر منشفةً يجفف لها جسدها وشعرها، وكل ما تفعله هي هو النظر له ببراءةٍ والارتجاف من البرد.

فتح الخزانة المقابلة للفراش بجانب نافذة الغرفة الكبيرة وأخرج لها ثيابًا أخرى ووقف أمامها، ثم انحنى يمسك بصدريتها من الخلف ليفتحها، ولكنها أمسكت بيده تمنعه متسائلةً بحدةٍ:

«ماذا تفعل؟»

«سأنزع عنكِ هذه الثياب المبتلة حتى ترتدي غيرها، أم تفضلين البقاء بها ترتجفين؟»

«بإمكاني تغيير ثيابي بنفسي.»

قالتها بنبرةٍ حادةٍ وهي تبعد يده عنها بقوةٍ، فرفع حاجبه يبتسم تلك الابتسامة المستفزة التي يشتهر بها يسألها باستفزازٍ:

«إذًا لستِ ثملة كما كنتِ تدّعين؟»

عضت على شفتها من الداخل بغيظٍ؛ حينما أدركت طريقة حديثها معه، والتي جعلته يتأكد أنها ليست ثملةً، فرفعت رأسها لتنظر له بغيظٍ، ثم هتفت بحدةٍ:

«كنتُ أعلم هذا، أنتِ لم تشربي الكحول منذ بداية زواجنا قبل أربعة أعوامٍ، هل ستشربينها الآن؟»

«أجل لستُ ثملةً.»

«حسنًا أيها المحلل العبقري، ابتعد الآن لأغير ثيابي!»

دفعت صدره بكفها بخفةٍ ليتزحزح خطوةً للوراء متنهدةً بامتعاضٍ بعدما فشلت خطتها الأولى، ولكنه عاد ليُلاشي المسافة بينهما مشبكًا ذراعيه على صدره يتحدث بعنادٍ:

«لن تذهبي لأي مكانٍ قبل أن تشرحي لي ما حدث!»

«لستُ مضطرةً لشرح أي شيء لك.»

نهضت من الفراش تتخطاه مجيبةً بازدراءٍ، ولكنه أمسك بمعصمها بقوةٍ يجبرها على الجلوس مجددًا، ثم جز على أسنانه يتحدث بغضبٍ مجعدًا جبينه:

«كيف تقيمين حفلةٌ في غيابي ودون علمي؟»

«هذا منزلي أيضًا كما هو منزلك، ولستُ بحاجةٍ لإذنك لأقيم حفلة.»

«آنچل لا تماطليني في الإجابة وأخبريني لماذا أقمتِ الحفلة الغبية؟»

هتف بنفاذ صبرٍ شادًا قبضته على معصمها أكثر حتى تأوهت بخفةٍ جاذبةً انتباه طفلتهما التي رفعت رأسها تراقبهما بزرقاويها بخوفٍ، فتنحنحت آنچل تجيبه بخفوتٍ:

«كنتُ أشعر بالملل في غيابك وأنت منعتني من الذهاب للعمل، فماذا تتوقع مني أن أفعل؟ هل أجلس مثل المطلقات هكذا وأنتظر عودتك؟»

«من دعوتِ للحفلة؟»

«ما شأنك؟»

سألته مغتاظةً تجذب معصمها بسرعةٍ بعيدًا عن قبضته مستغلةً نظرته المصدومة من إجابتها، ظلت تفرك معصمها بألمٍ ليهتف هو مغتاظًا أكثر:

«يا إلهي! أنتِ تعلمين أنني أكره هذه الجملة ومع ذلك تستمرين بقولها، أجيبيني من حضر تلك الحفلة؟»

صرخ بالأخيرة مكشرًا ملامحه الباردة لتجفل متراجعةً قليلًا على الفراش بتوترٍ ولا زالت نوبات غضبه تقلقها لتجيبه سريعًا:

«دعوتُ جيراننا السيد والسيدة سميث وولدهما، ودعوتُ جيراننا الآخرين السيد والسيدة ريتشارد وابنتهما وزوجها وحفيدتهما، ودعوتُ ساندي وألبِرت، ودعوتُ چيسيكا ومايكل، ديما وهارولد، وچينا وسامانتا وزوجها وابنتهما، وذلك الرجل صاحب متجر الخردوات في نهاية الشارع، وذلك الرجل الذي يبيع المثلجات، وأيضًا نايل صديقك، ولا أذكر من دعوتُ أيضًا.»

«يا إلهي! هل كانت باريس بأكملها في منزلي؟»

«لا يا رجل لا تقل هذا، بالطبع لم تكن باريس بأكملها؛ فهي مدينةٌ كبيرةٌ.»

هل تدعي هذه الفتاة الغباء أم أنها غبية فعلًا؟ فالبنظر لملامح وجه زين لا نعرف هل هو غاضب أم متضايق أم حزين بسبب تصرفاتها، ولكنه مسح على وجهه يستعيد القليل فقط من هدوئه يسألها:

«دعينا من أمر الحفلة الغبية وأخبريني لماذا كنتِ ترقصين بثيابكِ الداخلية؟»

«لا أعلم السبب، لقد أردتُ فعلها وفعلتُها فقط.»

أجابته ببساطةٍ ورفعت كتفيها لتنزلهما باللامبالاة، ولا زال يحاول السيطرة على أعصابه يسألها بنفس النبرة:

«وما هذا الزلزال الذي أصاب المنزل؟»

«إنها حفلة غناء ورقص وليست حفلة تنظيفٍ، فهل تتوقع أن يكون المنزل مرتبًا؟»

سألت باستهزاءٍ رافعةً زاوية شفتيها في ابتسامةٍ جانبيةٍ، فقبض على يده حتى ابيضت سُلاميات أصابعه، بدا غاضبًا بملامح وجهه المُجعدة بسخطٍ يهتف بيأسٍ:

«حسنًا حسنًا.. اصمتي واذهبي لتبدلي ثيابكِ هذه وأنا سأخبر الخادمة لتنظف المنزل.»

«ولكن الخادمة ليست هنا.»

قاطعت خطوته الأولى بابتسامةٍ بريئةٍ، فعاد لمكانه ينظر لها متسائلًا وعيناه تضيقان:

«إذًا أين هي؟»

«لقد أعطيتُها إجازةً لمدة شهرٍ.»

«سحقًا آنچل! لمَ فعلتِ ذلك؟»

صرخ ويبدو أنه لم يعد يستطيع السيطرة على أعصابه، فجفلت بتوترٍ، ولكنها استنشقت هواءً تجيبه بثباتٍ:

«والدتها مريضة، وأنا أعطيتُها إجازةً مدفوعة الأجر لتذهب لها وتساعدها.»

«ومن سينظف المنزل ويزيل هذه الفوضى؟»

«أنت عزيزي.»

أجابته بكل براءةٍ ورمشت بجفنيها، فنظر لها بعدم تصديقٍ يقول بحدةٍ:

«بماذا تهذين؟ كيف سأنظف هذا المنزل؟ أنتِ المرأة هنا وليس أنا.»

قلبت عينيها بمللٍ، إن كان هو يكره جملة (ما شأنك) فهي أيضًا تكره جملة (أنتِ المرأة هنا)، أي أنها شعرت بالضيق مثله لترفع كتفيها وتنزلهما بعدم اكتراثٍ مجيبةً بتساؤلٍ:

«وما شأني أنا؟»

«ألستِ أنتِ من سبب هذه الفوضى؟»

«بالطبع لا.. المدعوون للحفل هم من سبّبوا هذه الفوضى، أحضرهم لينظفوا المنزل!»

أجابته باللامبالاة مشبكةً ذراعيها على صدرها الظاهر أعلاه، ففرك جبينه براحة يده بتعبٍ يتمتم:

«أنا سأفقد عقلي بسببكِ.»

«افقده بعيدًا عني وابتعد لأبدل ثيابي، سأتجمد من البرد هنا.»

«حسنًا آنچل، أنتِ من بدأ هذه الحرب ولا تلومينني على شيء سأفعله.»

يُتبع....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي