الفصل الثالث

في تلك الليلة لم ينم لا غسق ولا والده ينتظران ما سيحدث غداً ولكن بعد وقت مل غسق من هذا الإنتظار معللاً لنفسه بأنه لما يفعل هذا فالنهاية معلومة لما يفكر ويحتار النتيجة ستكون واحدة، كان الظلام دامس ولكنه قرر المغادرة خارج المنزل كي يتمشي قليلاً فلا يعلم ما أن كان هذا سيتاح له بعد هذا اليوم أم لا.
خرج في هدوء وتجول في الطرقات يعبث هنا وهناك إلي أن صادف إمرأة ترتدي وشاح باللون الأصفر أوقفته في الطريق كانت ملثمة بوشاح إمتد من رأسها لقدميها مغطياً لوجهها لم يظهر منها سوي عيونها التي تلمع في مثل هذا الظلام كأنهما قناديل الزيت التي توضع في القصور ومساكن علية القوم بالمملكة، يظهر من إتساق وقفتها وإنفراد جسدها بأنها شابة يافعة، أخفض غسق بصره عنها فما نظر لها سوي لوهلة ما أن تقابلا.
-بما أخدمك أختي؟ لما تقفين في هذا الوقت المتأخر خارج منزلك ووحدك أيضاً؟ كان يفرك كفيه ببعضهما كطفل في السابعة من عمره يقف أمام معلمه والأمر بالنسبة له كان جلل أكثر من هذا حتي.
المرأة: أريد معروف منك أخي وأعتذر لأني أوقفتك هكذا في منتصف الطريق.
غسق: لا بأس أنا بخدمتك.
المرأة: قالوا لي ان هناك طبيب يسكن في تلك المنطقة ويدعي الطبيب غسق ولقد أتيت لأبحث عنه هل تعرف عنوانه بالتحديد؟
-هذا أنا من تبحثين عنه، ما الأمر؟؟
المرأة: هذا من حسن حظي، لي والد مريض يسكن بأطراف المدينة وأحتار حكيم قبيلتنا في علاجه وعندها أوصي بك لي أناس رحالة وقالوا بأنك أفضل طبيب عرفوه، هل يمكن أن تأتي معي و تعالج أبي؟
غسق: ما قالوه الناس عني ما كان إلا من حسن لسانهم وطيب معشرهم، وبالتأكيد يمكنني أن أتي معك من أجل والدك ولكن الوقت متأخر أيمكن أن نؤجلها للصباح ثم تذكر موعده مع الأميرة، أو حسناً يمكنني الذهاب الآن.
المرأة بإبتسامة من خلف وشاحها: إذن إتبعني سأدلك علي الطريق.
مشي غسق خلف تلك المرأة المجهولة ولم يرفع عينه لها إنما تبع طرف ردائها، وكان خلفها بأكثر من خمس خطوات ظلا يمشيان وكلما سألها عن المكان تخبره بأنهم قد إقتربا.
ظلا علي هذا الحال إلي أن أشرقت الشمس ولاحت أنوارها.
غسق: إلي هنا وأعذريني فأنا لدي موعد هام ولا يمكنني التأخير عليه.
المرأة وقد أشارت أمامها إلي كوخ صغير: ها قد وصلنا،أستعود وأنت علي باب المنزل، بضع خطوات هي ما تفصلك عنه.
تفاجأ غسق مما رأي وصدم كيف أصبح هذا الكوخ هنا: لم أراه إلا بعد أشرتي إليه.
المرأة بثبات: ماذا تقول؟ لقد كان موجود منذ البداية ولكنك فقط لم تنتبه.
غسق: لا يمكن لم يكن موجوداً! وأيضاُ أين قبيلتك ليس هنا سوي كوخ واحد؟
المرأة بهدوء: أنت لم تنم البارحة ولهذا تتخيل الأمر، وبخصوص قبيلتي فهم غادروا وتركوني رفقة أبي المريض فلقد يأسوا منا.
حاول غسق عدم الإطالة في تلك المناقشة وقرر أن ينجز ما أتي من أجله ومن بعدها يذهب ليقابل الأميرة ورد.
دخل هو للكوخ أولاً ودخلت المرأة من بعده، كان كوخاً بسيطاً كحال معظم أهل المملكة ولم يكن هذا ما لفت إنتباهه ولكن الأكثر من هذا انه بحث في جنباته فلم يجد أثراً لأحد فإلتفت للمرأة: أين والدك المريض؟؟

نزعت المرأة ردائها الأصفر لتكشف عن فستانها الفخم وأيضا أزاحت الوشاح لتظهر من تحته أجمل إمرأة كان قد رأها يوماً، كانت تلك هي الأميرة ورد ولكن لم يكن هو يعرفها فلم يقابلها من قبل.

بهت لما رأها فلأول مرة يري فتاة بهذا الجمال بل أول مرة يري فتاة من الأساس فلطالما عاش حياته متجولاً للبلدات وهائماً في الصحاري والوديان لم يحالفه الحظ في أن يقابل فتاة يوماً يعجب بها هكذا.
فاق من شروده هذا علي صوتها الناعم.
ورد: ما بك؟ ثم تقربت منه بضع خطوات ليتراجع هو إلي الخلف فوراً.
غسق: إبتعدي عني ما الذي تفعلينه؟
ورد: لماذا أبتعد، ولماذا أنت خائف هكذا؟ نحن معاً ووحدنا بإمكاننا أن نجعل هذا أفضل وقت لنا، ثم تقربت منه أكثر.
ثبت هو في مكانه من جرأتها هكذا.
لتقترب منه وتقف مباشرة أمامه لا يفرقهما عن بعض سوي خطوة واحدة ناظرة في عينه بتركيز: سمعت عنك الكثير يا غسق ولهذا كنت متشوقة لأن أتعرف بك، أهلا بك معي.
رغم هيامه بعينيها إلا أنه دفعها بعيداً عنه في عنف وقوة إلا أنها تراجعت فقط بضع خطوات رغم قوة دفعته والتي توقع أن تسقط هي علي الأرض من أثرها.
غسق: أنا لست رجلاً من هذا النوع لقد أخطأتي في إختيارك هذه المرة(كان يظن أنها أتت برجل من قبله وأن هذه طريقتها في إصطياد الرجال ليدفعوا لها).
إبتسمت له: إذن ما نوعك أنت وكيف يمكنني ان أحصل عليك؟
غسق: لا يمكنك هذا أبداً، بالأساس أنا سأمضي من هنا وأنتي لا تقتربي مني حتي لا أؤذيكي.
غادر من الكوخ غاضباً لتضيعه كل هذا الوقت والجهد ظننا منه بأنه ذهب سدي.


وقفت ورد في منتصف الكوخ: أنا لم أخطأ يا غسق يا إبن المرزوقي، لقد وجدت ضالتي بالفعل، لقد وجدتك.
ثم أشارت بيدها للرداء فأتي إليها ووضع علي كتفها ومن بعده الشال الذي إلتف علي رأسها وغطي وجهها من جديد دون أن تمد يدها حتي لفعل شئ.
غادرت من الكوخ الذي إختفي بمجرد خروجها ولم يعد له وجود بينما هي مضت بسرعة كالريح حتي أنها مرت بجانب غسق العائد للمدينة دون أن يراها ولكنه شعر بنسمة هواء تمر به في ذلك الجو الحار.
كان يمشي غاضباً ويردد علي نفسه: كيف لفتاة مثلها أن تتصرف هكذا وكيف لها أن تظن بي هذا الظن، ولكن لأعترف بأنها جميلة حقا ولكني أبداً لن أنظر إليها هكذا ولن أعود لها سأمضي في طريقي.

بعد وقت ليس بقليل كان قد عاد للمدينة وتوجه حينها مباشرة لقصر الملك، دخل كاليوم الماضي برفقة الجنود أستقبله كبير المستشارين إلي حيث الجناح الخاص بالأميرة وتركه عند الباب فكبير المستشارين غير مسموح له بالدخول دون إذن من الأميرة، إرتبك غسق عندما رأه تراجع وتركه وعلم أنه سيكمل طريقه بعد الأن وحده دون رفقة أحد.

بوابة صغيرة دق عليها ومن ثم دفعها ليجد من أمامه حدائق ممتدة لا يكشف بصره نهايتها كلها مليئة بالورود، الرائحة ذكية في كامل المكان والصورة مبهجة للغاية، وقف مكانه فلم يتجرأ علي الدخول أكثر رغم رؤيته لسلالم تؤدي للمبني الخاص بالأميرة إلا أنه توقف هنا خلف البوابة التي دخل منها مباشرة.

لم يكن يدري ماذا يفعل أينادي أم يبقي واقفاً دون حراك حتي رأي من ينزل علي السلالم، أخفض رأسه ما أن لمح طرف ملابسها، نزلت ورد مبتسمة وظلت تتحرك إلي أن وصلت إليه فوقفت علي بعد خطوات منه تنظر مباشرة إليه بينما هو ظل ناظراً للأسفل لا يري سوي طرف ملابسها الحريرية التي لم يري مثل حريرها من قبل فلقد كان يعمل مع والده في محل الأقمشة الخاص بهم ولم يمر هذا الحرير عليه أبداً بالطبع لن يمر فلم يكونوا مستعدين لتحمل تكاليفه ولا يوجد في المدينة أحداً يستطيع شرائه لو كان عندهم حتي.
ورد: أيعجبك حرير فستاني؟ تلك أول مرة تري حرير مثله؟

صدم لأنها تعرف ما يفكر به عقله وأكثر ما صدمه أن هذا الصوت قد سمعه من قبل هو متأكد من هذا، حتي أنه يشعر بأن تلك الرائحة ليست غريبة عليه فلقد علقت بأنفه منذ قليل، كذب نفسه أيعقل أنها نفس الفتاة؟! بالطبع لا هكذا أجاب علي نفسه.
ورد: أكان الطريق طويلاً عليك من أطراف المدينة لهنا؟

هنا لم يستطع تحمل الأمر فرفع رأسه لينظر إليها وبالفعل تيقن عندما وجدها نفس الفتاة التي كانت معه منذ قليل.
تراجع للوراء إلي أن أصطدم بالباب من خلفه، عجزت شفتاه عن النطق ولا يوجد أي شئ برأسه ليفكر به.
ورد وقد تحركت عائدة إلي حديقة الورد: إتبعني يا غسق.

شعر غسق بأن شيئاً ما يدفعه من الخلف ليتوجه إليها ويمشي خلفها كما طلبت منه.
ورد: إنظر لذاك الورد وأخبرني ما أجمل وردة تراها؟

نظر غسق للورود فوجدها جميعاً جميلة وجذابة وأغلبها باللون الأصفر وقليل منها باللون الأبيض، مد يده ليقطف وردة ما فمنعته الأميرة ورد فوراً فشعر أنه أخطأ بأمر ما.
الأميرة ورد: الورود لا تقطف هكذا، ستتألم يدك منها، أشارت بيدها للوردة فخرجت من الأرض وإرتفعت لتكون في مستواهما، بهت غسق أيعقل أن كل ما يراه حقيقة كيف؟
الأميرة ورد: أليس لديك شئ لتسألني عنه يا غسق؟
غسق ناظرا إليها بذهول: لماذا؟
الأميرة وردة: ماذا تقصد؟
غسق: لما تفعلين كل هذا بي؟ بأول الأمر لما أخذتيني إلي أطراف المدينة ومن بعدها الأن لما كل هذا؟
الأميرة ورد: لنقل أن طرقنا إجتمعت معا وأن القدر جمعنا من جديد.
غسق : لا أظن أبدا أن لقائنا أول مرة كان صدفة، أنتي كنتي تعلمين من أنا بالتأكيد وعندما كنا بالكوخ لما فعلتي هذا، لا أصدق أنك معجبة بي لهذا القدر، بالتأكيد الأمر مختلف للغاية.
الأميرة ورد: أنت محق، لم يكن لقائي بك صدفة فأنا أعلم من أنت قبل حتي أن تخطو بقدمك هذا القصر ولأكن صريحة كان مجيئك إلي هنا بمثابة أحلي شئ قد حدث لي منذ سنوات، لم أكن أعلم بوجودك علي قيد الحياة ولكن ما أن علمت بوجودك إبتهجت وإبتهج قلبي حتي أنظر لكل هذه الزهور تتراقص فرحا من أجل مجيئك، أعلم أنها لم تفعل هذا قبلاً لأحد أنت أول من يحصل علي هذا الترحيب الحار منها.
غسق: ما زالت لا أفهم شئ، كيف لكي أن تعلميني بهذ القدر، ما الذي يحدث وأنا لا أعرفه.
الأميرة ورد: لا تشغل بالك بما يحدث فقط أبقي معي وسأعلمك كل شئ.
غسق: أنا حقا لا أريد،أو حقيقة أنا لا أدري أن كان سيكون لدي الوقت لننفذ ما تقولي،أعلم أني لن أبقي علي قيد الحياة بعد زواجي منك.
ورد: أتخاف من الموت؟ إذن لما أتيت للزواج بي؟
غسق : أعتذر منك أعلم أنك تملكين كل شئ أنتي أميرة جميلة وغنية بالطبع والملكة الوريثة لمملكة الشمال ولكني أبداً ما كنت لأطلب الزواج منك كان هذا ما فعله أبي وورطني به.
الأميرة ورد بهدوء: إن كان أباك هو السبب لما لم تغادر من المملكة وترحل وحينها لن تكون زوجي الثالث وستفلت من لعنتي وتبقي علي قيد الحياة.
غسق: من الممكن أن أنجو إذا فعلت ما تقولين ولكن في المقابل سيخسر أبي حياته وأنا لا يمكن أن أقبل بهذا, حياتي فداء لأبي.
الأميرة ورد بإبتسامة هادئة: هذا جيد، إذن لما تتذمر الآن،طالما إنك وهبت نفسك فداء أبيك عليك أن توفي بهذا إلي النهاية.
غسق: هذا ما سأفعله لا يكن عندك شك مولاتي الأميرة.
الأميرة ورد: ناداني ورد فقط لا داعي للتكليف بيننا.
غسق: لا يمكن هذا أبدا ثم أعاد رأسه للأسفل.
الأميرة ورد: ألا يعجبك ما قلته حتي تخفي وجهك هكذا.
غسق:أنا لم أعد أعرف ما يحدث بالضبط حتي أن عقلي سيجن لا أدري ما الحقيقة وما الوهم.
الأميرة ورد: كنت أعلم أنك ستكون هكذا ولهذا لن أسبب لك المزيد من الأسي سترحل بهدوء،ثم أقتربت منه سريعاً ووضعت يدها علي رأسه مركزة عينها في عينه وتمتمت ببعض الكلمات ليسقط غسق مغشياً عليه علي الأرض، نظرت إليه مطولاً ومن ثم دخلت لجناحها في هدوء بينما بعد لحظات من دخولها إستفاق هو، ظل ينظر من حوله يميناً ويساراً متعجباً من بقائه علي الأرض هكذا.
غسق وهو ينهض: ما الذي أتي بي إلي هنا, أين أنا حتي, أخر ما أذكره أني خرجت لأستنشق الهواء ولكن مهلاً لقد خرجت في الليل والآن الشمس ساطعة، إذن ما الذي حدث, وما هذا المكان الجميل يبدو كقصراً بالنسبة لي.

كان سيتقدم للإمام ولكنه تراجع للخلف ناظراً للباب ففتحه وخرج ومشي من بعدها ليجد كبير المستشارين واقفاً.
كبير المستشارين: ماذا دار بينك وبين الأميرة كل هذا الوقت؟؟
غسق بتفاجأ: هل قابلت الأميرة؟ متي حدث هذا؟
كبير المستشارين: ألم أدخلك للتو وكنت تنتظر مقابلة الأميرة ورد.
غسق ممسكاً برأسه: أنا لا أعرف عما تتحدث رأسي سينفجر،لا أذكر سوي خروجي من المنزل لأستنشق الهواء ولكني لا أدري ما الذي حدث بعدها.
نظر كبير المستشارين لباب جناح الأميرة وأمسك بيد غسق: تعال معي ولتصلي كثيراً أنك خرجت حي من الداخل.

كانت الأميرة ورد قد خرجت من جناحها ووقفت بجانب الورود ثم نظرت للباب: سامحني يا غسق ولكن هذا ما كان يتوجب أن يحدث،لقد بحت لك بالكثير وأنت لا يجب أن تعلم كل هذا، ذلك أفضل لك، ما فعلته كان من أجل مصلحتك أنت، لن تتذكر ما قلناه ولا حتي أننا تقابلنا ولكن لا بأس فسنصنع المزيد من الذكريات معا وحينها لن أجعلك تنساها أبدا.


ما كان ينبغي لي أن أنخدع بك كل ما رأيته كان أوهام لا أدري لما أحبتتك كل هذا القدر،وعاهدت نفسي علي أن لا أهوي غيرك في هذا العالم،فلتكن لي أو لن أهوي سواك وكل ما هو لي هو لك.
لعنة الله علي حب مضي ولم يترك في قلبي غيرالحسرة والخذلان لعنة الله علي إنسان خان العهد والوطن والأحباب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي