الاِستهْلال الثاني

الاِستهْلال الثاني


معضلة الزمن تتمثل في أنه ربما حَدث هذا الحدث في زمانه، لكن في زمان آخر ربما لم يحدث.

القرن الثامن عشر

1850

جزيرة المياه المظلمة


اجتماع النُخبة


ثلَّة مختارة أو ناجية بعد المجاعة التي كادت أن تقضى على الجزيرة، وكأن اللعنة التي لعنت أرض الجزيرة قبل نحو عشرون عامًا أصابتها بالفعل.

المعبد المجهور

السر يكمن في الدوائر السرية التي لا يعرف العالم بشأنها، والتي يخشاها العامة ورجال الدين فيطلقون عليها عبدة الشيطان.


دوائر المستنيرين

في القرن الفائت ومع إِشْراق العلم وحمالات التنوير التي قام بها "ليوناردو دي سير بيرو دا فينتشي" وكذلك " ميكيلانجيلو بوناروتي" و "نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلي" انتشر مُصطلح التنويريين بين الأوساط وأصبح يوسم أي طائفة.

لقد كانت الطبقة المستنيرة من عبد الشيطان، وكانت الكنسية عدوتها الأولى.

ولكن ليس بالمعنى الحرفي، ليس بالمعني الذي يتخيله الناس عن عبادة الشيطان بأنها ديانات شريرة تدعو إلى عبادة الشيطان والإيمان به، ولكن هذا ليس الحقيقة، بل صورة ساخرة عنها أنشأتها الكنسية والأوساط الدينية للعامة حتى لا ينتشر الفزع.

الطبقة المستنيرة كانت فقط تؤمن بالعلم والتطور، والمشكلة الحقيقية كانت فمَنْ يمول هذه التجارب والاكتشافات، ورغبت الطبقة الثرية في التحكم بالعالم وصنع دوائر الخاصة داخل الدوائر السرية، صنعوا رموزًا خاصًا وتاريخ مغاير خاص بهم، وحتى بدأوا في تنفيذ بضع مؤامرات ساعدت على إخلال توازن بعض القوى في العالم.

ولكن بعد فترة ظهرت مشكلة لهم؛ هي أنهم ليسوا مخلدون، وحينها بدأت تتجه الدوائر السرية للعثور على أسرار العالم القديمة في الخلود.
عثر بعض المُستكشفين على آثر غريب لا ينتمي لأي حضارة سابقة به عبارة باللاتينية؛ يكمن السر في كيفية الموت.

منذ الأزل والسر يكمن في طريقة الموت، ومنذ هذا الحبل الجر الأول بدأ تركز كافة الدوائر السرية على طريقتها للخلود.

المشكلة الحقيقية التي أخلَت بتوازن العالم هي أن بعضهما قد أخذها على المحمل الحرفي.

أحدي نظريات الزمن تقول: أن الأحداث تُعاد من تلقاء نفسها كل دورة حياتية كفاية، البداية هي النهاية، والنهاية هي البداية، الأصل هو الصورة، والصورة هي الأصل.


بيت الهيكل

الغرفة السرية في المعبد

حَدق الرُجل البالغ من الخامسة والثلاثون إلى تصميم الرؤوس البشرية المُعلقة في السقف وعلى الجدران، ونظر للجمجمة البشرية المجوفة بين يده والممتلئ بالشراب الأحمر القاني الذي سلمها له القرصان أزرق العين، والذي يملك ندبة على شكل بَرْق وشعر أسود طويل ونظرة جَحِيمية فارغة.

كان الشراب الأحمر القاني هو طلبه الوحيد للموافقة على المجيء إلى هذه الجزيرة.
-لَمَ أعتقد في قدرتك على إحضار ما طَلبت.

شَن "آدم" بأنفه وعبرت عيناه نظرة هَزأةَ التي قد تظنها في قرع الجَحِيم من شده برودتها واشتعالها في ذات اللحظة:
-مطاردة الأشياء هي لعبتي المفضلة.

كانت الجمجمة البشرية تخصَّ قسَ قيل عنه أنه حارب الشيطان وطرده عن الأرض في القرن الثاني الميلادي، مدفون في كاتدرائية "سانتا ماريا ماجيوري" في روما داخل ممرات سرية داخلية لا يعرفها إلا قلة من جماعة دينية سرية، تؤمن بأن الرب سوف ينفخ فيه الروح من جديد ليعيد محاربة الشيطان كل ثلاثة عشر قرن بسيف الرب حتى يعيده للجَحِيم من جديد.

أما الشراب القاني كان دماء ثلاث من الكيانات؛ الحوت كيوثا المخلوق الذي خُلق في السماء ثم أنزل إلى الأرض، وصفوه بأن ضخم حد إن إحدى يديه بالمشرق والأخرى في المغرب، له وجه ثور فيه أربعون ألف قرنًا، وذيل حوت وفتحة نفث مجوفة تشبه منخار الثور في البحر، يتنفس كل يوم نفسًا واحدًا، فإذا تنفس مدّ البحر، وإذا رد نفسه جزر البحر، موضعه بين صخرة غليظ من غلظ الأرض السابعة، لا يقوى عليه بشر ولا جان.

قالوا عنه في الأساطير التي تشع حوله: "إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهر الأرض فوسوس إليه، فقال له: أتدري ما على ظهرك يا كيوثا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك، فهمّ لويثا أن يفعل وينفض مياه البحر عن ظهره مُسببًا غرق العالم، لكن آتى له قرصان من القراصنة البيضاء وحشره بين الصخرتين أكثر مانعًا عنه الحرك ومنقذًا العالم".

والدماء الثاني كانت تخص "داجون" أب الجنس البر مائي الذي وجد على الأرض في القرن الثامن، جسده يشبه جسد الإنسان ولكن أضخم وجلده به حرافيش كالمخلوقات المائية، وجه منحوت كوجه سمكة وعيونه صفراء لامعه، على جلده قشور مشعة كحرافيش الأسماك ويبلغ طوله خمسون قدم، يتحدث بالتردد الصوتية التي تصل إلى العقل مباشرًا.

انتشرت الكثير من الأساطير والقصص عنه، كان إله لعبادة قديمة في الألف الثاني قبل الميلاد، قيل إنه نتج عن حدث في الأساطير والخرافات اليونانية القديمة.

حيث بوسيدون إله البحر والعواصف والزلازل والخيول. وهو أحد الاولمبيون الإثني عشر في الديانة اليونانية القديمة، في الأساطير والخرافات التي تحكيها الجدات والرواة إن بوسيدون إله البحر غضب على الجنس البشري لأن أحدم حاول الاعتداء على زوجته "أمفيتريتي".

كانت هي سلطتها محصورة على مخلوقات البحر ولا تخرج منه، لكنها فقط كانت تحب الصعود للسطح والرقص على جزيرة ناكسوس مع بقية النوريات -الهاجريات اللواتي يحترفن الرقص والغناء- فرأها بشري وسقط في الرغبة بها، فحملها غصبًا معه وحاول الاعتداء عليها، فغضب بوسيدون ولعنه بالقبح والصَمَت لتلفظه مملكة الأرض ومملكة المحيط على السواء.

عاش منبوذ غاضب من الجميع، وترك الأراضي السبعة والمحيطات السبع واتجه إلى البحر الأسود، وقدم نفسه للغضب والدماء والشيطان، قتل العديد من الرجال والكائنات البحرية، وتزوج من أبالسة المحيط وأنجب العديد من الأطفال الجنس البر مائي، وعلى مصافى أحدى جزر البحر الأسود أصبحت مملكته، شيدت المعابد له وهزم السلطان شمشمون والملك شارل وعاش على الجزيرة مع بني جنسه وباقي المنبوذين.

حتى حدث مد البحر وسقطت الجزيرة للمحيط، وأغلق عليها بالصخور فحُبس في قاعه.

أما الدماء الثالثة فكانت لحورية بحر أو الابنة السادسة "أرسولا" لأحد ملوك البحر السبع، أمها قُتلت عن طريق سفينة قراصنة يقودها أحد القراصنة الأوائل، وتزوج أباها وأنجب ثمانية أخرون.

هذه الحورية سقطت في غرام أمير رأته فوق سفينة عابرة، وحينما تبعت السفينة اكتشفت أنه يحب أميرة وينوي الزواج بها.

حاولت اغرائه بكل الطرق، غنت له أغنيها التي تفتن البحارة وتجعلهم يتركون سفنهم، صورت نفسها في الرقصة الخَطِيئة، انقذته من عاصفة كادت تقلب سفينته ولكنها كان واقعًا في غرام الأميرة.

غارت منها الحورية، لعنتها وحولتها لتمثال خزفي، نفتها إلى مدينة الخزف الخيالية، ووهبت نفسها لساحرة البحر السوداء، منحتها تعويذة من السحر الأسود المظلم جعلتها تتصور للأمير في صورة حبيبته.

صدقها وأتم مراسم الزواج، وحينما قبلها زال آثار السحر عنه وعرف حقيقتها، رفض حبها وما تعد بمنحه، فجن جنونها وقتلته بسكين مصنوع من كائن بحري خالد حوله لصخرة في عرض المحيط.

وأصبحت الحورية تحول كل عاشق يمر في محيط مملكة أباها إلى صخرة وحبيبته إلى تمثال خزفي.

طلب دماء ثلاثة موضوعين في الجمجمة المجوفة للكاهن، يفرق بين كل دماء ودماء شهر ميلادي، ثلاثون يومًا وفي الساعة الثالثة من غره الشهر الثاني يضاف دماء الكائن التالي فوق وتنطق ثلاث كلمات لاتينية لتحقيق تمام الدمج.

كما قضَت المراسم الذي هم هنا بشأنها حضر الرُجل في ليلة قمر مكتمل في يوم ثلاثة من الشهر الثالث في الساعة الثالثة، مرتديًا زي شعائري أسود بالكامل، بنطال أسود وقميص أسود مفتوح يظهر منه صدره القمحي مدموغ بالنجمْة السداسية داخل دائرة على حوافها بضع حروف عبرية، ومئزر أسود ذو قلنسوة كبير تخفي شعره الأسود المجعد، وبين عينيه نظرة خبيثة لامعة.

سار في الممرات المتشعبة حتى وصل لنفق أسفل إحدى غرف المعبد، وقاده "آدم" من خلال هذا النفق لممرات أسفل الجزيرة حتى وصل لكهف في المنتصف بداخله غرفة حجرية، منقوش بأشياء ورموز تعرف على بعضها وجهل بعضها الآخر.

كانوا أفراد الجماعة المسمون بالأخوة بالداخل ينتظرونه، جمعيًا يرتدون زيهم الشعائري بالكامل حتى المآزر المصنوعة من جلود الحملان، وتتدلى من حول أعناقهم المجوهرات والتمائم الشعائرية التي تلمع كالإشعاع في ضوء الشموع الخافت.

كانوا خمسة أعضاء والقرصان سداسهم، جمعيهم يحتلون مناصب هامة في الجزيرة، وبين هذه الجدران يتشاركون رباطًا آخر صُنع من عقد طولًا من الأسرار السوداء والمظلمة التي لا فكاك منها، لا بداية يمكنك العثور عليها ولا نهاية تقضى عليها.

الكهف كان عبارة عن نسخة نُحت غرفة الكهف لتكون صورة عنها، الصورة من مجموعة مخطوطات اسمها "كلافيس إنفيرنى" أو "مفتاح الجَحِيم" كتبه القديس "قبريانوس القرطاجي" كان أسقف قرطاج وأبًا وكاتبًا، ولكن قبل ذلك كان ساحرًا وممارسًا لفنون السحر الأسود ومستدعيًا للشيطان حتى في ليلة ما قيل إنه رأي شيئا ما، جعله يعلن توبته التامة وتحول ليصبح أسقف وكاهن ديني ذو شأن.

كتب كل ما عرفه ووصل إليه في مخطوطات سماها بالكتاب الأسود " مفتاح الجحيم بالسحر الأبيض والأسود المعتمد من قبل ميتاترون"، وخبأها في جزيرة غارقة في عمق المحيط، لكن هناك ساحرًا عثر عليها، وتناقلت بين المشعوذين الذي لم يستطيعوا فك كل شفراتها ورموزها واكتشاف أسرارها.

وصل الكتاب إلى عالم ومنجم ألماني "هاينريش كورنيليوس أجريبا" عام 1503 الذي فسر الكثير منه ونقله في كتبه إلا أنها اختفت عُقب وفاتها، ثم تناقل الكتاب بين منجمين ومشعوذين حتى منحه له مرشده الساحر "كارتر وتلي" قبل أن يموت، أي منذُ ثلاثة سنوات.

كان الكهف منحوت بالضبط كما الصورة، فقد آتي الرجال بأكثر فناني ومهندسي العصر إتقانٍ ليصنعوا هذا الأعجوبة.

على المدخل ثمة تمثالان لكائن بحري برأس تنين يزن كل منهما سبعة عش طنًا، كمَن يحرسان الباب لقاعة الهيكل.

كانت عبارة مكعب أو أصبحت مكعب تام وغائر في باطن الأرض، سقفها شاهق يرتفع مئة قدم عن الأرض وتدعمه أحجار من الغرانيت الأحمر، ويحيط بالحوائط رموز لاتينية وعبرية ومصرية، فلكية وخيميائية، رسومات لكائنات بعضها يعرفوها وبعضها لا تزال ضمن أسرار الكون.

كانت القاعة مُضاءة بسلسلة من الشموع المرتبة بدقة، والتي تصنع حلقة داخل حلقة داخل حلقة أصغر، ثلاث حلقات من الشموع التي تقود من المدخل لعرش ضخم أمامه مذبح فوق ظهره النجمة السداسية.
وعلى الجانب الآخر رموز عبرية حول منحوتة تشكل مثلث على حافته جمجمة مجوفة تخرج منها صليب معقوص حوله ثعبان برأس وذيل سمكة ولديه جناحان ضخمان يضع تاج تخرج من عيون الجمجمة المجوفة يلتهم رأس تنين على جسد سمكة تملك جناحان تمسك بأحدهما بين أنامله برأس ثعبان أصغر، حوله بضع رموز مرسوم بأحرف لاتينية قديمة، وثلاث حروف إنجليزية ترجمتهم الألف والميم والباء.

والسقف يشبه أسقف الكاتدرائيات، إلا إنه موضوع فوقه أحدي لوحات دافنشي المفقودة أو المسروقة قبل خمسون عامًا من الآن، والتي سرقها "إيثان مارك" سارق الفن المعروف.

امتزج نور الشموع المُلتهب بشعاع من ضوء القمر المكتمل من خلال فتحة دائرية صغيرة في زاوية الغرفة تظهر مياه البحر والسماء ثم أسقط فوق العرش مرورًا بالضريحة وحتى الطاولة المُستديرة المصنوعة من أحجار في منتصف الغرفة.

تقدم منها برفقة القرصان، ودون أن يتخلى عن الجمجمة بين يده، تأكد من كل تفصيلة ونظر إليهم نظرة مفرغة حتى قدم أكبرهم سنًا، في أواخر عقده الخامس، غزا الشيب شعره، ووجه يشع بسلطة قديمة وذكاء متقد، تجول بنظراته على الرجل الوقف أمامه ثم همس بصوته الخفيض المعتاد:
-حان الوقت.

أمم "آدم" وهو يلتقط ردائه الأحمر ويضع قلنسوته فوق رأسه، تمتم في حضرة وعلى مسمع الجمع:

-كل الطلبات مهما بلغت صعوبتها أو استحالتها حُققت لأجل هذه اللحظة.

واصل رُجل أشقر دون أن يرفع رأسه من أسفل قلنسوته:
-لا مزيد من الفشل، لن ننتظر عقدًا آخر من الزمن.

تنهد الرُجل المُمسك بالجمجمة المجوفة المُمتلئة بدماء الكيانات الثلاث، فتلك الرحلة حدثت قبلها رحلات مشابهة في طقوس مشابهة وكلها بائت بالفشل.

فشل يجعلهم ينتظرون عقدًا كاملًا قبل إعادتها، قبل إعادة هذه الطقوس الأكثر شرًا في العالم.

سأله "آدم" قبل البدء:
-هل أنت متأكد من أن كل شيء كما مفترض أن يكون؟ هل أنت متأكدة من تفسير وترجمة نص المخطوطة أيها المشعوذ؟.

أجاب الرُجل بثقة دون أن يلتفت عن الجمجمة بين يده:
-أجل.


إنه "ميشيل نوتردام" الساحر والمشعوذة التي تتلمذ على يد أكبر سحرة العالم إلا إنه لم يمتهن السحر الأبيض، سحر العلاج والمساعدة، بل التمع عيناه عكس أباه على السحر الأسود.

سافر عبر أراضي والوديان والمحيطات ليطارد عبدالله الحظرد وكتابه العزيف، بحث عن شمس المعارف الأصلية التي كتبها الشياطين قبل عصر الأرض.

جاب العالم أجمعه للبحث عن سر أسرار السحر الأسود، باع روحه للشيطان ونذرها للجَحِيم تلهفًا للمعرفة.

الليلة كان على وشك تحضير الكيان الأكثر ظلمة، وهنا في قاعة الهيكل التي هي نسخة مصغرة من غرفة صنعها مشعوذ هو سلسل أنسي للشيطان على الأرض قبل أن يقتلوه ويرسلوه للجَحِيم.

راح يسترجع في ذهنه أحداث حياته التي قادته لهذه اللحظة، ورغم التحذيرات المخيفة التي تلاقها من جمع ما قابله وحصل منه على علمه إلا إنه لم يتراجع، حتى أنه قتله معلمه وأباه في طقوس شديدة العذاب ليحصل منه على الكتاب، ويظهره بعد أن خبأه في الغرفة النحاسية التي يملكها كل ساحر.

غرفة مخبأة مفتاحها في عقل كل ساحر، لا يظهر مفتاحها إلا بطقس شديد الدموية والعذاب.

والليل كانت ليلة الاستعداء؛ ليلة تربع الطائفة التي أنضم لها لعرش العالم.

قال في نفسه أن ما سوف يحدث الليلة بين هذه الجدران لم يحدث من قبل في تاريخ هذا العالم، ولا لمرة واحدة خلال قرون من الزمن.

رفع الجمجمة المُجوفة ووقف في مقدمة الطاولة، تمتم فوقها بكلمات لاتينية هامسة، ثم أسقط نصف الدماء في تجويف منحوتة في الطاولة، سارت الدماء مجري المياه في الممرات إلى حيث المذبح ثم إلى العرش.

ترك بقية الدماء على مقدمة الطاولة التي التفوا حولها، يرددوا كلمات لاتينية يحفظوها عن ظهر قلب، ثلاث مرات ثم سكب بعدها بقية الدماء لتجويف آخر سار عبر الحوائط والرموز المنحوتة ثم رددوا الكلمات ثلاث مرات تالية حتى أضاءت الرموز فوق الحوائط بالأحمر، وتحول لون القمر الأبيض المكتمل للون الأحمر القاني.

وفجأة سقط شعاعًا من البرق في جسد "آدم" وشهق كمَنْ أعادت له روحه التي يتجول دونها منذُ ولادتها الخالدة.

شهق بعنف ارتج له الجمع الصغير حوله، ظل يردد المشعوذ كلماته متماسكًا، رأس "آدم" يقصد للخلف، تختف ندبته وتتضخم عضلاته جسده الضعف وربما أكثر ثم يضربه شعاعًا أحمر يشبه لون الدماء التي أحضرها، فتضئ عيناه بالأحمر وتتوهج ثم تعود للأزرق.
-إنه من دمائه.

شهق الرجل النحيف للغاية بصوته الأكثر نحافة:
-ماذا؟ كيف هذا؟.

حرك الرُجل الأكبر سنًا عيناه بفزع وحاول أن يتراجع ويخرج عن الدائرة لكن ظهر خيطًا من ذهب يمسك بهما ويربطهم معًا، أضاء ليظهر ثم اختفى، فصاح في هلع:
-رباه؛ إنه ابنه الذي حكت الأساطير عنه.

ابتسامة خبيثة شقت فم "آدم" رفع القلنسوة عن رأسه، وتحرك خارج الدائرة العاجزون هم عن تركها، وعبر نحو المذبح وببطء صعد الدرجات الثلاث ثم أستوى فوق مقعد العرش.

حرك أصبعه بإشارة فظهر فوق المذبح جسد لفتاة صغيرة وضئيلة الجَحِم، مربوطة وفمها مُكممة وغائبة عن الوعي أو مجمدة، حاملًا ببطن ضخم في شهرها الأخير ربما، بطنها تتنفس وصدرها لا يتحرك، فوق جبهتها رمزًا غير معروف.

همهم المشعوذة والإدراك يضربه:
-إنه أنت.


كانت ليلة استدعاء الكيان.

كانت ليلة بيت الهيكل في المعبد المجهور.

كانت الليلة التي أدخلت العالم في عصوره المُظلمة.

ولكن أي عالم؟.

هذه الليلة ربما لم تحدث إلا في زمنها، أما في زمن آخر ربما لم يكن لها وجود.

ولكن هذه الليلة لها آثارها الزمنية التي لا تُخفي بحدوثها أو عدمه؛ فآثار الزمن لا تمحو أبدًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي