سحر الترياق

ELBANOTA GEGE`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-01-25ضع على الرف
  • 51K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول سحر الترياق

في منتصف الليل حيث يحقن الظلام الكون بسواده المألوف وظلامه الدامس، سكون يعم المكان لا يسمع فيه صوت سوى عواء الذئاب، وزئير الوحوش، تنشق الأرض ويخرج منها يد بشرية ملوثة بالوحل المبلل، يجاهد للخروج من مدفنه كالوحش الثائر، عند نجاحه في النهوض استمر في السعال لفترة وهو يقاتل من أجل أن يحصل على أكبر قدر من الهواء؛ لكي يتنفس، وجد جسمه محاط بثوب من الكتان الرث، ظل يتلفت حوله وهو جاحظ العينان، يهتز قلبه بين أضلعه خيفة، قيد الخوف أقدامه وعطل حركته متمتمًا:
- كيف هذا؟! أين أنا؟ ماذا حدث؟
سمع صوت وقع أقدام يقترب منه، تجمد الدم في عروقه، حاول اخفاء عورته ببقايا الثوب البالي، نظر شاب إليه قليلًا ولم يعلق بكلمة واحدة بل استمر في الركض وملامح وجهه لا تبشر بالخير، تعجب (إيليان) من موقفه وشعر بالخوف عندما ازداد وقع الأقدام مهرولين تجاهه، ثم فجأة توقف أمامه شاب آخر وألقى له ثوب قائلًا:
- ارتدي ذلك بسرعة البرق وألحق بنا، إذا كنت تريد البقاء على قيد الحياة.

لم يجبه (إيليان) بل أومأ برأسه دليل على الموافقة، وارتدى الثوب وهو يرى هرولة المحيطين به فلقد ظهروا من العدم، هرول (إيليان) خلفهم فلا وقت للاستفسار عما يحدث، اندهش (إيليان) عندما وجدهم يعيشون في كهوف كالأنسان الحجري القديم، دلف للكهف وهو يتلفت حوله قائلًا:
- والآن هل من أحد منكم أن يخبرني ماذا يحدث؟ ولكن قبل ذلك أريد الماء فأنا أشعر بظمأ شديد.

اقتربت منه سيدة عجوز (ساندرا) قد حفر الزمن على وجهها الكثير من التجاعيد، لها عينان واسعتان جميلتان كحبات اللوز ملتمعتين مثل اللؤلؤ الأسود النادر، وأنف دقيق صغير، فم ضيق باسم لطيف، شعر رأسها ينسدل على كتفيها كأنه هالة من النور، عيناها تبين فيهما التقوى، والزهد، والحكمة قائلة وهى تمد يدها بإناء به ماء:
- تفضل يا بني بالهناء والشفاء، يبدو عليك الانهاك والتعب، اغتسل بالداخل وخذ قسطًا من النوم؛ ليرتاح بدنك، في الصباح سنتحدث مطولًا، لا تخف فأنت في أيدي أمينة.

كان الماء يتساقط على رقبته من شدة العطش، فكل ما يشغل باله هو الاغتسال والنوم، لقد سمعت السيدة العجوز صوت قرقرة معدته، فقالت له:
- سأعد لك حساء لحم لذيذ، فطعامي طيب لا يعلو عليه، أنا لم أعرفك عن نفسي معك جدتك (ساندرا) وأنت ما اسمك؟

صمت (إيليان) قليلًا قائلًا في خجل:
- اسمي (إيليان) هناك تساؤلات تملأ عقلي، أريد الحصول على إجابات لها؛ حتى أنعم بالراحة.

ابتسمت (ساندرا) له وهى تربت على كتفه قائلة:
- الصباح له عيون يا بني، غدًا سنتعرف على بعضنا البعض، فنحن أيضًا لدينا أسئلة نريد أجابات عليها منك، اتفقنا.

زفر (إيليان) وهو يرفع يداه ثم يهبطهما دليل على استسلامه قائلًا:
- كما تريدين، ولكن نحن في أي عام؟

نحن في عام ٢٥٠٠م، ذهبت (ساندرا) لإعداد الطعام، فقلبها يشعر بأن وراء (إيليان) قصة عجيبة، فهيئته ولكنة حديثه تدل على أنه ليس من شعبهم، ولكنها أرادت أن تكرمه فهو ضيفها بالأخير.

تعجب (إيليان) من كبر حجم الكهف من الداخل، وتقسيمه لغرف بحوائط صغيرة من الصخور، دلف لغرفة الاغتسال وجد إناء كبير به ماء دافئ، وعندما شرع في الاغتسال تفحص جسده في اندهاش، لم يكن هذا جسده! حاول أن يضغط على عقله؛ لعله يتذكر أكثر، وفجأة وبدون مقدمات توالت الذكريات تندفع كالسيل العرم.

(نرجع بالأحداث إلى عام ٢٠٢١م)

انتشر الهرج والمرج في العالم، لقد انتشر فيرس كورونا (كوفيد19) لم يترك دولة إلا وانتشر فيها، لقد تعدى ضحاياه الملايين، لم يفرق بين كبير وصغير في العُمر، أصبح العلماء في كل الدول يتمحور عالمهم بين المعامل والمستشفيات؛ لإجراء البحوث على المرضى والمصابين بجائحة كورونا، ومحاولة اختراع ترياق لعلاج المصابين بهذا الفيروس اللعين، الذي أصبح أكثر فتكًا من القرش الأبيض المفترس، كان (إيليان) في مختبره يحاول اختراع ترياق لعلاج البشرية، ويحظى بالشهرة ويسجل كأفضل عالم في تاريخ البشرية، وبالفعل بعد سهر شهور وليالي في معمله تم اختراع ترياق يقوم بضمور الفيروس في الخلايا حتى يختفي تمامًا من الخلية، قام (إيليان) بالاتصال على معلمه العالم البيولوجي (ديفيد) ليخبره بانجازه العظيم، وبالفعل طلب حضور معلمه ليرى بنفسه الترياق، حتى يتأكد من فاعليته، عندما شاهد العالم البيولوجي (ديفيد) فاعلية الترياق في مهاجمة الفيروس في الخلايا المصابة، ليس هذا فقط بل وتجديد الخلايا بشكل أفضل من السابق، يجعلها أكثر مناعة وقوة، ذهل من قوة هذا الترياق، سيصبح حديث الوسط العلمي بل والعالم بأجمعه، رفع العالم البيولوجي (ديفيد) رأسه من أمام الميكروسكوب قائلًا:
- اهنئك على هذا الاختراع العجيب، لقد اثبت جدارتك العلمية وسط المجتمع العلمي، يا له من ترياق!

ابتسم (إيليان) قائلًا في تواضع:
- أنا تلميذك النجيب، والآن ماذا أفعل؟

أجابه (ديفيد) والدهشه لم تفارق محياه:
- بالطبع سنقوم بتجهيز مؤتمر للاعلان عن الترياق، أنها بمثابة قنبلة علمية.

(بعد مرور شهر من اعلان (إيليان) عن الترياق)


تهافتت شركات الأدوية لشراء الترياق السحري، فهناك شركات تحاول اغراء (إيليان) بالمال والارباح الوفيرة، ومنهم من يقوم بتهديده إن لم يقم باعطائهم الترياق، وجد (إيليان) نفسه محاصر بينهم وحاول الفرار؛ حتى يتسنى له اتخاذ القرار الصحيح، وأثناء هروبه تعثر في شيخ يبدو عليه الوقار، وله هيبة وهالة من نور تنير وجهه، قام الشيخ بأخذه لمنزله لحمايته ممن يحاولون إيذائه، أثناء حديث (إيليان) مع الشيخ وإفصاحه عن سبب هروبه، قال الشيخ له:
- لقد أحببتك ولذا سأمنحك الخلود، ستحيا بروحك، فمثلك خلق لانقاذ البشرية وليس لتدميرها، وكمكافأة لك سأمنحك قدرات ستساعدك في مسعاك، ولكن إياك أن تقوم باستخدامهم في الشر، لا تنسى تحذيري.

ضحك (إيليان) في قرارة نفسه، متمتمًا:
- يا له من شيخ قد فسد عقله بفعل الشيخوخة! خلود! ياله من شيء مضحك!

دلف (إيليان) لغرفة قد قام بتجهيزها له الشيخ في منزله، وعند خروج الشيخ من غرفته وضع الترياق على الطاولة المجاورة للفراش، ولكن لم يمر سوى ساعة واحدة حتى اقتحم المنزل رجال ضخام الجثة يريدون سرقة الترياق بالاكراه، ولم يجد (إيليان) مفر سوى تناول الترياق بالكامل؛ حتى لا يقع في ايدي قراصنة الادوية، وعند ذلك شعر (إيليان) بالاختناق بسبب الجرعة المفرطة، ولم يقوموا الرجال بإسعافه، بل قاموا بقتله، شعر الرجال بالخوف من اختفاء الشيخ الذي كان يقف أمامهم كأنه شبح.


(عودة إلى عام ٢٥٠٠ م)


شعر (إيليان) بشريط ذكرياته يمر أمامه كالفيلم، ولكنه توقف عند نقطة الشيخ وتعويذته التي سخر منها متمتمًا:
- غير معقول! هل تم بعثي من جديد؟! لا أصدق هذا! كيف من الممكن أن يحدث ذلك؟!

سمع (إيليان) نداء (ساندرا) تخبره بأن الطعام جاهز، استعجل (إيليان) بالاغتسال وارتدى الملابس التي أعطته إياها (ساندرا) خرج لهم وهو يشعر بالراحة فالبدن الذي بعث فيه قد نظف بالكامل، نظر له الحضور في تعجب، لقد ظهرت ملامحه وكامل هيئته، لقد كان شاب في بداية العقد الثالث من العُمر، فارع الطول، مفتول العضلات، شاحب الوجه، عيناه سوداوين كحبتي زيتون لامعتان، جميل الطلعة، رشيق القوام، شعره فاحم ناعم مسدول على كتفيه، وقفته فيها جلال ووقار، وعيناه فيهما طموح وتحدي، ذو أنف دقيق، قاطعت (ساندرا) تأملهم فيه قائلة:
- الطعام جاهز يا بني تفضل بالجلوس، اعذرني فالحساء قليل، لم اكن انتظر ضيوف.

امسك (إيليان) يداها مقربًا إياهم لفمه، ثم قام بلثمهما قائلًا:
- سلمت يداكِ يا أمي، هل تسمحين لي بندائك بأمي؟ فأنا يتيم الأبوين منذ الصغر.

ابتسمت (ساندرا) وهي تربت على كف يده قائلة:
- لك ذلك يا بني.. فأنت تشبه ابني رحمة الله عليه، والآن اجلس وتناول طعامك حتى اجهز فراشك للنوم.

جلس (إيليان) على المائدة الصغيرة، تناول الطعام كالوحش الذي يلتهم فريسته دون رحمة، كان يتابعه من قريب (نيل) الابن الأكبر ل (ساندرا) فهو كان من أعطى الرداء ل (إيليان) عندما شاهده في طريقه أثناء هروبه من الوحوش، تجلس بجوار (نيل) زوجته (يارا) فهى طيبة القلب وحنونه، ولكنها تخشى الغرباء.

استلقى (إيليان) على الفراش وهو منهك، لم يستغرق سوى دقائق حتى نام نوم عميق كالقتيل.

(في صباح يوم جديد)

جلس الجميع على المائدة للإفطار، ثم تحدث (إيليان) قائلًا:
- والآن ماذا يحدث؟ أين أنا؟ ومن من كنتم تهربون؟

رد (نيل) وهو يضع كسرة الخبز على الطاولة:
- لماذا تتحدث كأنك من عالم آخر؟

اردفت (ساندرا) وهى تربت على يد ابنها لكي يتمهل قائلة:
- أنت في مملكة التنانين، كما ترى نختبئ في كهوف حتى ننجوا من براثنها، كنا نهرب من الوحوش الضارية، فهى من قتلت ابنى والتهمته.

تعجب (إيليان) للغاية متمتمًا:
- مملكة التنانين! كيف هذا؟

أجابه (نيل) وهو ينظر له باندهاش كأنه كائن فضائي هبط على الأرض قائلًا:
- لقد سمعنا من أجداد أجدادنا بأن هناك علماء قاموا باستنساخ التنانين، لا أعلم لماذا قاموا بذلك؟ ربما من أجل الشهرة أو ربما كسلاح ضد الدول الأخرى- لا أعلم- ولكننا نعاني منذ ذلك الحين؛ لأنهم لم يستطعوا السيطرة عليها، وأصبحت الوحوش الضارية والتنانين هم من يتحكموا في البشر، فنحن كالفأران تختبئ منهم لتحيا.


يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي