الفصل الثالث سحر الترياق

انتبه الجميع تجاه الصوت، لقد كان شاب ذو ذراعين مفتولين، وعلى رأسه قبعة واسعة تظلل وجهه، عيناه كعيني القطط في الصباح، شعره بسط لونه بني ضارب إلى الصفرة كلون خيوط الذرة تمامًا، وجهه أشقر انتشرت فيه نقاط نمش، تفحصه (إيليان) طويلًا من قمة رأسه إلى أخمص قدمه قائلًا:
- من أنت؟ وكيف ستساعدني؟

نزع الشاب قبعته، ثم جلس على الأريكة قائلًا:
- أولًا دعنا نتعرف.. أنا (مارك) لقد أرسلني العراف (آرسلان) إليك؛ لكي أساعدك في التعرف على قواك الخفية التي تجهل كيفية استخدامها، والآن هل يوجد في هذا الكهف طعام أو شراب؟ لماذا تنظرون إلي بهذه الطريقة؟ لابد من إكرام الضيف، أليس كذلك؟

جلس الجميع حول مائدة الطعام، وأثناء تناولهم الغداء قاطعهم (مارك) قائلًا:
- لقد رأيت ما حدث أثناء مهاجمة السباع لكما، أن (لإيليان) قوة في ترويض الوحوش الضارية، فلا يستطيعون إيذائه...

قاطع حديثه (نيل) وهو يحاول فهم الأمور قائلًا:
- وماذا عني؟ فهم لم يهاجمونني رغم وجودي أمامهم؟

أردف (مارك) قائلًا:
- لابد من أن (إيليان) يكن لك المحبة في قلبه، فهم يشعرون بذلك كالحيوان الأليف، من الغد سأبدء في تدريب (إيليان) ليتعرف على كيفية استخدام قواه، ولكن لابد من تواجدنا في مكان فسيح بعيد عن البشر؛ حتى لا نقم بأذية أحد ما.

وقف (إيليان) قائلًا بغضب شديد:
- أنا لم أقم بإيذاء كائن حي من قبل، لابد من أنك قد فهمت الأمر بشكل غير صحيح.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على ثغر (مارك) قائلًا:
- سنرى ذلك، والآن حان موعد التمهيد لجلسة الغد، هيا بنا قبل غروب الشمس، فالخارج غير آمن خاصة عدم قدرة (إيليان) على حمايتنا، فهو لم يقدر حتى الآن حجم قدراته بعد.

قام (مارك) بصطحابهم إلى غابة سحيقة تبعد عن البشر لأميال، ثم وقف أمام (إيليان) قائلًا:
- نفذ كل ما سأطلبه منك بحذفيره، لا تتحرك بشكل مفاجئ فذلك خطر على حياتنا، هل فهمت؟

أومأ (إيليان) برأسه دليلًا على موافقته، وقف (مارك) خلف (إيليان) تمامًا قائلًا:
- أريدك أن تقوم بارتخاء عضلات جسدك، اغمض عيناك، حاول أن تقوم بتصفية ذهنك تمامًا، والآن ركز في شيء واحد فقط ألا وهو اخراج غضبك الدفين بكل ما تحويه من مشاعر مكبوتة، ثم ارفع يدك اليمنى للأمام، والآن نفذ ما قلت.

كان (إيليان) يفكر بمن قاموا بقتله بدون رحمة، صعق (نيل) عندما رأى الشجرة التي تقع أمام (إيليان) تحترق، كاد أن يصرخ لولا أن قام (مارك) باغلاق فمه بكف يده وهو يشير له بعدم التفوه، أومأ (نيل) برأسه دليل على فهمه للأمر، سحب (مارك) يده من فم (نيل) ثم قال:
- والآن يا (إيليان) فكر في شيء ما يسعدك ويبث روح التفاؤل والحب بداخلك.

فكر (إيليان) بنجاحه في اختراع الترياق، ومدى التشجيع الذي تلقاه من اصدقائه، والمباركات والتهاني، وجائزته كأفضل عالم، ارتسمت ابتسامة على ثغر (مارك) وهو يشير إلى (نيل) لكي يرى بنفسه ما حدث للشجرة التي كانت تحترق، لقد انطفئت كأن شيئًا لم يكن، تنفس (مارك) الصعداء قائلًا:
- والآن قم بفتح عيناك لترى بنفسك.

قام (إيليان) بفتح عيناه على الشجرة التي أمامه، لقد كانت متفحمة تمامًا، ثم التفت إلى (نيل) و(مارك) قائلًا:
- ماذا حدث للشجرة؟!

ضرب (نيل) كفيه ببعضهما البعض قائلًا:
- لقد قمت بأحراق الشجرة ثم اطفأتها، كيف فعلت ذلك بدون أن تمسها؟! فقط أشرت إليها بيدك وحدث ما حدث.

نظر (إيليان) إلى (مارك) مندهشًا من قواه قائلًا:
- كيف استطعت أن أفعل هذا؟!

ضحك (مارك) حتى ظهرت نواجذه قائلًا وهو يعود أدراجه مرة أخرى إلى الكهف:
- كما قلت لك أنت في أولى خطواتك لابد من التدرب كل يوم؛ حتى تستطيع أن تستخدم قواك وتتحكم بها جيدًا.

كانت (يارا) تستمع لزوجها (نيل) وهو يقص عليها ما شاهده في الغابة بأم عينه، ذهلت (يارا) لحديثه قائلة:
- هل يعيش معنا رجل خارق للطبيعة؟! كيف استطاع فعل ذلك؟ لابد من عدم سماحنا له بمغادرة كهفنا، سنستفيد منه كثيرًا في المستقبل، لا تخبر احدًا بما رأيت؛ حتى لا ينتزعه منا أحد.

ظلت التدريبات مستمرة لمدة شهر، ولم يحاول (نيل) أخبار أحد بقدرات (إيليان) كما نصحته زوجته بذلك، نفذت كل محاولات (إيليان) في معرفة سبب مساعدة (مارك) له، فلا يوجد أحد على وجه الأرض يساعد الغرباء دون مقابل إلا إذا كان وراءه شيء غامض، اكتشف (إيليان) أنه لديه العديد من القدرات الخارقة التي يستطيع أن يفعلها بكل سهولة، والآن قد حان استخدام هذه الهبة في مساعدة البشرية.

اجتمع كل من (نيل) وزوجته (يارا) و(ساندرا) و(مارك) واخيرًا (إيليان) في بهو الكهف، قال (إيليان) وهو مبتسم للجميع:
- اشكركم على ما فعلتوه من أجلي، ارجو أن اتمكن من رد معروفكم لن انسى ذلك ما حييت، والآن ماذا عليا أن افعل لخدمة البشرية؟

أجابه (مارك) وهو يربت على كتفه قائلًا:
- سنجتمع بالتنانين في قمة الجبل، فأنت تستطيع التحدث معهم، لابد من معاهدة للسلام بيننا وبينهم...

قاطعه (نيل) وهو يضحك مستهزءًا قائلًا:
- وكيف سنجمعهم؟

أردف (مارك) وهو يحيط رقبة (نيل) بذراعه قائلًا:
- نستدرجهم بطعام لذيذ.

ظهر الخوف على وجه (نيل) قائلًا:
- هل قررت التخلص مني؟! يالك من شخص ناكر للجميل!

كركر الجميع بضحكاتهم الرنانة الصافية، ثم خرج من الكهف كل من (نيل) و(مارك) و (إيليان) إلى سفح الجبل وبحوزتهم أسد ضخم، اختبئ كلا من (نيل) و(مارك) بين الصخور الضخمة يشاهدا ما يحدث من بعيد، بعد سويعات قليلة بدأ وفود من التنانين تهل على المكان، كان يتحدث (إيليان) مع ألفا التنانين عبر التخاطر، وفجأة حاول الألفا مهاجمة (إيليان) ولكن رأى جميع التنانين المجتمعة في سفح الجبل أن الألفا يقع صريعًا قبل أن يمس (إيليان) بأذى، احنى جميع التنانين روؤسهم طاعة وخوف من بطش (إيليان) لهم، ثم فر أكبرهم بالأسد كوليمة لهم، تنفس (إيليان) الصعداء ثم نادى على صديقيه قائلًا:
- اظهرا.. لقد رحل الجميع.

هرول كلا من (مارك) و(نيل) تجاه (إيليان) قالا بصوت واحد:
- ماذا جرى؟ هل تم الأمر بنجاح؟

جلس (إيليان) على أقرب صخرة قائلًا:
- كدت أموت خوفًا عندما هاجمني التنين، ولكن أعانني الله عليه، لقد تمت المعاهدة في سلام، ولكن لابد من الاجتماع بشعب المملكة؛ حتى لا يتهور أحد منهم في أذية أحد التنانين، وهنا يأتي دورك يا (نيل) فأنت لديك شعبية عظيمة بينهم، هيا بنا لقد تقرقرة معدتي من الجوع.

ضحك (نيل) قائلًا:
- شعبية ماذا؟ هل نسيت أنك في مملكة التنانين؟ يوجد لدينا ملك عظيم يدعى (آرثر) بعد تناول وجبة الغداء سنذهب له نحن الثلاثة.

بالفعل ذهب كل من (نيل) و(إيليان) و(مارك) إلى الملك (آرثر) كان يعيش في كهف ضخم، يحرسه رجلان ضخمي الجثة بأيديهم سلاح غريب نوعًا ما عما كان في عصر (إيليان) بعد التحية والسلام قال (نيل) وعلامات الجدية ظاهرة على محياه:
- لقد جئنا الآن يا مولاي نطلب منك اجتماع عاجل لشعب المملكة، هناك أمر هام لابد من وجود الجميع لسماعه.

ضحك الملك (آرثر) مقهقهًا قائلًا:
- ومن يريد هذا الاجتماع العاجل، أنت؟

شعر (نيل) بالحرج قائلًا:
- أيها الملك العظيم لقد قام (إيليان) بالاجتماع بالتنانين على سفح الجبل، وتمت بيننا معاهدة سلام، ولابد من اخبار الجميع بذلك.

وقف الملك (آرثر) ثم اقترب منهم، وظل يدور حولهم وهو يتفحصهم من قمة رأسهم إلى أخمص قدمهم قائلًا:
- من منكم يدعى (إيليان) وكيف قام بهذه المعاهدة؟

تقدم (إيليان) للأمام، رافعًا رأسه قائلًا:
- أنا (إيليان) جلالتك، قمت بهذه المعاهدة مع التنانين فأنا استطيع التحدث معهم، وإن لم تصدقني فأنا على استعداد أن ابرهن لك ذلك.

نظر له الملك (آثر) نظرة اعجاب على شجاعته المفرطة بالنسبة له قائلًا:
- وإن كنت كاذبًا، هل أنت على استعداد أن تكون طعامًا للوحوش الضارية؟

أجاب (إيليان) مسرعًا:
- أجل، أنا على أتم استعداد.

نظر له الملك (آرثر) نظرة متفحصة؛ ليستشف صدق حديثه قائلًا:
- وهل لديك قدرات أخرى سوى التحدث مع التنانين؟

نظر (إيليان) تجاه (مارك) ثم عاد ونظر تجاه الملك (آرثر) قائلًا:
- أجل لدي جلالتك، استطيع ترويض الوحوش الضارية لتصبح كالقطط الأليفة، وغير ذلك من قدرات.

جلس الملك (آرثر) على مقعده قائلًا:
- لنرى مدى صدقك، أيها الحارس احضر لنا القفص الذي به الضرغام إلى هنا.

شعر (نيل) بالخوف الشديد، لقد كان أسد ضخم الجثة ذو مخالب حادة، يترك زئيره في النفس الرهبة.

أمر الملك (آرثر) بأن يتم ادخال (إيليان) إلى قفص الأسد؛ ليثبت صحة حديثه، وبالفعل تم ذلك أمام أعين الحضور، نهض الملك (آرثر) منتفضًا كمن لدغه عقرب، لا يصدق ما رأته عيناه، لقد كان الأسد يتمسح بقدم (إيليان) كالقط الأليف، صعق الملك قائلًا بصوت يملؤه الدهشة:
- كيف فعلت ذلك؟

تقدم (مارك) تجاه الملك (آرثر) قائلًا:
- لا تخشى من قدرات (إيليان) يا مولاي، هو لا يطمع في ملك، بل يريد مساعدتنا لنحيا في سلام مع الوحوش والتنانين، بدلًا من الاختباء كالفئران في الكهوف.

صاح الملك (آرثر) قائلًا:
- أيها الحراس انفخوا في البوق، لاستقبال الشعب في مجلس الاجتماعات.

تجمهر الشعب والحيرة تتوج محياهم في مجلس الاجتماعات، ظلوا يتساءلون عن سبب هذا الاجتماع المفاجئ! صعد الملك (آرثر) على المنبر قائلًا:
- أيها الشعب المغوار لقد جمعتكم اليوم احتفالًا بمعاهدة السلام التي صارت بيننا وبين التنانين.

صار هرج ومرج في القاعة ما بين متعجب ومكذب، فهم الملك ما يدور في خلدهم قائلًا:
- هل تريدون دليلًا على ذلك؟

صاح الجميع بصوت واحد قائلين:
- أجل جلالة الملك، لنطمئن ليس إلا.

صعد (إيليان) المنبر بعدما سمح له الملك بذلك قائلًا:
- أنا (إيليان) لقد منحني الرب قدرات تفوق الخيال، جئت لمساندتكم لتحيوا حياة طبيعية خالية من الخوف والفزع، لقد قمت بمعاهدة سلام مع التنانين، لن يتعرض لكم أي تنين طالما لن يتعرض له أحد، سيكتفي بالتهام الوحوش بدلًا منكم، اعذركم إن لم تصدقوا ذلك، ولذا سأثبت لكم صحة ما أقول أمامكم.

خرج (إيليان) خارج الكهف وهو ينادي على الألفا الجديد عبر التخاطر، هرول الجميع نحو بوابة الكهف، لكي يشاهدوا ما يحدث، تقهقر الجميع للداخل عندما اقترب تنين ضخم من الكهف، شعر الجميع بالدهشة عندما صعد (إيليان) فوق ظهر التنين وحلق به التنين لأعلى، صاح الملك (آرثر) مهللًا:
- لقد انقشع الظلام، وحل النور مرة أخرى.


..يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي