الفصل الرابع سحر الترياق

امتطى (إيليان) التنين وحلق به في الفضاء، ياله من شعور ممتع! لقد شعر بالحرية، ظل يشاهد المملكة من فوق السحاب لقد كانت رائعة الجمال، ثم تعجب عندما تذكر شكل المدينة منذ خمسمائة سنة، لقد اختلفت الآن كثيرًا عما كانت عليه من قبل، هبط التنين فوق سفح الجبل، شكر (إيليان) التنين (رعد) قائلًا:
- اشكرك يا (رعد) من الآن أنت خليلي، لن استطيع الاستغناء عنك، ستصبح رفيق دربي وحارسي الشخصي.

هز التنين (رعد) رأسه قائلًا:
- هل تعلم لم اسمح أن يمتطيني شخص من قبل، لكني شعرت بطيبة ونقاء قلبك، لم أجد من قبل بشري يتمنى الخير للجميع بدون مقابل، من الآن فصاعدًا سأكون حارسك الشخصي، ورفيقك في الحياة.

ظل (إيليان) يحرك يده على رقبة (رعد) قائلًا:
- اعتذر عن تصرفات البشر وعدائهم تجاهكم، فأنت تعلم بأن خوفهم هو ما يحركهم ولذا بدأوا بالحرب والقتال، لا تتعجب من معرفتي هذا، لقد قص علي أحد التنانين ماضيكم مع البشر.

أشار (رعد) له لكي يمتطيه قائلًا:
- لقد حان موعد العودة إلى المملكة.

عادا وهما محملان بالأمل من جديد، وجد (إيليان) تجمهر من شعب المملكة فهم يحتفلون ويهللون فرحًا بالمعاهدة التي ستمنح أولادهم وأحفادهم الأمن والأمان في المستقبل، وأخيرًا سيبنون منازلهم فوق الأرض تحت أشعة الشمس الدافئة، بدلًا من العيش في الكهوف.

احتفل (إيليان) مع الجميع، كانت التنانين تحلق فوقهم كأسراب الطيور تتمايل في السماء، لقد صار هناك تعاطف ومحبة بين البشر والتنانين، عاشا في وئام وسلام سويًا، وأصبحت الوحوش الضارية هى الطعام الوحيد للتنانين، والكهوف منازلهم، لقد قام شعب مملكة التنانين ببناء منازل لهم محاطة بالحدائق، يلعب الصبية في شوارع المملكة وهم يشعرون بالاطمئنان، لقد انتشر الخبر كالنار في الهشيم بين الممالك المجاورة، قام ملك مملكة بنجا (جاك) بإرسال رسول إلى مملكة التنانين لمقابلة الملك (آرثر) للاستعلام عن حقيقة الأمر، أيد (آرثر) قائلًا:
- لقد استعاد البشر زمام الأمور مرة أخرى بفضل فارس التنانين (إيليان).

عندما أخبر الرسول بما حدثه الملك (آرثر) للملك (جاك) أمر بدعوة (إيليان) للحضور للمملكة؛ حتى يتعرف على منقذ البشرية، أرسل الملك (آرثر) حارسه الشخصي إلى (إيليان) يخبره بدعوة الملك (جاك) له، تعجب (إيليان) في بادئ الأمر ولكن نصحه (مارك) قائلًا:
- لابد أن تقبل دعوته، لا يمكنك رفض دعوة الملوك.

ارتدى (إيليان) الزي الرسمي لمملكة التنانين، حيث تكلل ظهر العباءة صورة فارس يمتطي تنينًا، اعتلا (إيليان) ظهر (رعد) تنينه الحارس محلقًا به إلى مملكة بنجا، استقبله الملك (جاك) بنفسه بحفاوة شديدة، وزاد اعجاب الملك به عندما شاهده يمتطي التنين كأنه يمتطي جواد جامح أصيل، قام الفارس المغوار (إيليان) بجوار التنين (رعد) بتحية الملك قائلًا:
- السلام والتحية على مولانا الملك.

صافحه الملك (جاك) بحرارة قائلًا:
- التحية على فارسنا الهمام، منقذ البشرية من الظلام، تفضل للداخل لنتحدث سويًا في أمر هام.

دلف (إيليان) لداخل الكهف العملاق، وجد الكثير من الحرس والحاشية في استقباله، لكنه لم يهتم لأحد سوى لحورية الجنان التي أمامه، سبحان الخالق الوهاب فيما خلق! فتاة باهرة الجمال كأنها القمر المكتمل في السماء، أو النجوم اللامعة في الليل الكاحل السواد، وجهها مستدير وردي اللون، وعيناها خضروان بلون أعشاب البحر، وشعرها أصفر كأنه خيوط الذهب، لفت نظر (إيليان) طفولتها التي تظهر في لهجتها في الحديث، اشراقة وجهها بتلك البراءة والسذاجة، خفة حركتها كأنها الظبي، كان قلبه يقرع كالطبول من شدة هيامه بها، قاطع شروده في حسنها صوت الملك (جاك) قائلًا:
- ما رأيك فيما تحدثت به الآن؟

شعر (إيليان) بأنه في مأزق شديد قائلًا:
- نعم الرأي يا مولاي.

ابتسم الملك (جاك) قائلًا:
- ولكني لم أقل شيئًا بعد، فيما تشرد؟!

تنحنح (إيليان) وهو يشعر بالحرج الشديد قائلًا:
- اعتذر يا مولاي، تفضل بالحديث ستجدني -إن شاء الله- منصت لك تمامًا.

أومأ الملك (جاك) برأسه قائلًا:
- نريد مساندتك في المملكة.. كما تعلم نحن نسكن الكهوف خوفًا من مهاجمة التنانين، شعرنا بالسعادة والأمل عندما علمنا بما فعلته في مملكة التنانين، نرجو دعمك لكي ينقشع الظلام ويحل ضوء النهار علينا من جديد، ولك ما تريد.

صمت (إيليان) وهو ينظر تجاه الفتاة، فقلبه يدق كأنه مطرقة، ولكنه افاق من شروده قائلًا:
- لا تقلق سألبي طلبك بدون مقابل، والآن سأذهب لتنفيذ طلبك، استودعك الله.

خرج (إيليان) من الكهف وهو يشعر بالألم في قلبه، فقلبه يؤنبه على عدم طلبه الزواج من من ملكت فؤاده بدون استأذان أو طلب، امتطى التنين وحلق به لفوق ثم هبط على أعلى بقعة في المملكة، شعر التنين (رعد) بحزن صاحبه قائلًا:
- ماذا حدث؟ هل أزعجك أحد بالداخل؟

هز (إيليان) رأسه يمينًا ويسارًا قائلًا:
- لا ولكن العشق اخترق قلبي، اشعر بالألم الشديد لمعرفتي بأنني مفارقها.

أردف (رعد) متعجبًا من تصرفات البشر قائلًا:
- ولما تفارقها.. لماذا تهوون التعذيب؟! أن الأمر في غاية السهولة واليسر، أطلب يدها للزواج.

وضع (إيليان) يده تحت خده، ومعالم الحزن تكلل محياه قائلًا:
- ليت الأمر بهذه البساطة، اخشى أن يظن طلبي بأنه مقابل تنفيذ طلبه، وأنا لا أقبل بذلك، مبادئي لا تسمح بأن أحيد عنها.

زاد الاحترام والتقدير في قلب التنين (رعد) تجاه صديقه (إيليان) قائلًا:
- ليت جميع البشر مثلك.. يؤمنون بمبادئ عظيمة ويقوموا بتنفيذها رغم تضارب مصالحهم معها.

ظهر الجمود على وجه (إيليان) قائلًا:
- لقد حان وقت العمل، أريدك أن تجمع جميع تنانين هذه المملكة هنا الآن.

انطلق التنين (رعد) لتنفيذ طلب صاحبه بأقصى سرعة، ثم عاد بسرب من التنانين من كل اتجاه، قائلًا:
- تم الأمر..

نظر (إيليان) للألفا قائلًا:
- شعب مملكة بنجا يريدون معاهدة سلام معكم، لا يؤذي أحد منكم الأخر، سيعم السلام والوئام بينكم في المملكة.

سخر الألفا قائلًا:
- ومن يضمن لنا غدركم أيها البشري؟ وكيف نحيا بدون طعام؟ فأنتم وجبتنا المفضلة.

ضحك جميع التنانين بصوت واحد ساخرين منه، فقال لهم (إيليان) وهو ينظر تجاه أعين الألفا:
- أنا.. هل هناك أي اعتراض؟

اقترب التنين الألفا من (إيليان) فحاول (رعد) أن يحول بينهما ولكن أشار له (إيليان) بعدم التدخل، خدش الألفا كتف (إيليان) بمخالبه بدون أن ينتبه له (إيليان) فشعر بالغضب الشديد قائلًا:
- تريد معركة بيننا، لك ذلك.

افسح الجميع لهما وهم يترقبون ما يحدث، رغم علمهم بأن الألفا هو من سيفوز على البشري لا محالة، جلس (إيليان) على صخرة وهو يضع أحد رجليه على الأخرى قائلًا:
- سأفوز عليك بدون أن اتحرك من موضعي هذا.

غضب الألفا بشدة من استهزاء البشري، فهرول مسرعًا للبطش به، ولكنه وجد نفسه مصعوقًا ومكبلًا بحبال متينة، وقع الخوف والرعب في قلوب التنانين، ولم ينتظروا أوامر الألفا وخروا طائعين ملبيين طلب (إيليان) قائلين:
- لك الطاعة والولاء..

تنهد (إيليان) قائلًا:
- من اليوم سنبدأ معاهدة سلام بيننا، والويل لم يخالف أوامري، سنحيا في وئام وحب، أبغض العصيان والتطرف، هل من طلب ألبيه لكم؟

نظر الجميع لبعضهم البعض ثم نظروا مرة أخرى إليه قائلين:
- ماذا عن طعامنا وطعام أطفالنا؟

أردف (إيليان) قائلًا:
- طعامكم السباع والوحوش الضارية، ما أكثرهم في المملكة! لا تقلقوا من نفاذها فهناك المزيد والمزيد منها في جميع الممالك، فلا يوجد اعتراض عن تناولكم أياها في أي مملكة كانت.


تقبل الجميع ما أمر به (إيليان) في صمت، وانطلقا إلى السماء محلقين بأجنحتهم، قال التنين (رعد) له:
- لابد من علاج جرحك، لماذا لم تسمح بمساندك؟

نظر (إيليان) مكان جرحه واندهش بشدة مما رأى، لقد التئم جرحه كأنه لم يكن، تعجب التنين (رعد) أيضًا قائلًا:
- كيف ذلك؟ ألست بشريًا؟ جميع الكائنات الحية تصاب بجروح وتأخذ فترة زمنية لكي تتداوى، كيف يعقل هذا؟

أردف (إيليان) قائلًا:
- لا أعلم هذا.. أن قدراتي تزداد حدة وقوة لدرجة الانبهار، ولكن أين قلبي من هذه الهبة؟! هيا بنا يا (رعد) حتى نبشر الملك (جاك) بإتمام المعاهدة بينهم وبين التنانين.

شعر الملك (جاك) بالسعادة والفرحة، لقد تهللت أساريره، والتمعت أعين الجميع بومضات بهجة وفرحة، انتشر الخبر بين الشعب، فرددته الألسن في ابتهاج، وسرعان ما شبت في المملكة يقظة عارمة، وجلجلت ضجة وعجيج، مهللين فرحين بالمعاهدة، ستشرق شمس الحرية، وتعلو ضيائها القلوب، وقف الملك (جاك) بجوار الفارس المغوار (إيليان) قائلًا:
- من الآن فصاعدًا سنتجول بين طرقات المملكة ونحن نشعر بالأمان والحرية، دون خوف، أو فزع، سيخلصنا التنانين من الوحوش الضارية، تحيا مملكة بنجا آمنة حرة، والآن لابد من مكافأة من يرجع له هذا الفضل العظيم، قررت منح فارس التنانين (إيليان) ابنتي كزوجة مخلصة له.


صدم (إيليان) وجحظت عيناه من المفاجأة، لم يكن يعلم من هى ابنته التي يتحدث عنها، تسمر في مكانه عندما رأى فتاة تغطي وجهها بوشاح ابيض تقترب منه، نظر (إيليان) إلى صديقه التنين (رعد) قائلًا له عبر التخاطر:
- يا لها من ورطة! لقد تم زواجي بدون أن أعلم مسبقًا، هل رأيت كيف تحول بي الحال كأنني فتاة أزف بدون علمها؟! ما هذا العصر الذي حدفت إليه؟! ما العمل الآن يا (رعد) دلني؟

اهتز جسد التنين (رعد) دليلًا على ضحكة قائلًا:
- لم ارزق حتى الآن بخليلة تملء حياتي بهجة وسرور، يا لك من محظوظ!

بدأت مراسم الزفاف، وارتدى (إيليان) الثوب الخاص بهذه المناسبة، سروال ابيض مع قميص ابيض، وعباءة مطرزة بخيوط ذهبية، ونعل جلدي تم صنعه يدويًا، كان يشعر (إيليان) بالحزن والأسى، لم ينل حب عمره الذي لن يتكرر ثانيًا، ضحك عندما رأى صديقه التنين (رعد) يرتدي عباءة بيضاء من الحرير قائلًا:
- ما أجملك يا عروستي اللطيفة!

زمجر (رعد) والغضب يخرج كالشرر من عينه قائلًا:
- إن لم تصمت اعتبر أن المعاهدة لاغية، وسأفترسك بأنيابي الحادة، هل فهمت؟

ضحك (إيليان) حتى ظهرت نواجذه قائلًا:
- كنت امزح معك.. يالك من ثقيل الدم!

صمت الحضور عندما حضر الملك (جاك) وهو يتأبط يد ابنته، ويسير بها على بساط ذهبي، ابتسم الملك وهو يضع يد ابنته في كف (إيليان) قائلًا:
- اتمنى أن تحافظ على جوهرتي الغالية، فهى كنز ثمين لا يقدر قيمته سوى الملوك والفرسان.


أومأ (إيليان) برأسه وقلبه يعتصر حزنًا على ضياع محبوبته، قائلًا:
- لا تقلق.. ابنتك في أيدي أمينة لا تغدر ابدًا.


انتهت مراسم الزفاف، وقام (إيليان) بالاعتذار للملك (جاك) قائلًا:
- اعذرني يا مولاي فأنا مضطر للعودة إلى مملكتي الآن، اشكرك على ما قدمت لي من تحية، وحبور، وجائزة غالية.


تفهم الملك ذلك وسمح لهم بالرحيل بعدما ودع ابنته قائلًا:
- تصحبك السلامة يا مهجة الفؤاد والروح، ارجو أن نتقابل في القريب العاجل.


امتطى (إيليان) هو وزوجته على ظهر التنين محلقًا بهما في الفضاء الواسع، قائلًا:
- هل تعلمين أنني حتى هذه اللحظة لم اتعرف على اسمك، ولا رأيت وجهك؟

صمتت الفتاه ولم تتحدث، شعر (إيليان) بتورطه في الزيجة قائلًا:
- اتفهم خجلك.. وربما تم ارغامك على الزواج مني، لا تقلقي لن ارغمك على شيء.


هبط بهما (رعد) وهو يشعر بحزن صديقه، قائلًا:
- لا تحزن.. فربما تكون زوجتك أفضل من الأخرى.

ربت (إيليان) على رقبة (رعد) قائلًا:
- لا تقلق يا صديقي، فأنا مؤمن بالنصيب.

تفاجأ الجميع من دلوف (إيليان) مع فتاة بثوب زفاف قائلين بصوت واحد:
- من هذه؟ هل تزوجت؟

اقتربت (ساندرا) من العروس قائلة:
- اهلًا بعروستنا الجميلة، لماذا تخجلين؟ أنتِ الآن وسط أسرتك الجديدة، دعيني أعرفك على الجميع، هذا ابني (نيل) والجميلة التي بجواره زوجته (يارا) وهذا الفتى الأشقر يدعى (مارك) صديق العائلة، وبالطبع زوجك الحبيب (إيليان) مثل ابني تمامًا، لماذا تضعين الوشاح حتى الآن؟! هيا انزعيه حتى نتملى في جمالك.


جحظت أعين الجميع بلا استثناء حتى (إيليان) صدم تمامًا..



..يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي