الفصل الثالث

بعد أن ألقى كلماته الغامضة، تقدمت فتاة كانت تقف في الخلف يظهر عليها القوة ولكن بالتأكيد قوتها مثقال ذرة من قوة ذلك اللعوب الجالس أمامهـم وعندما أصبحت أمامهُ مباشرةً أردفت بسخرية:_واحدًا منا ولكن لا تنسـى أنه دخيـل على عاشرتنا وليست عاشرتنا فقط بل على مجتمعنا بأسرهُ!
ظل ينظر لها قليلًا بنظرة مميتـة ثم نهض من مكانهُ هاتفًا وهو ينظر لعيناها بقـوة:_هذا ليس من شأنك افعلي ما تأمرين بهِ فقط.. ثم نظر لهم جميعًا وهو يقول:_والحديث ليس لها وحدها بل لكم جميعًا..
أنهى حديثـهُ ثم تركهم وذهب وما كادوا يتنفسون حتى أتاهم صوته قائلًا:_سأظل معكم حتى أنتهاء الفترة المحددة لكم وسأراقبكم جميعًا لأرى هل تعملون فعلًا بجد، أم ترفهون على أنفسكم بمراقبة البشر!

ألقى كلماته الغامضـة التي جعلتهم يعلمون بأنه يعلم ماذا يفعلون بالضبط، لذلك أردفت الفتاة الأخرى بضيق شديد قائلة:_هذا الخبيث، حقًا ألم يجد الملك غيره حتى يرسلهُ لنا، والآن لن نستطع التنفس حتمًا حتى نجد هذا الدخيـل..
تحدث الفتى الآخر والذي لم يتحدث نهائيًا وهو يتوجه ناحيـة باب الخروج:_كفوا عن الثرثرة ولا تضيعوا وقت إضافي، فالآن يجب أن تعملوا بجد وقد حذرتكـم قبل ولكنكم لا تستمعون إلى حديث أحد نلتقي منتصف الليل حتى نعرض المستجدات..

لم يتبقى سوى الثلاثة الذان نظروا لبعضهم بقلة حيلة ومن ثم انطلق كلًا منهما في وجهته ليـبدأون البحث مرةً أخرى مرغمين!!
______________________

أخذت تركض في الطرقات وهي تنظر في ساعتها وتتمتمت ناهـرة نفسها:_تبًا لكِ يا إيلين، كيف تنامين كل هذا الوقت، وتنسي معادك مع البروفيسور، آآه سوف اقتلكِ يا لينا أيتها الحيوانة كيف تتركيني نائمـة كل هذا الوقت!

دلفت إلى داخل تلك المكتبـة العريضـة ذات المساحة الواسعـة، والتي ينتشر فيها الكُتب في جميع الإتجاهات بطريقة مُنظمة بشدة تُبهر من ينظر إليها، وخاصة ذلك المهـوس بالقراءة والكُتب فهي مليئة بجميع أنواع الكُتب في جميع أنحـاء العالم، دلفت إلى ممر ضائق بعض الشيء ظلت تسير قليلًا حتى وصلت إلى غرفة واسعـة بها مكتب عريض وأريكـة واسعـة مريحـة وأيضًا مكتبة مليئة بالكُتب تأخذ حائط بأكملهُ نظرت ناحية المكتب فوجدت رجل يظهر عليه الوقار والهيبـة خاصـةً بشعراته البيضاء التي تزيدهُ وقارة، ويمسك بأحد الكُتب الغريبة ويقرأ فيها بتركيز اخذت نفسًا عميق ورسمت ابتسامة واسعة على ملامحها ثم طرقت طرقات بسيطة على الباب قائلة:_مرحبًا أيها البروفيسور..

أردف دون أن يرفع نظره إليها:_لقد تأخّرتِ أكثر من ساعة على المِعاد!
أردفت بمرح وابتسامة بلهاء:_وهل هذه هي المرة الأولى استاذي؟
رفع نظره لها وضيق عيناه، فتقدمت منه ووضعت ملف بها العديد من الأوراق أمامهُ وهي تقول بجدية:_اعتذر بروفيسور ولكني ظللت لوقت مُتأخر حتى انتهيت من هذا البحث، كان حقًا طويل ويحتاج إلى بحث واستكشافات عديدة، ويوجد الكثير من الأشياء التي لما استوعبها..
أمسك الأوراق وأشار لها بالجلوس، فجلست على المقعد المقابل له بينما هو أخذ يطلع على الأوراق بتركيز وبعد عدة دقائق ترك هذه الأوراق ونظر لها متسائلًا:_حسنًا، أخبريني عن الأشياء التي لم تستوعيبيها؟
_بدايةً يوجـد نقطة لا أقدر على استيعابها كيف هما بهذه الباشعـة كما تصف الكُتب برغم أنك أخبرتني أنهما شديدا الجمـال!

لم يظهر على ملامحـهُ أي تعابير ولكنه بدون مقدمات بدأ يفسسر لها ويتحدث معها في أدق التفاصيل وبدأت تسأله أكثر حتى بات شغفها بهذا المجال يتزايد أكثر فأكثر، دون أن تنتبه أن هذا الشغف قد يكون نهايتـها..

_________________

هذا العالم يختلف تمامًا عن عالمنا، نعم هي نفس القواعد الصارمـة، ولكنهم مُختلفـون، حياتهم ليس فيها أي تعقيدات كحياتنا التي ما هي إلا عبارة عن معارك وعندما تظن أحد العشائر أنها المنتصـرة يأتي مجرد بشري هزيـل ينتصر علينا جميعًا، بشري! هذا المصطلح الذي يظن جميع من في عالمنا أنه أضعف مخلوق على الأرض بينما هو أقوى مخلوقات الأرض،
لذلك ميـزهُ الله عن جميع مخلوقاتـه!
كان يتحدث بذلك في خاطرهُ وهو يُسير في الطُرقات ويتابع كل شيء حولهُ من أسفل نظارتهُ، ولكنه توقف فجأةً عن السيـر في أحد الشوارع الهادئة والتي نادرًا ما يسير فيها أحدًا وابتسم ابتسامة بسيطـة وهو يقول:_لمـاذا لا تهتم بالمهمـة المطلوبة منك بدلًا من مُراقبتي!

نظر ذلك القابع خلفـهُ على كلتا جانبيه ثم هـز رأسـهُ يأسًا وهو يتقدم منه حتى وقف أمامـهُ مرددًا:_حقًا أنت خبيث كما يتلقون عليك يا صديقي!
قهقة بقوة وهو يردد بثقة ومكر:_وهل كان لديك شك!
هز رأسه نافيًا وهو يعانقه بشتياق هاتفًا:_اشتقت لك كثيرًا يا حيدر.
_وأنا أيضًا.
ابتعدوا عن بعضهما فتساءل "بوجلس":_كيف حال العشيرة؟
توجه حيدر ناحيـة أحد البيوت القديمة المهجورة ودلف إليها من وسط الجدار فابتسم بوجلس وانطلق خلفه وهو يقول:_ألم تحذرنا ألا نستخدم أي شيء يدل على حقيقـتنا طوال هذه المُهمة!

أجابـهُ ببرود:_هذا أنتم وليس أنا..
ارتفعت ضحكاته قائلًا:_بالتأكيد فأنت الأمير الصغير، المهم لم تُجبني على سؤالي!
_العشيـرة أوضاعها غير مُستقرة خاصةً عندما علم قبيلة "سبريجانز"، بأمـر الغريب المتجانس، ويحاولون الوصول إليه بأي طريقة فتعلم أنه كنز سيحارب من أجله جميع القبائل!

اتسعت صدمة بوجلس وهو يقول بدهشـة:_ولكن كيف علموا بأمـره، فهذا أمر سري بين العشيـرة؟
أجـابهُ بغمـوض:_يوجد خائن في العشيرة هو من سرب هذه المعلومات الهامـة، والآن "رحيل" يبحث عن هذا الخائن، قبل أن يستطع فعل أو تسريب معلومات أخرى، وقبل أن نصل إلى الغريب المتجانس لأن بالتأكيد مجرد وصولهُ عالمنا سيعرفون بوجوده وستكون هذه الطامة الكُبرى، لأن قبيلة الـ"سبريجانز" يعاونهُ "أمة الغيلان" وأيضًا الـ"ريدساب"، والثلاثة مع بعض تمثل قوة شريرة وجبارة يصعب السيطرة عليهم!

أقشعرت أبدان بوجلس وأردف ببعض الخوف:_ولكن يا حيدر لابد أن تستعد العشيرة حتى لو حدث أي اعتداء يكونوا مستعدين!
_بالفعل العشيرة تستعد بكل الإمكانيات المُتاحـة، وكل ذلك يتم بسرية تامـة.. ثم التفت ناظرًا لهُ بإصرار هاتفًا:_الأهم الآن أن نصل لهُ في أقرب الوقت قبل فوات الأوان..
أومأ بوجلس برأسـهُ فابتسم له حيدر مشجعًا وشرد كلًا منهما في القادم والذي لن يكون على ما يرام قط، فالقادم سيكون دمارًا على كلا الجنسان!!

ملحوظة/
"بوجلس: هم عفاريت يضرون الكاذبين والقتلة.
أمة الغيلان: هم أمة من سحرة الجن ويملكون الكثير من القدرات سحرية.
سبريجانز:هي جان قبيحة الشكل ويمكن تضخيم نفسها إلى أبعاد هائلة وهي مدمرة تمامًا، وخطيرة وفي أغلب الأحيان قادرون على سرقة المنازل من البشر وخطف الاطفال، ويمكن أن يتبادلوا طفل من البشر بطفل من فصيلتهم مثير للأشمئزاز.
ريدساب:هم عفاريت شريرة يعيشون في الأبراج القديمة المهدمة."
______________

_كل شيء واضح معكِ الآن؟
أومأت برأسها ببتسامة مُرددة:_نعم أيها البروفيسور لقد وضح أمامي كل شيء..
بادلها الابتسامة بأخرى طفيفة قائلًا وهو ينظر لكتابهُ مرةً أخرى:
_والآن هيا أغلقي الباب خلفك.
رفعت حاجبيها باستنكار سرعان ما ابتسمت هاتفـة:_حسنًا سوف أذهب ولكني سأستعير بعض الكُتب أولًا.
هـز رأسـهُ يائسًا منها ثم أمـاء لها ولم يتحدث فارتدت حقيبتها وتوجهت ناحيـة تلك المكتبة العملاقة وأخذت تنتقي بعض الكُتب المُختلفـة، بينما كان يوجد كتاب معين تبحث عنه ولكنها لم تجدهُ لذلك سحبت السلم الخشبي الكبير، ووضعته بالقرب من أحد الرفوف وصعدت عليه بحذر حتى تبحث عنهُ في الرفوف العالية تلك والتي أوشكت على الوصول للسقف العالي والذي يبلغ طولـهُ حوالي ثلاثون ذراعًا أو أكثر، أخذت تبحث عنه حتى وجدتهُ أخيرًا فابتسمت بحماس وجلست على الدرج تقلب بين صفحاته حتى تتأكد أنه هو الكتاب الأصلي التي تبحث عنهُ وليس نُسخـة محرفة عنه، وعندما تأكدت منـه نهضت بحذر وعدلت الكُتب مكانها ولكن أثناء ترتيبها رأت شُعاع نور يأتي من زاوية وراء ذلك الجدار الخشبي الكبير فأخذت تدقق النظر فوجدت ظل شخص ويبدو أنه يفعل شيءٍ ما غريب، أخذت تشب أكثر حتى ترى بوضوح..
_ماذا تفعلين؟

التفتت سريعًا بخضة فوقع الكتاب من يدها أمسكـهُ البروفيسور وهو ما زال ينظر لها من أسفل بدقة فابتلعت ريقها وأردفت ببتسامة:_لقد أوقعت قلبي أيها البروفيسور، ماذا سأفعل؛ كنت فقط أبحث عن كتابًا ما!
رفع حاجبيه قائلًا وهو ينظر إلى الكتاب بين يده:_وهل هذا هو ما تبحثين عنه؟
ثم رفع نظره لها فأومأت مرددة:_نعم.
_حسنًا هيا انزلي حتى تعودي للمنزل فقد تأخر الوقت.
أومأت برأسها ثم نظرت باتجاه الضوء وهذا الخيال ولكنها لم تجد شيء سوى الظلام فعقدت حاجبيها بستغراب مرددة في ذاتها "معقول كنت أتخيل، بالتأكيد هذه مجرد تهيُؤات"، دقائق قليلة وكانت تخرج من المكتبـة بأكملها بينما ذلك البروفيسور نظر باتجاه الزاوية مُعاتبًا وهو يهز رأسـهُ بضيق..
__________________

_ماذا هل فقدتِ عقلك، كيف ذلك، كيف يوجد تؤام؟
اهتز بدنها من صريخه العالي والذي هز جدران المكان، وكأن هناك زلزالًا ما يحدث، ولم تقوى على الحديث فتقدم منها بغضب جحيمي ورفعها لأعلى هاتفًا:_أخبريني الحقيقـة كاملة حالًا!

ابتلعت ريقها بخوف وريبة كبيرة وبدأت بالحديث قائلة:
_هذه هي الحقيقة مولاي، يوجد الطفل الثاني ولكنه في عالم البشر، لم أقوى على قول ذلك لك لأني أرادة أن أترك له شيءٍ مني، وأنت لم تكتشف ذلك؛ لأنني من حميتهُ بأحد التعويذات!

كانت عيناه كالجحيم بعد أن عرف هذه الكارثة التي ستدمر كل شيء حتمًا، صرخ بغضب وهو يُلقيها بعيدًا وهو يردد:_خائنة وأيضًا مُغفلة؛ هل تعلمين فعلتكِ ذلك ما هي نتيجتها يا بلهـاء، تبًا لكِ، لقد عفوة عنكِ سابقًا ولكن هذه المرة أقسم لكِ سيكون موتك على يدي لا محال، ولكن عندما أحل هذه الكارثة ومن ثم ستلقي حدفك!!
أعطاها ظهره فانشقت الأرض نصفين والتهمتها وهي صامتـة لا تعرف بما تتحدث أو تبرر خطأها الفادح ذاك..

منذ تلك المقابلة وهي في تلك المقبرة لا تتحدث مع أحد ولا أحد يتحدث معها، تجلد ذاتها بلا رحمة فلولا قلبها الغبي ذاك ما حدث كل هذا الهراء حتمًا!!
انفتح القبو فجأة وظهر من خلفه الملك بهيئته المُرعبة؛ فهو من ذلك اليوم وهو يحاول السيطرة على غضبه حتى لا يقتله لأنه يريدها بشدة لوقف هذه الكارثة، اهتز بدنها خوفًا بينما هو نظر لها بقوة مرددًا:_ستذهبين إلى عالم البشر وتعودين بهِ هل تفهمين!
أومأت برأسها عدة مرات فدنى منها قائلة بتحذير ووعيد شديد:_ولكن حذاري آسيا أن تفعل أي خطأ.
ظلت تهز رأسها مرارًا حتى اختفى من أمامها نهائيًا..
___________________

كعادتها تسيـر وهي تركض تارة وتغني تارةً أُخرى حتى وجدت كُرة تحت قدماها، ابتسمت بحماس وهي تنظر أمامها لطفلان يركضان نحوها من أجل الكُرة خاصتهم، فقال أحدهم لها:
_هذه لنا هل يمكنكِ إعادتها فضلًا!
اتسعت ابتسامتها وهي تقول بحماس:_حسنًا سأُعيدها لكم ولكن بشرط صغير!!

نظر الطفلان لبعضهما باستغراب فأكملت بحماس:_أن تسمحوا لي باللعب معكم..
ابتسم الطفلان وأمأوا لها فصفقت بسعادة كطفلة صغيرة وأخذت تلعب معهم بسـعادة، فهي هي إيلين فتاة تعشق الحيـاة، ولا تُعطي لها بالًا، تفعل ما يخطر ببالها دون تفكيـر..

على بعد سنتمترات كان يسيـر يضع يداه الإثنان في جيب الجاكت الجلدي الخاصة بهِ ويرتدي نظارته التي تُخفي عيناهُ حتى وقف فجأة وهو يرى ذلك الموقف الذي حدث بين إيلين والطفلان فابتسم عليها وعلى طفولتها وعندما أوشك على الذهاب كانت الكُرة قد اندفعت نحوه يليـه صوتها الطفولي وهي تردد بحماس:_هيا أيُها الوسيم مررهـا..

نظر لها قليلًا وهي تقف تبتسم ابتسامة واسعة وتضع يدها الإثنتان على خصرها وحبات العرق تهبط على جبينها مع خصلة شعرها السوداء فأعطتها جمالًا ساحرًا ودون أن يشعر كان ينضم إليهـم فاشتعلت الأضواء حماسـة، حيث أخذ الطفلان جانبًا للتشجيع بينما هي وذاك الغريب الذي لا تعرفه يلعبان بضحكات عاليـة..
مر الوقت سريعًا حتى وقف الإثنان في مقابلة بعضهما ينظران لبعضهم ببتسامة واسعة، فانطلق الطفلان نحو إيلين وأمسكوا الكُرة قائلان:_لقد سعدنا كثيرًا بذلك الوقت الذي قضناه معكم..
ابتسم لهم ببراءة قائلة:
_وأنا سعدتُ أكثر يا رفاقي الصغار..
أشاروا لها بالوداع وفعلوا المثل مع ذاك الغريب وانطلقوا في طريقهم، ركضت إيلين ناحية حقيبتها أمسكتها من على الأرض، وعندما اللتفت حتى تعرف من ذلك ولكنها وجدتُ يذهب في طريقه، فركضت خلفهُ تنادي بصوت عالي نسبيًا:
_أيُها الوسيم انتظر..

نظر لها بتعجب حتى وقفت أمامهُ فكانت تصل لأقل من كتفاه بقليل، ابتسمت لهُ مرددة:_كنت أريد أن أقول لك بأن مهاراتك في اللعب رائعة.
أجـابها ببرود:_أعلم، أريكِ قريبًا يا صغيرة!
اختفت ابتسامتها وهي تراهُ يتركها ويذهب:_ماذا!! أنا صغيرة!! من هذا المجنون؟
ظلت واقفة تُتـابعهُ بدهشـة، بينما هو يبتسم باتسـاع..


في مكان آخر في أحد الطرق كان يلتف حولهُ تارة وينظر في ساعته تارة أخرى وهو ينفخ بضجر فقد تأخرت كثيرًا فهذا هو الوقت الذي تمر فيه كعادتها، أخيرًا ظهرت أمامه بهيئتها الرائعة وهي تحتضن كُتبها وتسير بهدوء خاطفًا للقلب، ظل يُتابعها ببتسامة واسعة حتى مرت من أمامـهُ وبين هو شاردًا بها وجها تلتفت وتنظر لهُ بعيناها الزرقاء الواسعـة، ثم عادة السيـر ولكن ناحيتـهُ فحمحم بتوتر والتفت حتى يذهب ولكنها أوقفتـهُ بصوتها الرقيق قائلة:_مهلًا
ابتلع ريقـهُ وأخذ نفسًا عميقًا يحاول ضبط انفعالاته قلبهُ الذي بدأ ينبض بشدة، ثم التفتت ببطء فوجدت تقف أمامه مباشرةً وهي تنظر لهُ باستنكار فابتسم ابتسامة طفيفة مُتسائلًا بجهل:_كيف يمكنني مساعدتك آنستي؟

تاهت في بحر عيناهُ التي لم تحدد لونها بالضبط فهي تجمع بين اللون الرُمادي والأخضر، فأخذت تُعمق النظر فيها حتى تُحدد لونها، فكان مميزًا بطريقـة تراها لأول مرة، عندما وجدها تنظر له بتلك الطريقة عاد خطوةً للخلف من اضطرابات قلبه التي ستُكشفـهُ أمامها وأعاد سؤالهُ مرةً أخرى فحمحت متسائلة ببلاهة:_هذا لون عينك الحقيقي؟

أجابها باستنكار:_عفوًا..
شعرت ببلاهة سؤالها فرسمت الجدية على وجهها قائلة:_ماذا تُريد؟
_مـاذا تقصدين؟
تنهدت بضجر مرددة:_أعلم أنك تُراقبني مُنذ فترة، ولقد رأيتك أكثر من مرة ولكني كنت أقنع نفسي أن هذه مجرد صُدف لا غير، ولكن يبدو الأمر غير ذلك؛ لذلك أسألك لماذا تُرقبني؟

شعر بمدى ساذجته أمامها فهو كان يظن أنهُ يتخفى ولا يمكن لأحد الشعور بهِ أو رؤيته ولكن يبدو أنها اكتشفت ذلك..
ظلت تنظر لهُ قليلًا فتاهت في جاذبيته الخاطفـة فحقًا هو شديد الوسامة وبرغم ارتدائه لهذا الغطاء فوق رأسهُ ولكن تظهر ملامحهُ الرجولية بشدة، قد يكون ذلك بسبب قربها منه فكان لا يبعد عنهم سوى سنتمترات قلائل، أفاقت من توهانها بهِ هاتفـة:
_ماذا تقول؟

قال لها بنبرة هادئة جياشة:_يبدو أنه يوجد سوء تفاهم، فأنا لا أُراقبكِ حقًا، صدقيني..
ابتسمت فيبدو أنه ليس ممن يحسننوا الكذب حيث أنه عيناه التي يحاول أبعادها عنها قد فضحت كذبهُ، لذلك أردفت بمشاغبة:
_يجب أن تصدق نفسك أنت أولًا أيُها الوسيم وبعدها قد أُصدقك، وداعًا يا ذو الوشاح الأسود..

وتركته وذهبت ببتسامة واسعة، فارتسمت ابتسامة عاشقـة وهو يُتابعها ويشعر اليوم بسعادة عارمة فقد كان يحلم أن يحادثها ويسمع صوتها بنبرتهُ الرائعـة والتي تجعل الادرنالين يُزيد بداخلهُ فيُحبها أكثر فأكثر..


دلفت إلى المنزل الذي يجمعها هي وصديقتها ومازالت تبتسم بسعادة وهي تتذكر ملامحهُ وتوترهُ أمامها، فوجدت صديقتها تجلس أمام التلفاز وامامها وعاء مليء بالفُشار تأكل منه بنهب ويبدو على ملامحها الضجر فعقدت حاجبيها باستغراب وهي تجلس بجانبها مُتسائلة:_ماذا حدث معكِ يا مصيبة حياتي؟
نظرت لها إيلين بضيق ووضعت كمية كبيرة من الفُشار في فمها ولم تجب فضحكت لينا عليها قائلة:_يبدو أن الأمر غاية في الخطورة؛ فمن ذلك البائس الذي جعل عبقريتنا بكل هذا الغيظ والضجر!

أردفت وما زال الطعام في فمها:_أنه إنسان سمج، حقًا أشك أنه مجنون أو فاقدًا لعقلهُ؛ فكيف يقول عني صغيرة ذاك الأبله!
كتمت لينا ضحكاتها، فهي تعلم كما تكره إيلين هذه الكلمة أو أن أحدًا يراها صغيرة، لذلك أخذت تهديها مرددة:_اهدئي حبيبتي، وأخبريني من الذي قال لكِ ذلك وماذا حدث؟
مدت شفتاها بغيظ وهي تتذكر هذا الوسيم وأخذت تسرد لها ما حدث معها اليوم فشهقت لينا بضيق وأردفت ناهرة إياها:
_هل جننتِ إيلين، تلعبين الكُرة في نصف الشارع، ولم تكتفي بذلك بل لعبتي مع شابًا لا تعرفيـه؛ وتشعرين بالغيظ والقهر أنه قال عنكِ صغيرة، حقًا أنتِ بالفعل كارثة، ألا تحترمين سنك يا فتاة!!

أنهت جملتها الأخيرة وهي تلكمها في ذراعها بغيظ فتأوت إيلين بضيق مرددة:_يا فتاة يدكِ ثقيلة!!
رفعت إحدى حاجبيها قائلة بغيظ:_هذا كل ما يشغل بالك أيتُها المصيبة، حقًا ستفقديني أعقلي، ألا تشعُرين بالخجل من فعلتكِ؟
_وماذا فعلتِ يا فتاة أنا فقط كنت أشعر ببعض الملل فأردتُ أن أمرح قليلًا.

أردفت بستهزاء:_تمرحين قليلًا، أه يا صغيرتِ حقًا أنتِ مستفزة..
وأمسكت أحد الوسادات وأخذت تضربها بها بغيظ شديد، وإيلين تحاول الفرارُ منها وهي تضحك بصخب:_حسنًا حسنًا اهدئي، لن أُعيدها مرة أخرى أقسم لكِ، يا فتاة يكفي..
_حسنًا سأعفو عنكِ هذه المرة فقط..
عانقتها بسعادة وهي تردف بشقاوة وهيام:_حبيبتي أنتِ يا فتاة، ولكن أتعلمين لقد كان شديد الوسامة حقًا، يبدو كممثلين بوليود بل أجمل منهم بمراحل..
تذكرت لينا ذاك الوسيم الذي رأتهُ مُنذ قليل وارتسمت ابتسامة واسعـة على ملامحها فنظرت لها إيلين بمكر قائلة:_آآه يا فتاة ما سر هذه الابتسامة العريضة؟
نظرت لها قائلة بمرح قبل أن تركض بعيدًا عنها:_لن أقول لكِ..
شهقت إيلين بعدم تصديق وركضت خلفها صارخة:
_يا محتالة، أنتظري سوف أقتلكِ يا لينا أُقسم..

في الخارج عبر النافذة كان يوجد عينان تتابعهما بنظـرة خبيثة مع بسمة هادئة وعندما التفتت ذاهبًا وجد من يقف رافعًا حاجبيه ببتسامة واسعـة.. فمن هذا يا تُرى وماذا سيحدث في الأيام المُقبلة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي