الفصل الرابع

أفكار شيطانيـة، خُبث ليس لهُ مثيل!
كان يقولون أن ذلك كله لا يخرج سوى من أعوان إبليس ولكن يبدو أن لإبليس أعوان من الآنس أيضًا وليس من الجن فقط..
كان يقف بقوة وخُبث ودهـاء شيطانًا أغوته الدُنيا تلك الجميـلة التي تتشكل في أجمل الأناث وتغويهم بطُرقها الدنيئة حتى يقعوا في المعاصي، ويرون أن هذه هي اللذة الحقيقـة..
يُتابع تلك الصناديق المُحملة بواسطة رجالهُ الذي اختارهم بعناية، يشعر بالفخر الكبير وكأنه يقوم بأحد الأعمال الوطنية وليست صناديق مُحملة بأعضاء أبناء بلدهُ، يفعل ذلك ولا يشعر بذرة ذنب واحدة، لا يشعر بأنه قد فقد دينه وإنسانيتـهُ؛ فلا يمكن أن يصنف من البشـر فهو مجرد شيطان على هيئة بشـري نُزع قلبه ولم يبقى منه سوى هيئة تشمئز منها الأبدان..

ابتسم بثقـة بعد أن اطمئن على كل شيء، وضع نظارتهُ الشمسية ذات الماركة الغاليـة وانطلق ناحية سيارتهُ مستعدًا للعودة إلى مصر الذي قد غاب عنها فترة ليست بالقصيرة، أمسك هاتفـه وقام بالإتصال بأحد الأرقام مرددًا بنبـرة ماكرة كصاحبـها:_استعد فسوف أُنفذ ما أخبرتك بهِ بمجرد وصولي..

أغلق الهاتف ووضعهُ بجانبه دون اكتراث، ثم أدار سيارته وأخذ يشق طريقهُ بين هذه الصحراء الواسـع وهو يُصفر باستمتاع فلما لا يسعد وهو حازم الشافعي، برغم سنه الذي لما يتخطى الثلاثون بعد ولكنه يعد من أهم أعضاء المافيا حول العالم، يتمتع بدهاء أسدًا جائع يدرس فريستـهُ بغموض قبل الانقضاض عليها، وبمكر ثعلب خبيث لا يُفكر سوى بمصلاحته أولًا حتى لو أدى ذلك بأن يقتل أقرب ما لديه، وهذه الصفحات هي ما جعلته من أهم الرجال في هذه المنظمة الفاسدة ولكن هل ستكون نهايته سعيدة كما يتوقع أم سينقلب السحرُ على الساحر في النهاية؟

____________________

قلب عيناه بملل وتخطاه ذاهبًا في طريقه، فضحك الآخر بصخب وظهر أمامهُ فجأة قائلًا بمكر:_ماذا يا دنجوان العشيرة؟

رفع حاجبيه مرددًا:_ما الذي أتى بك إلى هنا؟
أجـابهُ ببتسامة خبيث:
_كُنت أبحث عنك، ويا للهول وجدتك تمرح مع أحدهم، ولم تكتفي بذلك بل وأخذت تتبعها وتُراقبها..
نظر له قليلًا ثم تخطاه ذاهبًا فركض خلفـهُ هاتفًا:
_أنتظر يا أمير، لا تقلق فلن أخبر أحدًا.

_دعك من هذا الهراء فما يوجد في بالك ليس صحيحًا.
غمز له بشقاوة هاتفًا:_ولماذا يا صديقي، فالفتاة شديدة الجمال ويبدو أنها أعجبتك!
_هل فقدت عقلك بوجلس، أم وجودك مع الآنس هذه الفترة قد لخبط تفكيرك؛ إنها إنسية يا أحمق وهذا مُستحيل..

أخذ يفكر قليلًا ثم أردف ببلاهة:_ماذا نفعل نحنُ هنا يا أميـر، نحنُ نبحث عن مُتجانس هل نسيتُ ذلك!
أجـابهُ وهو يضع يده في جيب بنطالهُ ناظرًا أمامـهُ بهدوء:
_لا لم أنسى، ولكن يبدو أنك من نسيت أن هذا المُتجانس يمثل خطرًا كبيرًا على عشيرتنا وأيضًا على الآنس..

أومأ رأسه بتفهم قائلًا:_نعم أعلم ذلك، ولكن حقًا لدي فضول كبير لأعرف ما نوع هذا الخطر الذي يمثلهُ، فالملك لم يفصح أن أي شيء!
أردف حيدر بشرود:_سنعرف قريبًا بالتأكيد
_أخبرني صحيح، لماذا تُخفي نفسك عن الباقيـة؟
جلس على أريكة بجانب الطريق واضعًا قدم فوق الأخرى وأجابهُ:_لماذا تسأل؟
جلس بجانبه مُجيبًا:_يسألوني عليك، فمُنذ أن أتيت إلى هنا وأنت لم تظهر لهم سوى مرةً واحدة، ولا يوجد أحدًا منهم يقدر على الوصول إليك غيري!
سأل بغموض واستهزاء:_أيلا هي التي سألتك عني!

أومأ لهُ قائلًا بضحك:_تعلم أنها عاشقة لك يا صاح..
أردف ببرود متغاضيًا عن مرحـهُ:_لو سألتك مرةً أخرى؛ أخبرها بأن تهتم بالمطلوب منها فقط، ولو وجدت أي إهمال سيرون غضب جحيمي مني أنا قبل الملك..
_ياللهي عليك فأنت حقًا تبدو مرهبًا عندما تتحدث بجديـة.
نظر له بطرف عيناهُ مُستهزءًا ولم يجب، فحمحم بوجلس قائلًا بخبث:_ولكن الفتاة جميلة حقًا!

أغمض حيدر عيناه واختفى من جانبهُ نهائيًا فانطلقت ضحكات بوجلس تملأ المكان، ثم اختفى هو الآخر ليرى باقي الفريق ويعلم المستجدات..

في صباح يومٍ جديد كان يقف على بُعد يُتابع الماريين من خلف نظارتهُ وابتسامة خبيثـة مرسومة على ملامحه كعادتهُ، اتسعت ابتسامته عندما رآئهم يدلفون معًا إلى الحرم الجامعي، دلف إلى سيارته وجلس أمام المقود ينتظر الوقت المناسب حتى يُنفذ ما يخطط له!!

أما على بُعد بداخل الجامعة أردفت إيلين:_سنفطر أولًا قبل بداية المُحاضرة..
رفعت لينا نظارتها الشمسية فوق خُصلاتها مُتسائلة بستغراب:
_لماذا فنحن دائمًا ننهي المحاضرة الأولى ثم نتناول الطعام..
أجابتها وهي تذهب باتجاه المطعم:_لأني سأذهب بعد المحاضرة مُباشرة، سوف أذهب إلى المكتبة اليوم لأُعيد الكُتب وأتحدث مع البروفيسور في بعض الأمور.

أردفت لينا بضجر:_سأذهب إلى المنزل بمفردي اليوم، تعلمين أن اليوم يوجد محاضرات للخامسـة وأنا لا أُحب السير بمفردي في ذلك الوقت!
وضعت يدها على كتفاها قائلة بحب:_لا تقلقي عزيزتي سوف أمر عليكِ ونذهب سويًا..
ابتسمت لها لينا قائلة:_حسنًا هذا أفضل، اتفقنا..

مـر الوقت سريعًا حتى انتهـت إيلين من محاضرتها فودعت صديقتها راكضة وهي تنظر في ساعتها وتسب هذا الأُستاذ، فهل يوجد أطول من هذه المحاضرة التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات ونصف قضت أغلبهم في النـوم، فما الفائدة من قضـاء كل هذه الساعات في محاضـرة يشرحها أُستاذ يتكأ على عصـاه قد دُفن مرتان سابقًا كما تقول بسبب هيئته، فهو تخطى السابعين تقريبًا ومازال متعلقًا بهذا المقعد لا يُريد التخلي عنه، ضحكت بتهكم هامسـة:_من حق الطالب ألا يحصل على وظيفـة بعد تخـرجهُ، فمن يحصل على مقعد في أي مُنظمـة لا يتركه إلا على فراش المـوت.

شقت طريقها مُتجهة ناحيـة المكتبـة، ولكن هذه المرة استخدمت ذلك الطريق النائي، والذي نادرًا ما يسير فيه أحدًا، فهو يُشبه الخرابة ولكنه يختصر طريقها، فـ بواسطتـه ستصل أسرع، كانت تحـاول أن تُسـرع خطواتهـا ليس خوفًا من ذلك المكان الذي يثير الريبة في النفوس فهي ليست تلك الفتاة التي تمتلك قلبًا ضعيفًا يرتعب من أقل شيء ولكن لكي تصل سريعًا..
ولكنها وقفت فجأة عندما رأت ذلك الظل يُقابلهـا فرفعت نظرها بتوجـس رأت شخصًا يقف يضع يده الإثنان في جيب بنطالهُ ويقف بثبات وكأنه بانتظارها لم تتبين ملامحـهُ بالضبط فهو لا بُعد ليس بالقريب منها فابتلعت لُعابها وتساءلت بصوت عالي لكي يصل إليه:_من أنت؟
لم يُجيبها بل ظل على هيئتـه، بينما هي كانت متصندمـة مكانها، تفكر بجدية هل تُتابع طريقها حتى تعرف من ذلك الغريب الذي يقف هكذا دون أي حركة أم تفلت بجلدها بعيدًا فبالنهاية هي لا تعرف من هذا وما هي غايته بالظبط، ومع ذلك تغلب فضولها وتقدمت بحذر وبرغم خطواتها المُتزنة والقوة الظاهرة بواضح على ملامحها كان قلبها يطرب قلقًا وبعض الخوف بدأ يتسرب إليها، ظلت تتقدم وهي تنظر إليها حتى أصبحت على مقربة منهُ وهنا اتضحت لها ملامحه فهدأت نبضت قلبها وارتسمت ابتسامة بسيطة على ملامحـها هادرة بحماس:_إنه أنت! كيف حالك إيها الغريب، وماذا تفعل هنا؟
لم يجيبها وظل على وضعه ينظر لها من خلف نظارته الشمسية وهو يسأل نفسـه نفس ذلك السؤال "ماذا يفعل هنا؟ ولماذا يُريد رؤيتها؟"، لوحت بيدها أمامه بستغراب مرددة:_ها، هل تسمعني!!

ألقى نظرة عليها قائلًا ببرود:_أنتِ ماذا تفعلين هنا؟
رفعت حاجبيها من برودها فأجابته ببرود مُماثل وهي تتخطاه:
_أعتقد أنني سألتُ أولًا، وأيضًا أنت من قطع طريقي!
ظهرت ابتسامة طفيفة على محياهُ مرددًا بهدوء يغلفه بعض السخرية والاستفزاز:_كنت أمـر من هنا ووجدت شيءٍ ما صغير مثل عقلة الأصبع يأتي ناحيتي ففضولي جعلني أنتظر لأرى ما هذا الشيء وياللهول كانت تلك الطفلة المجنونة!!
اتسعت عيناها بصدمـة وانتفخت وجنتيها بغيظ وغضب، فهذا الوصف لها هي ومع جعلها تغضب أكثر عندما ابتسم ابتسامتهُ الساخرة وتركها وذهب، فركضت خلفـهُ هادرة بانفعال:
_من هذه علقة الأصبع يا مختل أنت، انتظر يا هذا، أنت حقًا قليل الذوق..
وقف فجأة فارضدمت بظهره من الخلف، إذ خرجت منها صرخـة مُتألمة وهي تحاول التوازن حتى لا تسقط فشعرت بيد صلبة تلتف حول خصرها أحدثت قشعريرة لطيفة في كامل جسدها، شعور لأول مرة يملأ كيانها، لكن ما أروعهُ حقًا..
فتحت جفونها ببطء فقابلتها نظارتهُ الشمسية، فبدون أن تشعر نزعتها ببطء خاطفًا للأنفس، جعل سرعت نبضات قلبها تزداد أكثر، هل تعلم شعور أن العالم كلهُ اختفى من حولك وعقارب الساعة توقفت عن الدوران، وبدأت زهور الربيع تتفتح بألوانها المُنعشـة ورائحتها الخلابـة، الأرض بعد أن كانت صحراء ذو لون ذهبي نبتت فيها أشجار النخيل، وأصبحت خضراء مُهدأة للأعصاب، كل هذه التخيلات والمشاعر الرائعة لا تأتي شيءٍ بجانب ما يشعران بهِ كلاهما ولكن على حين غفلة شعر بآلة حادة تهبط على رأسـهُ بقوة وأحدًا ما يسحبها من بين يديـه وضع يدهُ على مؤخرة رأسهُ هابطًا على رُكبتيـه مغمضًا عيناه يستمع إلى صوت صرخاتها وتملصها من بين أيديهم وبالتأكيد لم يفلتوا من لسانها السليط يليه صوت احتكاك إطار سيارات بالأرض، فتح عيناه التي تحولت للون الدماء القانط ووجهه أصبح مُكفرًا وكأنه تحول لوحشًا كاسر الحقيقة أنه تحول لجنسـهُ الحقيقي، وظهرت ابتسامة خبيثـة ماكرة ناظرًا خلفه مكان اختفاء السيارة ومال برأسه على جانبيه في مشهد مُرعب تُقشعر له الأبدان وتجعل نبضات القلب تزداد خوفًا وكأنهُ أوشك على الانفجار كما نرى في أفلام الرُعب، وعلى حين غفلة اختفى نهائيًا..

أما بداخل تلك السيارة كانت لا تكف عن الحركة، وهي تحاول التملص من بين أيديهما القوية ولكن دون جدوى فالفرق واضح هي كالعصفورة جالسة في المنتصف بين حائطان بشريان، صرخت فيهما بغضب هادرة:_أُتركني يا هذا، ماذا تريدون مني؟
آتاها صوت يملأه القسوة والبرود من الأمام:_اهدئي يا فتاة، لقد اصبتيني بالصُداع..
هدأت وهي تُركز في هذا الصوت التي تعرفه بل وتمقضهُ بشدة فجزت على أسنانها بغيظ مُرددة ببتسامة:
_آآه كيف لا يخطر ببالي أن هذه الأفعال الدنيئة لا تخرج إلا من شخص دنيئ مثل رأس الجنزير المدعى بحازم.. ثم صمتت مدعية التفكير هاتفـة بغلظة أعتقد أنه كانوا يقصدون حزمة الفجل!

حقًا هذه سليطة اللسان تُخرجهُ عن شعوره ولا يقدر على الحفاظ على بروده ولكن معها يشعر بأن غضبه سيأكل الاخضر واليابس فالتفت لها يلقي عليها نظرات كالجحيم ولكن بدون سبب وفي لحظة تلاشت الرؤية تمامًا فصرخ منفعلًا وهو يضع يده على عيناه نظرته له بصدمة لا تعرف ماذا حل عليه ليصرخ بجنون بتلك الطريقة، توقف السائق عن القيادة وهو ينظر لرب عملهُ بُرعب كانت إيلين تُتابع ما يحدث وجميعهم يخرجون من السيارة ويلتفون حول مديرهم لمعرفة ما حل بهِ فوجدت هذه فُرصتها حتى تهرب من بين أيديهم ولكن فجأة شعرت بشيءٍ ما عند عُنقها وبعدها فقدت الوعي نهائيًا..
ثواني وكان رئيسهم قد كف عن الصراخ والعويل بعد أن عادة الرؤية له مرة أخرى ولكنـه انتفضت عندما سمع صراخ أحد رجاله:_لقد اختفت الفتاة!!!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي