الفصل الثاني مهرج قاتل

زادت البرودة حول ميا حين أبصرت تلك الجثث.

لم ينطق هاري بحرف، ولم تفعل ميا وظل كلاهما يحدق بالأجساد المقتولة بوحشية في صمت، يكرهان الإقتراب والتعرف عليها.

أنطون كان أصهب؛ شعره برتقالي، وهذا ما دفع ميا لتفحص كل خصلة شعر من على بُعد، تحاول منع نفسها من البحث لأنها خائفة من إدراك ما أصابه، لكن القلق والفضول سيطر عليها.

تحدث هاري حين لاحظ معاطف العلماء:
-فلتعودي للداخل، الطقس قارس البرودة.

لم تسمع ميا وإن كان صوته مسموع وأخذت تقترب نحو الأجساد لكن الغريب بالأمر أنها لم تتعرف على أي شخص بينهم.

بعضهم كان مشوه الملامح، لكن مظهره لا يبدو مألوفًا، وهي لا تألف سوى اخيها.

لم تعلم ميا إن كان ذلك يشعرها بالراحة كون أنطون حيًا أم القلق كونها تقترب للموت.

بالتأكيد تلك الفعلة ليست بواسطة البشر، مما يعني أن هؤلاء الوحوش قد تخطوا الحد الضبابي، ومما يعني أنها محاصرة الآن بواسطتهم.

مهمتهم تبدأ من هنا!

هاري نادى:
-ميا! أظن أني وجدتُ شيئًا.

نظرت ميا نحو هاري الذي كان جاثيًا على ركبةً واحدةً ويحدق في جسدٍ ما بينما تعابير الذعر تغطي وجهه.

أسرعت ميا نحوه لتتسع أعينها فور أن أبصرت ذلك الجسد؛ لم يكن بشريًا، ولم يكن مستذئبًا، كان نحيلًا للغاية وطويل، ربما ثلاثة أمتار وشاحب بشدة، موقع عيناه حُفر سوداء، ولا أنف له، أو شعر.

كان مقتولًا بلا شكّ، لكن مَن ملكَ القوة لقتل ذلك المسخ؟ إن لم يكن مسخًا آخر.

أمرت ميا هاري:
-عُد للداخل، أخبر الجميع بالحالة، وأطلب منهم التأهب، مهمتنا تبدأ هُنا!

إنصاع هاري لأوامرها وعاد للداخل لتأخذ هي نفسًا عميقًا ثم تتفحص الجميع للمرة الأخيرة وتعود للداخل أيضًا.

كان الجميع في انتظار ميا حين عادت وبدا القلق على ميرا بينما تسأل:
-ماذا سنفعل؟ هنالك الكثير من الأشخاص معنا على القطار، كيف سنحميهم؟

تحدث سام:
-أظن أننا سنكمل الطريق سيرًا.

أردفت ناتالي ساخرة:
-لنمت في العاصفة.

أشارت لهم ميا بأن يصمتوا:
-هدوء! لا داعي للذعر! فليعُد الجميع لما كان يقوم به، لا تغيير في الخطة، فلسنتعد فقط لأي تغيير.

انطلقت التنهدات والبعض لم يبدو راضيًا لكنهم عادوا في صمت لمجلسهم عدا سام الذي همس لميا:
-سنمُت جميعًا، هذا مؤكد!

ثم غادر تاركًا إياها على الحافة؛ صبرها يكاد ينفذ.

تفحصت ميا الجميع، ميرا التي تقرأ كتابًا وناتالي التي تصنع الشطائر للجميع وسام الشارد من النافذة ومارتن الذي عاد لترتيب أسهمه كنوع من الإستعداد وأخيرًا هاري الذي أشار لميا بالجلوس والراحة.

كتبت ميا في ذلك الوقت بريدًا للمنظمة تخبرهم بالحادثة التي قابلوها وشرحت عن الوحش الذي رأوه بالتفصيل.

اقتربت ميرا نحو ميا وقالت مع ابتسامة:
-أنتِ تعملين بجهد!

-يجب أن ننجح، ميرا!

-سننجح! أنا واثقة من ذلك!

رمقتها ميا في حيرة، كيف لها أن تكون واثقة من ذلك؟ هل هي بنفس مستوى جهل مارتن؟

سألت ميا:
-لماذا شاركتِ بالبعثة؟

أجابت ميرا:
-لأني أحب العلم، كل شيء أدرسه يملك أجوبة، لكن تلك الأرض التي تثير فضولي، لا أجوبة عنها بعد، كم أحب أن أستخرج الأجوبة بنفسي.

ضربت كلمات سام عقل ميا في تلك اللحظة ولم تتمكن من الابتسام لميرا، هي تكره الأعتراف أن سام قد يكون محقًا.

حل الليل وغفى الجميع بإستثناء ميا التي فشلت في عبور حدود أرض الأحلام وظلت تتقلب تحت لحافها.

قررت أن تتجه للخارج بحثًا عن أي كتاب بين كتب ميرا لعل القراءة تساعدها على النوم، لكن في طريقها عثرت على هاري نائمًا على أريكة.

لقد غفى وهو يكتب قرب النافذة، الطقس مثلج، لذا توجهت لغلقها وبينما تفعل رأت الكتاب ذو الغلاف الأسود بين يديه.

شعرت ميا بالفضول؛ إن كان هاري قد كتب عنها كما أخبرته ألا يفعل أم لا، لذا استلت الكتاب وجلست أمامه لتقرأ.

لم يكن هنالك أي حرف قد كُتب بعد، كانت مجرد مذكرة ذات صفحات بيضاء لا سطور بها، مجرد رسمة لفراشة خضراء باهتة بالخلفية، وأخذت ميا تقلب بحثًا عن أي شيء لكنها لم تعثر على حرف.

شعرت بريبة لذا رفعت أعينها لترى هاري يرمقها حينها قدمت له المذكرة:
-لم تذكر أمر الجثث التي عثرنا عليها.

-من سمح لكِ بالن-

-لقد وصلنا!

نظر كلا من ميا وهاري نحو الصوت الدخيل وقد كانت ميرا قد استيقظت والحماس يعتريها وخرج من خلفها ناتالي وسام ومارتن في نعاس.

نظرت ميا من النافذة وقد كان وقت الغسق، الشمس تكاد أن تُشرق.

إزدردت ميا ريقها، إنها اللحظة الحاسمة، لا مجال للتراجع بعد الآن!

توجهت ميا لأخذ حقيبتها ولحق بها هاري ليأخذ حقيبته أيضًا لكنه لم يتوقف عن الحديث في طريقهم للداخل:
-إن كنتِ تظنين أن كونكِ القائدة يعطيكِ الحق في تفحص أغراضنا فأنا أرفض!

لم تجب ميا لذا لم يصمت:
-بمجرد عبورنا الحد الضبابي، سأعمل بشكل منفرد، لقد وضعتِ خطة وهذا يكفي!

حملت ميا حقيبتها وكادت أن تخرج لكن هاري وقف على عتبة الباب وتحدث في جدية:
-سأكتب ما أريده.

هذا يعني رفضه لطلبها، رفعت ميا نظرها نحو عيناه مباشرًة وحدجته بينما تقول:
-أُكتب، سأصلي لموتك كي لا ترى تلك الأوراق النور!

إهتز هاري لنبرتها وكلماتها وعُقد لسانه لتتركه ميا دون إسعاف وتغادر.

خرجوا جميعًا من القطار وكان المكان مضاءً قليلًا، الشمس تُشرق لكن الغيوم غطت السماء وحجبت فرصة الضوء للاعلان عن نفسه، لذا لم يكن الضوء مفيدًا للغاية.

بعد عدة دقائق بات الحد الضبابي واضحًا لبصرهم، لقد بلغوا حدهم.

أرض الضباب!

وقفوا جميعًا يتهيأون نفسيًا وجسديًا لخطوتهم القادمة، تلك الخطوة التي ستنقلهم لأرض تسعى لقتلهم.

تحدثت ميا:
-مهما حدث، لا تنفصلوا عن بعضكم البعض، سندخل كثنائيات ونخرج كثنائيات.

قالت ناتالي:
-فاليتأكد الجميع من جهازه اللاسلكي!

فعل الجميع كما أمرت ناتالي ثم سأل مارتن:
-كل معلومة نعرفها سنرسلها في جهاز الإرسال نحو المنظمة مباشرةً، أليس كذلك؟

اومأت ميا:
-فلتكن أولويتكم إنقاذ الفريق السابق، ومن ثم العثور على ما يفيد.

اومأ الجميع ونظرت ميا نحو الضباب ثم أخذت نفسًا عميقًا:
-هيا بنا!

لا جدوى من المماطلة.

عبروا جميعًا الحد الضبابي وكان المكان شديد الظُلمة بالداخل، لذا هرعوا لإخراج كشاف الضوء خاصتهم.

قالت ميا محادثة مارتن وميرا:
-ابقوا هنا، سنجدكم في طريقنا للعودة، استكشفوا تلك المنطقة فحسب.

ثم نظرت نحو سام وناتالي وأمرتهم:
-اتجهوا للشرق، وعودوا هنا مع غروب الشمس.

تحدث سام:
-هنالك مشكلة واحدة.

-ما هي؟

-لا وجود للشمس هنا!

رفع الجميع بوجهه جهة السماء حيث أفصحت الغيوم عن القمر المكتمل حينها قهقهت ميرا في بعض الخوف:
-إذًا، الليل هنا أبدي؟

لم تظن ميا أن هنالك أشخاص يهابون الليل لذا سألت:
-هل تخافين الليل؟

-أخاف الظلام!

صدر صوت صراخ هستيري من على بُعد ليصمت الجميع وأشارت لهم ميا بإغلاق ضوء الكشاف خاصتهم.

نظر الجميع جهة مصدر الصوت والخوف يتملكهم.

هذا صوت بشري بلا شك، صوت لبشري يتم تعذيبه، صوت يعبر عن الألم الشديد، ألم لا يحتمل.

كانت ميرا تتعرق بغزارة، يدها ترتجف وحلقها جاف كصحراء جرداء لم تعرف المطر، كل الاحتمالات المؤلمة تتضرب عقلها، وكأنها مدركة لكونها الضحية التالية.

تحدث هاري:
-ألا يتوجب علينا إنقاذه؟ قد يكون فرد من البعثة السابقة!

-لا!

رفضت ميا سريعًا وأكملت:
-تلك الأرض غدارة، هذا بالأغلب فخ، تذكر أن لحياتنا الأولوية، فنحنُ من نتواصل مع المنظمة حاليًا.

أردف سام:
-لا يمكننا البقاء هُنا، هل نبدء في خطتنا الآن؟

اومأت ميا:
-كونوا حريصين فحسب، لا تكشفوا عن أنفسكم!

أخذوا في التفرق كما وضحت لهم ميا وسارت هي بعيدًا مع هاري حتى تلاشى الصوت عن مسامعهم تمامًا.

سأل هاري قاطعًا حبل الصمت:
-هل تملكين خريطة؟

-أرسلتها المنظمة في جهاز الإرسال، تفحصها!

أخرج جهازه ثم ارتفعت حافة ثغره ساخرًا:
-كم هذا مفيد!

كانت الخريطة تشير للحدود فحسب، لا علامة عن أي بقع بالداخل.

قالت ميا:
-نحن هنا للإستكشاف، ماذا توقعت؟

-توقعت أن لا أكون معكِ.

-لم أختارك، تذكر أنك من جئت بنفسك لهنا، هاري!

ابتسم هاري:
-ما هي أكبر مخاوفكِ؟

-هل تظن حقًا أني سأخبرك؟

-تخافين الفشل؟ تخافين كل شيء؟

عضت ميا على شفتها السفلية وتجاهلته ليستكمل:
-أتعرفين؟ بالنسبة لي ما هو أكثر شيء مخيف؟

-لست مهتمة.

-أخاف أن يتحول شخص أحبه لشخص مخيف.

-الخيانة؟

-الموت.

-تخاف أن يموت شخص تحبه؟

-بالظبط، من المؤسف أني لا أحبك.

-من المؤسف أني لا أخاف.

قهقه هاري وسخر:
-ربما لهذا السبب لم يظهر أي وحش بعد.

بمجرد أن قالها حتى سمع كلاهما صوت ضحكات من الخلف ثم صوت يبدو كـلعبة في الملاهي وموسيقى للأطفال.

توقفا عن السير وبحركة بطيئة أخرجت ميا سهامها بينما استدار هاري نحو الخلف ليعقد حاجبيه.

كانت ميا ترتجف، كل مخاوفها ضربت رأسها، وكم تمنت أن يكون مستذئب؛ سهامها ستقضي عليه فورًا.

لكن لم تُسمع أمنياتها فهذا الوحش كان مُهرج، مهرج مغطى بالدماء وفي فمه أنياب حادة غير بشرية، ابتسامته الضخمة جعلت من مظهره أشد غرابة، وفي يده اليمنى فأسٌ ضخم تسيل منه الدماء.

لقد قتل شخصًا توًا.

سرعان ما أدركت ميا أن السهام لن تؤثر به، هو ليس مستذئبًا!

وسرعان ما أمسك هاري بمعصمها وأخذ يركض لتركض معه في أعماق الغابة المظلمة وراح المهرج يلحق بهم وصوت ضحكاته تتعالى، مشيرًة لإقترابه نحوهم.

تحدث هاري:
-جِدي مكانًا آمنًا، سأقتله وألحق بكِ!

-ماذا؟

لم توافق ميا على خطته لكنه توقف وصوب سهمه نحو المهرج آمرًا:
-تحركي!!

كانت ميا في حيرةً من أمرها، لذا قررت التحرك سريعًا والإنصياع لخطة هاري وراحت تركض بعيدًا بينما تسجل رسالة صوتية للمنظمة:
-تتم ملاحقتنا بواسطة مهرج الآن! أكرر، تتم ملاحقتنا بواسطة مهرج!

تعثرت ميا في ركوضها وسقط جهاز الإرسال من يدها، تأوهت ونظرت للجهاز الذي كان يبعد عنها بمتر واحد.

بينما تقترب بيدها نحوه لاحظت ساق بشرية خلفه، ساق واحدة.

أمسكت ميا بالجهاز في بطء ثم رفعت برأسها نحو مهرج آخر، وبين أنيابه لحم من المؤكد أنه بشري.

لاحظت ميا أن خلف ذلك المهرج مئات بل آلاف الدمى والمهرجين غريبي الأطوار والمظهر.

جميعهم تغطيهم الدماء، أعينهم جاحظة وكأنها ستنفجر من جوفها، والابتسامة تشق وجوههم.

جميعهم يحدقون بها مباشرًة، بل يحدقون عبر روحها وهي لاتزال وحيدة، ساقطة أرضًا مع سلاح يمكنه القضاء على المستذئبين فقط.

فعلت ميا الخيار الوحيد في يدها واستقامت في بطء ولازال الجميع في سكون لذا راحت تسير بعيدًا دون أن تشيح ببصرها عنهم ولم يلحق بها أحد كما توقعت.

شعرت بقدمها تضغط على جسد غريب وحين نظرت له كانت جثة مُسِن بشري وفي اللحظة التالية دون أن تستوعب ما حدث للتو كانت جميع الدمى والمهرجين يصرخون صرخات مؤذية وأخذوا يركضوا نحوها.

أدمعت أعين ميا وأكملت ركض دون النظر خلفها وضغطت على ساقها المجروحة.

إن أمسكوا بها ستنتهي رحلتها قبل أن تبدأ، إن أمسكوا بها ستمُت بأشنع طريقة!

كان الاكسجين ينفذ من رئتيها، الألم في ساقها يتضاعف، والاستسلام يطرأ رأسها، ما من جدوى من الهرب من الأسد في عرينه.

تذكرت أنطون أخيها، وكأنها تحث نفسها على المثابرة وعدم الاستسلام وبالفعل أسرعت من سرعتها مدركةً أن كل خطوة تخطوها تُبعدها أكثر عن هاري.

أبصرت ميا جيش آخر من الدمى أمامها لذا توقفت عن الركض ونظرت حولها لتدرك أنه تمت محاصرتها.

لا مجال للهرب!

اومأت ميا نفيًا عدة مرات وأمسكت بجهاز الإرسال خاصتها تبحث عن أية وسيلة لطلب النجدة، لكن لم يتم الرد على رسالتها السابقة حتى.

رمت ميا بالجهاز جانبًا وأخرجت سهامها وكلما اقترب أحدهم نحوها، أطلقت عليه، لكن تلك السهام لو تؤثر عليهم قيد أنملة.

ماذا عن أنطون؟

جففت ميا دموعها وراحت تتفحص وجوههم البشعة.

جثت أرضًا وأخذت جهاز الإرسال وبدأت تسجل رسالة:
-أقدم اعتذاري، مخاوفي تغلبت عليّ..

هم يقتربون، يحدقون بها، يسعون لقتلها، يسعون لروحها وجسدها، لا مهرب لها.

لم تكد أن ترسل رسالتها قبل أن يركض مهرج بسرعة هستيرية وحركة غير متزنة صوبها لتغمض أعينها في استسلام.

لكن بدلًا من أن يخترق الفأس قلبها، أو أن ينفصل رأسها عن جسدها شعرت ميا بالرطوبة تغطيها.

فتحت أعينها في بطء وتردد لترى جثة المهرج تهوى أرضًا ويتجلى هاري من خلفه ممسكًا بِشيء شبيه بالخنجر.

في اللحظة التالية أخذ كل مهرج يهوى تلو الآخر، أخذت كل دمية تمُت كما الأخرى، جميع مخاوفها قُتِلت!

وظل هاري واقفًا في شموخ يلتقط أنفاسه ويراقبهم يتساقطون وينهزمون.

بعدما مات الجميع استدار هاري جهة ميا وقدم يده لها:
-يتوجب عليكِ فصل رأسهم عن جسدهم، تلك هي الوسيلة الوحيدة لقتلهم.

لكن ميا لم تمسك بيده بل سألت:
-كيف؟ م-ماذا حدث للتو؟ كيف علمت بذلك؟

-أضطررت في خوض قتال مباشر مع مهرج بعدما هربتِ وتركتيني وحيدًا.

حملت نبرته بعض السخرية لتستقم ميا وتتحدث في جدية:
-أنت من طلب مني الذهاب!

-أجل، شكرًا للإنصات لي لمرة واحدة.

نظرت ميا ليده المقدمة نحوها ثم تجاهلتها وسارت بعيدًا ليتحدث هو في محاولة لإستفزازها:
-تعلمين؟ أنا لا أخاف المهرجين والدمى.

هو يحاول أن يقول أنه يعلم بشأن مخاوفها الآن.

-لست مهتمة.

-لقد قلتِ أنكِ لا تخافين.

ابتسمت ميا في سخرية:
-وأنت قلت أنك لا تحبني، وبالرغم من ذلك أنقذت حياتي، مرتين!

-أجعلكِ مدينةً لي فحسب، عليكِ رد الدين كما أطلب.

توقفت ميا عن السير وأرسلت رسالة للفريق:
-هل الجميع بخير؟

لم يُجب أحد لذا أطلقت تنهيدة وحادثت هاري:
-دعنا نستريح، لقد جُرِحتُ.

جلست ميا فوق صخرة ورفعت طرف بنطالها ليظهر كاحلها المجروح النازف.

***

في الشرق كانت ناتالي تسير برفقة سام.

لم يعثروا على أي شيء مخيف حتى الآن، سام أمضى سنوات في السجن، من المؤكد أن مخاوفه تكاد تكون معدومة.

وناتالي كانت أنضج من الخوف من مهرج أو ما شابه وهذا السلام جعل سام فضولي:
-ما هي مخاوفكِ؟ ناتالي.

-لا أعرف، الأماكن الضيقة، ربما، ماذا عنك؟

-لا أعرف.

-اتساءل إن كان للأرض علم.

-أتمنى أن تكون جاهلة مثلي.

ابتسمت ناتالي وقالت:
-إن كنت لا تمانع، هل يمكنني أن اسأل لماذا دخلت السجن؟

فكر سام قليلًا ثم أجاب:
-حادث سيارة.

-أكان هنالك ضحايا؟

-لقد نجى.

عم الصمت بعدها ليتحدث سام:
-لقد سمعتُ أن هنالك كنز هنا، كنز يعود لعائلة هوفمان.

-عائلة هوفمان؟

-أجل، عائلة السحرى تلك، ألم تسمعي عنهم؟

-لا، أنا نوعًا ما أكره السحرى، أنا عالمة.

-إن عثرنا على الكنز، سيكون هذا تعويضًا عن ما واجهناه هنا.

-لم نواجه شيء، سام.

-ليس بعد!

رمقته ناتالي بطرف عينها ثم شعرت بشيء غريب أسفل قدمها لتقلب الضوء نحوه لتتجلى لها جثة بشرية.

كان عالم، من البعثة السابقة، تفحصت ناتالي الاسم في رداءه وكان "سايمون"

جثى سام قرب ناتالي وقال في قلق:
-هو ميت!

تفحصت ناتالي حالته وكان هنالك آثار طعنات في قلبه بواسطة سلاح حاد، خنجر أو سكين مثلًا وإحدى ساقيه مفقودة.

شعرت ناتالي بالريبة:
-تلك الأرض ملعونة، أرض الكوابيس، يوجد وحوش وأشباح وموتى أحياء ومستذئبين، لكن لماذا تم قتل سايمون بِخنجر؟ وكأن من قتله لم يكن وحشًا.

شعر سام بالريبة أيضًا حين استوعب ما يحدث:
-كنتُ لأقترح انتحاره، لكن لماذا سيقطع شخص ساقه قبل الانتحار.

-ربما مخاوفه قطعت له ساقه، ربما كان يهاب الموتى الأحياء وتم عضه في ساقه لذا قطعها ليمنع وصول الڤيروس لباقي جسده ومن ثم انتحر كي لا يكون عبئًا.

-إن كان سينتحر في كل الحالات، لماذا قطع ساقه كي لا يتحول؟

-لا أعرف، ربما إن انتحر وانتشر الڤيروس في جسده كان ليتحول في كل حال، لهذا اضطر لقطع ساقه أولًا.

تنهد سام:
-من المريب أنه لوحده أيضًا.

أخذت ناتالي تبحث في جيوب وملابس سايمون عن أية أجهزة أو مذكرات قد دون بها أية معلومات مفيدة لكنها لم تعثر على أي شيء.

من المفترض أنه في البعثة السابقة حصل كل شخص على جهاز إرسال أيضًا، أين من الممكن أنه اختفى؟

سمع كلاهما صوت رسالة في جهازهم ليخرجوه وقد كانت رسالة من مارتن يقول:
-أين ميرا؟

-لقد فقدتُ أثرها، هي لا تُجب على رسائلي!

-ماذا أفعل؟

-أظن أن الوحش النحيل قد لحق بها!

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي