الفصل الثالث ذئاب

كان هاري ينظف جرح ميا، كلاهما صامت في أرض هادئة تحت ضوء قمر ساطع وبين نسيم بارد.

كتمت ميا تأوهاتها وقالت:
-يجب أن تُسرع.

-هل أنتِ خائفة من قدوم المهرجين ثانيةً؟

-أنا حقًا لا أملك طاقة لحسك الفكاهي.

ابتسم هاري ابتسامة تميل للسخرية:
-ماذا؟ لا يجب عليكِ التظاهر بالقوة.

-أنا لا أتظاهر.

كاد هاري أن يتحدث لكن ميا سبقته:
-لازلت لا أفهم، لماذا مات الآخرين بمجرد قتلك لذلك المهرج؟

-لا علم لي أيضًا، رُبما هم يخافون مني وتظاهروا بالموت.

أغمضت ميا أعينها ثم عاودت فتحها وقالت:
-ماذا نفعل هنا؟

نظر هاري لها في تساؤل لتستكمل:
-لا شيء لإستكشافه، لا وجود لأماكن، مجرد أرض تنمو بها الكوابيس! لماذا سمحوا لنا بالذهاب؟ بالنسبة لي أرغب في إستعادة أخي، لكن ماذا عن المنظمة؟

-تلك الأرض أكثر من ذلك.

-أجل بالطبع، الشاب الذي قتل جيش من المهرجين يقول هذا.

-أنا جديّ، من أين ظهرت برأيك؟ ليس من قبيل الصدفة بالتأكيد! أنا واثق أن ساحر قوي قد صنعها لسببٍ ما.

-ماذا سيفيدنا معرفة السبب؟

-هذا ما لا أعرفه، بالنسبة ليّ سيشتهر كتابي.

رمقته ميا لدقيقة ثم قالت:
-هل تحب السحرى؟

-هذا يعتمد على إن كانوا أشرار أم لا.

-تكره الأشرار، يالك من بطل.

-أنا لست بطلًا، أنا انسان.

-وأنا وحش.

سخرت ميا ليتوقف هاري عن تنظيف جرحها وينظر لأعينها قائلًا:
-ماذا يعني الوحش بالنسبةِ لكِ؟

-شخص مثل ذلك المهرج.

-تعلمين، الوحش قد يكون شخصًا مثلي، شخصًا مثلكِ، الأمر لا يتعلق بمظهره المخيف فحسب، بعض الوحوش قبيحة من الداخل لا من الخارج.

-ماذا تقصد؟

-وجود كوابيس تلاحقنا تعني أننا بشر، فمصدر الخوف لا يشعر بالخوف، لا بأس بأن تكون شجاعًا، لكن قد تكون تلك مشكلة إن كنت لا تخاف أي شيء.

نظر لجرحها وأكمل تنظيفه:
-من لا يخاف أي شيء يعني أنه يملك الاستعداد لإرتكاب أشنع الجرائم للنجاة، كالقتلى المتسلسلين، كذلك المهرج.

-أنت تحاول بجدية جعلي أعترف بمخاوفي.

قهقه هو:
-فقط حين نتوقف عن الخوف على من نحب، حين نتوقف عن التفكير في العواقب وتأثير أفعالنا حينها فقط سنتوقف عن كوننا بشر.

راح هاري يلف الشاش حول جرحها بينما يقول:
-نكاد ننتهي.

اومأت ميا ولاذت بالصمت، تراقبه يساعدها فحسب وتفكر في كلماته، هي تحاول معرفة إن كان يقصد نفسه بهذا الوصف أم لا، فلم يتبين لها أي مخاوف منه حتى الآن.

لكنه أنقذ حياتها، هو لايزال بشري.

هزت ميا رأسها حين لاحظت أنها تركز في كلماته أكثر مما ينبغي وأن الموضوع ليس بهذا العُمق ثم قاطعهما صوت رسالة في جهازهما.

تفحص كل شخص جهازه ليقرأوا رسائل مارتن؛ وهو يخبرهم بأمر انفصاله عن ميرا وإختفاء آثارها وعدم استجابتها لرسائله.

وأخيرًا ظنه أن النحيل يلاحقها.

ماذا يكون ذلك النحيل؟

استقام هاري بعدما أنهى مساعدة ميا وسأل:
-هل يمكنكِ السير؟

اومأت هي ليخرج هو سهم من سهامه ومن ثم كسر الجزء الخشبي عن الحديدي وقدمه نحو ميا قائلًا:
-إستعمليه كـخنجر لفصل رؤوسهم عن أجسادهم.

يتحدث وكأن الأمر في منتهى السهولة.

أخذت ميا السهم منه ووضعته في جيب بنطالها الخلفي ثم استقامت من مجلسها:
-سنعود للجنوب؟

-أجل، يجب علينا العثور على ميرا.

وصلت رسالة إلى ميا حينها من ميرا تقول:
-أنا في ورطة، اتجهي للغرب قرب كهف هناك!

ورسالة أخرى:
-المكان مظلم بشدة!

تحدثت ميا:
-تقول أنها بالغرب.

عقد هاري حاجبيه وتفحص جهازه:
-لم تصلني أية رسالة منها.

شعرت ميا بالريبة لكنها قالت:
-ربما هي في وضع لا يسمح لها بمراسلتنا جميعًا، يجب أن نسرع!

ثم أخذ كلاهما يتجهان نحو الغرب.

***

في الجنوب كان مارتن يسير وحيدًا في قلق.

وكل ثانية تمر يصدر معها صوت مريب، أحيانًا صوت صرخات وأحيانًا عواء ذئاب، وأحيانًا أخرى صوت سقوط شيء ضخم وكأن تلك الأرض تنهار.

سام كان محقًا، جميعهم سيموتون هنا بالتأكيد، تلك الأرض ليست مليئة بالذئاب فقط كما توقع، وإن كان هنالك ذئاب هنا لن تكون بلطافة الذي قتلها في الجبال.

كان يحاول مارتن النظر خلفه وحوله طوال الوقت، ليكون متأهبًا لأي شيء غير مألوف، الخوف يراوده، لكنه لا يعرف حتى مما يخاف.

هو لا يخاف الظلام، ولا وجود لوحوش معينة تخيفه، لكنه يخاف الموت، كيف ستستخدم تلك الأرض تلك المخاوف ضده لإخضاعه؟

هو يتساءل، والأجوبة التي تراوده لا تبهجه.

أبصر في سيره جسد مألوف وحين اقترب استدارت ميا نحوه، كانت جاثية أرضًا ومصابة وآثار البكاء في وجهها الصغير.

أسرع مارتن نحوها وقال:
-هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث؟

تفحصها كي يتأكد أنها لم تفقد أي طرف لها أو مصابة بِجرح قاتل أو ما شابه ولم يعثر على شيء لذا تنهد في راحة.

أجابته ميرا:
-لا أعرف ما حدث، المكان أظلم فجأة وحين عاد الضوء أخذت أبحث عن جهاز الإرسال خاصتي لكنه مفقود، كل أملاكي موجودة عدا جهاز الإرسال.

اومأ مارتن:
-لهذا السبب لم تُجيبي علي، لا بأس، المهم أنكِ بخير الآن.

ساعدها مارتن على الوقوف ثم أرسل رسالة للآخرين:
-لقد عثرت على ميرا، هي بخير، لكنها فقدت جهاز الإرسال خاصتها.

أجابت ميا التي كانت قد وصلت للغرب تحديدًا عند الكهف:
-ماذا؟ لقد أرسلت لي رسالة منذ قليل.

في الشرق كانت ناتالي تشعر بالريبة وتذكرت سايمون الذي عثرت على جثته دون جهاز إرسال ثم أرسلت لهم في المحادثة الجماعية:
-ميا، غادري الغرب الآن!

مارتن أرسل:
-ماذا هناك؟

ميا لم تُجب بدلًا من ذلك قالت ناتالي:
-أظن أن ميا في خطر، فليتجه الجميع للغرب الآن!!

نظرت ناتالي نحو سام في هلع:
-أظن أن هنالك بشر هنا، لكنهم ليسوا بحلفاء!

-ماذا تقصدين؟

-عدم وجود جهاز إرسال مع سايمون قد يعني عدة أشياء، لكن ضياعه من سايمون وميرا في ذات الوقت تعني أنه تمت سرقته، مما يعني أن سايمون لم ينتحر؛ بل تم قتله بواسطة بشري!

كانت ناتالي تركض على مقربة من سام الذي سأل:
-هل تظنين أن الأشخاص في البعثة السابقة وقعوا في شجار؟ هل كان هنالك خونة؟

-ربما، فلنضع كامل الإحتمالات، لكنهم الآن يحاولون إستدراج ميا، هم يهدفون للقائدة أولًا.

في الغرب كانت ميا أمام الكهف، على مقربة من هاري الذي قرأ الرسائل ثم قال:
-هل تظنين أن وحشًا قام بذلك؟

اومأت ميا نفيًا:
-الوحوش لا يرسلون الرسائل، هنالك أشخاص معنا، هذا محتمل.

ابتسم هاري في خفة:
-لم نرتاح لدقيقة حتّى.

وصلت رسالة لميا من جهاز ميرا:
-أدخلي الكهف.

-من أنت؟

-إن لم تنصتِ لي لن تعرفي الحقيقة أبدًا!

تحدث هاري الذي راح يقرأ المُحادثة بينهما:
-فلننتظر الآخرين أولًا، لا يمكنكِ القتال بذلك الكاحل على كل حال.

اومأت ميا نفيًا:
-لقد تواصل ذلك الشخص معي لسببٍ ما.

ضيق هاري عينيه:
-هل تظنين أنه أنطون؟

-رُبما.

-هل هذا ما تظنينه؟ أم ما تتمنين حدوثه؟

-لا علم لي.

-إن كان أنطون لأعلن عن نفسه، إن كان أنطون لما كان ليسرق الجهاز ويختبئ في الداخل، لا تخفضي دفاعك، نحن في أرضٍ ماكرة.

اومأت ميا:
-أعلم ذلك.

بعد مدة وصل مارتن وميرا.

أسرعت ميا نحو ميرا وسألت في قلق:
-هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث؟

-أنا بخير، ولا أتذكر ما حدث، أستيقظت لأجد نفسي دون جهاز.

اومأت ميا وقالت:
-لا بأس، سنجده لأجلكِ.

-ميا! لا تدخلي!

نظروا جميعًا جهة ناتالي وسام الذان وصلا توًا وهما يلهثان.

أكملت ناتالي في جدية:
-هنالك بشر هنا، هم ضد المنظمة، أو ربما ضد البشريّة، لكنّهم يسعون لقتلنا جميعًا.

سأل هاري:
-قتلنا؟

اومأت ناتالي:
-لقد عثرت على سايمون، أحد أفراد البعثة السابقة وكان مقتولًا بواسطة آلة حادة وإحدى ساقيه مبتورة، وكان جهازه مختفي أيضًا.

اتسعت أعين مارتن:
-هل بلغتِ المنظمة؟

اومأت ناتالي:
-حاولوا العثور على موقع الجهاز، لكن بلا جدوى.

نظروا جميعًا جهة الكهف في تردد.

أخرجت ميا جهازها وأرسلت:
-لن أدخل، أخرج أنت.

-لن أخرج، وأؤكد لكِ أن الندم سيلاحقكِ طوال الرحلة، لا داعي للقلق، أنا بشرية.

تحدثت ميا:
-هي بشرية، قد أصبنا.

أرسلت تلك المجهولة رسالة أخرى:
-أدخلي بمفردكِ، وسأخبركِ بما تجهلينه.

-وما النفع لكِ؟

-سأخبركِ حين تدخلين.

قالت ناتالي:
-أرفص هذا! لا تدخلي! تلك الأرض لا يمكن الوثوق بها.

أردف سام:
-ما أسوأ ما قد يحدث؟ هي بشريّة وبالتأكيد حالتها أشد سوءًا من ميا، فهي عاشت هنا أكثر.

قالت ميرا:
-لكن دخولها كهف بمفردها لا يبدو صائبًا أو حكيمًا.

نظر هاري نحو ميا وسأل:
-ماذا ستفعلين؟ الخيار يعود لكِ.

اومأت ميا:
-أعلم هذا، أظن أني سأدخل.

قالت ناتالي في إنفعال:
-مستحيل! انظري لساقك، هل حقًا ستسمحون لها بالدخول؟

تحدثت ميا في جدية تامة:
-لقد جئت هنا فقط لأجل اخي، وإن كان هنالك بشرية بالداخل فـبالأغلب كانت فرد من بعثة اخي، لن أرمي بالفرصة التي قدمت لي!

لم تتمكن ناتالي من المعارضة على ذلك وإن أرادت، حاولت جمع أي حجج أو كلمات لإيقاف ميا لكنها فشلت.

حادث هاري ميا:
-إن حدث أي شيء أصرخي فحسب، قبل أن تنتهي من الصراخ ستكون تلك البشرية جثة!

اومأت ميا ثم حادثت الجميع:
-إن مر الكثير من الوقت ولم أجب على رسائلكم غادروا، يكفي خسارة فرد واحد.

أدمعت أعين ميرا وكبحت نفسها.

تنفست ميا عميقًا ثم قبضت على يدها المرتجفة والتي لاحظ هاري إرتجافها ثم سارت بخطوات سريعة نحو الداخل، وكأنها تحاول الإسراع قبل أن يتغلب عليها الخوف ويقيدها.

كان المكان مظلم للغاية، لكن الكشاف أنار لها وظلت تسير في خط مستقيم بمفردها بين الظلام والهدوء.

هذا أشجع ما قامت به بعد القدوم لتلك الأرض، وتتمنى أن يساعدها هذا على الحصول على قوة ومعرفة، بدلًا من الندم والحسرة.

كلما ابتعدت عن المخرج كلما أعتراها الخوف أكثر فأكثر وجف ريقها وتباطأت خطواتها.

هي على حافة الندم لكنها تتماسك، أو تتظاهر بهذا حتى تتقنه ويغدو واقعًا.

أبصرت بعد السير طويلًا ضوءًا يبدو كـضوء شموع وأخذت تقترب نحوه، حيث غرفة جانبية.

دلفت ميا للغرفة ليتلاشى القلق من ملامحها.

كانت تلك جينفر، قائدة البعثة السابقة، لكنها تبدو مرهقة للغاية وضعيفة بشدة والوسخ والدماء يغطونها.

تحدثت ميا:
-ماذا حدث بالظبط؟

ابتسمت لها جينفر في خفة وأشارت لها بالإقتراب:
-لقد رأينا الجحيم، ميا.

اقتربت ميا نحوها، وقد كانت جينفر جالسة أرضًا وميا واقفة أمامها وسألت ميا دون مماطلة:
-أين أنطون؟ ماذا أصابه؟!

لم تكن ميا مستعدة لسماع الإجابة لذلك ندمت فورًا على سؤالها لكن جواب جينفر كان رفيقًا بها:
-لا علم لي، أنا في أرض وحيدة بالكامل وبلا أية قوة.

جثت ميا لمستوى جينفر وأمسكت بكتفها:
-ماذا حدث، جينفر؟

أدمعت أعين جينفر بينما تقول:
-تلك الأرض تحولكِ لوحش، كل فرد منا بدأ يتحول لوحش، واحد تلو الآخر، بدأ الأمر مع سايمون، كاد أن يتحول لزومبي، أضطررنا لقتله، ميا! ظننا أن هذا حدث بسبب تعرضه للعض، لكن الجميع كان يتصرف بغرابة.

إزدردت ريقها وأكملت:
-تفرقنا بطريقةٍ ما وبدأت أنا أيضًا أتحول لوحش، وحش نقطة ضعفه ضوء القمر! لم يعد بوسعي الخروج لإحضار الطعام، المنظمة توقفت عن التواصل معنا، الجميع تائه! كانت تلك البعثة كارثية! كانت جحيمًا!!

تحدثت ميا:
-لا بأس، نحن هُنا، سنخرج بمجرد أن نحصل على معلومات.

-لا وجود للمعلومات!

-سنخرج بمجرد عثورنا على أنطون.

-لن نجده، ألا تفهمين!! أما أنه ميت أو أنه وحش! كل روح في تلك الأرض تطوق للقتل فحسب! رُبما كل هؤلاء الوحوش كانوا بشرًا أيضًا!!

استقامت ميا وقالت في جدية:
-نحن لم نفشل، ليس قبل أن نعثر على أنطونيو.

عم الصمت، كل واحدة تحاول استيعاب ما يحدث والتماسك.

كسرت ناتالي الصمت:
-حسنًا، أتمنى أن تنجحوا، هل يمكنكِ فقط إحضار زجاجة المياه تلك لي؟ ساقي مكسورة.

أشارت جينفر نحو زجاجة مياه فوق طاولة من الصخر لتذهب ميا لإحضار الزجاجة لكن بمجرد أن أمسكت بالزجاجة حتى رأت دماء تغطي الطاولة.

استوعبت ميا ما يحدث لتتحدث:
-جينفر.

-هممم؟

استدارت ميا نحوها بينما تقول في تساؤل:
-إن كانت ساقك مكسورة، وإن كان ضوء القمر نقطة ضعفكِ، كيف حصلتِ على جهاز الإرسال الخاص بِـميرا؟

تلاشت ابتسامة جينفر.

أكملت ميا:
-كيف بقيتِ على قيد الحياة حتى الآن؟

كان هنالك رائحة مقرفة منذ دخول ميا للغرفة وأخذت تسير بحثًا عن مصدرها بينما جينفر تقول:
-دعيني أشرح، هذا موضوع آخر، لم أخبركِ بكل شيء بعد!

تصنمت ميا، تصنمت حين عثرت على ساق بشرية مأكول منها، تلك الساق التي بالتأكيد تعود لسايمون.

في اللحظة التالية سمعت ميا صوت من خلفها وقبل أن تستدير حتى أطلقت صرخة مدوية.

في الخارج سمع الجميع صرخة ميا ليتحدث هاري في هلع:
-مارتن، إبقى هنا مع ميرا، سام وناتالي إلحقا بي!

ركض للداخل ولحق به كلا من سام وناتالي كما أمرهم.

وفي الغرفة كانت ميا تنظر لِسايمون؟

لكنه لم يكُن بشري، كان زومبي، ميت حي، ويسير بساق واحدة، الآن فقط نالت ميا على جوابها، سايمون هو من سرق جهاز ميرا.

لكن لماذا لم يقتلها؟ لماذا لم يختطفها؟

تحدثت جينفر:
-لقد ذكرت أمر الموتى الأحياء، أليس كذلك؟ لقد اكتشفت طريقة للتحكم بهم، في الواقع تم عضي أيضًا، أبحث عن جسد لأتمكن من الخروج من هنا، هذا هو النفع الذي يعود لي من جسدكِ.

في تلك اللحظة وبالرغم من خوف ميا العظيم إلا أن غضبها تغلب على خوفها، هي لا تصدق أن جينفر تخونهم، بل لا تصدق أنها تستغل جثة صديقها!

أخرجت ميا الخنجر من جيب بنطالها الخلفي ورأت جرح في يسار رقبة سايمون، إن ضغطت عليه بقوة ستتمكن من فصل رأسه عن جسده، لكن الوقت لن يسعفها، فقد تتعرض للعض في تلك الأثناء.

ربما الهرب هو الخيار الأفضل.

أخرجت ميا سهم من حقيبتها الخلفية وأصابت عين سايمون لتصرح جينفر:
-أمسك بها!

ركض سايمون جهة ميا لكنها كانت قد صوبت على عينه الأُخرى ومن ثم أخذت تركض للخارج.

عادت ميا للظلام وسايمون يلحق بها، يلحق بصوت خطواتها العالية وحاولت ميا إخراج كشافها لكنها رأت الضوء الذي أشعله هاري في طريقه للداخل لتركض نحوه.

قابلت هاري والآخرين لتصرخ:
-أهربوا! اسرعوا للخارج!

سمعت ميا صوت خطوات أقدام كثيرة خلفها وحين استدارت رأت جيش كامل من الموتى الأحياء يلاحقها.

أخرج كلا من ناتالي وسام أسهمهم وأخذوا يطلقون على جيش الموتى بينما أقترب هاري نحو ميا وأمسك بمعصمها وسحبها خلفه.

ساقها مجروحة، إن لم يمسك بها قد تتعثر في أية لحظة ولن يتمكن من إنقاذها.

ركض هاري نحو الخارج بينما يقول:
-السهام لن تقتلهم! لا جدوى من المحاربة! أهربوا!

-اللعنة!
صاح سام وركض للخارج برفقة ناتالي والآخرين بينما الزومبي يلحق بهم.

كان الجيش يتحرك حركة غير متزنة، سرعته هستيرية وصرخاتهم عالية ومظهرهم بشع وكأنهم خرجوا من الجحيم توًا.

بمجرد أن خرجوا ودون الحاجة لإخبار ميرا ومارتن بالهرب كان كلاهما يهرب.

حادثت ميا هاري:
-لا جدوى! يجب أن نحارب!

-لا جدوى من المحاربة!

-ولا مجال للهرب، عددهم أكبر وقوتنا أقل!

في تلك الأثناء أرسلت ناتالي رسالة صوتية للمنظمة:
-تتم ملاحقتنا من جيش الموتى الأحياء! أنقذونا!!

أخذت ميا تلوم نفسها، لولا ظنها أنها ستقابل أنطون لما اتخذت القرار بالدخول ولما حدث هذا!

الهرب بمشاعر الخوف يقتلها، وربما الموت في تلك الحالة أكثر رحمةً بها.

وقفت ميا.

توقفت عن الركض.

صرخت ناتالي:
-ميا!!

وقف الجميع ليصرخ عليهم هاري:
-أهربوا!! سنلحق بكم.

ترددور لكنهم ركضوا، غادروا والندم يتملكهم بالفعل، غادروا لأن تلك مهمة للاستكشاف، وليست لإنقاذ البشر.

تحدثت ميا:
-ارحل.

أمسك هاري بمعصمها وسحبها:
-هل فقدتِ صوابكِ؟

اومأت ميا نفيًا:
-أملك خطة.

نظرت ميا يسارها وقبل أن يسألها هاري عن خطتها كانت تركض بعيدًا تحديدًا صوب حفرة ضخمة.

وبمجرد أن بلغت الحافة حتى قفزت.

قفزت ميا داخل الحفرة!

لحق هاري بها ونظر للحفرة وكانت ميا حية ومن ثم نظر خلفه ليرى الموتى الأحياء يلحقون به، حينها فهم خطتها.

قفز هاري خلفها ومن ثم أخذا يركضان للخارج من الجهة الأخرى، في ذلك الوقت كان الجيش يهوى في الحفرة فوق بعضه.

هم يتكدسون ويدهسون ويقتلون بعضهم البعض بفضل تلك الفوضى والقوة الرهيبة خاصتهم، مَن يسقط مِن شبه المستحيل أن يتمكن من الوقوف مجددًا.

بمجرد أن خرج كلاهما من الحفرة حتى وقفا يراقبان الحفرة وهي تمتليء بالموتى الأحياء ويلتقطان أنفسهما.

سأل هاري في فضول:
كيف علمتِ أن تلك القفزة لن تقتلكِ؟

-لم أعلم.

رمقها هاري في صدمة، لقد كانت تبكي بسبب مهرجين، والآن كادت تقتل نفسها لتنقذ فريقها من الموتى الأحياء، ياله من تطور سريع.

إمتلأت الحفرة ومع إمتلائها لم يسقط كل ميت حي، بل تبقى موتى أحياء دون السقوط بها وراحوا يركضون جهة هاري وميا.

نظرت ميا نحو جرحها الذي أعاد فتحه بسبب قفزتها بالحفرة ثم قالت:
-لا يمكنني التحرك.

نظرت نحو هاري وقالت في هدوء:
-أظن أني قمت بما يكفي، أرجوك..غادر.

نظر هاري نحوها في صدمة ثم نظر نحو الجيش الذي كاد أن يبلغههم.

أغمضت ميا أعينها، إن شاهدت هذا المشهد ستهرب وهذا ما سيزيدها ألم قبل الموت.

لكن هاري لم يغلق أعينه، بل رأى كل شيء جيدًا جدًا.

رأى المستذئبين!

كان هنالك جيش ضخم من المستذئبين يقتلون الموتى الأحياء بأشنع الطرق، يفصلون رؤوسهم كما علم هاري.

المستذئبين تخلصوا من الموتى، تسللوا بينهم بسرعة خارقة وقاتلوهم بقوة رهيبة، وكأنهم الكائنات الأقوى في الكون.

وفي غضون دقيقة واحدة، دقيقة واحدة فقط، كان قد تم القضاء على كل ميت حي.

فتحت ميا أعينها لترى مستذئب طويل القامة يقف أمامه ويتفحص وجهها وساقها.

لم تتمكن ميا من التحدث، لم تتمكن من الحراك ولم يفعل هاري شيئًا سوى المراقبة في صدمة، المشاهدة في حيرة وقلق.

في الثانية التالية جثى المستذئب لميا وفعل مثله جيش الذئاب وتزايدت برودة الهواء العاصف، وإشتد ضوء القمر وتطايرت خصلات شعر ميا وهي تحدق في جيش كامل من المستذئبين يخضع لها.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي