الفصل الرابع لا نجاة

خصلات شعر ميا تتموج مع الهواء.

الغيوم تكشف عن ضوء القمر والهواء يعصف والصمت يعم والمستذئب ينحني لتلك البشريّة.

رفع المستذئب وجهه نحو خاصتها، أعينه حمراء وأنيابه بارزة وشعره يغطي جزءًا من عينه.

كانت ترمقه هي من خلف جفونها، تبادلا النظرات في صمت، وكأنه يحاول التعرف عليها وكأنها تطلب منه التوضيح.

في الخلف كانت ناتالي وميرا وسام ومارتن يراقبون في شيء من الصدمة والحيرة.

وعلى مقربة من ميا وقف هاري في ترقب.

لا يمكنهم الثقة في المستذئبين، فقد خرجوا من مخاوف شخص منهم، مما يعني أنهم يتوقون للقتل فقط.

استقام المستذئب ليهرع هاري للوقوف بينه وبين ميا وإبعاد ميا خلف ظهره.

ضيق المستذئب عينيه وتغير مظهره للشكل البشري العادي ثم ابتسم ابتسامة ساخرة:
-لن أقتلها.

ضغط هاري على أسنانه:
-مَاذا تريد منها؟ هي لم تقتل أحد، أنا من قتلت ذلك المهرج وأنا من قضيت على هؤلاء الموتى الأحياء، تحدث لي أنا.

نظرت ميا نحو هاري الذي بدا غاضبًا وقلقًا، لكن بدا أن خوفه غلب غضبه، كان يرتجف قليلًا، ربما لشدة غضبه.

وربما المستذئبين هم مخاوف هاري.

تحدث المستذئب:
-لا أهتم، أرغب في الحديث لها.

كاد هاري أن يعارض لكن ميا قالت:
-لا بأس، يمكننا التحدث.

استدار هاري بوجهه نحو ميا:
-متأكدة؟

اومأت ميا ليبتعد هاري في تردد لكنه لم يشح بنظره عن المستذئب.

قدم المستذئب يده جهة ميا وقال في احترام:
-أدعى جونغ كوك، أنا ألفا!

صاحفته ميا:
-أدعى ميا.

ابتسم جونغ كوك:
-أعرف هذا، سأكرس حياة جيشي وحياتي لإنقاذك.

قبطت ميا حاجبيها:
-لماذا؟ لقد ظننت أيضًا أن المستذئبين لا يجثون سوى للألفا.

اومأ جونغ كوك:
-إن كنتِ لا تعرفين السبب فمن الأفضل أن لا تعرفي أبدًا، أعدكِ أن بعض من ظلام الجهل قد يكون رحيمًا.

نظف المستذئب حلقه ثم قال:
-دعيني أصطحبكِ لمنزلي، يمكنني إخبارك بما لا يؤذي.

نظرت ميا جهة هاري ثم عاودت النظر لجونغ كوك:
-أرغب في إحضار فريقي معي.

-بالطبع، طلباتكِ أوامر.

في اللحظة التالية ركض باقي الذئاب بعيدًا حتى تلاشوا عن الأبصار ثم تقدمت ناتالي والآخرين.

أشارت لهم ميا بالاقتراب دون خوف لتركض ميرا نحوها وتسأل:
-ماذا حدث للتو؟ في طريقنا للهرب من الموتى الأحياء قابلنا المستذئبين، لوهلة ظننت أنهم يحاولون قتلنا نحن لذا عدنا أدراجنا نحو الموتى الأحياء لنجدهم موتى.

تحدث جونغ كوك:
-أدعى جونغ كوك! أنتمي لتلك الأرض، سأشرح كل شيء في المنزل.

أشار لهم بتتبعه ليفعلوا لكن سام همس في أذن ميا:
-هل تثقين به؟

-إن أراد قتلنا لما قتل الزومبي، أو لقتلنا بالفعل.

-ربما لا يسعى لقتلنا، ربما يسعى لحبسنا.

-هل تملك خيار أفضل؟ هو الوحيد الذي تمكن من حمايتنا وقتل مخاوفنا!

لاذ سام بالصمت بعدها وظل الصمت رفيقهم حتى بلغوا قصر منعزل وأسود حيث الغيوم تطوف حوله.

فتح جونغ كوك باب القصر وأشار لهم بالدخول ليفعلوا، وبالداخل كان هنالك شموع تضيء المكان بالكامل ورائحة جميلة.

أخذهم جونغ كوك نحو غرفة راقية للغاية، بها أريكة فخمة ونجفة من الشموع ولوح جميلة.

أخذ كل شخص مجلسه واستقام جونغ كوك أمامهم قائلًا:
-مرحبًا بكم في منزلي المتواضع.

سخر مارتن:
-ياللتواضع!

سألت ميا:
-إذًا، ماذا ستخبرنا الآن؟

أجاب جونغ كوك:
-يومًا ما كنت جاهلًا وخائفًا مثلكم، اليوم أعرف كل شيء، لذا أرغب في تقديم يد العون.

رمقه هاري في حدة:
-ما المقابل؟

-لا مقابل.

-لا أصدقك، جينفر قالت هذا أيضًا قبل أن تحاول قتلنا.

-أنا لست جينفر.

-أجل، جينفر كانت بشرية وأنت مستذئب!

-لهذا السبب بالظبط لا أرغب في مقابل، جينفر أرادت أن تنجو، لكني أملك قوة رهيبة، وأملك جيشًا كاملًا، يمكنني النجاة دون أجسادكم!

تدخلت ميا لتقطع تلك المشاحنة:
-أنت كنت بشري؟

-أجل.

-وكيف وصلت لهنا؟ هل أنت تبع منظمة ما وراء الطبيعة؟

ضيق كوك عينيه:
-لم أسمع عنها، لكن لا، لست منها، في الواقع أنا طبيب، كنت منذ عدة سنوات في طريقي إلى بلد أخرى قبل أن تسقط الطائرة هنا في تلك الأرض، مات الأغلبية من السقوط ومن تبقى تحول لوحش.

سألت ميرا:
-ماذا عنك؟

-أنا وحش يالطيفة.

اومأ مارتن نفيًا:
-الوحوش يسعون للقتل، لكنك..أنقذتنا.

اومأ كوك:
-مخاوفي الوحيدة كانت من المستذئبين، ومع مرور الوقت تحولت لمستذئب، لكني تعلمت السيطرة على نفسي واستخدام تلك المخاوف لصالحي.

سأل سام:
-كيف هذا؟

-توقفت عن الخوف منها، مخاوفنا تنبع من نظرتنا الضعيفة للأشياء، لكن إن نظرنا لذلك الخوف بنظرة جميلة بدلًا من نظرة قبيحة سيتحول خوفنا لجمال.

تذكرت ميا كلمات جينفر عن أن الفريق بدء يتحول لوحوش واحد تلو الآخر ثم سألت:
-كيف عرفت هذا؟ كيف عرفت ما يتطلبه الأمر للسيطرة على مخاوفك؟

أجابها جونغ كوك:
-كنتُ أهرب يومًا وحيدًا قبل أن أعثر على مكتبة قديمة، سجنتُ نفسي بها وأمضيت أيامًا أبحث عن أي شيء يمكنه إنقاذي، أي شيء يخبرني كيف أنجو وعلمت، علمت كل حقيقة عن تلك الأرض.

سألت ناتالي:
-إذًا، كيف يمكننا الخروج من هنا؟

أجاب جونغ كوك:
-لا يُمكنكم.

تجمد الجميع ثم تحدث هاري في حنق:
-لا يمكننا؟ هل تتوقع حقًا أن نصدقك؟

-أجل، فإن كان هنالك سبيلًا للخروج لكنتُ حُرًا.

اومأ ميا نفيًا:
-لا أفهم، لماذا إذًا نتحول لوحوش؟ كل من يدخل الأرض يتحول لأكثر شيء يخافه مع عدم الإمكانية على الهرب، من صنع ذلك؟

أجاب جونغ كوك:
-ساحر قديم، بل عائلة من السحرى، صنعوا تلك الأرض كـسجن للقتلى والمجرمين، حيث يتحول المجرم لوحش، وحيث يتم استخدام المجرمين في معاقبة المجرمين، لكن مع مرور السنوات نسى الناس تلك الأرض واختفى كل كتيب عنها وباتت غامضة تنتظر أحد ليستكشفها.

أطلق تنهيدة وأكمل:
-الطريقة الوحيد للنجاة هنا هي بالتغلب على مخاوفكم.

سألت ميا:
-هل تملك خريطة للأرض؟

اومأ جونغ كوك نفيًا:
-لكن كان هنالك واحدة في المكتبة، لم أخذها بصراحة، لم أظن أني سأحتاج لها.

تحدث هاري:
-ذلك الساحر الذي صنع تلك الأرض، لم يكن له معارض؟ من غير الطبيعي أن تتحول الأرض المعروفة لمكان منسي وغامض من تلقاء نفسها.

-أجل، آل مونيوس هم من صنعوا تلك الأرض وآل بترفلاميس حاولوا تدمير تلك الأرض مسبقًا، فبات الأشخاص السيئون يسعون للسيطرة على تلك الأرض لتحقيق مصالحهم عبر نفي كل من يعارض ظلمهم.

سألت ميرا:
-لماذا لم يحطمونها إذًا؟

أكمل كوك:
-لأنه تم نفيهم لهنا وبالأغلب ماتوا، فقد مر أكثر من عشرة سنوات على وجودهم هنا ولاتزال الأرض حية.

تحدثت ميا:
-حسنًا، نحن الآن داخل الأرض، ألا يوجد طريقة لتدميرها من الداخل؟ قبل أن نتحول لوحوش؟

فكر كوك قبل أن يجيب:
-لا أظن ذلك، فقط من يمتلك قوة بحجم سحر آل مونيوس أو بترفلاميس يُمكنهم التأثير في تلك الأرض.

سألت ناتالي:
-إذًا الخيار الوحيد أمامنا هو البقاء هنا حتى نتحول لوحوش، ومن بعد ذلك سيأتي بشر ويتحولون لوحوش وندور في تلك الدائرة إلى الأبد.

استقامت ميا:
-لا، هذا لن يحدث، نحن لانزال بشر! يمكننا النجاة!

اومأ جونغ كوك:
-يمكن للبشر فقط عبور الحدود الضبابية، سواء للداخل أو الخارج، وحدهم الوحوش الذين يخلدون هنا.

تذكرت ميا حديث جينفر الذي فهمت معناه الآن.

جينفر أرادت جسد ميا البشري لتتمكن من عبور الحد الضبابي، لهذا السبب جينفر طلبت منها الدخول وحيدة، لم تفهم ميا هذا سوى الآن.

اومأت ميا:
-سنُغادر بمجرد العثور على أنط-

قاطعها سام في حنق:
-بلى! نحن لا نملك وقت يجب أن نغادر الليلة!

تدخل جونغ كوك في تردد:
-في الواقع، من شبه المستحيل العثور على الحدود، فالأماكن تتغير كل مدة، تحتاجون للعثور عليه أولًا.

قالت ميرا في استسلام:
-لقد سُجنا، تلك البعثة تنتهي هنا، لقد فشلنا!

عم الصمت، الجميع مدرك للمصير المحتوم، هم ليسوا مميزين للنجاة، والوقت يهرع وينفذ، ومع دقات ساعة النهاية لن يكونوا بشرًا!

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي