الفصل الثاني

الفصل الثاني

وقف أواب في مكانه بخوف، ليدخل جرو من اللون الأبيض، وبه بعض الخطوط السوداء، كان جميل المظهر، ولكن أواب لديه "فوبيا الكلاب"؛ لذا إبتعد عنه على الفور، وإنكمش على نفسه في نهاية الغرفة.

أخذ يردد بصوت باكي:
-إبتعد! إبتعد أرجوك!

بعد أن أخذ يردد هذه الكلمات لفترة من الزمن، صمت عندما لاحظ جلوس الجرو على الفراش.

أردف الجرو بسخرية:
-كف عن هذا أيها المعتوه، إجلس لكي نتحدث.

كاد فك أواب أن يسقط من الصدمة، فهذا آخر شيء ممكن أن يصدقه، أن يسمع جرو يتحدث، ليسقط بعد ذلك فاقد الوعي، إستيقظ بعد مدة من الزمن، رأى الجرو جالس بجانب رأسه، لينتفض من مكانه صارخًا، فهو في المعتاد يخشى الكلاب، ولكن الأمر هنا مروع أكثر؛ فهو سمع هذا الجرو يتحدث.

ليتحول الجرو إلى فتاة متوسطة الطول، بيضاء البشرة، ثم أردفت:
-أعتذر؛ نسيت، لقد كنت متنكرة.

أواب بصدمة أكبر:
-لا، هذا حقًا كثيرًا على إستعابي.

لتردف الفتاة وهي تأكل طعام لا يعرف من أين عثرت عليه:
-أنت أمس أكلت من ثمرات الموز المسحورة، أنا "ماسة" من الجان الأرضي، والآن أنا سوف أحقق لك ثلاثة طلبات، ثم سأغادر.

إستغرق أواب وقت في التفكير، ثم أردف:
-هذا يعني أن عملك صعب؛ فأنتِ تحققي لكل سكان هذه المدينة ثلاث طلبات!

لتصحح له ماسة:
-بلى فلا أحد في هذه المملكة كان لديه الجرأة في أكل هذا الموز، فهو يحتوي على شوك من الخارج، لذا كان يتجنب سكان هذه المملكة الإقتراب منه، أما أنت فلم تأكل واحدة فقط أنت أكلت الكثير، حقًا أهنيك.

أصاب أواب نوبة ضحك، ثم أردف:
-حسنًا، لدي طلب واحد، أرجع إلى بلدتي.

لتسأله ماسة:
-وما هي دولتك؟

أواب بإيجاب:
-أنا من دولة مصر.

ماسة بتفكير:
-لم أسمع عنها من قبل.

ليردف أواب بسخرية:
-ألستِ من الجان! ومن المفترض أن تعرفي كل شيء!

لتجيب ماسة بضجر:
-أنا معاقبة بخدمتك بثلاثة طلبات، فلا تهذي بكلام غير مفهوم، فالجان لا يعرفون كل شيء في العالم بالتأكيد.

صمت أواب، ثم أخذ يفكر كيف يستغلها في مساعدته، إلى أن أردف:
-سوف أقص عليكِ ما حدث، وأنتِ تجدي حل.

أومأت ماسة رأسها في إيجاب.

شعر أواب بدرجة الحرارة مرتفعة بعض الشيء، ثم أخذ يزيل تعرق وجهه بيديه، ثم أردف:
-كنت سأنتحر من فوق جسر، كان يطلق عليه إسم"آريس"، وكنت في الساعات الأخيرة من الليل، فهو لا يذهب إليه أحد بسبب وجود بعض الأساطير الشائعة عنه.

وبعد ذلك رأيت شيء لامع في الأرض، كان عبارة عن بلورة باللون الأزرق، ظننتها في البداية لؤلؤه؛ لذا حاولت فتحها، أخذت مني بعض الوقت إلى أن وجدت نفسي هنا.

نظرت له ماسة بتدقيق، ثم أردفت:
-قلت آريس!

أوما أواب برأسه بإستغراب.

إستكملت ماسة:
-حسنًا هذا الجسر أعرفه، أنا سمعت عن البلورة الزرقاء أيضًا، ولكن لا أعرف ما هو سرها.

إستلقت ماسة على الفراش، ثم أردفت بنعاس:
-غدًا سوف نبدأ تفكير، وحل هذة المشكلة، فأنا الآن أريد النوم.

لينظر لها أواب بضجر:
-لماذا أصبح العالم أجمع غريب! حتي الجان يريد النوم!

لتردف ماسة بضجر:
-إصمت أيها الأبله!

أردف أواب بغضب:
-أنا جائع الآن، إجلبِ لي طعام.

فعلت ماسة حركة دائرية بيديها، فتوفر وقتها طعام داخل إناء نحاسي، على أحد المقاعد القريبة منه، أخذ أواب يتأمل الطعام، فكان بالطبع أول مرة يرى مثله، كان عبارة عن حساء باللون الأزرق، وبه قطع غريبة باللون الأبيض، ويفوح منه رائحة شهية.

جلس أواب، ثم أخذ ينظر إلى الحساء، ثم قال بإستغراب:
-ما هذا الطعام الغريب؟

قالت ماسة:
-هذا حساء مزيج من الخضروات، وهذه قطع لحم عصفور.

إضطر أواب للأكل؛ فليس أمامه خيار آخر.

أردفت ماسة بعد قليل من الوقت:
-هكذا تبقى طلبين.

لم يهتم أواب كثيرًا بما قالت، ثم أخبرها أنه يريد عمل إلى أن يستطع فك لغز البلورة.

قالت ماسة بسعادة:
-هكذا تبقى طلب واحد فقط، العمل أنت تسطيع النحت؛ لذا هناك رجل بعد ثلاثة شوارع من هنا يريد أحد يساعده.

إستغرب أواب ثم أردف:
-من أخبركِ بذلك! فأنا لا أعرف كيف أنحت.

ماسة بتوضيح:
-أنت لم تجرب، ولكن أنا واثقة أنك تستطيع.

أواب بإيجاب:
-حسنًا، غدًا سأذهب له.

بعد أن أنتهى أواب من طعامه الذي أعجبه بشدة، وقف وأخذ يزيح عن خصره الرباط الخاص بثوبه، ثم أزاح الثوب الواسع عنه، بعد ذلك إتجه إلى الفراش لينام.

أردفت ماسة بسخرية:
-إغلق هذا الفانوس؛ حتى لا يحترق هذا المكان بك.

ليفعل أواب ذلك، ثم إستلقى لينام، سمع بعدها صوت طرقات قوية على الباب، أردف بصوت منخفض:
-ماسة من يطرق الباب؟

ولكنها لم تجيب عليه، لذا نهض من مكانه، ثم أشعل الفانوس؛ ليستطيع السير في هذا الكوخ المعتم، كان وقتها خائف للغاية، ثم إتجه إلى الباب الخشبي الضعيف، وقام بفتحه، ليظهر سيدة كبيرة في العمر، ثم أردفت:
-من أنت! وماذا تفعل هنا؟

أجاب أواب:
-أنا أواب، أسكن هنا لأنى لا أملك مكان للمبيت، هل هذا الكوخ خاص بكِ؟

قالت السيدة:
-لا، أنا أسكن على مقربة من هنا، وهذا الكوخ مهجور منذ زمن، وبسبب إختفاء الذين كانوا يعيشون به؛ لم يقترب أحد منه، عندما رأيت إنارة هنا أتيت لتأكد من شيء، إلى اللقاء.

أواب وهو يحاول إيقافها:
-إنتظري، كيف إختفوا؟! وما الذي كنتِ تتأكدين منه؟

لتتركه السيدة في حيرته دون أن تجيب على حديثه، دخل أواب بعد ذلك، ثم جلس على المقعد، وأخذ يفكر، فكل شيء يحدث حوله سيصيبه بالجنون، لذا أخذ يفكر ببطء، محاولًا ربط الأحداث، ولكن عندما لم يستطع إيجاد تفسير إتجه إلى الكتاب، ثم إلتقطه.

أخذ يتأمله من الخارج، كان في الخارج مرسوم بلورة بشكل محفور على الغلاف، كانت تشبه البلورة التي وجدها، والصفحات الخاصه بالكتاب كانت سميكة، تشبه ورق الكرتون السميك، ولكنها ليست كذلك، إستغرق في التفكير إلى أن توصل أنه إذا عثر على البلورة سوف يعود إلى الزمن الخاص به.

أخذ يتصفح الأوراق دون النظر للكلمات؛ ذلك لان الكلمات مكتوبة بخط صغير، وضوء الفانوس غير كافي ليجعله يرى المكتوب، رأى في أول ورقة، رجال ونساء يرتدوا ملابس تشبه الملابس الخاصة بسكان هذه المملكة.

بالورقة التي تليها بها أشخاص مظهرهم غريب، فشكل أعينهم وأذانهم غريب عن البشر، قلب إلى صفحة أخرى، رأى أناس يرتدوا ملابس عصره، ثم قلب إلى الصفحة التى تليها، وجد صورة البلورة بشكل كبير، ومحفورة بالصفحة.

ليحاول قلب الورقة إلى أخر صفحة بالكتاب، ولكن لم يستطع؛ فالكتاب لا يظهر الصفحة الأخيرة، إستحوذ هذا الكتاب على تفكيره بالكامل، ففي البداية الماضي، وفي المنتصف الحاضر، ولابد أن أخر صفحة هي المستقبل، هذا ما توصل إليه بعد تفكير عميق، غفى بعد ذلك في مكانه.

باليوم التالي، تململ أواب في نومه، ليسقط على الأرض متأوهًا، فهو كان ينام على المقعد، رأى وقتها ماسة تجلس على الفراش، تعبث بأغصان شجرة تشبه النخيل، وصنعت في النهاية شكل شبيه بالعصفور، ثم تركته، ليتحول إلى طير حقيقي، ثم سقطت الأغصان التي كانت تعبث بها على الأرض بعد إختفاء العصفور.

ليردف أواب بذهول:
-كيف ذلك! وأين ذهب العصفور؟

ضحكت ماسة، ثم قالت:
-هذا ليس عصفور، هذه خدعة بصرية، وهيا إذهب إلى العمل، وبعد أن تأتي سوف نرى ما هو طلبك الأخير؛ لكي أغادرك.

أوما أواب رأسه في إيجاب، ثم تجهز للخروج من الكوخ، للعمل، فأوقفته ماسة قائلة:
-إذا أردت مساعدتي بإمكانك مناداتي ثلاثة مرات وأنت تحك رأسك، سوف أحضر على الفور.

سألها أواب:
-إذا إحتجت مساعدتك بعد الثلاثة طلبات أكل من ثمرات الموز؟

أجابت ماسة:
-الموز سيختفى، فهو عندما يأكل أحد منه يتم تسخير أحد الجان ليلبي له ثلاث طلبات، وبعد ذلك سيختفي فور تلبية الثلاث طلبات، وأنا أيضًا سأختفي.

سألها أواب بعدم فهم:
-هل أنا الوحيد الذي توفر له هذه الخدمة؟

لتبتسم ماسة بعد أن فهمت أنه يسأل في داخله ما الفائدة العائدة عليهم من تلبية ثلاث طلبات له، ثم أردفت:
-إن وجود الموز الشوكي كان لهدف ما، وستعرف ما هو في الوقت المناسب، فانا ليس مصرح لي إخبارك.

أواب بتساؤل:
-هل وجود الموز وأكلي منه هدف آخر؟ غير تنفيذك لي ثلاث طلبات؟

ماسة بإبتسامة:
-نعم، كذلك.

خرج أواب من المنزل، بعد أن إنتهى من الحديث مع ماسة، وتفكيره مازال مشغول، فما السر وراء الموز؟ وما السر وراء البلورة؟ تذكر وقتها أمر المخطوطة، بالتأكيد بها حل لأي من هذين السؤالين، هذا ما جال في خاطره، أخذ يسير كما وصفت له ماسة، ثم بعد مدة من السير وصل إلى الشارع الموجود به الشخص الذي ينحت.

دنى منه أواب ثم أردف:
-عملًا موقفًا، هل أجد لديك عمًلا لي؟

كان الرجل سمين بعض الشيء، أسود البشرة، وليس لديه شعر في رأسه، ولديه شارب غليظ، وطويل القامة، بيديه أداة حديدة مدببة من أحد طرفيها، يقوم بالحفر بها داخل قطعة خشبية سميكة، ومرسوم عليها شكل فرس، عندما سأله أواب ترك ما بيديه، ثم أخذ يتفقده بنظراته.

ثم بعد القليل من الوقت سأله:
-وهل عملت بالنحت من قبل؟

لينفي أواب:
-لا، لم أعمل، ولكن أود تجربة الأمر، بإمكانك أن تعلمني، وإن إستطعت النحت أعمل معك، وإن لم أستطع لا أعمل.

الرجل وهو يبدو أنه إقتنع بحديثه:
-حسنًا، أنا "النامي"، وأنت؟

ظهرت تعابير الاستغراب على وجه أواب من إسم الرجل، ثم أجاب:
-أواب.

أخذ الرجل يشرح له كيف يكون النحت:
-أنه في البداية يتم إختيار على أي شيء ستنحت، ثم يتم تحديد ما هو الشيء الذي تود نحته، ولكي يكون النحت دقيق لابد أن ترسم ما تود نحته، ثم بهذة الأداة تفعل هكذا.

فعل النامي أمام أواب، وبعد أن إنتهى الرجل من نحت الفرس، كلف أواب بنحت رسمة ورقة من أحد الأشجار على قطعة خشبية صغيرة في الحجم ولكنها سميكة، وذلك ليعرف هل فهم أواب أم لا!

بعد مدة، نحت أواب الورقة داخل القطعة الخشبية، وفعلها بشكل دقيق للغاية.

قال النامي بتهنئه:
-عملًا رائع! يكفي اليوم وغدًا نستكمل، ومنذ الغذ سوف أعطيك نقود نظير عملك.

غادر أواب وهو سعيد، ثم أخذ يسير في الطرقات، وجد وقتها رجل كبير يقوم بضرب فتى صغير، وينهره بصوتًا مرتفع، والفتى يصرخ، إقترب أواب على الفور، ثم أردف بغضب:
-كيف لك أنت تضرب فتى صغير بهذا الشكل! يالك من وضيع.

ليترك الرجل الفتى،ثم إقترب من أواب وسدد له لكمة قوية في وجهه؛ هذه اللكمة جعلته يسقط على الأرض، ثم أردف الرجل بغضب:
-لماذا تدافع عنه؟ أنت من حرضته على السرقة أليس كذلك؟

لتجحظ عين أواب بصدمة، فهو كيف سيحرضه على السرقة وهذه أول مرة يراه بها! رجع أواب بظهره، لاحظ أواب الرجل يقترب منه، ويستعد لضربه، ورأى الفتى الذي كان يدافع عنه يفر هاربًا، وتركه لهذا الرجل الضخم.

تذكر أواب ماسة ليحك رأسه بقوة، ثم أخذ ينادي عليها ثلاثة مرات، فور أن إنتهى من منادتها وجد نفسه داخل الكوخ، ليلتقط أنفاسه براحة شاكرًا لها.

ماسة وهي يبدو عليها الحزن:
-هكذا أنا إنتهيت من تلبية طلباتك الثلاث، إلى الوداع، رغم قصر المدة التي كنت بها معك، ولكنني أحببتك، إنتبه إلى حياتك.

فور أن إنتهت من حديثها، وجدها إختفت، جلس أواب على الفراش حزين، فهي كانت تسلي وحدته في هذا المكان الغريب، نفض عنه حزنه، وتذكر أمر المخطوطة وأنه عليه فك رموزها، قرر حلها بطريقة قرئها بأحد الكتب، حيث أنه رتب الحروف على الترتيب المشرقي.

أخذ يبحث في الكوخ عن قلم ليكتب به، ولكنه تذكر أنه في زمن ليس به أقلام، لذا قرر الخروج والبحث عن شيء يصلح للكتابة، ليسير في خط مستقيم؛ وذلك حتي لا يضل طريق العودة إلى الكوخ، وصل بعد سيره بحوالي ساعة من الزمن إلى بحيرة من المياه ليست صغيرة ولا كبيرة، إنما متوسطة الحجم.

كانت السماء صافيه خالية من الغيوم، والمياه زرقاء بشكل صافي، والعديد من الأشجار الخضراء تحيط المكان بشكل جذاب، لذا جلس على صخرة كبيرة الحجم، ثم إلتقط شيء معدني كان ملقى على الأرضية الرميلة.

ثم أخرج من جيب الرداء الخاص به المخطوطة، ثم أردف بصوت مسموع:
-هذه الأرقام موضعة بشكل معين، فكل مجموعة أرقام إما أنها تدل على حرف، أو كلمة، فهنا ال200 على الأكيد تدل على حرف من اللغة، والواحد المنفصل أيضًا يدل على حرف منفصل.
(2 1 400 20 30 1 10 80 400 200 6 30 2 30 1 200 300).

صمت بعض الوقت، ثم إستكمل بصوت مسموع:
-إثنان تعني حرف الباء، وواحد يعني حرف الألف، أما الأربع مائات تعني حرف التاء، عشرون تعني حرف الكاف، والثلاثون تعني حرف الام، الواحد حرف الألف.

ثم عشرة تعني حرف الياء، وثمانون تعني حرف الفاء، ومئتان تعني حرف الراء، رقم ستة يعني حرف الواو.

كتب أواب تحت كل رقم الحرف الخاص به، ليردف بعد مرور وقت طويل من ترتب الأحرف:
-"سر البلورة في الكتاب".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي