الفصل الرابع

الفصل الرابع

داخل غرفة الطعام، موضوع في المنتصف طاولة طويلة، وعريضة بعض الشيء، مطلية باللون الذهبي، ومحفور عليها بعض رموز وأرقام، في مقدمة الطاولة تجلس روز، وبجورها أريب، ومن الناحية الأخرى تجلس عمة روز.

وفي رأس الطاولة من الجهة الأخرى تجلس إيفا، كان من قوانين الطعام الملكي عدم إصدار أي صوت أثناء تناول الطعام، فكانت القاعة هادئة للغاية، دخل أواب وقتها بسرعته الغريبة، ثم دفع الملعقة بعيدًا التي كانت على وشك الدخول بفم روز.

صاحت إيفا بغضب:
-ماذا فعلت؟ وكيف تدخل بهذه الطريقة الهمجية؟

أجاب أواب:
-هذا الطعام به سم.

روز تقف منصدمة ثم سألت أواب:
-ماذا تقول؟! كيف الطعام مسموم؟ وكيف عرفت؟

أجاب أواب:
-السيدة إيفا إتفقت مع خادمة تدعى"آنا" على أن تضع لكي سم داخل طعامك.

جحظت أعين روز بعدم تصديق، ثم صاحت إيفا بغضب أكبر:
-بماذا تهزي أيها الوضيع؟

أواب ببرود:
-لإثبات صدق حديثي أحضري الخامة، وإحتسي من هذا الطعام، ألستِ من أشرفتِ على طبخه؟

توترت إيفا بشدة ثم أردفت:
-هذا كذب، روز لا تصدقيه.

خرجت روز من صمتها ثم أردفت بصراخ:
-أنا الأميرة روز، لا تنسِ من أنتِ ومن أنا!

نظرت لها إيفا بإستنكار، ثم أمرت روز الحارس:
-ألق القبض عليها؛ حتى لا تهرب، إلى أن يجلب أحد آخر هذه الخادمة.

إعترض أريب:
-ماذا تفعلِ روز هذه زوجة عمك؟

روز بغضب شديد:
-زوجة عمي التي تريد قتلي أليس كذلك؟

أتت الخادمة وهي ترجف بشدة، سألتها روز بغضب:
-هل وضعتِ سم بالطعام؟

نفت الخادمة، وعندها أصبح وجه روز أحمر من الغضب، ثم وأردفت:
-حسنًا، تذوقي إذن هذا الطعام.

الخادمة وهي تبكِ:
-أرجوكِ مولاتي، أعتذر منكِ، لقد أغرتني النقود.

روز بضحكت سخرية:
-رائع! من أغراكِ بالنقود؟

نظرت الخادمة بخوف إلى إيفا، ثم إلتزمت الصمت، أردفت روز بغضب:
-تحدثِ من؟

الخادمة بصوت متقطع:
-السيدة إيفا.

روز بغضب تحاول السيطرة عليه:
-بما أنكِ والدة إبن العم؛ سأكتفي بمغادرتك القصر سيدة إيفا، وأيضًا المملكة بأكملها.

وسوف تتجردي من الأموال والمجوهرات الموجودة لديكِ، وهذه الخادمة سوف تطرد خارج المملكة أيضًا دون أن تأخذ أي شيء من داخل المملكة.

أريب بعد أن فاض به:
-ماذا تقولي روز! أجننتي تريدين طرد والدتي وذلك بسبب هذا الوضيع.

روز بغضب وصوت مرتفع:
-لا أريد سماع المزيد، ولا أريدك أن تتعدى حدودك على أي شخص داخل المملكة، حتي لا أتأخذ ضدك الإجراءات القانونية، وأنا لن آخذك بذنب والدتك؛ إذا أردت البقاء تفضل، ولكن إذا غادرت لن تدخل المملكة ثانيًه.

ثار أريب:
-ماذا تقولي؟ هذه ليست مملكتك الخاصة، فأنا لدي نصف المملكة، كما تملكين بالضبط.

روز ببرود:
-أذكرك بالقانون الذي وضعه والدك قبل موته، أن لا يتولى أحد من أصل غير شرعي الحكم، فوالدك لم يتزوج السيدة إيفا.

كاد أريب أن يوافق على خروجه من المملكة بلا عودة، فهو شعر بالإهانة، ولكن نظرت له والدته بتحذير على ألا يتخذ قرار يندموا عليه.

إنصرف الحضور كل فرد إلى مكان، ولم يتبقَ سوى روز وأواب، كادت روز أن تغادر فأوقفها قول أواب:
-سيادة الأميرة روز! أنا موافق على عرض العمل.

أومأت روز رأسها:
-حسنًا ستبدأ من الغد في العمل، سأجعل أحد الخدم يجهزوا لك غرفة للمبيت.

بعد أن أنهت حديثها غادرت وهي واجمة، تشعر بهموم العالم، فهي تتولى شئون هذه المملكة الكبيرة، وتسعى لتحقيق العدل، والحفاظ على هذه المملكة، ولكن أقربائها هم من يتمنوا لها كل سوء، جال بخاطرها سؤال كيف علم أواب بكل هذا؟

هل هو على علاقة غرامية بالخادمة؟ لا تعلم روز لماذا عند أخر تساؤل إنتابتها شعور سيء، وصلت الجناح الخاص بها، كان عبارة عن غرفة كبيرة، بها فراش كبير للغاية.

يسع خمسة أشخاص، بجواره مرآة متوسطة الحجم، وأمامها زجاجات عطر مصنوعة لها خصيصًا، وموضوع أيضًا أمام المرآة أدوات تجميل، نزعت عن رأسها التاج الذهبي ذو الجواهر الخضراء اللامعة.

قامت بوضعه داخل صندوق المجوهرات الخاص بها الذي يشبه إلى حد كبير صناديق الكنز التي كانت تتواجد بالأفلام الأسطورية القديمة.

كانت الغرفة المجاورة عبارة عن غرفة للجلوس، بها مقاعد وثيرة وعريضة، وكان على يسار الغرفة مرحاض واسع به ما يشبه المسبح، إنسدل شعرها الناري الحريري على طول ظهرها.

فهي تعشق شعرها للغاية وتهتم به جيدًا، إلتقطت فرشاة الشعر وأخذت تمشطه وهي شاردة الذهن، ثم سقطت من عينيها الزرقاء دمعة.

كانت عينيها بهذا الشكل تشبة اللؤلؤ الأزرق، جففت عينيها بمحارم تشبه المحارم الورقيه، ومن ثم أخذت تردد كلمات تعيد القوة داخلها.

الأميرة بصوت مسموع:
-أنا هنا الأميرة، لا يوجد مكان للعواطف، حتي ولو كنت منجذبة إليه ولكن تقاليد المملكة لا تسمح، غير أنه لا يبدو عليه أنه منجذب لي كما أفعل أنا.

بدلت ملابسها إلى أخرى حريرية باللون البنفسجي، ثم ذهبت إلى مكتبتها الخاصة، ثم إلتقطت منها كتاب عن التاريخ، وبعد ذلك جلست على مقعد أمام الشرفة العريضة التي تتوسط الحائط.

وأخذت تنظر إلى النجوم، حتى غفت مكانها دون أن تشعر، باليوم التالي إستيقظ أواب باكرًا؛ لذا ذهب للجلوس في حديقة القصر، في ذات الوقت الذي خرج أريب من القصر.

فرأى أواب يجلس بهذا الشكل، فغضب بشدة لذا إقترب منه، وجذبه من ملابسه بقوة، ثم أردف:
-يا أيها الحقير! ماذا تفعل هنا! إخرج من القصر فورًا.

نفض أواب يديه بعيدًا عنه بغضب، وأردف:
-إبتعد عني! فأنا لا أريد أن أفتعل أي مشاكل.

فلكمه أريب في وجه بغضب؛ أدى إلى نزيف أنف أواب، فبادله أواب بلكمة أقوى، أدت إلى سقوطه على الأرض؛ ذلك أدى أيضًا إلى فوران أعصاب أريب من الغضب.

فأخرج سيفه من حوزته وكاد السيف أن يخترق عنق أواب، ولكن هناك سيف تصدى لسيف أريب، كانت الأميرة تستعد لمغادرة غرفتها، فإستمعت إلى صوت شجار بالأسفل، نظرت من الشرفة.

فوجدت أواب وأريب يتشاجروا، لتسرع بالهبوط من غرفتها، وصلت روز في الوقت الذي أراد أريب قتل أواب، فتصدت بسيفها لحماية أواب، فنظروا الإثنين إلى روز بتفاجأ.

فإستطاعت روز إسقاط سيف أريب، ثم وضعت سيفها بمكانه، ثم صرخت بهم:
-ماذا تفعلوا؟! أجننتم؟ كيف تتشاجروا؟ وداخل القصر أيضًا! يالها من وقاحة.

أردف أواب بتبرير:
-هو من تعدى علي أولًا، وأنا كنت أدافع عن نفسي.

روز بصراخ:
-سوف تدفعوا ثمن عدم إحترامكم لقواعد المملكة، ستعملوا أنتم الإثنين في الحقل الزراعي لمدة ثلاثون يومًا، دون مساعدة من الفلاحون.

أريب بغضب:
-لن أفعل ذلك بالطبع.

روز بغضب أكبر:
-بل ستفعل، وإن لم تفعل غادر المملكة، والحديث موجه لك أيضًا أواب، والعمل إبتدءًا من الغد.

غادر أريب وهو غاضب، وأرسل إلى والدته رسالة عن طريق أحد الخدم، تنص على أخر قرار للأميرة، وأنه يريد ترك المملكة.

أما أواب كاد أن يرحل من الحديقة فأوقفته روز قائلة:
-كيف علمت أمس بأمر الحادث المدبرة بقتلي؟ لا أريد كذب.

أواب بتساؤل:
-لماذا سأكذب؟ أنتِ التي لن تصدقين.

قالت روز:
-أعتقد أنه شيء من إثنين، أنك كنت على علاقة بالخادمة، أو كنت تتجسس على أمور القصر.

أجاب أواب:
-ليس أيًا منهما، فأنا حلمت بإتفاق السيدة إيفا مع الخادمة، فأنا لست من هذه المملكة، فكيف سأكون على علاقة بالخادمة؟

نظرت له روز بإستغراب، وحاولت تصديق حديثه، ثم صمتت بعض الوقت، فأردف أواب قاطعًا أفكارها:
-الأمر صعب التصديق أعلم، فأنا ذاتي غير مصدق ما حدث.

فأنا حلمت بالحوار الذي دار بين إيفا والخادمة، وعندما إستيقظت أتيت فورًا لإنقاذك، شعرت أنه يجب أن اذهب، فكان شعور قوى، ولا أعلم ما تفسير ذلك.

أومأت روز رأسها تحاول تصديق ما يقول، ثم أردفت:
-عمل النحت ينتظرك، هل غيرت قرارك بالعمل هنا!

أجاب أواب:
-كيف سأعمل بالنحت، والحقل الزراعي معًا؟

أجابت روز:
-سوف تعمل بالحقل الزراعي لمدة ثلاثة ساعات باليوم، وباقي اليوم إعمل بالنحت.

أردف أواب:
-حسنًا، ماذا سأفعل الآن؟

قالت روز:
-إتبعني!

سار خلفها أواب إلى أن وصلوا إلى غرفة على يمين حديقة القصر، دخلوا الغرفة، أخذ أواب يتأمل الغرفة، كانت تحتوي على العديد من خامات النحت.

كانت الخامات من الذهب، والفضة، والصخور، والخشب، وادوات للرسم، تشبه الأقلام ولكنها ليست كذلك، والعديد من الصبغات التي تحتوي على ألون عديدة، المستخلصة من النبات الصبغية.

أردفت روز:
-هذا المكان الذي ستعمل به، هذه الرسومات الموجودة بهذه الأوراق أود منك أن تنحتها على ما تريد من الخامات.

أشارت روز إلى أوراق شبه أوراق الباردي مرسوم عليها بدقة.

قال أواب:
-حسنًا، هناك سؤال أخير يشغلني، لماذا تهتمين بأمور النحت؟ فالقصر مليء بالمنحوتات!

أجابت روز:
-لابد أن أترك تاريخ أثري لي بعد وفاتي، لذا ستجد داخل الأوراق صورة لي أود نحتها لتخليد ذكراي.

أومأ أواب بتفهم، ثم بعد ذلك تركته روز وغادرت، أخذ أواب يستكشف الغرفة، كانت على التراث الحديث بالنسبة للعصر الذي يعيشون به، نظر لأوراق الباردي المرسوم عليها.

كان يوجد صورة لها وهي ترتدي فستان من الأقمشة المرصعة بالألماس والأحجار الكريمة، وكان على رأسها التاج الخاص بها، شعر بالفخر من نفسه؛ فهو سوف ينحت للأميرة، وسوف يتخلد ذكراه هو أيضًا.


في وقت لاحق على حدود المملكة يقف أريب برفقة والدته، ويتحدثون، أردفت الأم بإعتراض:
-لا ستعمل بالحقل الزراعي، وأنا سوف أدبر كيف سنتخلص من الفتى المدعو أواب، فهو أصبح يشكل خطر علينا.

في المساء داخل القصر، داخل غرفة الإجتماعات، تجلس الأميرة على المقعد الرئيسي، وبجوارها يجلس الأمير"فيليب" الذي يمتلك أعين رمادية وشعر بني فاتح، ويقف بجواره الحارس الشخصي الخاص به.

ويتوسط المقاعد طاولة من الخشب المزخرف، وموضوع عليها وعاء يحتوي على فاكهة من أنواع كثيرة ولكنها غريبة، وموضوع أيضًا على الطاولة كؤوس تحتوي على مشروب توت بري الذي لونه بنفسجي.

بدأت روز بالحديث:
-أهلًا بك أمير فيليب داخل مملكة بارق.

الأمير فيليب بإبتسامة:
-أهلًا بكِ سمو الأميرة، سيعد جدًا بمقابلتك، فأنا سمعت عنكِ الكثير، لا أود الإطالة فأنا أردت أن ننهي الحرب الموجودة بين المملكتين، أردت مقابلتك اليوم لتوقيع معاهدة السلام بين مملكة بارق ومملكة "ديمن".

الأميرة بتفكير:
-السلام شيء عظيم، وأنا أثق بك بالطبع، ولكن أريد الإطلاع على شروط المعاهدة أولًا.

في نفس الوقت داخل غرفة النحت، أنهى أواب نحت رأس الأميرة، إختار مادة الذهب لصنع التمثال، كانت الرأس دقيقة للغاية، فهو جعل لون العينين كما هو بإستخدام أحد الأحجار الكريمة باللون الأزرق.

وأنفها المستقيم وشفتيها الوردية، إستخدم فيها الفضة بعد أن لونها إلى الأحمر بصعوبة، وأما شعرها فأتى بأحد الأحجار الكريمة من اللون الأحمر ونحته بدقة، ونحته كما تفعله في كعكة وعليها التاج.

بعد أن إنتهى من الرأس قرر إخبار الأميرة فهو يريد رؤية رد فعلها، وأثناء دلوفه القصر سأل أحد الحراس:
-أين توجد الأميرة روز؟

أخبره الحارس بمقت فأغلب المتواجدين في القصر يمقتون أواب؛ وذلك لأنهم يرونه ذو حظ جيد:
-إنها بإجتماع مع الأمير فيليب، ولا يمكنك مقاطعة هذا الإجتماع.

أومأ أواب رأسه، ثم غادر متجه إلى غرفته فهو يشعر بالإرهاق الشديد.

داخل غرفة الإجتماعات، تمسك روز بالورقة الخاصة بالمعاهدة، ثم أردفت بنبرة جافة:
-النص رقم تسعة ينص على أن مملكة ديمن تستطيع السيطرة على مملكة بارق وقت ما تشاء، هل أتيت طالب السلام أم الغدر أيها الأمير؟

نظر لها فليب بصدمة، ثم أردف:
-كيف ذلك! لابد أن أحد أعدائي غير نصوص المعاهدة.

ثم أمسك الأمير الورقة، ثم قام بتمزيقها، ثم أخرج الحارس الخاص به ورقة، وريشة تشبه ريش النعام، ثم أردف الأمير وهو يقرب منها الريشة والورقة:
-بإمكانك كتابة كافة الشروط التي تريدينها، وسوف أوقع عليها دون الإطلاع عليها لأثبت لكِ حسن نواياي.


إقتنعت الأميرة بحديثه، ثم إلتقطت الريشة وأخذت تكتب نصوص المعاهدة، ثم وقعت عليها، وختمتها بالختم الخاص بالمملكة، كان عبارة عن رسمة السيف وضعته داخل الصبغة الحمراء.

ثم وضعته على ورقة ليظهر السيف داخل الورقة، ثم بعد ذلك فعل مثلها فليب، ووضع بالنهاية ختم مملكته، كان عبارة عن رسمة ثعلب.

باليوم التالي إستيقظ أواب على صوت أحد الخدم يخبره أن يستيقظ للذهاب إلى العمل، نهض بتكاسل، وشرب عصير من الفواكه كان باللون الأسود جميل المذاق.

فقد إعتاد أواب على غرابة هذة المملكة في كل شيء، فلم يعد في هذة المملكة ما يثير إندهاشه.

وصل إلى الأراضي الزراعية برفقة أريب، أخذ أواب وعاء كان موجود بجانب الأرض الزراعية، ثم أخذ يجمع ثمار الخضروات الغريبة الشكل والطعم، إضطر أريب أن يفعل مثل أواب.

فهو لا يفهم في أمور الزراعة، وأيضًا هناك حراس يراقبون إذا كانوا يعملوا أم لا لكي يخبروا الأميرة، بعد مدة من جمع الثمار تقدم أواب داخل الأراضي الزراعية.

وكان أريب بعيدًا عنه، وذلك لأنه كان يتوقف كثيرًا، وأثناء ذلك رأى أواب أفرع شجرة مدفونه ويخرج منها جزء أزرق، أخذ أواب يسحب الجزء الخارجي لغصن الشجرة، ليسحبه الغصن إلى الأسفل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي