الفصل الثالث

-انا امجد حفيدك يا جدي، وهذه اريج شقيقتي التوأم.
سمعها أدهم ليضيق عينيه وهو يطالع الاثنين بعدم استيعاب وملامح منزعجة، أما اريج والتي وعت لعبارة شقيقها، فالتفت برأسها إليه بحدة تهتف به:
-ما الذي تقوله؟ وكيف يصبح هو جدك؟ وسعيد، وسعيد بن خالي، أين ذهب وكيف هذا حدث؟

التفت برأسه إليها أمجد يجيبها بنزق:
-نعم هو جدك يا أريج، بعد التعويذة التي قرأتها، بعثت روحه من جديد وتلبست جسد هذا الأخرق، لا أعلم متى جاء وكيف تسلل إلى هنا كي يختاره جدك ويتلبس جسده مكانك.

-لابد انه كان يراقبني ودخل خلفي.....
قالتها غافلة في البداية قبل أن تعي لبقية الجملة فصاحت فجأة تجفل الأثنان:

-معنى هذا، أنك أتيت بي مخصوص لتقرأ التعويذة علي لتبعث روح هذا الكهل في جسدي انا؟ تبًا لك يا خسيس، تريد التضحية بشقيقتك من أجل الجوهرة، اعلم عن ثقة انك وضيع، ولكني لم أتخيلك بهذه الدرجة يا وضيع.

صرخت بالاخير وهي تجذبه من تلابيب قميصه بصوت عالي، فجعلته هو يصرخ بدوره وهو يحاول فك كفيها عنه:
-بئسًا لكِ ولغباءك، يا حمقاء افهمي، كما استدعيته كنت سأصرفه مرة أخرى بعد أن يدلني عن مكان الجوهرة،
شغلي عقلك التافه ولو مرة واحدة وتريثي في أحكامك.

أكملت بصراخها دون أن تتركه:
-أتريث في أحكامي! وكيف افعلها هذه وانا معي اخ ندل مثلك، كان على الوشك التضحية بي، يا خائن
-أنت غبييية.
-وأنت جباااان.

أدهم والذي كان يتابع شجارهم بصمت، على إثر صرخاتهم الاَخيرة لم يتحمل الإنتظار فصاح يجفلهم بصوته الجهوري الأجش:
-كفى.

انتفض الإثنان لينتبها إليه، وقد تخلت اريج عن الإمساك بأخيها خوفًا من هذه الهيئة المرعبة، لمن تراه أمامها، بوجه سعيد ابن خالها المسالم والمتسامج معها لدرجة البلاهة، وقد تحولت ملامحه الاَن لهذا الشكل الغريب والمخيف مع نبرة الصوت التي تذكرها برجال كانت تشاهدهم بأفلام الأبيض والأسود.

تحركت شفتي الرجل بتأني ليهم ببدء الحديث بينهم باتزان شديد، عكس ابن خالها الذي كان يزلف بالكلمات وبعدها يفكر ماذا قال:
-إذن أنتما من قام بهذه الحركة الملعونة كي تعلما عن مكان الجوهرة التي أطارت بعقول كل افراد العائلة في حياتي، والاَن أكتشف نفس الأمر بعد مماتي أيضًا.

رد أمجد بإعجاب:
-نعم يا جدي بالفعل، فمنذ مماتك وأجيال من العائلة تعاقبت في البحث المتواصل دون توقف، حتى كدنا أن نقتلع الجدران، لنرى إن كنت تخفيها أسفلها، كيف فعلتها يا رجل؟ لقد أحببتك من قبل أن اراك بفضل فعلتك هذه.

تطلعت أريج لشقيقها بازدراء، أما أدهم فقد تبسم بتكلف قبل أن يجيبه بزهو:
-لقد غلبت الجميع بذكائي، ولولا مضاربة البورصة التي افلست شركاتي في غمضة عين، لكنت امتلكت نصف المدينة بأموالي، لكن لا بأس.

أدهم الفيومي لا أحد يستطيع أخذ شئ منه دون ارادته، فقد تمكنت من بيع جميع الاراضي والعقارات التي أملكها ووضع جميع ألنقود بشراء الجوهرة النادرة، حتى إذا أشهرت إفلاسي، لم يجد الدائنين شيئًا بإسمي، حتى القصر الذي كنت أسكن فيه؛ قمت ببعيه باسم امرأتي.

-هاها.
تفوهت بها أريج ساخرة قبل أن تصيح به:
-وهذا ما تفتخر به الاَن يا رجل، لقد خلقت بفعلتك هذه أزمة كبيرة بين ورثة العائلتين، وجعلت القصر معلق لا أحد يستطيع التصرف به أو بيعه.

لم تسعدنا بميراثك، او تجنبنا المشاكل حتى، لقد نلت سخط الجميع بفضل فعلتك هذه معنا منذ عقود .
صدم أمجد من كلمات شقيقته وقد رأى نتيجتها على ملامح أدهم التي انقلبت لعبوس شديد، قبل ان يهدر بها سائلا:

-من انتِ يا بنت؟ ومن أين ورثتي سلاطة اللسان وقلة الحياء في الرد على جدك؟
تدارك أمجد ليُنقذ الموقف سريًعا بقوله لأدهم:
-لا تؤأخذها يا جدي، هي فقط حانقة الاَن ولا تعي بما تتلفظ به، دعك منها والتفت إلي.

انا حفيدك المبهور دائمًا بك، اخبرني يا جدي عن مكان الجوهرة، وسوف أبني لك مقبرة من الرخام، غير تلك المتهالكة البناء في حوش العائلة، ولو اردت أن ابني لك مقامًا او متحف سوف افعل.

قلبت اريح عينيها تغمغم بصوت واضح:
-متملق ومنافق، يبيع اهله من أجل القرش.
جز على أسنانه أمجد غيظًا منها، قبل أن يتجه ليرى رد فعل أدهم الذي ناظره من تحت أجفانه بغموض ورأسه المائلة للخلف، ثم رد يفاجأ الشقيقين:

-ومن أخبرك أني اود العودة للموت مرة أخرى؟
شهقت اريج مستنكرة ولكن شقيقها منعها عن الكلام بنظرة محذرة جعلتها تبتبلع أعتراضها رغم عدم تقبلها للفكرة او تقبل احتلال هذا الرجل لجسد سعيد ابن خالها الذي كان يساعدها دائمًا في الدراسة، ورد أمجد يقول على تردد وتخوف:

-لبس من المعقول ان يحدث غير ذلك يا جدي، لابد لك من العودة لمقرك الدائم، لذلك فلتفعل الخير وتخبرنا عن مكان الجوهرة.
أومأ برأسه أدهم بغموض، ثم تحرك يطوف بعينيه في قلب المكان، لتستغل اريج الفرصة في الهمس لشقيقها بلهجة حازمة:

-افعل شيئًا ما وأعد الأمور لنصابها الصحيح، لابد من عودة هذا الرجل للموت مرة أخرى، لا يصح له الإستمرار معنا والسيطرة على جسد سعيد. .
ردد من خلفها هامسًا بغيظ:
-لقد فهمت فهمت، اغلقي فمك الاَن ولو لدقائق، دعينا نهادنه في البداية الآن.

قالها ثم انتبه الى قول أدهم:
-لماذا أشعر أني على ألفة بهذا المكان الذي لا أعلمه؟
تطلعت إليه أريج بلهفة وافتر فاهاها، فتولى أمجد مهمة الرد:
-تألف المكان لأنه بالفعل يخصك يا جدي، هذا قصرك.

التف إليه أدهم بصدمة لم تؤثر في أمجد الذي تابع بالشرح:
-هذه هي الصالة الكبيرة، وهذه مدفأتك التي وجدت مرتميًا على الأرض بجوارها حين مقتلك.
-بماذا تخترف يا غبي؟

هتف بها أدهم متهجد الأنفاس ليشير بذراعيه على الأرجاء حوله بعدم استيعاب وهو يقترب بخطواته منهما:
-صالة قصري أنا التي كانت مزينة بالتحف والأنتيكات.

الستائر الحريرية، السجادة الضخمة، الصالون المُدهب، اين ذهب كل ذلك لتُصبح خاوية من كل شئ؟ ماذا فعلتما لتُخلفا كل هذا الخراب؟
مدفأتي يا أوغاااد، كيف اهملتُماها هكذا؟

خرجت صرخاته الأخيرة بانهيار حتى أن قدميه لم تعد تتحملانه فسقط جاثيًا على ركبتبه، وتدلى رأسه للأمام، يغمفم بالنحيب بكلمات غير مفهومة:
عقبت أريج على فعله مستنكرة:

-ما هذه الدراما المبالغ فيها يا جدي؟ انت لست على مسرح كي تؤدي بهذا الإخلاص؟ انت ميت منذ عقود ولم تُخلف قرشًا من بعدك، ماذا تنتظر إذن من الورثة؟ ونحن لا نستطيع التصرف ببيعه.
رفع أدهم رأسه إليها بحدة يخاطبها:

-لا تُعجبني لهجتك يا فتاة، ولا يعجبني التهكم وقلة الحياء منكِ، ولكني مضطر لسؤالك، ماذا فعلتما بأشيائي؟
اجابه أمجد ببساطة غير مكترث بانفعال الرجل المبالغ فيه:

-بيعت يا جدي، كل قشاية تركتها من خلفك، باعها الورثة حتى الواح الخشب وقطع الاثاث القديمة التي كانت مرتمية في البدروم بإهمال، لم يتركا شئ، حتى ملابسك بيعت لبائع الروبابيكا، والذي لم يصلح منها كالفلنات البيضاء والأشياء التي تماثلها، اخدتها الأمهات وصنعن منها وسادات وفوط للمطبخ وخرقة لمسح الأرضية.

اصفر وجه الرجل وتجمد فاغرًا فاهاها، يمسك بكفه على موضع قلبه، وكأنه على وشك التوقف، لتهتف به اريح ساخرة:
-ما هذا الذي تفعله يا جدي؟ لا تنتظر مني خوفًا عليك، ف أنت ميت أصلًا يا حبيبي!

هنا فاض به الرجل ونهض يصرخ بهما:
-يا أندال يا أوغاد، لن أتهاون في حق أشيائي التي اضعتموها، سوف احصيهم الاَن حتى اتبينهم جميعًا، ولن أتهاون في شئ قد ضاع منهم، لن تتهاون.
قال كلمته الاَخيرة واندفع بأقدامه نحو الغرف ليرى ويكتشف بنفسه، حجم المفقودات.

تطلع التؤمين في أثره صامتين حتى اختفى من أمامهما، ف خطا امجد حتى توقف ليستند بجسده على أحد الجدارن من خلفه، وأخرج علبة سجائره، ليتناول واحدة ويشعلها بقداحته ثم ينفث دخانها في الفراغ أمامه، ف اقتربت منه شقيقته لتسأله؟

-إلى متى سننتظر مع هذا المعتوه يا امجد دون نتيجة؟ لقد تاخر الوقت بنا.
نفث سحابة من الدخان بوجهها ثم أجابها بهدوء:
-لا تشغلي رأسك بالتفكير، سوف نخلق حجة وهمية ونقنع بها والدينا عن السبب في التأخير، أما عن هذا المعتوه، فلن أتركه سوى بمعرفة مكان الجوهرة.

سألته بارتياب مع سماعها لهذه الاصوات الغربية التي تصلها كالسباب والشتائم القبيحة من الداخل:
-وكيف ستعرفها وهذا المجنون ينتحب كالنساء على اشياء فقدها منذ عقود؟
هرش بطرف إبهامه على جانب من فكه، ثم رد بالتزام ضبط النفس:

-دعيه يأخذ وقته في التنفيس عن غضبه واستيعاب ما يحدث، ارتخي أنتِ، حتى يأتي إلينا بنفسه ليترجانا حتى نعيده لمقره الاَمن، ونرحمه من هذا العالم القاسي.
أومأت برأسها بتفهم، ثم التفت لتستند بجواره، وتناولت منه السيجارة لتنفث منها الدخان بحرفية جعلته يسألها مستغربًا

-منذ متى وانت تدخنين السجائر يا بنت؟ يبدو أنها ليست مرتك الأولى.
ردت اريج بكل هدوء:
-لا أعلم الوقت ولكني أدخن من زمان، في البداية كنت اسرقها من جيب ابي، وبعد ذلك صرت اسرقها من جيب نيازي، أما انت فدائمًا ما تبرع في إخفائها، ملعون حقًا.


مصمص بشفتيه ليرد وهو يحرك رأسه بعدم رضا:
.-لقد صدق جدي حينما وصفك بقليلة الأدب وعديمة الحياء.
تبسمت بمرح مستجيبة لتفكه شقيقها، ثم أُجفلت فجأة معه على صوت جدها الاَتي من الداخل بصراخه:

- اللعنة عليكم يا أوغاد، لم تتركا لي شئ، اللعنة عليكم، سلالة موبوئة وقذرة، لا تبرع في شئ سوى الإفساد.
التفت اريج إلى شقيقها تخاطبه:
-جدك يشتم بأفظع الألفاز.
رد أمجد يمط بشفتيه:
-نعم صدقتي، ومن الواضح أننا سننتظر كثيرًا اليوم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي