الفصل الرابع

بعد أن وقع باتريك ضحية الصدمة بسبب التشابه القوي بينها وبين ريليكا وقد تعجبت الفتاة من ردة فعله، يحاول باتريك أن يستعيد ذهنه مرة أخرى.

-ثم يرد عليها: أعذريني لقد ذهل ذهني قليلًا، مهلًا هل نتحدث بنفس اللغة؟ هذا رائع.

ازداد ارتياب الفتاة منه، فلمَ شخص قد يتعجب من التحدث بلغة المكان المتواجد به، وماذا تعني تلك الكلمة التي قالها "ريليكا"؟

تفحصته الفتاة في ارتياب وبدا عليها بعض القلق والتوتر ومن ثم نظرت له وتذكرت لكنته.

-سألته الفتاة: ملابسك تبدو بالية، كما أن لكنتك مختلفة، هل أنت من تلك المدينة حقًا؟

ثم نظرت له من أعلى لأسفل لتكمل قولها:
-لا أعلم لماذا ولكن مظهرك يبدو مألوفًا لي، هل أنت شخص ذو شهرة أو ربما وجهك قد رسم في مكان ما؟..

-رد عليها باتريك كاذبًا: لا أظن ذلك، ربما مجرد تشابه، في الواقع أنا من الريف، لذا لا أعلم شيئًا بخصوص المدينة أو ما يدور حولها، فقد عشت وحيدًا منذ صغري، ولكن فكرت فجأة في الذهاب إلى المدينة ورؤية ماذا يوجد فيها.

فأنا بالواقع أحب المغامرة، لذا ربما قد رأيتيني أتجول مسبقًا دون أن تدركِ أو أدرك، فأنتِ بالفعل تبدين مألوفة أيضًا.

-ابتسمت وهي تقول: هكذا إذا، ما اسمك؟ أنا أدعى كاميليا.

-رد عليها: أنا أدعى باتريك، تشرفت بمعرفتك كاميليا.

-باتريك؟! هذا اسم غريب، لم أسمع به من قبل.

فكر باتريك مليًا في ما قد يسببه من مشكلات معرفة أنه من عالم آخر أو شيء كهذا، فقد يكون شيئًا غريبًا في هذا العالم وربما يكون معلومًا ومحظورًا فيأتي له بالمصائب.

-فقال: حسنًا كما تعلمين أنا لا أمتلك أي اسم، فقد كنت أعيش وحيدًا، لذا لم أحتج إلى ما أدعى به، وهذا مجرد اسم اختلقته للتو كما أنه لا يبدو لائقًا عليّ، يمكنك أن تدعوني بأي اسم آخر.

تعجبت الفتاة من كلامه هذا وطلبه الغريب، ولكنها وافقت على أي حال وقررت إعطاءه اسمًا.

-قالت له: لقد وجدتها!

-رد عليها: هذا رائع، إذا أي اسم سوف تمنحيني؟

-باتريك، سأمنحك اسم باتريك.

-ألم تكون متعجبةً للتو من هذا الاسم؟

-أجل، إنه اسم غريب بالفعل، ولكن لقد أعجبني حتى ولو كان هذا اسم اختلقته، لذا سوف أدعوك بباتريك، تشرفت بمعرفتك يا باتريك.

سألها باتريك عن سبب توجهها إلى المدينة فأجابت:
-أعيش هناك.

فطلب منها:
-يمكنني أن أرافقكِ ذهابًا إلى هُناك، كما قلتِ لكِ، أنا مغامر ويمكنني أن أنقذكِ من أية وحوش كما تعلمين، فالمغامرون لا يمكن ردعهم.

مازح لتقهقه الفتاة في لطف، كانت تملك ضحكة جميلة وخجولة، هي حقًا تذكره ريليكا، هل يعقل أنهما متشابهتين لذلك الحد؟

لكن ذلك التشابه يشعره بالأمان والإنتماء، هو ممتن ويشكر تلك الفتاة في داخله، وهي غير مدركة لكيف للأمان التي أشعرته به فقط بسبب كونها نفسها.

وافقت كاميليا على الذهاب سويًا إلى المدينة لذا دار بينها حكايات وقصص وأسئلة كثيرة طرحها على كاميليا والتي عرف بها مضمون ذلك العالم.

تخبره كاميليا: أولًا، يجب للشخص أن يمتلك هوية للدخول إلى المدينة دون مشكلات، وإذا لم تكن تمتلك واحدة فسوف يستخرجون هوية من أجلك، ستدفع مقابلها المال وتكون تلك الهوية ذات تجديد إما شهري أو نصف سنوي.

-رد عليها متسائلًا: تجديد؟

-أجل، في كل شهر أو نصف سنة تدفع مبلغا معينًا من المال لقاء خدمات الجيش والمرافق بالإضافة إلى دخولك وخروجك، كما أنها تؤمن لك بعض الأمور وتجعل التحقيق في أمرك أسهل.

-يسألها وهو يضع يده على ذقنه: وما هو سعر هذه الهوية؟

-تجيبه: لا أعلم حقًا، ما أعرفه هو اختلاف سعر الشهرية عن السنوية، وللتحرك بدونها سوف يفرض عليك ضرائب في كل مرة تدخل فيها من أبواب سور المدينة أو تخرج خارجها، كما ستقع في بعض المشكلات جراء عدم امتلاكها، فقد يتم الاشتباه بأنك مجرم.

سكتت قليلًا ثم أردفت في كلامها موضحة:
- أيضًا هناك في المدينة يوجد تنوع في العمل، يمكنك العمل في محل أو مطعم، أو أي شيء من تلك الأعمال التقليدية، ولكن يمكنك أيضًا أن تعمل كمغامر تحت أي رتبة من الرتب الخمس.

-يرد عليها: العمل كمغامر؟ ما نوع العمل هذا؟ أظن أن ذلك يناسبني، كما تعلمين.

قالها وهو يفكر في نفسه "لا تقل لي أنه مثل تلك الأحداث في القصص المصورة" فقد كان يمزح حين قال أنه مغامر، لماذا أخذت تلك الفتاة الأمر على محمل الجدية؟

هل يمكن أن الأشخاص هنا لا يعرفون الفكاهة؟ لا هو يتذكر أنها ضحكت على حديثه، لماذا يبالغ في تفكيره الآن؟

هو فقط يحاول أن يستنتج أي شيء هنا بمفرده، لا يحب أن يكون جاهلًا بالكامل.

-تجيب سؤاله قائلة: يقتضي عملك كمغامر في أن تنفذ المهام الموجودة في النقابة، كل مهمة يوجد تصنيف لها، وبناء على هذا التصنيف يتم احتساب الجائزة المقدمة بعد تنفيذ المهمة، ولكن يجب عليك أن تسجل في تلك النقابة.

انتهى الحديث بينهم عندما وصل باتريك وكاميليا إلى حدود فاجنار (اسم المدينة) وكان باتريك على وشك إخبارهم بأنه لا يمتلك هوية، ولكن لم يتم سؤاله عن ذلك في الأصل، فقد تم فتح الأبواب بمجرد أن رأوا كاميليا وأخبروهم بمقدرتهم على الدخول.

تعجب باتريك من ذلك وتساءل عن سبب عدم تدقيقهم بشأن الهويات وسمحوا لهم بالدخول.

-سأل باتريك: ولكن ما هذا؟ ألم تخبريني بأنه يجب امتلاك هوية للدخول إلى المدينة فكيف دخلت دون دفع ضرائب، ليس وكأنني أمتلك مالًا على كل حال ولكن لم.

ابتسمت كاميليا وأخبرته بأنها لن تقول له سبب ذلك فقالت بنبرة لعوب: إنه سر.

ثم قهقهت بذات الطريقة الجميلة ليشعر باتريك ببعض الدفء ويبتسم في خفة على حديثها وقهقهاتها.

-رد عليها: حسنًا لن أجبرك على قول شيء لا تريدين قوله، ولكن إلى أين سوف تتوجهين الآن؟

-ترد عليه: سوف أمر على مكان ما ثم أذهب إلى النقابة، ماذا عنك؟

-يرد عليها: سوف أذهب أنا أيضًا إلى النقابة من أجل التسجيل كمغامر، فعلى حسب قولك أن استمارة النقابة تغني عن الهوية، كما أريد الاستفادة من جسدي وقدراتي السحرية في هذا الشيء.

-تجيبه: إذا ما رأيك في الاجتماع في مكان ما والذهاب سويًا إلى النقابة؟

-حسنًا لا بأس.

اتفقا على أن يذهبا سويًا إلى النقابة للتسجيل، وهمّت كاميليا بالذهاب إلى مكان ما الذي لم تخبر باتريك بشأنه ولم توافق على مرافقته لها إلى هناك.

شعر باتريك بالكثير من الارتياب، هو يتذكر أيضًا السماح له بعبور البوابة فقط بسبب رؤيتهم له مع كاميليا، ربما تلك الفتاة تملك منصب كبير في تلك المدينة.

وربما هي تملك هوية سرية، وفي كلا الحالتين قد يتورط إن اكتشفت هويته الحقيقية، فلا يبدو أن ذلك المكان سيرحب بالغرباء، أو على الأقل هذا ما يظنه باتريك.

بعد انصراف كاميليا، لم يجد باتريك ما يفعله، فهو لا يملك شيئًا يشغله حتى موعد التقائه بكاميليا، لذا قرر أن يأخذ جولة حتى المكان ليستكشف ما يوجد في هذه المدينة.

يتمشى باتريك في وسط المدينة بين الشوارع وهو يستكشف الأرجاء، يرى من حوله عالم آخر غير الذي اعتاد عليه، عالم لم يره من قبل بالفعل، يرى أسواقًا مثل تلك التي كانت موجودة في العصور الوسطى.

كل شيء يبدو غريبًا ومألوفًا في ذات الوقت، هو يعرف تلك المظاهر والأشكال لكنه لم يراها من قبل، وكأنه فقط بُعث في حياته السابقة مجددًا.

لم يعرف إن كان ذلك شيء جيد أم سيء، لكنه علم أنه على الأقل لا يشعر بالغُربة والوحدة، فوجود كاميليا حتى وإن كانت مريبة للشك فوجودها كافٍ.

يبدأ أولا بالمرور على متاجر معدات حربية ليجد بها أصناف كثيرة، تلك المدينة حقًا تحب المعدات الحربية.

أجل، هذا هو المكان الأنسب لشخص مثل باتريك.

يستقبله أحد البائعين: مرحبا يا سيدي، يوجد دروع مختلفة أنواعها وأشكالها، كما يوجد ملابس دفاعية متنوعة والدروع تناسب جميع الأجساد من البشر وأشباه البشر بل أن بعضها يمتلك مهارات خاص مثل أنه يتجدد إذا زودته بالطاقة السحرية أو يزداد قوة عند الدفاع.

رأى باتريك ذلك وتعجب مما رآه، فرؤيتها على الواقع أفضل بكثير من رؤيتها بداخل الألعاب، هو متحمس أكثر الآن، هذا هو مكانه.

ولكن السيوف فلم تكن كما ظنّها، فكل ما كان يعرفه في حياته السابقة سيف الكاتانا الياباني، ولكنه وجد في هذا العالم أنواع كثيرة متتعدة بعضها ذات ألوان برّاقة تدعى سيوف سحرية، وهي تمتلك قدرات خاصة أيضًا.

اعتذر من البائع ثم خرج، وعندما كان في طريقه لاستكشاف المزيد في تلك الرحلة الممتعة، يقاطع رحلته سماعه لذلك الصوت الذي سمعه من قبل يستنجده مرة أخرى "أنقذني أرجوك".

لا يعرف مكانه، ولا يعرف طريقة للوصول إليه، كما أنه لا يمكنه التواصل معه، فقط يستطيع سماع همسه، وشعر ببعض التوتر، بسبب جهله قد يتسبب ذلك في تأخره.

وإن تأخر لن يتمكن من إنقاذ ذلك الشخص، قد يمُت شخص في أية لحظة بسبب تأخرت وجهله!

فكر باتريك كيف أن يصل إلى مصدر الصوت، فكر كثيرًا في طريقة لفعل ذلك حتى توصل إلى فكرة.

إذا استطاع في المرة السابقة أن يحلل الطريقة التي تواصل بها "المرشد" ذلك الكائن الغريب وفتح قنوات تصله به، فربما يمكنه فعل ذلك هذه المرة أيضًا.

حاول باتريك تفعيل مهارة "لاسفيل" للبحث عن مصدر ذلك الهمس، ولكن هذه الأمور لا تزال حديثه على باتريك، إذ إنه لم يكن يومًا ساحرًا، على عكس هؤلاء الذين عاشوا في هذا العالم حتى أصبح استخدامهم للسحر كما يتنفسون الهواء.

لذا فإن ذلك يشكل عائقًا على مقدرته لاستخدام السحر، فهو ليس في داخل لعبة ليضغط زرًا ما وليس مثل شعب هذا العالم.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي