4

الفصل الرابع: ذو العيون السوداء، جماله  لا يمزح.

..

عيونه سوداء واسعة، ذقنه منحوت، عضم وجنته مرتفع، ولون بشرته بيضاء، وشعره الأسود الناعم مرفوع للأعلى بواسطة الماء.

يبدو أنه قد غسل وجهه ومرفقيه وشعره منذ قليل فقط، هذا ما أدركته هيدرا.

خاطبت هيدرا نفسها : هذا بالفعل (يكاردو ڤان راي) الشخص الذي أخذ قوات مملكته، وهاجم المملكة المجاورة ( هيرون)، حيث قام بإبادة العائلة الملكية وبسط سيطرته على القوات العسكرية، ولم ينجو من تلك العائلة سوى كريستي التي لاذت بالفرار.

هذا الشخص الخطير جداً بلغ من عمره الخامسة والعشرون فقط للتو، وبالإضافة لكونه أرشيدوق إلا أنه قائد فرقة الغربان أيضاً الأشهر على صعيد ، والتي تعتبر أقوى فرقة في مملكة إيرزار، وهي تضاهي بقوتها قوة فرقة الحرس الإمبراطوري في غاردل، تم وصف لون شعر وعيون ريكاردو بسوادهما الداكن كلون الغراب كما أراه الآن.

هذا الشخص الذي  يهابه الجميع ولا يسمع صوته إلا قليلاً، يجب أن يكون منقذي، أحتاج أن ألفت إنتباهه وأن أترك إنطباعاً جيداً لديه، هو الوحيد الذي يستطيع أن يحميني لأنه ليس من هذه الإمبراطورية اللعينة، ولأنه قوي جداً فبالإضافة لكل امتيازاته هو لديه قوة سحرية مظلمة تجعله نداً صعباً.

..

إستفاقت هيدرا من شرودها بعد أن رأت  الدماء تسيل من يد الرجل الوسيم أمامها، فشعرت بالذنب، لكنها أنبته كذلك : "مالذي فعلته ؟ أفلت السيف أنظر إلى يدك ."

قال ريكاردو عاقداً حاجبيه بعد أن أبعد يده: "من أنت؟ هل تعلمين ماهي عقوبة التعدي على فارس ؟ لقد كدتِ تقتلينه."

كاد الحراس يطاوقونها لكنه منعهم برفع يده الأخرى.

رأت هيدرا ماحدث وشعرت أن هذا الشخص بالفعل يستطيع حمايتها بغض النظر عما تفعله، ثم نظرت للدماء التي تنزف من راحة يده و لعنت: "سحقاً."

سأل ريكاردو بصوت الشك: "أخبريني من أنتِ؟ لا تبدين مجرد خادمة.."

لم ترد هيدرا عليه، كانت فقط تفكر كيف توقف الدماء، فخلعت الشال عن رأسها وتناثر شعرها الطويل الذهبي المموج على ظهرها وأكتافها، ثم سحبت يد ريكارد المتضررة وبدأت بلفت الشال على الجرح.

شعور غريب دغدغ قلب ريكارد، لم يرى في حياته فتاة رقيقة بهذه الشجاعة من قبل، بارزت رجلاً منذ قليل و صرعته، ثم وقفت أمامه دون خوف او ارتباك من مكانته، والآن هي  ترى الدماء دون أن تشعر بالغثيان.

وقبل أن تنهي عقد الشال في يده سحب ذراعها وقربها منه ثم همس لها غاضباً: "من أنت؟ أنا لن أسألك مجدداً..."

"أنا فارسة، للأميرة هيدرا... " قالت ذلك بينما تنظر في عينيه بشكل مباشر.

تدخل سايرس في النقاش:  "أنا هنا منذ شهرين، لم أركِ من قبل في الجوار مطلقاً، كيف حدث هذا ؟"

هيدرا: "لأن سيدتي أمرتني بعدم الخروج."

تحدثت سولي بصوت مرتجف، وكل ماتريده تخليص الأميرة ونفسها: "أرجوك، سيدي الأرشيدوق... أن تدعها، الذنب ليس ذنبها."

استمع ريكارد لنداء سولي الضعيف ثم ترك  ذراع هيدرا برفق، مما أثار دهشة هيدرا أكثر: لو كان نبيلاً عادياً لن يصغي لكلام خادمة مطلقاً بل سيفعل عكس ما طلبته ويقوم بمعاقبتها بسبب التدخل.


ما لبث ريكارد أن استعاد تركيزه حتى جعلت حاجبيه تتجعد مرة أخرى؛ عندما رآها تعيد إحكام العقدة بشالها على يده من جديد.

هيدرا: "لقد إنتهيت، لا تمسك مقدمة سيف أحدهم بتهور في المستقبل فربما يكون هذا الشخص لا يستحق الحماية"

نظر ريكارد للعقدة في كفه ثم سأل: "هل تظنين أنني كنت أحميه؟"

أثناء ذلك أمر سايرس الحارس بالنهوض ليقف إلى جانبه.

فردت هيدرا: "وهل تظن أنني كنت سأقتله ؟ كنت سأتوقف عند نقطة معينة، لكنك تدخلت."

قال سايرس: " يا لهذه الصغيرة الوقحة! هل تعلمين مع من تتحدثين حتى ؟!"

نظرت هيدرا في وجه الأرشيدوق جيداً ثم قالت في قلبها: كيف لا أعرفه؟ إنه الشخص الذي أعجبني كثيراً عندما قرأت الرواية وكرهت البطل لأجله..

ثم أجابت سايرس: المعذرة، أرجو مسامحتي، فأنا لا أخرج من قصر الأميرة.. ولكن أنت... أظن أنني أعرفك ! مهلاً .. أنا لا أتذكر."

برزت عروق سايرس من شدة الغضب: "أنا هو قائد الحرس الإمبراطوري..."

أومأت له هيدرا برأسها ثم نطقت: "سيدي الماركيز، أنا أعتذر لإحداث هذه الجلبة مع أحد حراسك، لكن أولاً عليك أن تؤدبهم ثم بعدها بإمكانك أن تحاسبني."

شعر سايرس بجدية في كلامها فهدأ ، ثم قال ريكارد: "مالذي فعله؟"

ألقت هيدرا السيف جانباً: "لن أتسبب بمقتل فارس دون محاكمة، سوف أترك الأمر للأميرة."

جلس الفارس على ركبتيه أمامها وبدأ بالتوسل لأجل حياته: "أرجوك أنستي، أعفِ عني، لن أكررها مجدداً، أنا بالفعل تعلمت درسي، لدي أسرة أعيلها."

شعرت هيدرا بالشفقة عليه، لكن سايرس امسكه من ردائه وشده نحوه ليقف الأخر  على قدميه مقابلاً له:  " أخبرني، ما الذي فعلته حتى تتوسل لها هكذا؟"

تحدثت هيدرا: " دعه، لقد صفينا حساباتنا، هو فقط قام بمنع خادمة الأميرة الشخصية من قطف الورود التي طلبتها، وهذا سبب للأميرة إهانة شديدة، إذ عادت الخادمة تبكي من إهانته لها."

ترك سايرس الفارس : "أغرب عن وجهي."

سأل ريكارد: " هل أهان الخادمة فقط أم تعدى على سمو الأميرة أيضاً؟"

قال سايرس في نفسه: "لماذا هذا الوغد مهتم كثيراً بالأميرة؟ إنه يسأل أسئلة يجب أن تخرج مني وليس منه..! "

في الحقيقة  ما حدث هو أن سايرس لم يعد يستطيع التفكير جيداً، فما حدث مفاجئ له ويعتبره عاراً وخاصة أمام منافسه(  الأرشيدوق ريكارد ڤان راي).

توردت وجنتي هيدرا فعندما قال بصوته الرزين (سمو الأميرة) ، جعل قلبها يخفق بإضطراب: شخص نبيل ورائع مثل ريكاردو اعترف بي الآن علناً.



إبتسمت هيدرا لريكاردو وشتت ذهنه بإبتسامة لطيفة إمتدت على شفتيها الورديتان : "يسعدني أن أحدهم يقدم الإحترام للأميرة المعزولة."

لم يستطع ريكارد وسايرس أن يقولا شيئاً بعد هذه الجملة.

هيدرا: "سولي، فلنأخذ الزهور ونذهب."

سولي: "حاضر."

قبل أن تنصرف هيدرا قالت لهما: لا تفعلا شيئاً للحارس؛ بما أن الأميرة صاحبة العلاقة هي سوف تقرر بشأنه، لقد أخبرتني سابقاً بحاجتها للحرس أمام قصرها المهجور."

اختفت هيدرا برفقة سولي من أمامهما وتركتهما في حيرة شديدة.

قال سايرس محتجاً : "لا أصدق ماحدث للتو، إنها متعجرفة لكن.. لا يمكن أن نفعل شيء بشأنها، كما قالت ..  فارسة للأميرة.. لحظة.. ماكان إسمها؟"

ريكاردو: "من؟"

سايرس: "الفارسة"

ريكاردو: "هذا ما سوف أكتشفه."

وضع سايرس يده على كتف الآخر : " اسمع.. لقد سمعتُ عن الأميرة الكثير، لا تقترب منها،  أنت عشت بعيداً عن الإمبراطورية ومن فيها بسبب مكوثك في مملكتك في الجنوب، أحاديث المجتمع لم تتوقف عن وصف بشاعة أفعالها، لكنها منذ أن عاقبها الإمبراطور وهي هادئة ."



بينما كان سايرس يتحدث أصغى ريكاردو إليه جيداً، لكنه لم يستطع التوقف عن التفكير بالفتاة الشقراء التي جذبت انتباهه للتو ، رغم أنه شعر بكلام سايرس السام والباطني الذي أوصله أليه (أنت من الجنوب، لست منا، إعرف مكانتك ولا تتدخل بشؤوننا ) أجل هذه كانت رسالة سايرس الباطنية في كلامه.

لكن الآخر لم يأبه البتة.

..

في القصر المهجور.

دخلت هيدرا برفقة سولي إلى المطبخ: "جيد أن المطبخ نظيف من الغبار، وإلا كانت ورودنا كلها ذبلة الآن ، شكرا لإهتمامك بالمطبخ سولي"

تحدثت سولي مع دموع في عينيها: "أميرتي.. ما فعلتيه خارجاً منذ قليل، لن أنساه ما حييت، أنا مدينة لك طوال حياتي."

ابتسمت هيدرا بلطف وربتت على شعر الأخرى، كانت هيدرا أطول من سولي ويبدو أنها أصغر من هيدرا بعام أو إثنين.



بعد قليل:
دخلت هيدرا إلى غرفتها وبدأت تخاطب نفسها وترتب ماحدث في ذهنها: لقد إلتقيت بالشرير و الأبطال الثانويين الثلاثة في اليوم نفسه، شقيقي الامير الثاني ، الأرشيدوق، الماركيز، والإيرل.


بالنسبة لكالياس هو حصل  على لقب الإيرل لأنه الابن الثاني ولا يمكنه أن يرث لقب والده، بالإضافة إلى أنه سيكون أكبر داعم لكريستي في المستقبل، إذ سوف تقوم بالتطوع لتصبح معالجة متدربة تحت يده. سوف يحبها مثل أخته الصغيرة، لقد بدا لطيفاً جداً على عكس الثلاثة .

أخي أركان يكرهني كثيراً ولا يرهق نفسه بإخفاء ذلك، سايرس مغرور ولا يثق بي ، و ريكاردو...!

شعرت هيدرا بتورد وجنتيها وحرارة عالية فيهما، ماللعنة؟ لماذا تشعر هكذا ؟ هي ليست مراهقة صغيرة!، عمرها في عالمها الحقيقي ثلاثون عاماً، والآن هي في جسد فتاة لم تبلغ الثامنة عشر بعد، ومن الغريب لها أن جسدها تفاعل بمجرد التفكير بصاحب الشعر والعيون الداكنة ذاك.


نظرت لنفسها في المرآة : أحتاج حماماً ساخناً.

في اليوم التالي...

وجدت سولي الحارس نفسه برفقة حارس آخر يقفان أمام بوابة القصر في الحديقة، فعادت إلى هيدرا، وعندما وقفت أمامها لم تستطع التحدث بسبب لهاثها: الحار... هناك... إنه..

هيدرا: التقطي أنفاسك أولاً ، وأخبريني ماذا هناك؟!

جلست سولي على الأريكة وكان وجهها محمراً بالكامل، ثم تحدثت : إنه الحارس الذي بارزتيه.

"مابه ؟...  يا إلهي هل قاموا بقتله بالفعل؟ " نهضت هيدرا من مكانها تضع يديها على فمها.

سولي : " لا.. إنه يقف أمام بوابة القصر برفقة حارس آخر، أخيراً.. لن يعود هذا القصر مهجوراً.. "

كانت هيدرا مصدومة من الخبر، ملامحها جامدة فظنت سولي أنها أخطأت: "أنا أعتذر أيتها الأميرة، ما كان يجب أن أقول كلماتي الأخيرة."

هزت هيدرا يدها بالنفي ثم وضعتها على رأسها: "هذا مزعج، من أرسلهما ."

سولي : "أميرتي، لماذا أنت متضايقة؟ ألا يعجبك الإهتمام؟."

هيدرا: " الأمر ليس هكذا، هم لا يعرفون بعد أنني الأميرة نفسها، سأكون مسجونة بين حوائط القصر بسببهما."

قهقهت سولي لتقول: " لا داعي لأن تقلق الأميرة، هنالك مخرج خلفي على شكل باب مخفي في المطبخ، ثم هل ظننت أن أمر إكتشاف من أنت سيطول ؟ سيكون من المريح أن تبرز مكانتك و يهابونك."

إبتسمت هيدرا وكلها رضا: "حسناً، هل وضعت الورود على النار؟ "

سولي : "إنها تغلي منذ خمسة دقائق، سوف أراقبها وأفعل ما قلتيه تماماً"

اختفت سولي لتخاطب هيدرا نفسها: لم يبقى شيئاً وسأقدم شاي الورد مع العصير للإمبراطور، حينها سيرتاح من ألم رأسه ويرفع العقاب عني.. آه كم هذا مريح.


إبتسمت هيدرا وعيونها تقطر دهاءً: "والآن.. يجب أن أجهز رسالة لولي العهد لوغان،  بما أن ريكاردو أصبح هنا، إذن الجميع يتوقع أنه سيطالب بأخذ كريستي كأسيرة حرب، سوف أرى ما إن استطعت لفت إنتباهك أيها الوغد المتعجرف، لن أسمح بأن تكون نهايتي على يديك، سوف أجعلك ممتناً لي، أنت وتلك الكريستي حتى يوم مماتكما أيها الوغدان الأنانيان.."

سحقت هيدرا أوراق وردة حمراء بأناملها لتتفتت وتتهادى على الطاولة.





يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي