البيت النابض

Safer evil`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-29ضع على الرف
  • 7.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

بيوم ميلادى ذهبت لرؤية أحد المنازل المحاط بالغموض، جئت إليه من قطار السكة الحديد مباشرة، كان النهار ساطعاً والشمس مسلطة عليه ولا وجود للرياح ولا المطر ولا الظروف المروعة من أي نوع لرسم طابع مرعب عليه، وكنت أستطيع أن أرى قطار البضائع من أمام مدخل البيت وهو يمشي بسلاسة على طول الجسر فى الوادى؛ حسنا لن أقول إن كل شيء كان طبيعيا تمامًا، لأنني أشك في أن يكون هناك أي شيء يمكن أن يكون كذلك، وهنا تكمن إمكانياتي بالتواصل الروحاني، ولكني سوف أقول أن أي شخص سيرى البيت فى نهار خريفى كهذا سوف يراه كما رأيته .

فى بادئ الأمر أريد أن أتحدث عن طريقتي للوصول إلى هناك ولماذا؛ لأسباب صحية كان على الإقامة في البلدة، وقد علم أحد أصدقائي بذلك فكتب لى عن البيت وأنه يراه مناسباً لى، وعند سفري إلى لندن من الشمال عقدت العزم على التوقف لإلقاء نظرة على البيت، وعندما ركبت القطار كنت بمنتصف الليل لذلك غلبنى النوم وما إن استيقظت حتى نظرت من النافذة إلى الشفق القطبى الساطع فى السماء ولكن غلبني النوم مرة ثانية وكان الليل قد انتهى.

ومن السخرية أنى على الرغم من ذلك كنت على اقتناع تام بأنني لم أنم قط، وفى هذه الحالة من الحماقة أراهن على شعوري بالخجل لأني كدت أن اتعارك مع الرجل الجالس أمامي والذى كانت له طرق كثيرة من الحيل بالإضافة إلى هذا السلوك غير المعقول الذي لا يتوقع من أحد، كما كان لدية قلم رصاص وكتاب جيب يسمع ويدون ملاحظاته التي بدت لي أنها مرتبطة بـ اهتزازات وصدمات عربات القطار، وكان علي تقبله بافتراض أنه مهندس مختص، وعلى الرغم من أنه يبدو رجلا نبيلا إلا أن تحديقه بي كلما استمع لاصطدام قد جعل سلوكه لا يطاق .

عند استيقاظى كانت الشمس لم تشرق بعد والجو بارد، وأنا أراقب الضوء الباهت لنيران السكة الحديدية وستارة الدخان التي حجبت النجوم وضوء النهار، التفت إلى زميلى المسافر وقلت:

- عذرا سيدي هل تلاحظ أي شئ خاطئ بى؟ لأنى حقا لم أعد أطيق.

ابتعد الرجل بنبل مع نظرة من التعاطف على تفاهاتي وقال :

-لا علاقة لي بك سيدى ……..

توقف عن الحديث فجأة ثم نطق بحرف ال ( أوه) فجأة ثم دونه في الملاحظات، في بادئ الأمر شعرت بالذعر من هذه الملامح المجنونة وعدم مقدرتي على التواصل مع الحراس، ولكن من الجيد أن هذه الفكرة قد خطرت لي، وهى أن هذا الرجل النبيل من المحتمل أن يكون مرنم لطائفة دينية والتى تتغنى بترانيم، إنها واحدة من الطوائف التي أحترمها لكن لا أؤمن بها، كدت أن أوجه له سؤال لكنه بادرني بالحديث

-سوف تعذرنى بالتأكيد إذا علمت أنى أزعج نفسي بتحسين الطبيعة البشرية الشائعة، فقد قضيت طوال الليل كما أمضى كل وقتى فى العلاقة والتواصل بالأرواح.

- أوه!

-لقد بدأت محاضرات الليل.

ولقد تابع الرجل كلامه وهو يقلب فى أوراق دفتره.

-أصوات الشر تفسد الأخلاق الحميدة.

-أصوات ! لكن بالتأكيد جديدة

- أرواح جديدة

فقط استطعت أن أكرر كلمة تعجبه " أوه " وأسأل بفضول عن أخر أتصال له، فأجاب وهو يقرأ بوقار

-عصفورا في اليد يساوي أثنين فى الهواء

-لكن ألا يمكن أن تكون يساوي اثنين فى الأدغال

-لقد سمعتها بوضوح يساوي أثنين فى الهواء

رددها بثقة ثم قال:

- انظر! إن روح سقراط أوصلت هذه الرسالة الخاصة لي

(صديقى، أتمنى أن تكون بخير، هناك عربتان من عربات السكة الحديدية بهم سبعة عشر ألف وسبعون روحا، لكن لا يمكنك رؤيتهم، فيثاغورس هنا أيضا لكن ليس له حرية التحدث، لكنه يأمل أن تكون تحب السفر، كما تدخلت أيضا روح جاليليو ليكيوس مع العالم الذكي قائلة 'أنا سعيد لرؤيتك أميكو' بالإضافة الى أن كل شئ سيحدث بوقته ) وأيضا عبر الليل حدثت الظواهر التالية :-

الاسقف بتلر تم استبعاده بدافع المزاج السيئ بسبب الإساءة إلى قواعد الإملاء والأخلاق الحميدة لإصراره على تهجئة اسمه (bubbler) وأيضا جون ميلتون تنكر من تأليف الفردوس المفقود وقدم لهذه القصيدة مؤلفين اثنين غير معروفين، وأيضا وصف الأمير آرثر ابن شقيقة الملك جون ملك انجلترا نفسه أنه يشعر بالراحة لتلقيه دروس الرسم من السيدة تريمر و ماري ملكة اسكتلندا.

بعد أن تفضل على الرجل النبيل بهذه الافصاحات فأنا على ثقة أنه سوف يعذرني على اعترافى ورغبتي بالخروج فى المحطة التالية لرؤية مشهد شروق الشمس والتأمل فى النظام الرائع للكون واستبدال هذا البرد والأبخرة بهواء السماء الحر .

بهذا الوقت الجميل من الصباح حيث مشيت بين الأوراق التي سقطت بالفعل من الأشجار الذهبية والبنية والخمرية؛ وبينما كنت أنظر حولي إلى عجائب الخلق متفكراً في القوانين الثابتة غير المتغيرة والمنسجمة التي من خلالها يتم الحفاظ عليها؛ بدا لي أن العلاقة الروحية للرجل النبيل كانت بمثابة عمل يفتقر إلى المهنية كما رآه العلم دائمًا، بأى حال، لقد وصلت لهذا المنزل ووقفت أتفحصه باهتمام، كان منزلًا منفردًا، يقف في حديقة مهملة للأسف داخل مربع جميل مساحته حوالى فدانين.

كان مبنياً تقريبًا في زمن جورج الثاني؛ يشبهه فى قساوته و برودته و رسميته و ذات الطابع السيء كما يمكن أن يرغب به أكثر المعجبين لرباعية جورج بأكملها، وكان غير مأهول بالسكان، ولكن تم إصلاحه في غضون عام أو عامين بثمن بخس لجعله صالحاً للسكن؛ أقول بثمن بخس لأن العمل تم بطريقة سطحية، فقد كان يتحلل بالفعل من حيث الطلاء، وعلى الرغم من أن الألوان حديثة إلا إن اللوح الجانبي كان قد سقط في الحديقة، وكانت الأشجار مظللة بشكل متقارب جدًا وبكثافة، وعلى وجه الخصوص كان هناك ستة أشجار حور طويلة أمام النوافذ الأمامية، والتي كانت شديدة الكآبة، وكان موقعها سيئًا للغاية، وكان من السهل أن أرى أنه كان منزلاً مهجورًا، منزلاً لن يأخذه أحد، والاستنتاج الطبيعي هو أنه قد اشتهر بأنه منزل مسكون بالأشباح.

بعد استقرارى بهذا البيت شعرت أنه لا وجود لشيء خاص أنشغل به خلال تلك الفترة والأيام تمر بملل روتينى، وكما كل صباح فى الصيف، أستيقظ مبكراً وأنظم غرفتى مثل نظامي اليومي متأثرا بالسكون والعزلة من حولى، إنه لشيء مريع أن تكون محاط بوجوه مألوفة متوفية، إن معرفتك بأن أولئك الذين تعتز بهم لا يشعرون بك مؤلمة بحق، مؤلمة هي تلك الحياة المتوقفة، خيوط الأمس المكسورة، تلك المقاعد المهجور و الكتب المغلقة، هذا الاحتلال غير المكتمل ولكن المهجور كلها صور للموت، هدوء الساعة هو هدوء الموت،اللون والبرد شركاء، حتى بعض الهواء الذي تتغذى عليه الأشياء المنزلية المألوفة عندما يخرجون لأول مرة من ظلال الليل إلى الصباح كما كانت عليه الحال منذ زمن بعيد، فإن لها نظيرها في انحسار الوجه البالي من النضج أو التقدم في السن، والتحول من مظهر الشاب إلى العجوز في الموت .

ذات مرة وفي ذات الوقت الباكر رأيت والدي على قيد الحياة بصحة جيدة كأن لم يحدث له شئ، رأيته فى ضوء النهار يجلس بظهره أمامي على مقعد بجوار الفراش وكان متكأ على يده لا أعلم إن كان نائماً أم حزيناً، اندهشت لرؤيته، جلست وغيرت موضعى على الفراش أراقبه لأنه لم يتحرك، ثم تحدثت له لكنه لم يجيب، وعندها شعرت بالذعر ووضعت يدى على كتفه كما اعتقدت و فجأه اختفى وكأن شئ لم يكن .

ولكل هذه الاسباب وبصورة أقل سهوله و إيجاز وجدت أن الفترة الصباحية المبكرة هي أفضل وقت لظهور الأشباح، وأى منزل يمكن أن يكون مسكونا إلى حد ما، بالنسبة لي (فى الصباح الباكر وفي منزل مسكون ) قد يكون ميزة أكبر فى ذلك الحين، فكرت بالتجوال بالقرية بينما يشغل تفكيري سبب هجران هذا المنزل، وعند خروجى اصطدمت بمالك المنزل على الباب لهذا دعوته للإفطار معى، وأثناء الإفطار تطرقت إلى موضوع المنزل وبدون مقدمات سألته :

-هل هو مسكون؟

نظر مالك المنزل بصدمة وحرك رأسه قائلا :

- انا لم أقل شئ.

-إذن هو مسكون.

صرخ مالك المنزل فى يأس :

- حسنا أنا لن أنام به وإن دفع لي.

-لما؟

نظر لى بسخرية وهو يقول :

-عندما تتوقف أجراس المنزل عن الرنين بدون أن يدقها أحد، وتتوقف الأبواب عن الدق دون أن يضربها أحد، وتتوقف الخطوات التى لم يخطوها أحد، عندها سوف أنام بالمنزل.

-هل رأيت أى شيء بنفسك ؟

نظر مالك البيت إلي بيأس ثم نادى على عامل الاسطبل: لايكى
وجاء شاب بوجه دائرى ذو شعر قصير وفم عريض بملابس تبدو كبيرة عليه، وقال مالك المنزل :

- هذا الرجل يريد أن يعرف هل رأيت أى شئ فى المنزل؟

فأجاب لايكى بصوت يشبه البكاء:

- أمرأة مع بومة

-هل رأيتها من قبل؟

-رأيت الطائر

- و المرأة ؟

- ليس بوضوح مثل الطائر ولكن يظلان سويا دائما.

-هل رأى أي شخص آخر المرأة مثل الطائر؟

- كثيرون

- من؟

-على سبيل المثال التاجر العام الذى يفتح محله صباحاً، لايكى لم يقترب من المكان

نظرت إلى الشاب وعندي شعور أكيد بأنه ليس حكيماً وليس أحمق أيضاً، وهمهم المالك بثقة لمعرفته بـ "لايكى " بشكل أفضل وسأله :

-من هى أو من تكون تلك المرأة المقنعة ذات البومة ؟ هل تعرف؟

قال لايكى وهو يمسك بقبعته بإحدى يديه بينما يفرك رأسه باليد الأخرى.

-حسنا، يقولون إنها قتلت و البومة من قتلتها فى تلك الفترة، هذا الملخص القصير من الحقائق هو كل ما عرفته، ماعدا هذا الشاب الحماسي كما أراه، والذى تم احتجازه بالقوة وتقييده بعد أن رأى المرأه المقنعة ومر بنوبات فزع.

وأيضا هذه الشخصية التي وصفها بشكل غامض على أنها نصف رجل مقعد أعور العين لا يجيب على اسم جوبى إلا لو نطقتها بقوة.

- ولما لا؟

قال المالك:- إن كان الأمر كذلك فأهتم بشؤونك الخاصة، لقد واجهت هذه المرأة أكثر من خمس أو ست مرات ولم يساعدني هؤلاء الشهود.

على كل حال وكما قيل لي فى كاليفورنيا سابقا وأكده المالك الآن، وعلى الرغم أنى أرى بخوف مكتوم، فإن الألغاز التى جمعت بين الحالة الموجودة المتدخلة مع التجربة العظيمة والتغيرات التي تقع على جميع الأحياء، وعلى الرغم أني لا أملك الجرأة على التظاهر بأنني أعرف شيئا عنهم، ولم يعد بإمكاني التوفيق بين مجرد قرع الأبواب ورنين الأجراس وصرير الألواح وما شابه من تفاهات.

مع الجمال الرائع والتماثل السائد لجميع القواعد الإلهية التي يسمح لى بفهمها وأكثر مما أتقبل، كما حدث قبل قليل من التواصل مع العلاقة الروحية لزميلي المسافر نحو الشمس المشرقة، وفوق هذا كنت قد أقمت في منزليين مسكونان، وفى أحد القصور الإيطالية القديمة المشهورة بأنها مسكونة بالأشباح والتى هجرت لذلك السبب.

لقد قضيت ثمانية أشهر في هدوء وسعادة على الرغم من وجود غرف النوم الغامضة بالمنزل والتى لم يتم أستخدامها، كنت أجلس فى غرفة كبيرة للقراءة مرات عديدة وفي جميع الأوقات وبجوارها كنت أنام بغرفة مسكونة بالأفكار القديمة، لقد لمحت إلى هذا بلطف للمالك، ولماذا تصبح هذه المنازل سيئة السمعة، وكم من الأشياء التي لها أسماء سيئة بشكل غير مستحق، وأنه كم من السهل إعطاء الأسماء السيئة، وهل يعتقد أنه أذا همسنا بالقرية أن أي شخص غريب المظهر مخمور بأنه قد باع نفسه للشيطان، فسوف يأتى الوقت ليصدق الناس ذلك، ولكن كان كل كلامى غير فعال مع المالك،إن هذا أكبر فشل لى بحياتى، ولاختصار النقاش ورغم انزعاجى من البيت إلا أنني كنت قد بدأت أعقد العزم على أخذ البيت، لذلك بعد طعام الإفطار والتجول فى البلدة حصلت على المفتاح من "لايكى" ثم ذهبت إلى المنزل بحضور المالك و لايكى .

وفى داخل المنزل وجدته كما توقعت، كان غاية فى الكئابة ، تلوح ظلال الأشجار الثقيلة ببطء وهي تحدث تغير واهى فى الخطوط الأخيرة من النوافذ، كان فى وضع سيء من حيث البناء والتخطيط والتجهيز، كان رطباً ولم يكن خاليا من العفن الجاف ويملئه الجرذان، وكان المطبخ والمكاتب كبيرة جداً ومتباعدة عن بعضها وتنتشر النفايات فوق وأسفل الدرج وفى الغرف.

كما كان هناك بئر ينمو عليه العفن الأخضر، بئر مختبئ مثل مصيدة قاتلة بالقرب من أسفل الدرج الخلفي تحت صف مزدوج من الأجراس، وأحد هذه الأجراس كان ملصق عليه ورقة بأرضية سوداء وأحرف بيضاء مكتوب عليها ( مستر بي) أخبروني أنه أكثر الأجراس التي كانت تدق ولقد سألت :

-من هو مستر بي؟ و هل تعلم ماذا يفعل عندما تصيح البومة؟

قال لايكى :

-كان يقرع الأجراس.

ولكم أدهشني هذا الفتى بسرعة تحركه ووضع غطاء من الفرو فوق الجرس ودقه بنفسه، لقد كان الجرس ذو صوت مرتفع ومزعج وبغيض، أما باقى الأجراس فكان مكتوب عليها أسماء الغرف التي تم توصيل الأسلاك بها مثل غرفة الصور والغرفة المزدوجة وغرفة الساعات وهكذا، وبمتابعة جرس (مستر بي) اتضح أنه كان لديه مكان للإقامة من الدرجة الثالثة، مكان غير جيد فى مقصورة مثلثة أسفل غرفة النوم مع مدفئة فى الزاوية توحى أن (مستر بي ) كان صغيراً جدا لكى يستطيع التدفئة بها.

وهناك قطع خشب على شكل هرمى بحجم إصبع اليد، كما كان ورق أحد جوانب الغرفة قد سقط على الأرض مع وجود شظايا من الجص ملتصقة به وكاد يسد الباب؛ يبدو أن (السيد بي) عندما أصبح شبحاً، كان دائم الحرص على سحب الورقة إلى أسفل، ولم يستطع المالك ولا لايكي أن يفهموا سبب إظهار (مستر بي) نفسه بصورة أحمق.

باستثناء ذلك، لم أكن قد قمت باكتشافات أخر فى هذا البيت ماعدا الدور العلوى الدائرى ذو الأثاث القديم والذي ما يزال بحالة جيدة إلى حد ما، كان الأثاث من فترات زمنية مختلفة خلال نصف القرن الماضي، وعند سؤالي عن شخص لإصلاح المنزل تم إرسالي إلى نجار بالقرب من بائع الذرة في السوق وسط البلدة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي