الفصل الثاني

كنا فى شهر أكتوبر عندما انتقلت مع أختى الوسطى، وأخذنا معنا رجل أصم وكلبي البوليسي وأمرأتان للخدمة وشابة تدعى ( مها) وكان لدى أسبابى لأخذ فتاة أخرى والتي كانت أحدى يتيمات الملجأ، وكان ذلك خطأ فادحا وارتباط كارثي.

كان العام يمضي سريعا، وكانت الأوراق تتساقط بسرعة، لقد كان يومًا باردًا عندما أخذناه، وكانت كآبة المنزل أكثر إحباطًا، حتي أن دموع الطاهية قد انفجرت وهي تنظر إلى المطبخ، وطلبت تسليم ساعتها الفضية إلى أختها في حالة حدوث أي مكروه لها من الرطوبة، بينما تظاهرت "شيماء" الخادمة بالبهجة، لكنها كانت الضحية الأكبر، وكانت مها التي لم تكن في هذه البلاد من قبل الوحيدة المسرورة، واتخذت الترتيبات اللازمة لزرع بلوط في الحديقة خارج نافذة الغرفة.

لقد ذهبنا قبل حلول الظلام ورغم كل المأسي الطبيعية وعكس ما هو خارق للطبيعة فى حالتنا، تصاعدت الأخبار المزعجة مثل الدخان عن أصوات دق وحركة فى الأدوار العلوية والسفلية أيضا ولم يكن هناك فى الغرف العلوية قرع ولكن فقط حيوان (سمندر) فشل فى مفاجئتى لأنى لم أكن أعلم ما هويته، ولم يكن هناك شيئاً بالمنزل وما كان موجوداً قد تم تدميره من قبل أخر ساكني المنزل الذين يشبهون الخنازير فى الفوضى؛ فماذا كان قد يقصد المالك عبر هذا التوتر؟

كانت الفتاة (مها) مثالية ومبهجة ولكن فى غضون أربع ساعات من حلول الظلام كنا قد مررنا بوضع مثير للقلق، فقد رأت الفتاة مها عيونا وأصيبت بحالة هستيرية، و قد اتفقت أنا وأختي على إبقاء الأمر المزعج للغاية لأنفسنا .

وكان انطباعي والذى ظل معي، هو أن لا أترك لايكى يساعد في تفريغ العربة بمفرده مع النساء أو أي واحدة منهن دقيقة واحدة، ومع ذلك كما قلت، كانت مها قد رأت عيونًا ولم نتمكن من معرفة أي تفسير آخر منها، وما بين الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة صباحًا كان قد تم وضع الكثير من الخل عليها حتى أصبحت تشبه مخلل السلمون لتخفيض الحرارة، لهذا تركت استنتاجاتي العامة للحكم على مشاعري في ظل هذه الظروف غير المرغوبة .

في حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحًا بدأ جرس مستر ب يدق بطريقة أكثر غضبًا، وصاح الكلب حتى امتلأ المنزل بصياحه، أتمنى أن لا أقع مرة ثانية فى مثل هذه الظروف التى عايشتها لبعض الأسابيع؛ مع احترام ذكرى( السيد ب) سواء كان جرسه يدق من قبل الجرذان، أو الفئران، أو الخفافيش، أو الرياح أو من قبل أى شئ أخر، أو ربما بواسطة حالة أو أخرى، أو عن طريق مؤامرة ما لا أعرف؛ ولكن من المؤكد أنه دق ليلتين من أصل ثلاثة، حتى تصورت الفكرة السعيدة المتمثلة في التواء رقبة (مستر ب) أو بعبارة أخرى، كسر جرسه وأسكات ذلك الشاب.

ولكن في ذلك الوقت كانت مها قد تطورت حالتها فوصلت إلى الإغماء التخشبى، وأصبحت مثالًا لامعا للاضطراب المزعج للغاية، فكانت تتيبس مثل التمثال وكنت أخاطب الخدم بطريقة واضحة، مشيرًا إلى أنني قمت بطلاء غرفة (مستر ب)، ومزقت الورقة ونزعت جرس (مستر ب )وأنهيت الرنين، وإذا كان بإمكانهم أن يفترضون أن هذا الصبي المرتبك قد عاش ومات، لكي يكسو نفسه بسلوك أفضل مما قد كان عليه، كان هذا أقرب تعريف لحالته الوجودية غير الكاملة الحالية، فيمكنهم أيضا افتراض أنه كان مجرد إنسان مريض .

ومثلما كنت قادرًا بهذه الوسائل الحقيرة على مواجهة وتقييد قوى أرواح الموتى غير المجسدة، أو أي أرواح أخرى؟ أقول إنني سأكون مؤكدًا وقويًا، حتى لا أقول إنني راضٍ تمامًا، عن مثل هذا الحديث، في حين أن كل شيء كان يذهب هباءً بسبب تيبس الفتاة المفاجئ من أصابع القدم إلى أعلى .

وهناك شيماء الخادمة أيضاً والتى كانت لها صفات مربكة، لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت ذات مزاج درامي عادة أو ماذا كان الأمر معها، لكن هذه الشابة أصبحت مجرد معمل تقطير لإنتاج أكبر الدموع وأكثرها شفافية قابلتها على الإطلاق، إلى جانب هذه الخصائص، كان هناك إصرار غريب منها على الإمساك بتلك الدمعات، بحيث لا تسقط على وجهها وأنفها وهي على هذه الحالة فتكتفي بهز رأسها بشكل معتدل ومؤسف، وكان صمتها يلقي بي بقوة أكبر مما كان يمكن أن يفعله كريشتون المثير للإعجاب في نزاع لفظي من أجل محفظة من المال بالمثل.

أما حياتنا الليلية فقد استشرت بها عدوى الشك والخوف بيننا، ولم توجد مثل هذه العدوى تحت السماء بيننا من قبل، امرأة مقنعة!! كنا فى بيت مثالي لضوضاء النساء المقنعين وفقًا للروايات، مع هذه العدوى في الطابق السفلي، جلست بنفسي في الصالون الكئيب أنصت، حتى سمعت الكثير من الأصوات الغريبة، لدرجة أن دمائي كادت أن تتجمد إذا لم أقم تدفئتها عن طريق الاندفاع لاكتشاف ما هذا الذي يحدث في جوف الليل ؟

يمكنك مليء أي منزل بالضوضاء، إذا صح التعبير، حتى يكون لديك ضوضاء لكل عصب في جهازك العصبي؛ أكرر كانت عدوى الشك والخوف بيننا، ولا توجد مثل هذه العدوى تحت السماء، كانت النساء دائمًا مستعدين ومحتملين للإغماء، ومستعدات للانفجار دون محفز لذلك.

وقد قام الرجلان الكبيران بفصل مها في جميع الرحلات الاستكشافية التي كانت تعتبر ذات خطورة مضاعفة، وكانت دائمًا ما قد رسخت سمعة مثل هذه المغامرات من خلال العودة كمحفز.

إذا ذهب الطباخ أو شيماء للطابق الأعلى بعد حلول الظلام، كنا نعلم أننا يجب أن نسمع حاليًا نتوءًا في السقف؛ وكان هذا يحدث باستمرار، حيث كان الأمر كما لو كان هناك رجل مقاتل يخطو خطوات للتجول في المنزل، مع إعطاء طرقات قوية كضربات مطرقة بائع المزاد، وفى كل منزل ذهبت إليه كان عبثًا أن أفعل أي شئ، حتى أصبح الخوف عبثا، كما هو الوقت الحالى مع شخصيتى الخاصة وشخصية شبح السيدة صاحبة البومة التى لا تظهر، وتلك البومة التي تظهر وحدها.

كما كان عبثا أن نكتشف شئ من خلال صوت مفاجئ على البيانوا، أوعواء الكلب الدائم على نغمات معينة أو اذا رن جرس دون سبب لأقوم بتدميره بلا هوادة لإسكاته، وكان عبثا اشعال المداخن او إحراق البئر ودخولي الشخصى فى الغرفة أو الفجوة المشتبة بها.

غيرنا الخدم ولم يكونوا أفضل فقد هربت المجموعة الجديدة، وجاءت المجموعة الثالثة ولم تكن أفضل، وأخيرًا أصبحت خدمة التدبير المنزلي المريحة لدينا غير منظمة وبائسة للغاية، لدرجة أنني قلت ذات ليلة باكتئاب لأختي

-روان بدأت أشعر باليأس من جعل الناس يواصلون معنا هنا، وأعتقد أننا يجب أن نتخلى عن هذا.

أجابت أختي وهي امرأة ذات روح عظيمة:

-لا يا ادهم لا تستسلم، وتيأس هناك طريقة أخرى

قلت : - وما هي ؟

وأجابت أختي قائلة :

-إذا لم يتم طردنا من هذا المنزل، وأنه بدون سبب مهما كان واضحًا لك أو لي، يجب أن نساعد أنفسنا ونأخذ ترتيب المنزل كليًا بمفردنا .

قلت : - لكن، الخدم .

قالت أختي بجرأة:- لا خدم

ومثل معظم الناس ممن قابلتهم في حياتي الكبيرة، لم أفكر أبدًا في إمكانية الاستمرار بدون تذليل تلك العواقب، ولذا كانت الفكرة جديدة جدًا بالنسبة لي عند اقتراحها ، لدرجة أنني لم أتشكك فيها البتة.

-نعلم أنهم يأتون إلى هنا ليخافوا ويصيبوا بعضهم البعض، ونعلم أنهم خائفون وينقلون العدوى لبعضهم البعض.

بنبرة تأملية قلت "باستثناء باتيلز " رجل الاسطبل الأصم، فقد أبقيته في خدمتي، وما زلت أحتفظ به كظاهرة كئيبة لا يمكن مقارنتها في إنجلترا.

- بالتأكيد ادهم، باستثناء باتيلز، وهذا يثبت أن باتيلز لا يتحدث إلى أحد، وهو لا يسمع أحداً ما لم يصدر صوت هدير على الإطلاق، وهو التنبيه الذي يعطيه باتيلز، إذن فلا صلة له بأحد.

كان هذا صحيحًا تمامًا، فالشخص المقصود ينام كل ليلة في الساعة العاشرة، يذهب إلى سريره فوق كوخ العربات، بدون شريك أخر سوى سلة طعام و دلو من الماء، هذ الدلو الذي كان سوف يغمرني إن لم أعلن عن نفسي في طريق باتيلز تلك اللحظة، ولهذا فقد أودعت أمره في ذهني كحقيقة تستحق التذكر.

-كان الرجلًا العاجزًا عن الكلام، قد جلس على العشاء، وكانت شيماء موجودًا في حالة لا وعى، وهو يضع حبة بطاطس أخرى في فمه بوقاحة، وقد استفاد من البؤس العام لمساعدة نفسه على تناول فطيرة لحم البقر.

وتابعت أختي قائلة :
وهكذا أعفيت باتيلز، ومع الأخذ في الاعتبار يا جون أن المنزل كبير جدًا، بحيث لا يمكن الاعتناء به جيدًا من قِبل باتيلز وأنا وأنت، لذا أقترح أن نختار من بين الأهل والأصدقاء عددًا محددًا من الأشخاص الأكثر موثوقية يكونوا على استعداد - للإقامة هنا لمدة ثلاثة أشهر، وبأنفسنا وبمساعدة بعض الأخرين، نعيش بمرح واجتماعية ونرى ما سيحدث .

لقد كنت فخورا جدًا بأختي، لدرجة أنني احتضنتها على الفور، واعتمدت خطتها بأكبر قدر من الحماس؛ كنا في الأسبوع الثالث من نوفمبر، لكننا اتخذنا تدابيرنا بقوة، وحصلنا على دعم جيد من الأصدقاء الذين أرسلنا إليهم، وكان لا يزال هناك أسبوع من الشهر لم ينته بعد عندما اجتمع كل فريقنا بمرح، وحشدنا في المنزل المسكون .

سأذكر، في هذا الموضع تغيرين صغيرين أجريتها بينما كنت أنا وأختي بمفردنا، إذ لم يخطر لي ببال أن كلبى يعوي في المنزل ليلاً وقد يرجع ذلك جزئيًا إلى رغبته في الخروج منه، لهذا وضعته في بيته بالخارج، لكن غير مقيد؛ وحذرت القرية بجدية من أن أي رجل قد يعترض طريقه يجب أن يتوقع أنه لن يتركه دون شق في حلقه، ثم سألت لايكى إذا كان يستطيع الحكم على الأسلحة، و أجاب .

-نعم يا سيدي، أنا أعرف السلاح الجيد عندما أراه.

ولهذا رجوته من أجل أن يصعد إلى المنزل وينظر إلى سلاحى

قال لايكى بعد فحص بندقية ذات ماسورة مزدوجة اشتريتها في نيويورك قبل بضع سنوات

-لا يوجد بها خطأ سيدى

- لايكى لا تذكر أنك رأيت هذا بالمنزل لأحد

أجاب لايكى بهمس :- لن افعل يا سيدي

ثم فتح عينيه بشراهة وقال

-سيدة روان يا سيدي؟

لا تخف لقد كانت شخصية مثلك تمامًا

أرجو الرب يا سيدي

قلت وأنا أصافحه بحرارة

لايكى إذا كانت هناك أي حقيقة في قصص الأشباح هذه، فإن أعظم خدمة يمكنني تقديمها لك، هي إطلاق النار على هذا الشبح، وأعدك بالسماء والأرض، سأفعل ذلك بهذا السلاح إذا رأيته مرة أخرى.

شكرني الشاب وطلب أن يذهب للراحة بعد أن رفض كأس من الخمر قدمته له، لقد نقلت له سرّي لأنني لم أنس أبدًا كيف رمى قبعته على الجرس ذات ليلة عندما انفجر الرنين لتهدئة الخدم.

وكنت قد لاحظت ، شيئًا مثل قبعة من الفرو، ملقاة على مقربة من الجرس، ولأنني أشرت إلى أننا كنا في وقت ظهور الأشباح كلما ظهر في المساء، وبذلك يمكنني أن اقول إن لايكى يخاف من البيت ويؤمن بكونه مسكونا، ومع هذا كان يحاول بكذب إظهار خوفه وبالتأكيد حصل على فرصة، و كانت حالة الفتاة مها مماثلة تمامًا؛ كانت تدور في المنزل في حالة رعب حقيقي، ومع ذلك كذبت بشكل جرئ متعمد، وابتكرت العديد من الإنذارات التي نشرتها، وأصدرت العديد من الأصوات التي سمعناها، لذا كنت أضع عيني على الاثنين، وأنا أعلم ذلك.

فليس من الضروري بالنسبة لي هنا، أن أشرح هذه الحالة الذهنية غير المعقولة، والتي ظللت أقنع نفسى بأنها معروفة لكل رجل ذكي لديه خبرة طبية أو قانونية أو غيرها من المراقبة؛ إنها حالة ذهنية راسخة ومشتركة مثل أي حالة ذهنية يعرفها المراقبون؛ وأن هذا هو أحد العناصر الأولى، قبل كل شيء للحكم بعقلانية على الاشتباه في أي مسألة من هذا النوع والبحث بدقة وفصلها عنها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي