الفصل الثاني أوسيلين

(٢)

(أوسيلين)



نفضت شعراتها الناعمة المنسدلة عن عيونها، ورفعت رأسها وهي تتطلع حولها بإرهاق، تلك العيون الواسعة قد ذبلت من السهر، جلست "بيرين" وصيفتها تحت قدميها وقالت بإشفاق:
_ مولاتي، بدأ الإرهاق يتملك منك، أرجو أن تتمددي على فراشك لساعة واحدة.

هزت "أوسيلين" رأسها وشددت على كفيه وقالت بحزن وهي تطالع غفوته التي طالت:
_ لن أتركه ثانية واحدة، آن يجب أن يستيقظ ويجدني جالسة لجواره.

ثم طالعت "بيرين" شزرا وقالت على مضض:
_ بيرين، قلت لك كثيرا ألا تجلسي هكذا تحت قدمي مرة آخرى.

وقفت "بيرين" مسرعة وهي تقول بتأسف:
_ أعتذر منك يا مولاتي، لن أكررها مجددا.

ابتسمت "أوسيلين" بسخرية وقالت وهي تطالع ذلك المستلقي على الفراش ولا يشعر بشىء:
_ حتى كلمة مولاتي تلك لا أستصيغها، فأنا منذ عام كنت أفقر من المرور بجوار البلاط الملكي، وها أنا الآن أميرة ولي شأن كبير، وكل هذا بسبب "آن"، حبيبي.

لملمت" بيرين" فستانها الأزرق المنفوش وسألتها على استحياء:
_ مولاتي وكيف تحولتي من شخص عادي كما قلتِ، لأميرة ببلاط حُكم "مملكة كسبيال"؟!

تنهدت "أوسيلين" وقالت وهي تمرر أناملها المرتعشة من وهنها على كفيه الهزيلتين:
_ تلك قصة طويلة، أولها آن و آخرها آن، وكلها آن كما كلي أنا هو.

ابتسمت "بيرين" وقالت:
_ إذا رغبتي بأن تقصيها لي؛ فأنا كلي آذان صاغية، وإن لم ترغبي فالعفو منك مولاتي.

شردت "أوسيلين" بالبعيد وقالت وشبح ابتسامة خافتة يلوح على شفتيها:
_ بلا أريد أن أحكي قصتنا دائما، كي تحيا كما يحيا حبنا بداخلنا.

تململ حسن في جلسته بعدما تسلل الملل إليه من صمت رامي، وخرج صوته متحشرجا وكأنه لم يتكلم لأيام:
_ ألن تخبرني عن نفسك، ومملكتك وكيف أتيت بجسد شخص غيرك؟!

لمعت عيني رامي وقال:
_ إذا، عليٰ أن أخبرك بأن كل ذلك هو شخص واحد، "أوسيلين".

ضيق حسن عينيه وقال باندهاش:
_ "أوسيلين"؟! هل هذا الاسم لشخص مثلنا أم مكان؟

ابتسم رامي وقال بهيام:
_ بل ملاك على هيئة فتاة، الجمال مجتمع قد وضع بها هي وفقط.

شاركه حسن ابتسامته وسأله بشغف:
_ تبدو حبيبتك أليس كذلك؟

حرك رامي كتفيه العريضين متململاً من قيده، وقال مؤكدا:
_ هي روحي التي سكنت في ذلك الجسد الضخم، ونثرت عبير رقتها وصفائها ونقائها بداخلي.

اتسعت ابتسامة حسن على وصفه وقال بمزاح:
_ لم أستمع لوصف عميق كوصفك من قبل، أنا أحسدك على عشقك النقي هذا، إذاً هل ستخبرني بأمر أوسيلين؟

عاد بظهره مستنداً على الحائط وقال وهو شارد بسقف الغرفة:
_ هل شاهدت لمعة ماء جاري عندما يسقط عليه شعاع شمس، لتبدو وكأنها تلمع من شدة نقائها، تلك هي أوسيلين، والتي رأيتها أول مرة تمتطي فرسها الأبيض بكل شموخ..

شعرها الطويل والذي كان يهفو خلف ظهرها، جعلني أقف قاطعاً وحدتي بغابة "أرض الفردوس" القاحلة، والتي لا يدخلها سوى فارس قوي ومغوار.

إستند حسن بمرفقه على ركبتيه منحنياً قليلا للأمام، وقال بتعجب:
_ "أرض الفردوس"؟!

عاد رامي بعينيه إليه وقال بجدية:
_" أرض الفردوس" مقسمة لنصفين، النصف الشمالي به مملكة "كسبيال"، و النصف الجنوبي به مملكتنا" أوزغور"، ويقطع بينهما غابة "أرض الفردوس"، المليئة بالمتحولين الذين عوقبوا بالنفي بها، أعرف أنك ستقول" المتحولون"؟!

قهقه حسن قائلا بتأكيد ساخر:
_ نعم كنت سأقولها بالفعل.

ابتسم رامي ابتسامة رائقة وقال:
_ أعرف، "أرض الفردوس" تحكمها العرافة وجد، هي المسئولة الأولى عن "غبار كسبيال"، ذلك الغبار الناتج عن احتكاك "حجر الفلاسفة" الأسطوري ببعضه، والذي لا يُسمح لأحد غيرها بأن يحرسه.

شرد حسن بالبعيد وقال:
_ حجر الفلاسفة! إنه ذلك الحجر الذي إذا وضع على أي معدن يحوله لذهب أليس كذلك؟!

أجابه رامي بتأكيد:
_ نعم هو.

فكر حسن قليلا وسأله بفضول:
_ عندكم الحاكم ينصب لحراسه حجر!

أجابه رامي بنبرة قاطعة:
_ لا، ولكن العرافة وجد نصبت مسئولة، نسبةً لفطنتها التي جعلتها المسئولة عن كافة القضايا بالمملكة، وقصرها يقع "بغابات الفردوس"، وأي مذنب يتم الحكم عليه من خلالها بالتحول لحيوان، عن طريق نثر "غبار كسبيال" عليه.

اعتدل حسن في جلسته وسأله بفزع:
_ وهل يتحول فعلا لحيوان؟!

أجابه رامي قائلا:
_ نعم يتحول لحيوان، أو حشرة، أو طائر، هل تعتقد أنني تحولت من أرضي لعالمك دون قوة هائلة كقوة ذلك الغبار؟

مسد حسن جبهته وهو يحاول استيعاب ما يقال أمامه، ثم عاد إليه بعينه قائلا:
_ وبما أذنبت أنت كي يتم نفيك إلى عالمنا كما تقول، وليس لغابة الفردوس؟

حرك رامي رأسه وقال ببديهية:
_ أذنبت أنني أحب "أوسيلين".
_ وهل الحب بعالمكم ذنب؟

أسرع رامي قائلا بنفي قاطع:
_ لا، الحب بأي مكان وزمان لا يعتد ذنب، ولكن إن تقاسم أحدهم حبك لشخص ما، حينها لابد من فائز بينكما.

أومأ حسن رأسه بتفهم وقال:
_ ومن المؤكد أن هذا الشخص الذي يقاسمك حبك، هو سبب نفيك هنا أليس كذلك؟
_ نعم هو.

وقف حسن وقطع الغرفة ذهابا وإيابا لمدة دقيقة كاملة، ورامي يتبعه بعينيه العميقتين، يحاول أن يترجم ملامحه ربما يعرف ما يدور برأسه..

حتى التفت ناحيته وقال بجدية قاطعة:
_ أنا سأتحدث معك بعقلانية، نحن هنا بمشفى للأمراض العقلية، وذلك الجسد الجالس أمامي هو لشخص يدعى رامي، وهو كاتب مشهور، قُتلت زوجته وإبنته ومتهم بقتلهما، وتم إيداعه هنا بالمشفي بعد أن دخل بحالة انفصال عن الواقع..

وعندما استيقظ أخيرا، قال لنا أنه شخص آخر غيره وآتى من عالم آخر، والغريب أن جسده النحيل من غفوته الطويلة قد امتلأ وأصبح بكل تلك القوة، لو أنك مكاني ماذا ستفعل؟

وقف رامي هو الآخر وسار بضع خطوات ناحية حسن، ثم توقف وقال بصوته القوي:
_ لو أنا مكانك لكان تشخيصي أنني أختلق كل تلك القصة كي أهرب إما من تلك الجريمة، أو من تقبل فكرة قتل زوجتي وابنتي.

ثم سار خطوة أخرى وقال بمراوغة:
_ أو أن صديقك رامي هذا الآن بمكان آخر غير مكاننا هذا، ويعيش نفس المأساة التي أعيشها أنا، فأنا كما لا أتقبل هذا العالم، من المؤكد هو أيضا لن يتقبل عالمي، والكارثة الأكبر أن يرى "أوسيلين" ويعشقها؛ لأنها محط إعجاب لأي شخص..

لهذا أنا أريد العودة إلى عالمي؛ كي يعود هو إلى هنا، ولكي يحدث كل هذا يجب أن تصدق أنني آن ولست رامي كما تقولون أنتم.

لاحظ رامي لين ملامح حسن وكأنه بدأ يصدقه فقال مستغلاً الموقف:
_ أي عقل يستوعب أن مريض كان نائما لمدة أشهر، جسده هزيل كما قلت أنت، يستيقظ بتلك الهيئة الجسدية، أنا فارس ومدرب وقوتي تلك جاءت من احتكاكي بالحروب..

فأنا المسئول الأول عن جيش من أقوى جيوش الممالك، وعدد جنوده بالآلاف، فهل تلك هيئة مريض أيها الطبيب؟!
حرك حسن كتفيه ورد متجهما ببديهية:
_ هذا ما يصيبني بالتعجب، لأن ذلك الجسد لا علاقه له بالمرض .

أسرع رامي قائلا بثقة:
_ أريد أن أخبرك شيئا، أنا أستطيع الآن وبمنتهى السهولة أن أفك عقدتي، وأنزع تلك العباءة وأجعلها حفنة من تراب تحت قدميك، ولكني أحاول أن أقنعكم بالعقل أنني لست ذلك الشخص الذي تتحدثون عنه.

جلس حسن على مقعده مجددا وقال بيأس يخفي خلفه أنه لا يصدقه من الأساس:
_ وما الحل إذا؟

فكر رامي قليلا، ثم قال له بنظرات ثابتة وملامح وجه مشتده كالوتر:
_ أقسم لك أنني آن، وأنني من عالم آخر، وأنه تم نفي إلى هنا في جسد ذلك البائس؛ كي يستطيع "سنمار" أن يأخذ "أوسيلين" إلى نفسه.

ملامحه كلها وحركة جسده تقول أنه لا يكذب، رفع حسن عينيه بملل وقال على مضض:
_ أوسيلين مجددا، كل شيء وراءه أوسيلين.

ابتسم رامي قائلا بشغف:
_ تلك قصة طويلة، أولها أوسيلين و آخرها أوسيلين ، وكلها أوسيلين، كما كلي أنا هي.

شرد بالبعيد متذكرا أول يوم بينهما، كانت تركض بفرسها، تقطع الوقت بسيف من حديد، وهي تشعر بسعادة ونشوة غريبة، إلى أن تعثر ساق الفرس بأحد الصخور، وأخذ يتعثر وهو يركض حتى وجدت نفسها لم تعد تستطيع السيطرة عليه وسقطت..

أغمضت عينيها وهي تضغطهما؛ كي تتلقى صدمتها بالأرض، حتى شعرت بأنها وكأنها سقطت على الفراش، فتحت عينيها ببطء فوجدت وجه غريب يحدق بها فقالت بتوجز:
_من أنت؟!

لم يجيبها مباشرة، ولكنه انتظر بعض الوقت وقال بهدوء متزن:
_ السؤال هو من أنت؟ وكيف دخلتي إلى الغابة ولم يمسسك أي سوء؟!

تململت "أوسيلين" بين ذراعيه وقالت بحرج:
_ اتركني من فضلك.

هز رأسه نافيا وقال بعينين مشاغبتين:
_ لن أتركك، تعلمين أن هذه الغابة مليئة بالوحوش، ربما أنا واحد منهم.

تعمقت بعينيه قليلا وهي تقبض بيدها على الحجر الذي عثرت عليه، وهو سبب سعادتها والذي منحها قوة غريبة لأن ترى بداخل هذا الشخص، ابتسمت بخفوت وقالت له بثقة:
_ أنت لست منهم، تبدو محارباً على ما أعتقد، بل أمير أيضا.

أنزلها "آن" على قدميها وقال بتعجب:
_ ماذا؟! وكيف عرفتي؟

عدلت "أوسيلين" من فستانها البسيط وقالت برقتها:
_ لا شأن لك، والآن ماذا تفعل هنا؟ هل أنت ذاهب لملاقاة مولاتي العرفة وجد؟

هز "آن" رأسه نافيا وقال:
_ لا، أنت إلى أين ذاهبة؟ وكيف قطعتِ تلك المسافة إلى منتصف الغابة؟ ولم يمسك سوء!

حركت "أوسيلين" رأسها يمينا ويسار وقالت بمداعبة:
_ إنها قدرات يا أنت.

ثم بحثت حولها عن الفرس وهي تقول بضيق:
_ أين ذهب "جمود"؟!

تطلع "آن" حوله وقال وهو يشير بذراعه لخلفها:
_ لقد قطع هذا الطريق، سنبحث عنه سويا ولكن أولا هل تشعرين بأي ألم في جسدك من آثر السقوط؟

هزت "أوسيلين" رأسها نافية وقالت وهي تجر فستانها الذي تمنحه هي بهاءً لا يقارن:
_ لا أنا بخير أسرع قبل أن يبتعد أكثر.

أوقفها "آن" قائلا بصوته الأجش:
_ إذا كنتِ لا تستطيعين السير بإمكانك الصعود على فرسي.

لم تلتفت إليه وسارت أمام أعينه التي تلتهمها وهي تقول:
_ لا سأبحث عن فرسي وأمتطيه، شكرا جزيلا لك يا أنت.

ابتسم "آن" بخفوت وقال:
_ إسمي آن.

التفت إليه مسرعةً، ليطير شعرها حولها وهي تقول بصدمة:
_ الأمير آن؟! أمير مملكة أوزغور؟

فك "آن" عقدة فرسه من حول الشجرة وقال لها بتأكيد:
_ نعم أنا هو، ولن أتركك إلا إذا أخبرتني كيف وصلتِ إلى منتصف الغابة دون أن يمسك سوء؟ وما هو اسمك؟

حركت كتفاها باستسلام وقالت:
_ حسنا سأخبرك، إسمي أوسيلين، ولكن أنت لن تمسني بسوء ولا مملكتي، أليس كذلك؟

تعجب من نفسه وهو يقف أمامها مسحور بشعرها الذي يبتلعها، وجمالها الذي أسره وعيونها التي تلمع كأنهما جوهرتان ثمينتان كما هي، لوهلة ظن أنها جنية وليست إنسية، لولا أنه قد تلمسها منذ قليل عندما سقطت بين ذراعيه، متوقفا كثيرا عند اسمها الذي زلزل العالم من حوله..

وجد نفسه يقول دون أن يشعر:
_ لن يستطيع أي بشر مسك بسوء ولا حتى أنا.

تطلعت في الأرض بخجل، ثم فردت يدها ناحيته وقالت:
_ ما جعل جميع الوحوش المتحولون في الغابة لا يقتربون مني، هو أنني عثرت أسفل بيتي وأنا أحفر على ذلك الحجر.

ضيق "آن" عينيه وقال بصدمة:
_ لا تقولي أن هذا الحجر هو ما خطر ببالي الآن!

ابتسمت بخفوت وقالت:
_ نعم هو، إنه "حجر الفلاسفة"، ويبدو أن اسفل بيتي يوجد الكثير منها، ولا يجب أن يعرف أحد بأمره، خاصة أنت؛ لأنني مواطنة بمملكة "كسبيال" وذلك يمنحنا قوة، وبما أنك فارس وأمير مملكة "أوزغور"، فهذا يمثل خطر على مملكتي أليس كذلك؟!

كان مسحوراً بجمالها، بل كان مفتوناً بحركاتها الطفولية البريئة وذلك النقاء المتمثل في فتاة، للمرة الثانية وجد نفس يقول:
_ لا تقلقي، لن أخبر أحد، إذا أنت تريدين الذهاب إلى العرافة وجد شخصيا، لأنها المسيطرة الأولى على ذلك الحجر، ولا ينبغي لأحد غيرها التحكم به.

أومأت" أوسيلين" برأسها وقالت:
_ نعم، شخص غيري كان سيذهب إلى الملك زاد أو الأمير سنمار، كما قلت ذلك يمنح مملكتنا القوة، ولكني اعرف العرافة منذ سنوات وهي تعطف علي؛ لذلك لم أود خيانتها، وإن أصبح ذلك خيانة لوطني؛ فأنا أتقبل العقاب.

صرخ بها "آن" قائلا بحزم قاطع:
_ قلت لك لن يمسك أي شيء من أي شخص أيا كان، أنا سأذهب معكِ إلى العرافة وجد.

اتسعت عيني "أوسيلين" وقالت بذعر:
_ لا، هذا معناه أنني تحالفت مع قوى العدو.

لم يجد تفسير لذلك الشعور القاسي الذي شعر به من كلماتها، وهي تصفه بالعدو، أغمض آن عينيه لثواني ثم فتحهما وقال بتريث:
_ أنا لست عدواً لك يا أوسيلين، ولا لمملكتك ما يحدث هي مجرد مناوشات منذ قديم الأزل، ولكن انتم لكم الحرية بمملكتكم، ونحن أيضا ..

وكل ما يحدث مجرد مسلسل هزلي كما قلت، إنه شجار إثبات ذات بين أخي ينار هو والأمير سنمار، هذا هو الأمر، أنا أريد أن أخبرك بشيء كي تطمئني، أنا قريب جدا للعرافة وجد، وتحبني أنا أيضا ولها فضل كبير علي بكثير من الأمور، والتي لا أريد أن أقصها عليك.

لملمت "أوسيلين" شعراتها خلف أذنها وقالت على استحياء:
_ ومع ذلك هي لن تتفهم موقفي، وأنا لا أريد أن أخذلها.

ابتسم "آن" وهو يتطلع بالبعيد، مجبراً عينيه على الابتعاد عنها وعن براءتها المشعة تلك وهو يقول:
_ ستتفهم جيداً أنك لم تتحالفي معي، لأنها تعرف أنني لا أحب الحروب ولا النزاعات، أنا أحب السلام والهدوء، وأنا لن أستفيد شيئا من أنك سلمتي لها تلك الأحجار أم لا، "فغبار كسبيال" برمته لا يعنيني.

ضحكت "أوسيلين" ضحكة خافتة وقالت بسعادة متطلعة خلف آن:
_ ها أنت "جمود"، لماذا تركتني وابتعدت، أتريد أن تأكلني الوحوش الآن؟

هز الفرس رأسه نافيا، بينما اقتربت هي منه وملست على رقبته وقالت:
_ لا تبتعد عني مجددا حبيبي، ليس لدي شخص بهذا العالم سواك، لذا لا تقلقني عليك.

لف الفرس رأسه حول رقبتها وكأنه يحتضنها ويضمها إليه، وآن يتابع ما يحدث بتعجب، فسألها ببساطة:
_ هل فرسك متحول؟

بمنتهى الرشاقة قفزت، وامتطت الفرس ووضعت قدمها بالركاب، وسحبت السير الجلدي ناحيتها مستعدة للانطلاق، وقالت بهدوء:
_ لا إنه فرس حقيقي.

حتى جذب أن السير الجلدي الخاص به وقال مسرعاً:
_ إلى أين أنت ذاهبة؟!

تطلعت لمسكته بسرج الفرس، ثم استدارت برأسها ناحيته وقالت ببساطة:
_ أنت تعرف إلى أين أنا ذاهبة، إلى مولاتي العرافة، هل ستأتي معي كما قلت؟

ابتسم " آن" وقفز هو الآخر على فرسه وقال بوجه تملؤه السعادة:
_ بلا سآتي معك، سأسير إلى جوارك كي لا تتعثرين مجددا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي