المارد

ندى محسن`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-02-25ضع على الرف
  • 51K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول الجريمة

صوت البكاء يملأ قصر المنصوري بعد غرق حياة في حمام السباحة، الشرطة في كل مكان وهناك من يركض تجاه السيدة الكبيرة أثناء جلوسها على الكرسي وإنهيارها الشديد:

-جدتي ما الأمر؟ اخبريني ما الذي حدث؟ سيارة الأسعاف والشرطة الموجودة في كل مكان!

اجابه الرجل الموجود بجوار الجدة ودموعه تتساقط:

-لقد غرقت حياة ابنة عمك جمال، لا نعلم ما الذي حدث، رأتها أختها حنان وصرخت واستيقظنا جميعنا من النوم، اتصل السائق بالشرطة، لا نعلم ما الذي حدث فجأة تدمر كل شيء يا سليم.

كان سليم يقف وهو لا يقوى على أخذ أنفاسه:

-كيف حدث كل هذا فجأة، لا أصدق لا يمكنني أن أصدق، لقد كان كل شيء على مايرام، حياة هي تعرف السباحة جيدًا ولو حدث شيء جعلها لا تستطيع السباحة ما الذي سيأتي بها بجوار البسين في هذا الوقت المتأخر؟

أتاه صوت حنان من خلفه وقد كان صوتها مرتجف بفعل البكاء:

-أين كنت يا سليم في هذا الوقت المتأخر؟

التفت سليم ليواجهها وقد اغرورقت عينيه بفعل الدموع:

-كنت مع صديقي، لم أكٌ أعلم أن هذا كله قد حدث، لا يمكنني أن أصدق هذا.

اقترب منها وقد كان القلق يملأ عينيه:

-حنان كل شيء حدث لا يمكننا تغييره و..

قاطعه ذهابها ويبدو أنها لا تريد أن تتحدث معه، لم يضع هذا الأمر في باله كثيرًا؛ فهو يرى أن حالتها تسوء ولا يسمح لها هذا بالتحدث معه.

مرت شهور ووقف اللواء رأفت في غضب شديد وهو يصفع مكتبه بقوة مخاطبًا أحد الظباط لديه:

-لا يمكنني أن أفهم ما الذي يحدث؟ اخبرني يا أحمد ما الذي يحدث للظباط؟ كل من مسك قضية قصر المنصوري يختفي بعد اليوم الثاني من التحقيق مع تلك العائلة الغريبة؟ لا يمكنني أن أتخيل ما الذي يحدث؟!

اجابه أحمد وقد ظهر عليه القلق:

-الأمر مريب يا رأفت باشا، الجميع نفر من مسك تلك القضية، لا أحد يعلم ما السر خلف موت حياة وقد أكد الطبيب الشرعي أن كدمات جسدها تدل على الضرب والتعنيف الشديد قبل الغرق مباشرة.

صمت وهو يرجع شعره للخلف بتفكير:

-كما أن القصر كان مغلق وبالخارج يوجد الحراس وأكدت الكاميرات الموضوعة أن الجميع كانوا بالداخل عدا سليم أشرف ابن عمها.

جلس رأفت وقد كان على وشك أن يجن، رغم أنها ليست القضية الأولى، لكنها الأكثر غموضًا، تحدث وكأنه يخاطب نفسه.

-أنا على وشك أن أفقد عقلي يا أحمد، صدقني كل ما يحدث يصيبني بالغضب، القصر تسكنه الجدة سمية وابنائها وأحفادها كذلك، لديها ثلاثة ابناء، أشرف وجمال وجميلة، لدى أشرف أربعة ابناء وهم سليم، ساجد، سيف، سلوى ولدى جمال حياة سر هذا اللغز و حنان وحور أما عن عمتهم جميلة فلديها شهاب ونور.

كان يدلك جبينه بضيق شديد:

-لا يمكنني أن أفكر في المزيد جميعهم لا شيء يدينهم.

تدخل أحمد وهو يشعر بالتردد:

-هل تسمح لي أن أرشح لك أحدهم وأنا أثق بمهارته جيدًا؟!

عقد رأفت حاجبيه وهو ينتظر من أحمد أن يكمل:

-المارد هو أنسب شخص لهذه المهمة الرائد سفيان السويسي، الجميع يعلم أنه يعمل بسرية تامة ولا أحد يتوقع ما الذي يمكن أن يفعله، لن تخسر شيء دعه يستلم تلك القضية.

ابتسم رأفت وهو يحرك رأسه بخبث كما لو أنه عثر على كنز ثمين:

-إذًا لنفعلها ونأتي بالمارد إلى هنا، حتى لو لم يستطيع أن يحل لغز هذه القضية وتم قتله لن نخسر أي شيء.

(في قصر المنصوري)
في الساعة الثامنة صباحًا اقتربت هبة من زوجها جمال:

-حبيبي والدتك تناديك لتناول الإفطار، أرجوك يا جمال لا يمكنك أن تتوقف عن الطعام بهذا الشكل، جميعنا نشعر بالحزن و..

قاطعها جمال بحدة شديدة لم يتحدث بها من قبل:

-لو كانوا ابنائي ابنائك لم تكوني لتقولي شيء كهذا يا هبة، أنا نسيت أنكِ زوجة أبيهم ولا يمكنكي أن تصبحي أم أبدًا.

شعرت بالإهانة بسبب حديثه وهي تنظر له بلوم شديد:

-جمال أنا أقدر حالتك، لكن أنت تعلم جيدًا من بعد موت والدتهم وأنا كرثت حياتي لهم وهذا بسبب حبي الشديد لك، سوف أنسى ما قولته الأن.

تركته وخرجت من الغرفة بينما هو دموعه لم تتوقف عن اغراق وجنتيه:

-أنا أشعر بالحزن الشديد والجميع يعيش حياته في هدوء، لن أرتاح إلا بعد معرفتي بالقاتل الحقيقي، لن أتجاهل شعوري وجميع الأدلة التي تثبت أن القاتل معنا ويسكن في نفس القصر.

هبط وكانوا الجميع حول المائدة، يتناولون الطعام في هدوء عدا سيف ابن أشرف، تعجب جمال ليقول:

-أين هو سيف؟

اجابه أشرف بصوت يملأه الحزن:

-فاقد لشهيته، دعك من الجميع واقترب لتأكل شيئًا.

اقترب جمال والجميع يعرف أنه ليس بخير، تحدثت حنان والدموع بعينيها:

-أبي هل أنت على مايرام؟

أومأ جمال في هدوء ولم ينظر لها:

-لا تقلقي يا حنان والدكِ قوي جدًا.

نظر شهاب إلى جمال وهو يبتسم بتهكم، تعجبت والدته جميلة؛ لتنظر له بإنزعاج شديد، انتهوا من تناول الطعام وقبل أن يصعد شهاب لغرفته قامت والدته بسحب يده بقوة:

-قل لي ما الذي يحدث لك؟ ابتسامتك ونظراتك تلك؟ ما الذي يحدث لك يا شهاب؟ ستجعل الجميع يشك في أمرك وكأنك أنت الفاعل؟!

ضحك شهاب حتى دمعت عينيه وجميلة تشعر بالغضب من أفعاله تلك، توقف عن الضحك وهو ينظر لها:

-جميعنا سوف نموت، لن يبقى أحد يا أمي، لكن أتعلمين ما الشيء المروع في كل هذا؟ الجميع يقول أن القاتل من بيننا، من قصر المنصوري، يا له من أمر ساخر.

تركها وصعد لغرفته، أتاها صوت زوجها خالد من خلفها:

-دعيه يا جميلة الجميع بحالة صدمة، كلًا منا يحاول أن يتجاوزها، لا داعي لأن تقيديه، اجعليه يعالج نفسه بطريقته.

أومأت جميلة وهي تشعر بالحزن:

-كنت أتمنى لو لم يحدث كل هذا يا خالد، الجميع في حالة مزرية، أشعر بالألم لكل ما حدث.

اقترب خالد منها ليضمها وهو يحاول جعلها تطمئن:

-كل شيء سوف يكون على مايرام، لا تنسي أن شهاب كان مغرم بها ونحن نعرف هذا جيدًا، ما حدث هو قضاء وعلينا أن نتقبله.

في المطبخ كان سليم على وشك أن ينفجر وهو يتحدث إلى حنان التي تكمل غسيل الصحون:

-قولي لي ما الذي حدث لتعامليني بتلك الطريقة؟ تعلمين أنني لن أفعل شيء كهذا؟ قولي لي لماذا تعاملين الجميع أفضل مني يا حنان؟ تنظرين لي نظرات لا تريحني أبدًا.

نظرت حنان له بغضب شديد:

-أخرج من هنا، لا أريد التحدث معك، أنا حتى لا أريد أن أنظر لك.

سحق سليم أسنانه وهو على وشك الجنون:

-نحن لسنا أطفال يا حنان، قولي لي ما الذي تفكرين به؟ يمكنني أن أتفهمكي في أي شيء إلا في هذا، تظنين أنني قاتل؟ أنني قتلت حياة من كل عقلكِ؟!

تساقطت دموع حنان بألم:

-لا تتحدث في هذا الأمر واتركني وشأني.

سحبها سليم بغضب شديد:

-حنان انظري لي وتحدثي معي كما أفعل أنا، لن اترككي إلا أن تسمعيني وتصدقيني، لا يمكنني أن أترككي إلى عقلكِ هذا.

نظرت إلى عينيه وهي تشعر بالغضب الشديد:

-لماذا إذًا؟!

ابتسم بحزن وهو يمسح دموعها:

-أنتِ تعلمين جيدًا لماذا، هذا الوقت لا يتناسب مع حديثنا لكنني أحبكِ يا حنان ولا يمكنني أن أتجاهل أمر كهذا.

كانت تنظر لهم وقاطعهم طرقات على الباب، ذهبت هي سريعًا كما لو أنها تهرب من مواجهة سليم، ما إن فتحت الباب حتى اصطدمت عينيها بهذا الرجل الطويل، علمت أنه من رجال المخابرات، فهو يشبه هيئة كل من أتوا إلى القصر:

-مرحبًا أنا الرائد سفيان السويسي هل يمكنني الدخول والتحدث معكم؟

قبل أن تجيبه حنان سمع صوت سليم من خلفها:

-تفضل سوف أخبر الجميع ليهبطوا.

جلس سفيان وعينيه تتجول في المكان بنظرات جريئة، لم يسلم أحد من نظراته، هو ماهر في قراءة لغة الجسد:

-أريد أن أتحدث مع كل شخص على إنفراد، هل هذا ممكن؟

تبادلوا الأنظار وأومأوا، تحدث هو بهدوء شديد وهو يقف:

-إذًا لنذهب في مكان مغلق لأستطيع أن أباشر عملي.

كان يمتلك حضور طاغي، شيء يجعل الجميع يتردد أمامه، لا أحد يعلم لماذا هذا الشعور ينتابهم، تحدث سفيان وكان حديثه عبارة عن أوامر متتالية واجبة التنفيذ:

-سوف أبدأ بأصغركم، الشخص الذي سينتهي من الحديث معي لن يبقى مع الجميع، يمكنه أن ينتظر في غرفة هذا الصالون لا مشكلة لدي.

تبادلوا الأنظار ولم يستطيع سيف الصمت:

-ما الأمر لماذا تتحدث بتلك الطريقة؟ عليك أن تتحدث بشكل لائق.

امسكت بيده الجدة وهي تومأ إلى سفيان:

-فالتكمل عملك يا بني.

اجابها سفيان بصرامة شديدة:

-أنا الرائد سفيان السويسي، أتمنى أن نبدأ في العمل.

رمق سيف بتوعد وهو يتفحص تعابير وجهه ومن ثم أتجه إلى غرفة الصالون بخطوات متعجرفة، سمعوا همسات ساجد:

-من يظن نفسه هذا الأحمق؟ لماذا يتعامل معنا كما لو اننا متهمين في مكتبه؟!

كان على وشك أن يبدأ التحقيق مع سلوى وقد كانت أصغر فتاة في العائلة، في الثامنة عشر من عمرها، لكن قاطعه شهاب بدخوله، تعجب سفيان وهو ينظر له وينتظر منه التحدث:

-لا يمكنك أن تبقى معها بمفردها لا يمكنك هذا مع أي فتاة.

ابتسم سفيان بتهكم وهو يرفع حاجبيه:

-أوه حقًا؟ وهل تظنني أتيت لأتسلى مع أطفال هذا القصر؟ أنا هنا لأباشر عملي.

تحدث شهاب بنفس طريقته المتعجرفة:

-لا يهمني كل ما تقوله، إن لم تختار أحد محدد ليبقى سوف أبقى أنا هنا.

تجاهله سفيان وهو يشتعل غضبًا ولا يتحمل أحد أن يعامله بنفس طريقته المتعجرفة:

-اخبريني يا سلوى متى رأيتي حياة آخر مرة؟

ابتلعت سلوى في قلق شديد:

-قبل الذهاب إلى غرفتي كانت تصعد على السلم لتذهب إلى غرفتها هي الأخرى.

أومأ سفيان وقد اختلفت تعابير وجهه للهدوء التام وهو يباشر عمله:

-حسنًا أنتِ متأكدة أنها كانت على وشك النوم؟

أومأت سلوى له ليتابع حديثه:

-هل يمكنكي أن تتذكري كم كانت الساعة؟

أومأت له وهي تخبره في هدوء:

-كانت الثانية العاشرة ليلًا، لأنني نظرت إلى ساعة الحائط حينها وصعدت لأنام.

أومأ لها وهو يتابع حديثه بتركيز:

-تتذكرين ما الذي كانت ترتديه؟ هل هو نفس الثوب التي سقطت به في حمام السباحة؟

حركت سلوى رأسها بنفي ودموعها تتساقط:

-لا ليس هو لم تكن ترتدي ثوب أسود لقد كانت ترتدي بچامة حمراء اللون أما هذا الفستان الأسود لا أعرف متى ارتدته.

نظر لها سفيان وهو يفكر ومن ثم أشار لها للشرفة:

-يمكنكي أن تدخلي للشرفة الأن، هل توافقها الحديث يا شهاب؟

حرك شهاب رأسه بنفي وهو ينظر إلى سفيان:

-في العاشرة والنصف كنت أحضر قهوتي في المطبخ، دخلت حياة وكانت ترتدي الفستان الأسود و..

صمت وقد اختنق صوته وهو يحاول أن يسيطر على أنفاسه:

-هي كانت تنظر لي وتبتسم دون سبب كأنها تودعني، هي كانت غريبة و كانت...

أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بألم يعتصر قلبه، تحدث سفيان وهو يبتسم:

-يبدو أن علاقتك بها كانت مختلفة أليس كذلك؟

ابتلع شهاب ما بحلقه بإحباط:

-كنت أحبها ولم يعلم أحد بهذا حتى هي، كنت أختار الوقت المناسب لمصارحتها، لم أكٌ أتخيل أن كل هذا من الممكن أن يحدث وبهذا الوقت.

كان سفيان يطيل الصمت وهو ينظر إلى شهاب بغموض، هناك شعور غريب ينتابه..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي