صلاة العائد

Sara2094`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-03-05ضع على الرف
  • 48K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الفصل الأول


التاسع عشر من يناير
2010

مدينة الخَطايا لا يسكنها إلا القديسون.


لم تظن إطلاقًا أن الأمر سوف يكون بهذا السوء، كانت تعلم أنه أحمق قليلًا ولن يستطيع أن يقدم لها ما تحتاجه إلا حينما تأخذ هي الخطوة الأولى وتشير له عليه، إلا إنه كان أكثر حماقة من ظنها.

-ما رأيك أن نتوقف قليلًا عند النهار في الطريق المواجه للغابة؟

ضغط بإصبعه زجاج النظارة الطبية ليعيدها للخلف كعادته التي يفعلها تقريبًا كل دقيقة، مرر لها نظرة ثم سألها مستفهمًا:
-هل تقصدين هل المنطقة الساخنة؟

عضَت شفتيها مبتسمة بخبث والتعمت عينيها بنظرة متلاعبة، مَالت ناحيته وأصابعها تلتف حول قبضته التي تقبض على المقود خامسة:
-بالضبط.

منحها ابتسامة لم تخفى توتره، وقاد نحو المنطقة باضطراب واضح، عادت لمقعدها وهي تنظر له، لولا وسامته وضجرها ما كانت معه في هذه السيارة الآن.

اشتهرت تلك المنطقة بهذا الاسم لأنها المكان الذي يقف فيه المراهقون والعشاق ليتبادلون القبلات والعناق وربما أكثر إذا كان لديك الجراءة لَمَا هو أكثر.

وهو ما تظنه لا يملك الجراءة لفعله، لقد تهارنت مع صديقتها في الجامعة أنها يمكنها أن تحول الفتى الجيد الخجول الوسيم إلى فتى سيء مثير، إلا إن الأمر أصعب مما ظنت.

-هل أنتِ متأكدة أنه لا بأس أن تتأخري؟

قلبت عينيها وزفرت بملل وهي تدير رأسها ناحيته تجيبه بملل:
-أجل، أخبرتك إنه لا مشكلة إن تأخرت أو حتى إن قضيت الليلة في الخارج.

قالتها بمغزى لن يستوعبه، وإن فعل لن يقوم بأي شيء لتحقيقه، فهو جيد جدًا لفعل أي شيء.

بعد يوم طويل في الجامعة قررت أن تقوم بخطوتها تجاهه.

تعرفه منذ السنة الأولى لكنه لم يكْن نوعه المفضل، كان الفتى الجيد المجتهد والوسيم، كان يذهب للكنيسة كل أحد ويعامل الجميع بلُطف ويحصل دومًا على امتياز في كافة مواده.

أما هي كانت على العكس منه، فتاة الحفلات والمتعة والمغامرات، مشهورة ووقحة قليلًا، كانت مجهتدة أيضًا وتحصل على جيد أو جيد جدًا في بعض الأحيان، لكن كان واضحًا أن كلاهما ينتمي لنوعية مختلفة من البشر، وأن هذا تحديدًا ما جذبها.

التفتت تسأله في كياسة:
-هل لديك شيئا ما تريد العودة مبكرًا لأجله؟

أخيرًا انتفض لرجولته مع ابتسامة لم تخفى توتره لكنه سيطر عليه بجيبها:
-لا، أريد أن أكون معكِ.

تلاعبت بسحاب سترتها القطنية المفتوحة إلى أسفل نهديها البارزين منه في غواية تقصدها بل وتتفنن بها.

أما هو فابتلع لعابه وصَب تركيزه في القيادة، واضطرابه يمهد سقوطه في بئر فتنتها وتلاعبها دون مقاومة.

كانت الساعة قد تخطت العاشرة والنصف حينما أوقف السيارة في المنطقة الساخنة في المدينة، الطقس بارد قليلًا خارج العربة لكنه لطيف، النهر خلفهم ومدخل الغابة الواقع على الطريق السريع أمامهم.

تنهد والارتباك متمكن تمامًا منه، كان على بعد شعورًا واحدًا من الرفض، إلا إنه لم يشاء تخيب ظنها، على الرغم من أن ذلك يخيب ظن والدته والقس والأكثر أهمية مبادئه.

فككت حزام مقعدها تحت عيونه الزرقاء المرتبكة خلف النظارات، واستدارت بنظرة لا يمكن لأي شاب أن يخطئها، ثم مدت يدها الدافئة تضعها حول ذراعه ونبرتها تتلون بنعومة:
-إذا؛ ما الذي يدور في عقلك؟

مسح أرنبة أمفه ليعدل وضع إطار نظارته مُكررًا بابتسامة دفنها الارتباك:
-في عقلي!

رفعت وركيها للأعلى ثم قفزت فوق قدميه مما أربكه وجعله في حالة متصلبة، يده تستقر بجانبه ويديها تلتف حول عنقه، تداعب خصلات شعره الأسود مما جعله دقات قلبه ترتفع.

-بوني.

همسه الثقيل ونبرته الأجشة المتحشرجة جعلتها تتأكد أنها على الطريق الصحيح.

وضعت على شفتاها تلك الابتسامة غير البريئة التي تصرخ عن نواياها، سحبت نظارته الطبية من فوق أنفه.

كان يملك عين زرقاء قاتمة تجعلك الفتيات الأخريات تفور كزجاجة صودا تم رجها عشرات المرات، وأصابعها لازلت تداعب خصلات شعره:
-هل تعلم أن تركيب الفتاة السيئة الجريئة والطالب المثالي الخجول تثيرني كثيرًا؟

ابتلع لعابه وشعرت بتلك الحرارة تتصاعد لوجه وصدره ودقات قلبه تتصاعد، كان يعلم بأنه سوف يستسلم لَمَا يشعر به الآن لكنه حاول ألا يفعل:
-بوني ربما يجب علينا أن..

قاطعته وهي تضع اصبع واحد فوق شفتاه:
-أجل يجب علينا أن.

حركت أناملها فوق وجنته ثم سارت بهما نحو رقبته وصولًا إلى صدره وحتى قلبه الذي يدق بعنف، عينيها العسلية لا تحيد عن عيناه وأناملها تحرر زر من قميصه الأسود ثم تنتقل للثاني، تمرر أناملها عبر صدره، ويدها الأخرى تجذب رأسه إليها:
-هل أعجبك أم لا جون؟

فقد نفسه ومبادئه وأخلاقه ودروس الكنسية كل أحد، ارتفعت يده تحيط خصرها وتجذبها لصدره، وشفتيه تلتصق بشفتيها.

أخذت الأمور في الحرارة بسرعة، أزرار قميصه تفتح واحدًا تلو الأخر بعدما تخلصت من سترته وسترتها التي لا ترتدي أسفلها سوى حمالة صدر، والتي فكت مشبكها الخلفي وقبل تنزعها سمعا صوت احتكاك معدني حاد جعلهما ينتفضان.

-ما هذا الصوت؟

تحركت عين "جون" محاولًا رؤية أي شيء في الخارج، لكن الظلام والبقعة المظلمة الخالية من الإضاءة التي اختارتها جعلت رؤية أي شيء في الخارج صعبًا للغاية.

أجابها وعيناه لازلت تحاول كشف أي شيء خارج السيارة:
-لا أعرف، ربما سقطت لوحة معدنية صدئة أو شيئا مثل هذا.

هزت رأسها وهي تنظر عبر زجاج السيارة:
-أجل، دعنا نكمل ما كنا نفعله.

قالت ذلك وكللته بنزع حمالة صدرها مما جعله يتناسى أي شيء آخر، معاودًا تقبيلك وملامستها بهسترية مشاعر مندفعة عبر أوردته.

تعالى صوت احتكاك الحديد من جديد ولكن أقرب، بدا كأنه صوت احتكاك معدن على السياج الحديدي المحاوط للنيل.

ارتفع صوت همسات عالية بكلمات سريعة غير مفهومة جعل "بوني" تنتفض بعيدًا عنه، تعود للمقعد الآخر وهي تغطي نصفها العلوي بسترتها الحمراء التي نزعتها قبل دقائق.

تهتف بشىء من الاضطراب:
-ما هذه الأصوات؟

يحاول "جون" رؤية أي شيء بالخارج لكنه يعجز عن ذلك، عيناه تضيق للكلمات التي تبدو مألوفة له:
-أستطيع تميز تلك الكلمات، أعتقد أنها صلاة من الكتاب المقدس.

تضيق "بوني" عينيها لوهلة ثم تقذف سبة:
-ربما مجموعة من الحمقي من زملائنا في الجامعة رأوا السيارة أو تابعونا إلى هنا ليقوموا بهذه المزحة.

اندفعت مشاعر الغضب والخجل والاضطراب والرغبات الجنسية التي تمكنت منه كلها في عقله وجعلته يضع يده على الباب هاتفًا:
-أبقي هنا، سوف أذهب لأري ما الذي يحدث.

حاولت إيقافه:
-لا انتظر..

لكنها كان قد خرج من السيارة بالفعل، أعادت ارتداء السترة دون حمالة الصدر وهي تسب وتعلن التصرفات الصبيانية التي يفعلونها الصبية في جامعتها.

توقف الصوت وعَم الصمت المكان وكأن شيئا لم يكن يصدع منذُ ثانية، لم تستطع حتى سماع صوت "جون" أو صياحه مع أيا من كان من يعبث معهما.

-جون، أين أنت جون؟

نادته أكثر من مرة ولم تسمع أي رد، مما زاد توترها، أنزلت زجاج السيارة وكررت النداء:
-أنا لا أحب ذلك، أجبني جون.

إذا كان من تلك النوعية لكانت ظنت أنه مختبئ كي يعبث معها، ولكنه لا يفعل مثل هذه الأشياء، هو لطيف للغاية ومثالي للغاية ليفعل هذا.

خرجت من السيارة وقد بدأ الخوف يعصف بها حينما عاد صوت الصلوات مرة أخرى، أعلى وأكثر غضبًا، هتفت:
-جون، من فضلك أين أنت؟

أخبرتها غريزتها أن تهرب ولكن مفتاح السيارة اختفى، لابد أن "جون" أخذه معه، أيضًا لا يمكنها أخذ سيارته وتركه هنا.

فجأة اهتزت السيارة بعنف وصوت الاحتكاك صدر عنها احتكاك شيء معدني بهيكل العربة، صرخت فزعة وقفزت خارج السيارة وكررت النداء بفزع:
-ما الذي يحدث؟ جون.

كان المكان فارغًا، النصف الأخيرة من يناير، الجميع لديه دراسة وعمل، بالكاد يأتي المراهقون لهنا هذه الأيام وبالتأكيد لن يأتي أشخاص في عمرها أو أكبر هنا، ولولا هذا المثالي الجيد الخجول كفتاة دير لم تكن لتفعل.

بدا الصوت قادم من كل مكان، وما أثار هلعها أنه بدا وكأنه قادم إليها، وضعت يديها فوق أذنيها وصرخت:
-أريد المساعدة، جون، أي شخص يساعدني.

لم تتلقى أي إجابة، وكما ظهر الصوت اختفى، ساد صَمت مُقبض، أخفضت يديها من فوق أذنيها ونظرت حولها للفراغ والظلام، تركت باب السيارة واستدرات تركض بعيدًا عن هنا.

حينما استدارت راكضة اصطدمت عينيها بأخر مشهد كانت تظن أنها يمكن أن تراه الليلة، صرخت بنبرة لم تظنها تملكها والهلع يتمكن منها تمامًا.

كان "جون" مُعلقًا بين جذعي شجرة، مصلوبًا من كلا ذراعيه، قميصه الأسود التي حررت أزراره بأناملها تحول صدره للون قاني آثر دمائه، صدره مشقوق وأعضائه تبرز منه، لسانه مُتدلى وفوق عيناه الزرقاء الخالية من الروح نظرة مُرتعبة.

صرخت ببكاء بلا توقف وحاولت الركض لكن ذراع قوية سحبتها للخلف، حاولت مقاومتها لكنها أقوى منها بأضعاف، أدارتها والنظرة المرتعبة التي رأتها فوق جثة "جون" انتقلت لعينيها.

حدقت عينيها بقناع أسود لم تتعرف عليه، نظرة مُظلمة تطل عليها، ويد ترتفع بخُطاف معدني ضخم كانت آخر ما رأته قبل أن تنسحب الحياة منها.

مَنْ كان يظن أن ليلة بدأت براهن عابث لتحصل الفتاة السيئة على الطالب المثالي تنتهي بهذا الشكل، جثتين مُشوهتين ودماء ونظرات فزعة.

يبدو أن بوابة الجَحِيم قد فتحت أبوابها من جديد على مقاطعة فيلادلفيا.

***
في الجَحِيم لا يغفر للقديس خطيئته، ولا باب توبة للعاصي يسلكه.

لماذا كان عليه أن يمر من هنا؟

لأنه حظه سيئ، وإن كان يظن إنه يملك أكثر الحظوظ سوءًا في العالم، ولكنه اليوم يدرك أن مهما بلغ سوء حظه فلن يصل لسوء حظ هذان الاثنين.

في السابعة والنصف صباحًا في العادة يمر من حي فوكس تشيس كل ليلة، لا يأخذ الطريق الموازي للغابة لأنه فارغ وطويل ونوعًا خطر في هذا الوقت من الصباح إلا إنه اليوم قرر السير فيه لأنه كان يملك الوقت وأراد السير قليلًا.

-بعد ذلك ماذا حدث؟

سأله المحقق الذي لم يكن تركيزه معه، بل مع الأشخاص الذين يتحركون خلفه، ثلة من البشر يتحركون في المكان.

أطباء شرعيين، خبراء معمل جنائي، خبراء رفع بصمات، محققون وضباط شرطة، صحافيين.

أجابه يتابع سرده للمرة الرابعة وهو يحاول التركيز في وجه وعيناه الذي يخفيها أسفل نظارة شمس سوداء:
-رأيت السيارة مفتوحة والأضواء مفتوحة في الصباح، والراديو يبث شيئا ما، تبدو كصلاة جنائزية أو شيئا مثل هذا.

ألقى الشاب نظرة نحو السيارة التي يلتف حولها الكثير من الخبراء، يمسحون البصمات عنها قبل نقلها، ثم تابع:
-شعرت بالفضول كأي شخص في مكاني، اقتربت ورأيت الفتاة..

توقف عن الحديث اللحظة وأغمض عيناه متذكرًا المشهد يعاد كأول نظرة، مشهد لم ينساه أبدًا ما حيا، مشهد سوف يطادره في الكوابيس طيلة حياته، وسوف يجعله مريض دائم في عيادات الطب النفسي.

فتح عيناه وضعف صوته قليلًا مستطردًا:
- كانت مُلقاة أمام السيارة عارية، أحشائها تتدلى وعنقها منحور، والشاب مُعلق وصدره مشقوق تتدلى أعضائه، ففزعت وركضت مبتعدًا عن المنظر وهاتفت 911 على الفور.

هز المحقق رأسه بعد أن حك أنفه ثم أشار لضابط بجانب أحد عربات الشرطة التي تحاول المكان والذي أضحى الآن مسرح جريمة سوف تحتل عناوين الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي لفترة:
-شكرًا لإفادتك، من فضلك أترك أرقام هواتفك وأماكن تواجدك مع هذا الضابط بين، وعليك ألا تغادر المدينة لأسبوعين في حالة احتاجنا إليك ويمكنك الذهاب بعدها.

شكره الشاب بكلمات بالكاد مفهومة واستدار بسرعة ناحية الضابط الذي أشار له المحقق متمنيًا أن يستطيع يومًا ما أن يسقط تلك الذكرى من عقله.

شحذ المحقق "دافيد وودز" شهيق طويل، فكر أن هذا اليوم يحتاج لفافة تبغ، لكنه وعد زوجته ألا يعود للتبغ خاصًا بعد حديث الطبيب عن أزمته الصدرية الأخيرة.

لذا عوضًا عن لفافة تبغ أخرج عُلبة علكة النيكوتين التي يقولون أنها تساعد على الأقلاع، ولكنها في الحقيقة لا تفعل أى شيء لكنها شيئا ما.

حك ذقنه الغير حليقة بسبب مكالمة الثامنة صباحًا التي سارعت بإستدعائه إلى مسرح الجريمة الثالث لهذا الشهر، إنها كارثة عليه التعامل معها.

صرخ في مجموعة من رجاله:
-افعلوا شيئا وأبعدوا الصحافة عن هنا، إنه مسرح جريمة ليس موقع تصوير.

جَلبة سيارة سوداء شيفروليه امبالا موديل عام 1980 يعرف صاحبها جيدًا جذبت أنظاره.

وضع كلتا يديه في جيب سرواله الأسود ينظر للرُجل الذي يخرج منها في جينز أزرق وكنزة قطنية سوداء فوقها قميص أزرق قاتم مفتوح الأزرار ومن فوقه سترة سوداء اتقاء الطقس القارس.

تقدم عبر السياج الأصفر للشرطة الذي يطوق مكان الجريمة، تركه رجال الأمن أن يمر، يتقدم منه وبين يديه كوبين من القهوة، مد يده نحوه بواحد قائلًا:
-الجريمة الثالثة.

أخذ الكوب منه وهو يفكر إنه كان يحتاج لواحد في هذه اللحظة، رد ساخرًا:
-أجل، لم أكن أعرف أنك تبقي سجلات للجرائم التي تحقق فيها الشرطة دين.

كان "دين" سيد السخرية ولا يمكن لأحد التفوق عليه فيها، لذا ارتفع حاجبيه بشبه ابتسامة:
-أعرف أنك تكاد تموت لأجل الاهتمام عزيزي لكنني أخبرتك من قبل أنني أهتم بالنساء، وما عنيته أنها الجريمة الثالثة لنفس القاتل.

زمجر "دافيد" وتجرع رشفة من القهوة التي كانت كما يفضلها:
-إنها نظريتك وحدك.

ارتفع حاجبه وهو يتجرع قهوته السوداء التي بلا سكر وبلا أي إضافات، قهوة مرة لا يطيقها إنسان في نصف قواه العقلية، وهو جعلها مشروبه المفضل.

تقافزت الثقة بين تأكيده:
-إنها كذلك؛ مَنْ الضحايا؟

تنهدت المحقق وأظهر بطاقات التعريف الذي منحها له الضابط فور وصوله يقدم له الضحايا:
-بوني ميلن، طالبة في جامعة فيلادلفيا في الرابعة والعشرون، وجدت عارية منحورة العنق أمام السيارة.

تقدم"دين" ناحية مكان الجثة الذي تم رفعها بعد المعاينة المبدئية:
-وجهها مشوه، صدرها مشقوق، أعضائها الداخلية كلها متدلية.

هز رأسه بالايجاب وهو يمط شفتاه يكمل حديث الآخر:
-وهنا قطع نصف دائري على كامل فخذيها، ولكن هذا لا يعني إنه نفس القاتل.

"دين" يعرف أشياء وفي الغالب جميعها صحيحة، إنه يعرفه منذُ أن كان صغيرًا قبل أن ينتقل من المدينة في عمر الحادية عشر، ويعود بعد عشرون عامًا عُقب أول جريمة.

سدد "دين" نظرات للمكان حوله حتى توقف نظره بموازاة المكان الذي تركت فيه الضحية، ناحية سياج الغابة بالضبط، سار تجاهه فتبعه "دافيد" حتى توقف أمامه، أثنى جذعه وأشار:
-لكن هذه الكومة من الثياب المطوية بعناية تقول إنه نفس القاتل.

انحنى"دافيد" لينظر لكومة الثياب، سروال جينز وكنزة حمراء قطنية، حمالة صدر سوداء وسروال داخلي أزرق، جورب أبيض قصير مطويين فوق بعضهم البعض جوارهم حذاء مطاطي أبيض.

دون أدني شك هم ثياب الضحية، وبناء على ذلك أشار "دين" برأسه نحوهم:
-ثياب بوني العارية، ذات الأسلوب في الجريمتين السابقتين.

أشار لأحد أخصائي المعامل الجنائي ليحرز الثياب بينما يجادله بمنطق ضعيف:
-ربما قاتل آخر استخدام نفس الأسلوب، أو الضحية بنفسها مَنْ وضعتهم هنا بنفسها قبل أن تقتل.

ارتفع حاجبه يرد مجادلته متهكمًا:
-قاتلان في نفس المقاطعة في نفس الوقت بنفس الأسلوب غير مرجح، إذا إن لم تسطع منحى سبب جيد يجعلك الضحية تتعرى كليًا وتطوى ثيابها بعيدًا عنها فنظريتي هي الأصوب.

نهض على عاقبيه ثم تبعه الآخر تاركين رجل المعمل الجنائي يضع الثياب في أكياس الأدلة بعد أن يلتقط عدده صور لهم، نظر له مستفهمًا:
-ما السبب يجعل القاتل يضع ثياب الضحية بعيدًا عنها وبموازتها؟

عادا نحو السيارة، يمط شفتاه مُفكرًا للحظة قبل أن يجيب:
-كي لا تستطيع تغطيها نفسها، فإذا عاشت كعاهرة..

قاطعه مستكملًا:
-يجب أن تموت كواحد.

زفر مستطردًا باستنتاج:
-يا إلهي؛ هو يعاقبها.

هز "دين" رأسه موافقًا، تجرع رشفة كبيرة من قهوته وأشار للمكان حيث كان جسد الشاب المعلق قبل ثوانٍ حيث قاما بإنزاله:
-وهو؟

أخرج البطاقة الأخرى يردد اسمه:
-جون ليستر، في الرابعة والعشرون وطالب في نفس الجامعة، وجد مصلوب بين جذعي شجرتين، صدره مشقوق وأعضائه متدلية، ولسنا متأكدين بعد ما سبب الموت لكن على الأرجح ذلك.

هز رأسه وابتعد عن هيكل السيارة، يرى الأحرف المحفورة عليها بأداء حادة، جملة لا يفهمها سوى القاتل" في الجَحِيم هناك قديسون".

-لا نفهم ما هذه الجملة، من أين أو إن كانت عشوائية.

قالها "دافيد" وهو ينهي قهوته مستطردًا في استفهام:
-هل أنت متأكد إنه نفس القاتل؟

بدا كأن "دين" على وشك قول شيئا ما لكنه صَمت يهز رأسه بلا معني وهو يعيد النظر فاحصًا مسرح الجريمة.

زفر الآخر وهو يطبق كوبه البلاستيكي بعدما أنهاه:
-هذه المدينة لا تحتمل الإعلان عن قاتل متسلسل طليق مرة أخرى، خصوصًا وإنه لا نمط محدد، لا بصمات، لا أدلة لأي شيء، خصوصًا أن بعض الضحايا كان يقال عنهم قديسين.

تنهد "دين" ثم همس بمغزى:
- في الجَحِيم هناك قديسون.

تبادلا كلاهما النظر لبعضهما صامتين، وكلاهما يعرف أن شيء سيئ مظلم للغاية بدأ بالحدوث مرة أخرى في المدينة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي