الفصل الخامس

الفصل الخامس


القتل ليس الفعل، بل آثره الحتمي.

والأثر ليس فقط لا يزول، إنما هو يلطخ كل شيء آخر حوله.

فما الذي كان قبل القتل؟
إنها الإجابة لاكتشاف حل كل جريمة قتل.

عادت للفندق الصغير التي تقطن فيه، أعصابها كانت مضطربة، لم تعرف مَن هو وشعورها بإنه ورائه شيئا ما ضخم لدرجة لا يمكنها تجاهله، وتعرف يقينًا إنه لن يتركها تكمل مهمتها، وبالتالي سوف تضاعف صعوبتها عليها.

كانت تحتاج لبعض الوقت في غرفة مغلقة وحدها، تستعيد ثباتها وهدوئها وتكتشف خطتها التالية.

حينما أوقفت السيارة أمام ممر الغرف الخارجي المقابل لغرفتها مع إيلينا، وجدت إريك يقف أمام الغرف، يحمل كوب قهوة بلاستيكي وينتظر عودتها.

زفرت بعصبية وترجلت عن السيارة، قابلها في نصف المسافة بوجه حبيب يمتلك الحق في الغضب لأنها ذهبت بمفردته وهو ما لم تسمح له به.

ارتفعت عيناه يعاتبها:
-لقد ذهبتِ، حدكِ، ودون أن تخبريني أو تهاتفيني.

قلبت عيناه بعصبية لم تنجح في تحجيمها:
-أنظر إريك لقد حصلت على بداية سيئة للغاية لليوم وربما للعمل كله، ولستُ على استعداد أبدًا لهذا.

حاول تهدئة الموقف متراجعًا عتابه لكنها اندفعت دون أن تمنحه الفرصة:
-أنا حقًا أقدر قلقك ومجيئك وعرضك لمساعدتي، لكنني أنا كبيرة كفاية كي أستطيع الاهتمام بنفسي وبعملي، ولا أستطيع أن أقوم به بينما أسحب خلفي حارس شخصي، فمن فضلك حاول استيعاب ذلك.

ارتفع حاجبه يهتف:
-يا ألهي، لقد حصلتِ على يوم سيء بالفعل.

سخرت:
-حقًا! يمكنكِ أن تعرف ذلك.

إنه يعلم أنها على حق، بالإضافة إنها لم تطلب تواجده لذا الأمر على عاتقه بالكامل، فحاول التسلل بين المبررات:
-لكنكِ وافقتِ على أن أساعدكِ في مادة الكتاب.

بسطت كفها توقفه:
-أنا حقًا أقدر ذلك أيضًا، ولكن مجال اختصاصنا على الرغم من أنها تتشابه ولكنها مختلفة، أنت متخصص في تحليل الجرائم العادية بينما أنا في جرائم الخوارق، مجالين مختلفين.

إزاحته دون أن تمنحه الفرصة لتعبر للغرفة:
-الآن سوف أخذ شيئا ما من الغرفة وأذهب لأنني لدي موعد أخر، وإذا احتجت لأي مساعدة منك تأكد أنني سوف أطلبها.

فتحت باب الغرفة واستدارت نحوه:
-ولكن الآن يمكنك الذهاب للاستمتاع في فيلادلفيا.. إن كان هناك أماكن يمكنك فيها فعل ذلك.

أغلقت الغرفة خلفها، كانت إيلينا لازلت نائمة، تعاني أثر كحول الليلة السابقة.

ذهبت إلي حقيبتها وأخرجت هاتف ذو تصميم خاص، أسود لامع وينزلق للأعلى ليظهر لوحة مفاتيح صغير، ضغطت بضع أحرف وأرسلت رسالة.

نظرت عبر النافذة من خلف الستارة لتتأكد من رحيل إريك قبل أن تخرج من الغرفة دون أن توقظ إيلينا، ذهبت نحو سيارتها ترامنًا مع إضاءة شاشة الهاتف دون صوت.

لم تسمع أي إجابة على الناحية الأخرى، فأغلقت السيارة ثم تحدثت:
-هناك بعض المعوقات في هذه المهمة.

نبرة هادئة لرجل تألفه ولكنة إنجليزية:
-أي معوقات؟

مطت شفتيها:
-لا يمكنني تحديد ذلك، ولكن رُجل يصر على تركي المهمة، ولدي شعور بإنه يعرف شيئا هو الآخر.

تسأل الرجل دون أن انفعال في نبرته:
-هل كشف عن شخصيته؟

أجابت بالنفي:
-لا.

لحظة صَمت ثم أقر:
-تابعي المهمة، وإذا احتاجتِ المساعدة بشأنه ارسلي الكود.

نظرت للأمام وهي تدير المحرك:
-سأفعل.

أغلقت الهاتف ووضعته في حقيبتها وتحركت بالسيارة، وهي تفكر بإنها لديها مهمة لا يمكن أن تتركها، هي تعلم أنها خُلقت وقدرت لهذا، وعليها أن تتابع ما تفعله.

بحثت عن مقهى هادئ لأجل أن تحضر خطوتها التالية نحو الجريمة الثانية التي وقعت قبل ثمانية أيام من الثالث.

فاسق وخائنة وشيطان أخرس.

***

هو صياد، تربي كمقاتل، ونجا في حياته بهزيمة كل ما يصادفه.

كان مركز الشرطة مليء بالأشخاص التي تعمل على حل غموض هذه الجرائم، تحاول اكتشاف أي شيء قد يكون ذات فائدة.

كل هولاء الناس لم يستطيعوا اكتشاف ما هي اكتشفته وتفاخرت في أقل من يوم.

حقًا مَن هي؟!

معظم ما المتواجدين في المركز على معرفة به، يعرفون بشأن قدومه المستمر للمحقق دافيد وودز، وإنه يستعين به للاستشارات لذلك لم يوقفه أو يسأله أحد.

كانت غرفته على اليسار باعتباره كبير المحققين، فاستدار حول المكاتب إلى مكتبه، طرق الباب ثم دخل دون أن ينتظر ردًا.

رفع دافيد نظره بسرعة وعاد لما يفعله حينما رأه، عينيه تفيض بالغضب، جبهته حمراء ورأسه تقريبًا يشتغل.

سخر دافيد:
-من فعل ماذا بك؟!

زفر دين وهو يمرر أنامله فوق رأسه، تقدم وجلس أمامه على المقعد المقابل، وقبل أم يتفوه بشيء نظره نحوه مرة أخرى وسأله:
-أين قهوتي؟

نظر له بطرف عيناه بما يكفي لإجابة ثم تمتم بعصبية:
-هناك فتاة تبحث في الجرائم لأجل كتاب تكتبه.

هز المحقق كفتيه:
-هناك الكثير من الصحفيين والإعلاميين يريدون صناعة عمل عن هذه الجرائم، فلماذا يجب الاهتمام بها على الأخص؟.

نظر له وعيناه تحتد:
-ولكن هذه الفتاة مختلفة، أنها تعرف اشياء.

انتبه دايفد واندفع دين في غضب:
-اللعنة أنها تعرف في يوم ما لا تعرفه أنت وجميع من المركز وأنا من خلال التحقيق لعشرة ايام.

تجاهل دايفد ذلك وسأله باهتمام:
-ما الذي تعرفه؟

تنهد دين يحاول السيطرة على أعصابه:
-الجريمة لأجل جون، القديس الذي أسلم لخطيئة العاصية، طقس عقاب للتطهير.

فكر المحقق للحظة ثم قال باستنتاج:
-في الجَحِيم هناك قديسون كذلك.

بسط كفه في غيظ:
-بالضبط

ترك دافيد ما يقوم به وحثها على قول المزيد:
-ماذا تعرف عن هذه الفتاة أصلًا ومن هي؟ أخبرني كل شيء.

سرد دين على مسامعه كل شيء قالته لها، صفتها وما تفعله، وما فعلته خلال يوم.

علق ديفيد:
-عالمة في الظواهر الخارقة!

أشار له بعيناه:
-هل تعرف بشأن ما تفعله أنت؟

هز رأسه بالنفي:
-لا أعتقد ذلك.

تراجع دافيد في مكتبه:
-ربما يمكنها مساعدتنا في التحقيق إن كانت تستطيع اكتشاف ذلك مثلما تفعل أنت.

انتفض دين بعصبية:
-إن هذا خطر، يمكن أن يحدث لها شيئا سيئ للغاية، لا تفكر حتى في هذه الفكرة.

صمت للحظة ثم أدار نفسه له:
-في الحقيقة أريدك أن تجعلها تذهب من هنا.

ضيق عيناه:
-كيف هذا؟

فكر لثوان:
-إذا صادفتها في التحقيق وسوف تفعل بالتأكيد أخبرها إنها لا يمكنها التدخل في سير التحقيق أو تعرف أي شيء إلا بعد أن ينتهي.

همهم دافيد وكتب شيئا ما على الأوراق أمامه:
-هذه المعلومات حقًا جعلت التسلسل في تلك الجرائم أوضح، وإذا كانت تستطيع الوصول إلى النمط فهذا..

قاطعه دين:
-سوف أعرف ما توصلت إليه، ولكن عليها أن ترحل كي لا تتأذي أو يصيبها أي شيء.

ترك دايفد ما يفعله، يفهم دين وما يمر به، وسبب اضطراب أعصابه، يحاول أن يمرر له فكرة، مجرد فكرة:
-أنها ليست طفلة يا دين، إنها فتاة ناضجة وكاتبة وعالمة كما تقول، يمكنني أن أحذرها من أن لا تتدخل في عمل الشرطة لكنني لا يمكنني أبعادها عن هنا.

يغضب دين أكثر، بالنسبة إلى شخص هذا الفعل غير مبرر لكنه يعرف تبريره لذلك:
-سوف تعرض نفسها للخطر ولا قد لا أستطيع إنقاذها.

قال دايفد بلهجة ذات معني:
-لا يجب عليك إنقاذ الجميع دين، لا يمكنك ذلك فلا تحاسب نفسك على ذلك.

نظر له ثم أبعد عينه لنقطة وهمية في الحائط:
-لكنني عرفتها ورأيتها، إذا تركتها وحدث لها شيئا سوف يكون ذلك على عاتقي.

لن يقتنع، هو يعرف البشر ويدرك ذلك، ومط دافيد شفتاه، يتركه يتصرف لأنه يعرف ما الذي يفعله، هو يصطاد الشر منذ وقت طويل، ويعرف ما الذي يقوله.

-أين تعتقد وجهتها التالية؟

سأله دافيد دون أن ينظر نحوه:
-واحدة من الجريمتين المتبقيتين إن لم تكن حققت فيهما.

صمت لحظة ثم أردف:
-هذه الفتاة لن تتوقف بسهولة.

كان يعرف ذلك وعازم على إثناءها مهما كلفه الأمر، ليس لأجل ولكن لأجلها.

هو مقاتل في مجاله، وأول شيء يفعله هو أن يبعد كل شخص عن ساحة القتال حتى لا يتأذى، حتى وإن كان هذا ضد رغبته؛ هذا ما يفعله أي جندي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي