الفصل الثاني

الفصل الثاني


كل كتاب مغامرة، وكل مغامرة لا يمكن أبدًا أن تضمن نتائجها.

لكنها لا تأبي بذلك، هي مليئة بالشغف تجاه ما تفعل، إنه الشيء الوحيد الذي يجعلها تخوض الحياة دون أن تنهار في كل خطوة منها.

-لازلت أعتقد أنها فكرة سيئة.

قالتها "إيلينا" وعينيها على الطريق المؤدي لمقاطعة فيلادلفيا بينما تقود "مينا" السيارة الرياضية البيضاء الصغيرة التي ابتاعتها من أرباح كتابها الثالث، في الواقع ابتاعتها بكل الأموال التي حصلت عليها.

قلبت حدقتيها بملل متهكمة:
-ألا تعتقدي أن هذا متأخرًا قليلًا لقد اجتازنا اللافتة بالفعل.

رفعت كفها لتعيد خصلة شقراء خلف أذنيها:
-ومع ذلك كان علىَّ قول هذا.

أدارت مينا المقود وقلبت حدقتيها مرة أخرى:
-ها نحن ذا.

جَلت رفيقتها حنجرتها ورفعت اصبعها تعلن اعتراضها وتعدد أسبابه للمرة العاشرة منذ أن اقترحت الفكرة عليها:
-نحن بعيدين جدًا عن المنزل، في مدينة لا نعرف فيها شيء أو أحد، نتقصى عن جرائم قتل بشعة مفزعة تحدث الآن، والجريمة الأخيرة كانت قبل أسبوع واحد فقط.

التفت بجسدها نحوها تعلن مخاوفها الواقعية:
-يعني أننا نذهب لمقعر هذا القاتل المُختل واضعين أنفسنا كضحيتين محتمتلتين.

رفعت كفها في إعلان أخير متكرر على مدار معرفتهن:
-أنتِ مجنونة مينا.

زفرت مينا بملل وأصدرت صوت يدل على ذلك، رفعت خصلة عن عينيها، وردت دون أن تلتفت:
-أخبرتكِ أنني أشعر أنها فكرة رائعة لكتابي الرابع، أولئك الجرائم الثلاث تشابه مجموعة جرائم حدثت في نفس المدينة في الخمسينيات، وقد بدأت في نفس الشهر، هناك شيئا أكثر من مجرد جرائم قتل.

هزت رأسها وهي تفرقع اصبعها بإجابة ظنتها بديهية:
-أجل؛ قاتل مُختل طليق من حينها.

اتسعت عينها بابتسامة نصف مازحة نصف ساخرة:
-أجل، نظرية جيد، لكن إن لم يكن قد تعدى المائة وخمسون عامًا، لأن حسب الشهود وقتها التي وصفت القاتل كان رجل كبير تخطى عقده الخامس، يجب أن تخرجي بنظرية أخرى.


قلبت عينيها نحوها باستخفاف:
-وما هي نظريتكِ أيها المتحذلقة؟

أدارت المقود في حركة مغرورة، همهمت بنظرياتها المبدئية:
-ربما وجود شبحي، شبح غاضب لازال لم ينهي عمله الذي يظن نفسه مُكلف به، استيقظ بحفر جثته أو أحدى أشيائه التي لازال متعلقًا بها.

صمتت لحظة تركز في الطريق، كانتا بالفعل داخل المقاطعة، تركز في موجه السيارة لتسلك طريقها نحو الفندق التي حجزت فيه:
-أو مسَ شيطاني، استحواذ من كيان مظلم أسود مرتبط بشيئا سيئا حدث في هذه المدينة.

مطت إيلينا شفتيها تهز رأسها توافقها بسخرية:
-نظريات مثيرة للاهتمام.

صَمَتت هينة ثم أردفت بتهكم حاذق:
-كما إنه سوف يثير شهية المستمعون والقراء ليبتاعون الكتاب.

ابتسمت بخجل طفلة مصدرة صوتًا لطيفًا:
-وهذا أيضًا، لكن صدقيني هناك شيئا يفوق الطبيعي هنا.

وقفت في صف سيارات منتظرة إعادة فتح الإشارة، كان الوقت تخطى الحادية عشر والنصف وهناك زحمة مرورية علقتان فيها.

اكتسب صوتها نبرة جدية بينما تردف:
-الأمر ليس مجرد قاتل يكرر جرائم قتل لأخر لم يقبض عليه في الخمسينيات، إنه أكثر من ذلك، لقد بدأ بنفس الطريقة والترتيب، وهذه الجرائم في الخمسينيات كانت كابوس كل شرطي ومحقق في الولاية.

أعادت الخصلة السوداء الناعمة خلف أذنها، كان شعرها مربوط في جديلة مرتخية يخرج منها بضع خصلات.

تعيدها خلف أذنها كلما فلتت، وتتابع حديثها بحماس يتقافز من عينيها:
-الجرائم لم تكن أحدي عشر، كانت أكثر بكثير من صرح به للصحافة، بعض الجرائم ذات صلة ولك تستطع الشرطة اكتشاف الأمر وقتها، كانت دموية وبشعة دون أن أدلة أو خيوط مع جمل لم تكن من الكتاب المقدس أو أي كتاب آخر، والآن تتكرر في ذات المكان بذات النمط؛ هناك شيئا ما ورائي هنا.

فُتحت الإشارة فتحركت السيارات، أعاد تشغيل المُحرك وتحركت ببطء في الصف وهو تختم حديثها بثقة تليق بها:
-إنه مجال تخصصي وأنا متأكدة مما أقوله، هناك قصة هنا سوف تصنع عده حلقات عظيمة وكتاب من الأفضل مبيعًا حتى أن شركات الإنتاج سوف تتصارع لتحويله لفيلم.

أحيانا تكره حماسها والشغف التي تمتلئ به لأنه يجعلها جيدة جدًا فيه تجعل لا يستطيع التنافس معها، لكن عوضًا عن التعبير عن مشاعرها، نظرت لخارج النافذة تُتمتم بتهكم:
-لقد تلف عقلك بالظواهر الخارقة.

عاودت النظر إليها والشوارع تتحرك من جانبهما، تُردف في محاولة لإقناعها بحماقة ما تفعله:
-منزل مسكون، أرض ملعونة لعنها أصحابها في القرن الثامن عشر، طائفة شيطانية وفيلم مفقود عنهم وحوادث غامضة تحيط بهم.

عددت مواضيع كتبها الثلاث، ثم استطردت:
-أنتِ شخص مجنونة يضع نفسه في المخاطر، أنتِ لا تقومين بالبحث فقط على الإنترنت أو المكتبات القديمة، بل تذهبين للأماكن وتتبعي كل الإدالة بنفسكِ وتقومين بالتجارب والبحث الميداني بغض النظر عن حجم الخطر.

رفعت كفها تشير لتعقلها مقابل جنان الأخرى:
-هذه ليست تصرفات عقلانية، أنتِ فقط سوف تتسببين في قتل نفسك.

لكن إجابة مينا كانت أكثر عقلانية مما ظنت:
-أنا عالمة في الظواهر الخارقة للطبيعة، إذا علمت بوجود لغز تعجز الطرق العادية والطبيعة عن تفسيره سوف أذهب لمحاولة اكتشافه وحله لأن هذا دراستي وعملي وأحب أن أقوم به.

جادلتها أكثر بتعنت:
-هذا خطر وغير مستقر، أنت تبصحين على الطريق بين مدينة وأخرى أكثر مما تمكثين في شقتك، أسلوب الحياة هذا لن يجذب رجال جيدين.

زفرت مينا ضجرة من حديثها، هي تقصد قوله في كل محادثة، أحيانا أمام والدها وعائلتها وأحيانا أما بعض زملائهن وأصدقائهن، لكنها لا تعرف حاجتها لذلك رغم إدراكها إنه يضايقها.

-مَن يحبك سوف يتقبل ما تحبينه أو تفعلينه، لن يحتاج أن يغيركِ ويغير نمط حياتكِ كي يحبكِ، لأن حينها لن يكون حب، بلى سوف يكون شيئا آخر.

أفصحت ببلاغة عما هي مؤمنة به، لكنها لم تكتفي بل عاندت بشيء من الحمائية الغير مبررة:
-هذا حديث جيد يصلح لبوكادست عاطفي، لكن في الحياة الواقعية لا يعني شيء، الرجال لا يمكن أن يوافقوا على حياة كهذه، في كل خطوة خطر وسفر بلا مدة محددة.

مددت قدميها تريحها من الجلسة الطويلة، بينما تمط شفتيها مواصلة بشيء من التفلسف:
-ربما نحن بعيدين جدًا عن الخمسينيات لكن نموذج الزوجة والحبيبة المثالية لم يتغير كثيرًا من حينها على الرغم من إدعاء العكس، الرجل يريدك في المنزل أو على الأقل متواجدة حينما يجتاجكِ.

نظرت نحوها بابتسامة عالمة:
-تغير نمط حياتكِ ليناسب الرجل الذي اخترتِه أساسي ليجعل العلاقة تنجح.

لم تتراجع، بل تنهدت مصدرة صوت ساخر متمتمة دون أن تلتفت لها:
-الحب المشروط بتغيركِ وإرغامكِ على تغير نمط حياتكِ ليناسب مزاجية الآخر ليس طريقة صحية لبداية علاقة جيدة مبنية على الحب.

أوقفت مينا السيارة أمام الفندق الصغيرة التي حجزت فيه غرفتين، بينما تستمع لزفرة "إيلينا" الغير راضية:
-مَن من يستطيع أن يجاريكِ في التفلسف، لماذا أتيت معكِ؟

حررت الحزام وفتحت باب السيارة، مدت قدميها خارجًا تغيظها:
-أنتِ معي بل أتيتِ لتغطية بضع أخبار ومهرجانات فنية تستغل الاضواء المُسلطة على فيلادلفيا الآن.

تبعتها إلي حقيبة السيارة التي فتحتها، يخرجان حقائبهن بينما تضيف مينا بمزاح:
-لقد آتيتِ لأجلك وليس معي أو من أجلي.

تحركتا الأثنتين نحو مدخل الفندق البسيط بينما تقول "إيلينا" بابتسامة:
-هل تعرفين لماذا أحبكِ؟ لأنكِ تفهمنني وتتقبلين ما أقوله لأنكُ تعلمين أنني لا أعني نصفه.

ضحكت وهي تستدير إليها بانتصار:
-هل تريني؟ عندما تتقبلين إنسان مهما كانت مساؤه هذا يسمي حب.

ضربت رأسها بمزاح بينما يدخلان، غرفة كبيرة مشتركة جمعتهن، ومسئول فندق نصف سكيري نصف أحمق قادهن إليها.

لم تملك مينا الوقت لتفقد الغرفة، وضعت حقيبتها الكبيرة وأخذت حقيبتها الظهرية وفتحت باب الغرفة:
-لدي أول لقاء بعد نصف ساعة لذا علىٌَ الذهاب الآن.

-هل ستتأخرين؟

مط شفتيها وهزت رأسها:
-لا اعرف، لكن سوف أهاتفكِ.

قذفت نفسها الفراش وهي ترفع يديها تودعها:
-حسنًا، وأنا سوف أنام قليلًا.

هن مختلفات، ليس في اهتماماتهن فقط ولكن في شيخصيتهن، وهذا لا يشكل عقب في علاقتهن.

إيلينا تهتم بأن يقدر جمالها مثل "مارلين مونرو"، هي ترى نفسها الصيد المثالي لأي رجل.

بينما مينا أيضًا تحب أن تعامل على أنها جميلة، لكنها تحب أكثر أن تعامل على أنها ذكية وساخرة وعلى قدم مساواة من أي حد، فهي في النهاية عالمة في الظواهر الخارقة.

***

أولى خطوة لحل مجموعة من الجرائم عليك أن تكتشف النمط الذي لا يراه أي أحد آخر.

قررت البدء من آخر جريمة، لأنها سوف تجعل الحاضر هو نقطة البداية التي سوف توصلها للماضي، أملة أن يوصلها للحقيقة واكتشاف الحل.

ركنت السيارة في المكان المخصص لوقوف السيارات في جامعة فيلادلفيا، والتي لديها أول لقاء يخص الكتاب فيها.

حملت حقيبتها الظهرية واتجهت نحو مقصف الجامعة حيث ستقابل "رينيا" و"ميل" أصدقاء الضحية "بوني ملين" لتعرف عنها أكثر.

هناك سبب وراء اختيار الضحايا في عقل القاتل، حتى وإن لم يكن واضحًا؛ هذا ما يقوله علم الإجرام على أي حال.

تعرفت على الفتاة الصهباء ذات الجينز الضيق والكنزة التي تبرز بطنها، والشاب النحيف صاحب الوشوم
على ذراعيه جانبها، سارت حتى توقفت أمامهم:


-مرحبًا؛ أنا مينا ميتشل التي طلبت مقابلتكما.

رفعت الفتاة عينيها نحوها، تفحصت الجينز والكنزة النبيذية التي ترتديها، سترتها البيضاء وحذائها المطاطي وضفيرتها، ثم عقلت بنبرة لا مبالاة تصطنعها لتضفي لنفسها هالة اللا مبالية:
-لقد قرأت واحد من كتبك.

أشارت لها لتجلس في المقعد أمامهما، أنزلت حقيبتها ثم جلست وهي تبتسم مجاملة:
-أتمني إنه أعجبك.

ثم ابتلعت الابتسامة المجاملة قائلة:
-في البداية أحب أن أعرب عن أسفي لخسارتكما.

تنهد الشاب وهو يضع يديه واحدة فوق الطاولة والأخرى على مقعد الفتاة جواره:
-أجل، لازلت لا أستطيع التصديق أن هذا حدث حقًا.

تابعت رينيا مخفضة صوتها:
-هل تظني أن للأمر له علاقة بشيء ما ورائي وليس مجرد قاتل مختل؟

هي لا تحب كشف أفكارها لأي شخص، فمطت شفتها تجيبها بذكاء متلاعب:
-حتى وإن كان مجرد قاتل مختل فهذه ظاهرة غير طبيعة، فليس من الطبيعي أن يتحول الشخص لقاتل مختل دون رحمة.

طقت بلسانها دليلًا على عدم إقتناعها بالإجابة التي كانت لتكون مسار حديثها في برامج المحادثة مع صديقاتها ولهذا تحديدًا لا تشارك مينا أفكارها قبل ظهور الكتاب أو الحلقة.

سألتهما لتقطع أي فرصة لمزيد من الأسئلة الموجهة إليها:
-هل تمانعون إذا أخذت بعض الملاحظات وسجلت اللقاء؟

هز كلاهما رأسه بالنفي فأخرجت هاتفها البلاك بيري لتسجل عليه، ودفتر ملاحظتها الجديد الخاص بالكتاب لتكتب فيه ملاحظات جانبية كي لا تنساها.

سحبت شهيق طويل ثم بدأت:
-هل تعرفون ما الذي كان يفعلونه هذان الاثنين في هذا المكان في هذا الوقت بالتحديد؟

هزت رينيا كتفيها تقول إجابة كررتها للشركة والصحافة:
-فقط يتحدثان بعد الصفوف في مكان هادئ.

نقرت مينا بالقلم فوق الطاولة، بللت شفتيها ونبرتها منخفضة:
-الناس لا يذهبون للمنطقة الساخنة كي يتحدثون فقط.

نال الغضب من الفتاة فقربت وجهها منها:
-أنتم أيها الناس أذكياء جدًا لتعرفون هذا فلماذا تسألوا هذا السؤال تستمتعون بتقطيع سمعة فتاة ميتة.

لم تخسر مينا هدوء نبرتها في ردها:
-لم يكن هذا السؤال الذي قصدته، بل أن بوني وجون ليسوا مراهقون يودون مكان لتبادل القبل فيه قبل أن يعودوا للبيت قبل العاشرة، الاثنين راشدين ولديهم أماكن أكثر مناسبة من هذا المكان.

سخر ميل وعيناه تنقلب:
-أنتِ لم تلتقي جون.

حولت نظرها له وضيقت عينيها باستفهام:
-ماذا تعني؟

بلل ميل شفتاه واعتدل في جلسته خافضًا صوته بينما ترمقه رينيا بصمت لا مبالي:
-كان الطالب المثالي، خجول ولا يتحدث مع أي فتاة، بالكاد يرفع عيناه في أي فتاة، وحينما كان يرى بوني كان يحمر خجلًا ويضطرب كبتول، وأقسم إنه كذلك.

تلاعب بأصابعه على حافة الطاولة:
-لذا من المنطقي أن تصطحبه بوني إلى هناك.

نقرت بالقلم فوق الطاولة تكرر:
-تصطحبه!

هز رأسه بينما ينظر للفتاة يحثها على الحديث:
-أجل، أخبريها رينيا.

نهرته:
-ميل.

قلب عيناه وهو يعيد رأسه للخلف:
-هيا رينيا، أنها ذكية ويمكنها اكتشاف الأمر.

زفرت رينيا وباتت نبرتها أخفض كأنها تشعر بالخجل:
-في يوم الجريمة كان لدينا صفوف طويلة ومملة، كنا نشعر بالضجر، وبوني كانت متضايقة لأنها مؤخرًا انفصلت عن حبيبها، لذا ومن أجل إبهاجها.

صمتت هينة ثم تابعت:
-تراهنت معها إذا استطاعت اصطحابه وجعله يفعلها معها في نفس اليوم.

ابتلعت لعابها وأضافت:
-لا أعرف كيف فعلتها ولكنها لها طرقها ولا أحد يستطيع مقاومتها.

علق ميل عُقب حديثها:
-الطالب المثالي الذي يذهب للكنيسة كل أحد يفسد بسبب بوني: إنه مثالي.

بدلت نظراتها بينهما ثم همست:
-طالب مثالي يفسد!

أسندت ظهرها متمتمة بخفوت بالجملة التي كتبت على هيكل السيارة:
-في الجَحِيم هناك قديسون.

-ماذا؟

هتف ميل ونظرت لها رينيا، هزت رأسها وهي تعتدل مرة أخرى:
-لا شئ، لكن فقط ليكون الأمر واضحًا فأن جون كان كقديس وبوني دعنا نقول أنها لها ذلاتها ومغامراتها.

تراجع ميل في جلسته يمط شفتاه بموافقة:
-لم يمكن يمكنني وصفهما أفضل من ذلك.

كانت الجريمة لأجل جون، هو الضحية الأساسية بينما بوني هي الخَطِيئة التي كان يجب القضاء عليها مع العاصي.

رفعت نظراتها إليهما وهي تعيد أشيائها للحقيبة:
-هذا كل شيء، شكرًا لكما كثيرًا على مساعدتي، والآن إذا ممكن هل أستطيع رؤية غرفة بوني في سكن الجامعة، فقط نظرة سريعة.

حركت رينيا رأسها عائدة إلي اللا مبالاة:
-لا مشكلة.

كانت الغرفة تؤكد شخصية بوني، جريئة وممتلئة بالالوان ومجلات الثياب المثيرة، أفلام جنسية وثياب لا تليق سوى بالملاهي الليلة.

أنها غرفة تؤكد شخصية بوني، وتجعل ترغب أكثر في زيارة عائلة جون كي تعرف شخصيته ، فهو ليس لديه غرفة في الحرم الجامعي بل لازال يسكن مع عائلته.

التفتت قبل رحيلها نحو ميل الذي عرض عليها السير معها إلى سيارتها:
-أعتقد أنك تشعر بالأسف لما حدث لجون.

تنهد يمط شفتاه:
-لم أراه يفعل أي شيء خاطئ ودومًا لطيف، لم يكن يستحق أن يموت بهذه الطريقة المُشينة.

أنهى جملته ثم استدرك نفسه:
-لا أعني أن بوني تستحق، لكن هذا الشخص لم يكن ليذهب إلي هناك ويفعل هذا ولو بعد عقد لولاها.

منحته هزة رأس متفهمة لما يريد قوله:
-أفهم ما تود قوله.

بدا كأنه يريد سؤالها عن شيء لكنه متردد، ظل هكذا لثوانٍ حتى حسم تردده، رفع نظره لها يخرجه:
-هل تظنين إنه اختارهم؟

نظرت له فأردف مفسرًا:
-القاتل أعني.

-لا أعرف بعد، لماذا تسأل؟

تنهد ميل يسير بجانبها مفسحًا عما بداخله:
-لأن هذا ما أشعر به.

حركت عينيها باستفهام صامت، فأردف:
-لأن ما هي الاحتمالات أن يتناسب الأمر بهذه الطريقة؟

شق شفتاه سخرية دون ابتسامة، سخرية قاتمة حزينة يفجعها الأمر وإن تحاول مداراته خلف جدار اللا مبالاة:
-موتهما يشبه طقس ما نشاهده في مسلسلات الغموض، ووجودكِ هنا يعني وجود شيئا غامض، أنا اقرأ كتبكِ وأسمع البودكاست الخاص بكِ، أنتِ هنا لأنك تشكين في شيئا خارق للطبيعة، لا تظني أنه مجرد قاتل.

هز رأسه كأنه بحاول محو صورة تبرق في عقله:
-وصور الحادثة، السيارة وجسده المعلق، ثيابها المطوية والعثور عليها عارية، هذا شيئا بشع، عائلتهما مدمرة.

حول نظره عنها مواصلًا:
-وعائلة جون لن تشفي من هذا، كان صبي خجول ومثالي للغاية، لم يصدقون أنه كان هناك وكان بينهم اتصال جنسي قبل قتلهم..

قاطعته مستفهمة:
-هل كان بينهما اتصال جنسي من قبل؟

تردد ميل في الإجابة، فتوقفت مينا عن السير تحثه على الإجابة:
-من فضلك أخبريني ميل، إنه مهم جدًا.

فكر لنصف دقيقة قبل أن يحسم أمره بالإجابة:
-لقد كانت تغازله كثيرًا حتى وهي في علاقة، وبوني دومًا في علاقة مع أحدًا ما، في الغالب واحد من الشباب السيئين الذين يتورطون في المشكلات دومًا، في الجامعة أو خارجها، وجون لم يكن نوعها.

كررت جملته الأخيرة باستفهام:
-ليس نوعها؟

هز رأسه بالإيجاب مستفيض التفسير:
-أجل، اهتماماتها مختلفة وشخصياتهما، إنه يحرص على الذهاب للكنيسة بينما هي لم تذهب منذُ من أن كانت في الخامسة، عائلتهما مختلفة ولا يطيقون بعضهما، وأمه التي تعامله كطفلها الثمين لا تحبها، ولا تحب اقترابها منه.

تنهد ثم أفصح يمط شفتاه:
-أحيانا كانت تغازله فقط لتثير خنقها، وأحيانا أخرى لأنه وسيم وتود الحصول عليه لمرة.

شقت شفتاه ابتسامة متذكرًا شيئا ما:
-اعتادت القول إنه بداخله شاب سيء ينتظر أحد ما أن يخرجه.

ضيقت مينا عينيها باِستنتاج:
-إذا بوني كانت تعتقد إنه ليس هذا الشخص الذي هو عليه، وإنما أمه هي من تكبحه ليكون كذلك، وإنها الوحيدة التي يمكنها أن تحرره، صحيح؟

اتسعت عين ميل باستغراب ظهر في نبرته:
-أجل، كيف عرفتِ ذلك؟ كما لو أنكِ كنتِ تستمعين لأحاديثنا.

رفعت كتفيها ببساطة:
-البحث والتقصي والاستنتاج هو عملي.

هز رأسه دون تعليق، استئنافا السير نحو السيارة بينما يهمس:
-كنت أحتاج أن أخرج هذا، لأنني أشعر بالذنب لما حدث، إذا كنت أوقفتها لربما..

قاطعته مرة أخرى:
-لم يكن ليتغير أي شيء، ما حدث كان سوف يحدث مهما ما حدث.

نظر لها بامتنام تخطته بابتسامة ثم نظرة لطيفة:
-كما أنك كنت متعاون ومفيد جدًا، لكن لدي سؤال أخير.

ابتسامة صغيرة شقت ملامحه الصامتة:
-بالتأكيد، أي شيء.



-كان معجب بها؟

حرك رأسه يمينًا ويسارًا بتفكير:
-نوعًا ما أجل، كان فقط مهوس بجمالها والأشياء التي تفعلها معه، ولكنها كانت تجيد التلاعب بالرجال، وهو كان هدف سهل الاصطياد.

فتحت باب السيارة ووضعت حقيبتها في المقعد المجاور للسائق، ورفعت رأسها تنظر نحوه:
-اعتادوا القول أن أصحاب الفضيلة أكثر الناس صعوبة في الوقوع في الخَطِيئة.

فكر للحظة ووضع كلتا يديه في جيب سرواله الأسود ينفي القول:
-حديث فلسفي جيد لكن في الواقع هم أكثر الأهداف سهولة لأنكِ يمكنكِ لأنهم يحملون رغبة طفل في استكشاف كل شيء حتى وإن كانوا يحبطوها.

هزت رأسها ومنحتها نفسها مساحة التفكير، كادت أن تدلف للسيارة لكنها عاودت ترفع رأسها تسأله:
-هل تعلم عنوان منزل جون؟

هز ميل رأسه ومنحها العنوان، ثم ودعها في كياسة وراقب السيارة تغادر حرم الجامعة.

هل يمكن أن تسبب خطيئة إنسان الأولى في فتله؟

أجل لأنه من الصعب مسامحة القديس على خَطَاياه لأنه قديس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي