الفصل الثالث

الفصل الثالث

لقاء مع العائلة المنكوبة في وليدها.

هذا الجزء الأصعب من أبحاث مينا حيث تضطر للحديث مع عائلات الضحايا، أو الجيران والأصدقاء، وحثهم على تذكر ذويهم أو المآسي التي حدثت لهم، وهو شيئا ثقيلًا جدًا على نفسها.

أوقفت السيارة أمام عنوان منزل جون ليستر في حي بلوتشي مان، العنوان الذي منحه لها ميل.

وقفت تنظر البيت المطلي بالكامل باللون الأبيض الناصع، مبني على الطراز الخمسينيات القديم، أمامه باحة خضراء بها أرجوحة بنية.

الحي يصرخ بالانضباط والتدين، فكل البيوت مُشابهة لهذا الطراز، وهناك كنسية قريبة تظهر عواميدها من خلفيته.

-البيت يبدو خارجًا من فيلم قديم للأشباح.

علقت بنبرة منخفضة وهي تفتح البوابة الحديدية المطلية باللون البني، عبرت الساحة الخضراء الصغيرة وصعدت الدرجات الثلاث للبيت، أخذت نفسًا عميقًا ثم قرعت الجرس.


انتظرت دون توقع بأن يفتح أي شخص الباب، أو حتى أن يوافق على استقبالها ولكنها فعلتها على أى حال.

نظرت لساعة يديها الرقمية، ثلاثة وثلاثة وأربعون دقيقة، وعندما تغير الرقم لأربعة فُتح الباب فرفعت عينيها.

تقف أمامها سيدة ترتدي السواد، واضحًا للغاية أنها في حداد رغم أنها لا تبدو من نوعية النساء التي ترتدي الالوان.

تنورة مستقيمة تقف أسفل ركبتها، قميص نسائي حريري مغلق الأزرار للنهاية، شعرها الأسود ترفعه في كعكة مشدودة، وعينيها السوداء شديدة الصرامة مما جعل مينا تضطرب لدقيقة قبل تهمس:
-مرحبًا.

قالتها والسيدة لم تنطق، فاستدركت بأدب:
-أنا أسفة، اسمي مينا ميتشل، وأنا هنا لأجل..

تلجلجت مينا ولم تعرف ماذا تقوله، بينما السيدة تنظر نحو حقيبتها الزهرية هيئتها الصغيرة قائلة بنبرة باردة حزينة:
-أنتِ هنا لأنكِ تودين أكثر عن ابني وجريمة قتله.

توردت وجنتي مينا آثر حرج مختلط بخجل ابتلاعها بينما تبتلع لعابها محاولة تحسين موقفها السيئ جدًا:
-أنا أسفة للغاية، أعرف أن هذا لا يصح وليس مناسبًا، وأنني لم أهاتفكِ أولًا لكنني..

عانت مرة أخرى مع كلماتها، مما جعل السيدة تفسح المجال لها دون أن تتخلى عن صرامتها:
-يمكنكِ أن تدخلي، وسؤال أيا ما تريدين.

ارتفع حاجب مينا بتعجب لم تنجح في إخفائه لكنها خطت للداخل، أغلقت السيدة الباب وقادتها نحو الداخل.

أجلستها في غرفة استقبال نظيفة وقديمة الطراز قليلًا أيضًا، أشارت لها نحو الأريكة فجلست مينا حيث أشارت.

شبكت السيدة أصابعها وأجابت استفهامها الغير منطوق:
-سوف أتحدث مع أي شخص أو صحفي عن ابني، ليعلم العالم بأجمعه بأنها هي من قادته لحتفه وهو لا يستحق ذلك.

ارتفع كلا حاجبيها باستيعاب، هذه السيدة تعاني من خسارة فادحة، هو ليس فقط ابنها، هو الشخص الوحيد لها في العالم، ومع كل هذا التدين والانضباط والمالية التي تغطي علي حياتهما لا يمكنها تصديق أو قبول الطريقة التي رحل بها، لن يفعل أي والد.

حافظت على خفوت نبرتها وأدب عباراتها، وهي تنفى عن نفسها أكثر من نصف ذلك:
-أنا لستُ صحفية سيدة ليستر، أنا كاتبة ولدي برنامج إذاعي على الإنترنت عن الجرائم الغامضة، وأحب بأن أمنح الشرف للضحايا من خلال تذكرهم، ولا أدعى العالم ينساهم.

حسنًا؛ إنها تخطت جزء الظواهر الخارقة للطبيعة لأن تلك السيدة ليسَت في حاجة لسمعه، ليس فقط لأنه سوف يجعلها تنظر لها على أنها مجنونة.

ولكن الأسوأ أن تصدق أكثر مما تستطيع التعامل معه، فتلجأ لبعض الطرق الخطرة للتواصل معه أو إعادته وهو ما سوف يسبب المزيد من الكوارث.

بللت مينا شفتيها وهي تعيد النظر إليها:
-وأود أن أقدم لكِ التعازي لخسارتكِ، وأشكركِ لاستقبالي والتحدث معي.

اخفضت السيدة رأسها بتهذيب وهزة صغيرة، ثم رفعت رأسها تسألها:
-هل ترغبين في تناول الشاي معي؟

كادت أن ترد لكنها تابعت في تفسير يدل على شخصيتها:
-لدي قهوة لكنني لن أقدم قهوة لفتاة صغيرة مثلكِ، إنها مضرة ممتلئة بالكافيين، بينما الشاي بالاعشاب الطبيعية أفضل.

سيطرت على ارتفاع حاجبيه، وحركت أصابعها حركة عشوائية:
-أجل، أود للغاية مشاركتكِ فنجان من الشاي سيدة ليستر.

هزت السيدة رأسها واستدارت تغادر الغرفة، زفرت مينا بمجرد رحيلها، كان حضورها مهيبًا صارمًا للغاية، مما جعلها تفهم ما قاله ميل لها قبل قليل.

نظرت الغرفة المرتبة حولها، ونهضت ببطء تنظر لإطارات الصور المرصوفة فوق مدفأة قديمة الطراز لكنها تناسب الغرفة.

جميع الصور تخص جون ووالدته، لقد كان عالمها بالكامل، يتشاركون ويتقامسون كل شيء، وبالطبع سوف ترى كل فتاة تتقرب منه مهما كانت كتهديد لها لأنها سوف تأخذه منها.

الصور في باحة الكنسية، في الحديقة وأمام المنزل، ولا صورة واحدة تضم بقية العائلة إن وجدت، لا شخصًا آخر.

عادت مسرعة نحو مكانها حينما سمعت وقع خطواتها العائدة، ونظرت للأسفل كما تشي قواعد الاتيكيت والتهذيب.

لم ترفعها إلا حينما وضعت صِيْنِيَّة خشبية فوقها فنجانين الشاي وطبق به كعكات شيكولاته، وجلست في المقعد المقابل لها:
-شكرًا لكِ.

هزة رأس أخرى كانت إجابتها، ساد صَمت لدقيقة ثم قالت السيدة في حدة حزينة:
-ابني لم يكن يستحق هذا أبدًا.

تنفست مينا بهدوء:
-هذه هي المرة الثانية التي أسمع فيها ذلك.

برقت عين السيدة الحزينة بكره خالص قاعه ألم:
-لأنها الحقيقة، تلك الحقيرة هي من تسببت في ذلك.

ارتفع حاجب مينا:
-تقصدين الآنسة بوني ملين؟


ظهر الكره أكثر في عينيها، اجتمع الحقد والقسوة والحزن في نبرتها:
-أجل، تلك الإنسانة السيئة لم تترك ابني منذُ أشهر، تتغازل به في كل فرصة تحصل عليها.

رفعت فنجان الشاي ووضعته أمامها بينما تتابع حديثها بغل:
-لقد آتت ورائه إلي البيت أكثر من مرة، لم تملك حتى أدنى درجة من التهذيب لتقول لي حجة ما.

وضعت طبق الكعك بينهما، أشارت لها نحوه ونبرتها تزداد وتمتلئ بالغل:
-أنها فقط ظهرت في ثوب غير محتشم، مثير للقرف عند عتبة منزلي تطلب رؤية ابني.

سألتها وعينيها تضيق بتركير:
- وأنتِ تركتيها تصعد لرؤيته؟

نفت بحدة وعينيها تسترجع الذكرى:
-بالطبع لا، لم أمنح الفرصة لذلك لأنه خرج يقف معها في باحة المنزل.

نظرت نحوها ثم أخفضت عينيها نحو الشاي ذات الرائحة الجيدة، رفعت الفنجان بين يديها:
-بعض أصدقائها قالوا إنه كان معجب بها؟

احتدت نافية بشدة وجسدها يصرخ برفض الفكرة سواء من بوني أو غيرها:
-لا، ابني لم يكن يشعر بأي شيء تجاهها، هو فقط، فقط لا يستطيع إحراج أي شخص، لم يكن ليرفض أي شخص يلجأ له.

هزت مينا رأسها بتفهم مصطنع، لم تكن تود إثارة غضبها، تلك السيدة لن تقبل نظريات غير التي تراها، وهي هنا كي تسمعهم.

ارتشفت قطرة شاي كمذاق، في الواقع أعجبها، فكان فيه أعشاب عطرية الرائحة ومستلذة المذاق، تجرعت بضع رشفات قصيرة ثم التفتت نحو السيدة تحثها على إفراغ ما ترغب:
-وماذا أيضًا؟

التمع مزيد من الكره في عينيها:
-لقد ذهبت ورائنا إلي الكنسية، لن تصدقي الثياب الفاضحة التي ظهرت بها في القداس، ولا الحركات التي فعلتها أمام كل الناس، لم يكن لديها أي خجل أو تهذيب، ولم تترك ابني، كانت تطارده في كل مكان.

بللت شفتيها وقادتها نحو الحديث الذي أردته:
-هل طريقة ثياب تلك الفتاة وأسلوب حياتها هو ما جعلكِ لا توافقين عليها؟

ربتت فوق تنورتها السوداء، ونظرت لقط مر أمامهما ثم ذهب ليحتل أريكة أخرى بكسل:
-ليس فقط هذا مع إنه سبب كافي، بل لأن ابني صغير وأمامه دراسة وعمل يثبت نفسه فيه، كانت لتعطله وتخرب حياتنا.

لم تستخدم الفعل الماضي، إنه صعب عليها بالتأكيد أن تفعل.

تحركت خطوة بينما تراقبها ترتشف من الشاي واستدركت في مبررات أخرى:
-هل تعرفين أن والديها في علاقة زواج مفتوحة؟ كل واحد منهم يمكنه أن يتعرف ويقابل أشخاص أخرين، أي نوع من الزواج هذا وماذا يمكن أن ينتج عنه.

اكتفت مينا بجملة قصيرة دون إبداء أي رأي:
-أفهمكِ سيدة ليستر.


بدت كأنها لم تسمعها، الغضب والكره والغل المدفوعين بالحزن احتلوا مجال رؤيتها تمامًا فاندفعت في تنفثيهم:
-هذه الحقيرة لم تبتعد عن ابني، لم تكن تحبه، لم يحبه أحد مثلما أحبه أنا، كانت فقط ترغب في إفساده، إنها شيطانة.

لم تستوعب مينا تحدثها هكذا عن فتاة قُتلت بجانب ابنها، قتل لم يكن أقل بشاعة عما حدث لابنها، إنها تلومها وهذا تفهمه ولكن ما لا تستطيع فهمه هو كره شخص رحل عن هذا العالم.

كررت الكلمة بغرض في نفسها:
-شيطانة!

لم يغدر الحقد نبرة صوتها وهي تؤكد:
-أجل أنها شيطانة لعينة، لقد فسدت ابني، وجعلته يموت بهذه الطريقة.

استوطن الغل نبرتها تمامًا حتى ظهر بين كلماتها شيئا مظلم للغاية بدأ كسحابة تغلفها وتبتلعها:
-إن الله قد عاقبه لأنه أرتكب معصية، حرره منها بعقابه كي يدخل النعيم.

ابتلعت مينا لعابها، واهتز فنجان الشاي بين أناملها، ملامحها بهتت وهي تسألها:
-هل تؤمنين بذلك؟

تركت فنجانها بعنف فوق الطاولة، لاحظت مينا أنها لم تمسه، لكنها رفعت عينيها نحو وجهها الذي يشي بملامح غامضة مُغيمة:
-أجل بالطبع، ولدي كان ملاك، كان قديس بين حثالة البشر على الأرض، أنا وهو كان مقدر لنا الجنة.

قسَت ملامحها مرة أخري وطفح الحقد من بينهم:
-لكن هذه الشيطانة الملعونة حاولت إغوائه، لقد حاولت محاربتها ولكنني لم أستطع، وحين أسقطته عاقبه الرب كي يطهره ويبقيه في الجنة معي.

عجزت مينا عن إيجاد رد على تلك الكلمات التي لم تتوقع صدورها من الأم أبدًا، بقت تهز رأسها بلا معني.

لكن السيدة ليستر احتدت نظراتها أكثر حتى تطاير الشرار من بين حدقتيها، مَلت وقبضت على كفيها مما أفزعها، وسكبت المزيد من كرهها المدفوع بالحزن:
_هذه العائلة كلها معلونة، عائلة من الشياطين جميعهم يستحقون الموت، يستحقون ما حدث لهم، يجب أن تفضحيهم، أن تدمري سمعتهم إن كانوا يملكون سمعة من الأصل.

سحبت يدها منها هاتفة دون حدة حتى لا تثير حفيظتها:
-سيدة ليستر.

وكأن السيدة استعادت تعلقها، تركت يديها وابتعلت أنفاسها وهي تفلت يديها وتنظر في اتجاه مختلف:
-عذرًا، لقد فقد السيطرة لثانية.

زفرت مينا دون أن تلاحظ وحاولت التصرف بشيء من الطبيعية:
-لا مشكلة، أفهم ما تمرين به.

هذه السيدة تفقد عقلها التي فقدت نصفه في الأصل، إن جون ليستر كان يعيش حياة غير آمنة، كان لينتهي مثل "نورمان بتس" في سايكو إن لم يقتل.

زفرت بتوتر وحاولت الانتهاء سريعًا من أسئلتها:
-هل والده بالجوار؟

اختلجت ملامحها لثانية فقط، اختلاجة لم تمر عليها، وحولت عينيها إلى إطارات الصور الموضوعة فوق المدفأة:
-لا.

اتسعت عينيها وهي تستدير تواجهها:
-تزوجنا حينما كنت في الثامنة عشر، وحملت في جون منذُ اليوم الأول، لكنني اكتشفت أنه ليس متدين ومستقيمًا، لا يستحق أن يحظ بعائلة، تركته ونعيش وحدنا أنا وجون منذُ وقتها.

لماذا لديها هذا الشعور بأن الأمر معاكس لهذا؟
ولكنها لا تستطيع أن تطرح عليها المزيد من الأسئلة، فهي لديها نسختها من الأحداث وأي محاولة لعكسها قد تؤدي لأشياء غير جيدة.

عوضًا عن ذلك رفعت عينيها نحوها:
-شيئا أخير، هل يمكنني رؤية غرفة جون؟

فكرت لثوانٍ، ثم استقامت تردد جملة واحدة:
-يمكنكِ.

حملت حقيبتها وتبعتها، صعدت خلفها درج خشبي يقود للطابق الثاني والوحيد، الطابق به غرفتين متجاورتين للنوم فقط، هذه السيدة أوضحت أنها لن تقبل مشاركة ابنها ولن تدع أحد أخر يدخل بينهما.

وضعت قبضتها على مقبض الغرفة الثانية، وحينما أدارته وفتح هجمت رائحة منظفات مطهرة قوية عليهما، جعلت مينا تسعل وتبتعد لخطوتين.

استعادت أنفاسها وخطت لداخل الغرفة مغلقة النافذة بينما تهمس السيدة:
-هذه كانت غرفة جون.

غرفة طرازها قديم أيضًا، لا تحوى حاسوب بالطبع كما مفترض أن تكون، ولا حتى هاتف أرضي رغم أن أحد لم يعد يستخدمه الآن، فقط فراش بني ومكتب نفس اللون.

مكتبة ممتلئة بالكتب وإطارات صور تجمعه مع أمه، لا صورة واحدة له فقط، وخزانة ثياب مغلقة.

تصاعد رنين هاتف المنزل من الأسفل، نظرت السيدة لها:
-أعذريني لدقيقة.

-بالطبع سيدة ليستر.

ما أن غادرت السيدة وقد استدارت تنظر في الغرفة بتمعن سريع، أنها على يقين من أن جون يخبئ شيئا ما، وأن نظرة بوني لم تكن كلها خاطئة.

فكرت لثانية في المكان المثالي الذي لن تبحث أمه فيه، لابد أنها تفتش مكتبه وكتبه وخزانته لكنها أبدًا لم تفتش كتابه المقدس.

اتجهت نحو رف الكتب الدينية الذي يتوسطه الكتاب المقدس، سارت بأناملها فوقهما ثم حملت نسخة ضخمة كبيرة من الكتاب المقدس، فتحتها وفرت صفحاتها حتى المجلد الأخيرة ثم عادت للأول.

تلمسته فشعرت بحشوًا ما أثقل من المجلد الأخير، مررت أظافرها المشذبة والمطلية بلون فيروزي هادئ، فتحركت الصفحة البيضاء للغلاف وظهر مغلف بلاستيكي رفيع فيه بضع صور وأشياء لم تبينها.

نظرت نحو الباب و سمعت خطوات السيدة العائدة، فأخرجته وأعادت الكتاب مكانه وسحبت نفس عميق وهي تضع المغلف البلاستيك في حقيبتها، وسارت تجاه الباب لتقابلها أمامه.

ظهرت ملامح امتنان عليها:
-أشكركِ سيدتي على دعوتي والإجابة على أسئلتي.

لم تجيبها بل سألتها بصرامتها:
-هل انتهيتِ؟

هزت رأسها بصمت فأشارت لها السيدة بأن تتبعها، لم تكن تحب فعل هذا لكنها لن تدعها ترى هذا، وربما حينما تعثر عليها يجن جنونها حينما ترى هذا، وإلا لم يكن جون أن يخبئه عنها.

عبرت الباب الذي فتحته السيدة، فاستدرات تكرر قبل رحيلها:
-أنا أسفة مجددًا على خسارتكِ سيدة ليستر.

منحتها هزة رأس ثم أغلقت خلفها الباب، عُقب ذلك زفرة مينا ولم تصدق أنها خرجت من منزل تلك السيدة.
هناك شيئا حدث معها، شيئا جعلها كذلك، ربما متعلق بوالد جون أو عائلتها أو الاثنين، لكن حتما جون الطالب المثالي لم يكن سعيدًا، ولم يعش حياة سليمة.

قفزت الدرجات وعبرت الباحة وغادرت البيت الأبيض في الحي الهادئ.

أشعلت سيارتها عن بعد وفتحت الباب الأمامي للسائق،خلعت حقيبتها بكنزها الثمين لتضعها في الداخل.

-ماذا تفعلين هنا؟

رفعت عينيها نحو مصدر الصوت، كان شاب يتناول شطيرة ويرتدي سترة جلدية بنية يستند فوق سيارة سوداء موديل لا تميزه، لكنها تساوي ثروة الآن على الرغم من عدم حدثتها ولهذا هي غالية.

ضيعت عينيها تُطالعه:
-عفوًا؟

ابتلع ما التهمه من الشطيرة، ورفع وجه المنحوت بمثالية نحوها:
-ماذا كنتِ تفعلين عند السيدة ليستر؟

ارتفع أحدى حاجبيها:
-ولماذا أنت تسأل؟

ابتسم بسخرية تجابها خاصتها:
-لقد سألت أولًا.

أصدرت صوتًا ساخرًا:
-لقد سألت ثانيًا.. وأكثر منطقية أيضًا.

ارتفع حاجبه بشيء لم تفهمه ولم يتحرك من وقفته:
-من أنتِ؟

كررتها وهي تستند ذراعها فوق باب سيارتها:
-من أنت؟

ابتسم بتسلية ونظرة لابد أنها تسقط بعض الفتيات:
-ألستِ فتاة جيدة؟ لأن الفتاة الجيدة لا تجيب السؤال بآخر.

ضيقت عينيها بتعبير ساخر، تجاريه في لعبته:
-لا، أنا فتاة جيدة ولكنني أجيب الأسئلة المنطقية من أناس أعرفهم، هذا ما عملني إياه والدي.

حركت شفتيها ببديهة ساخرة مازحة:
-وبما أنني لا أعرفك، ولا تسأل أسئلة منطقية يحق لك سؤالها فلن تحصل على إجابة سيدي.

قالتها ودلفت لسيارتها، وانطلقت وهي تنظر له في المرآة الجانبية.

لا تعرف من هذا الشخص، ولا لماذا انخرطت في لعبته الساخرة، كان واقفًا يراقب البيت، لابد أن يكون له علاقة بالقضية لكنها لن تشغل بالها.

وصلت الفندق وحملت حقيبتها نحو غرفتها، لم تجد إيلينا في الغرفة، لابد أنها غادرت حينما تأخرت، فالساعة تجاوزت السابعة.

أرسلت لها رسالة هاتفية، ثم طلبت طعام من قائمة المطاعم القريبة التي يضعها الفندق في الغرف.

أخذت حمام دافئ تزيل به عناء السفر والمشاوير والتوتر، أبدلت ثيابها لأخرى مريحية، وتركت التلفاز على فيلم كوميدي إنتاج الثمانينات.

استلمت الطعام ورسالة من إيلينا تخبرها بإنها ذهبت لتلتقي أحدى أصدقائها في المدينة وسوف تتأخر.

وضعت الطعام فوق الطاولة وبجواره حاسوبه وأوراقها ومغلف جون، واستعدت لتكشف سر جون ليستر الذي يخبئه في الكتاب المقدس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي