الفصل الرابع الحارس

الفصل الرابع (الحارس)

نظرت "راشيل" بملل إلى "ساندي" وقالت:
-لا، سوف نتناول القريدس على الغداء، فقد مللت اللحوم.

هزت "ساندي" رأسها بملل وهي تنظر إلى حبيبها، ثم قالت:
-موافقة، وأنا أيضًا قد مللت.

استحوذت بيث على الحديث قائلة:
-لقد تم افتتاح مطعم جديد، حيث المكان هادئ بعض الشيء ويطل على الغابة، لقد ذهبت إليه ليلة أمس، من يريد الذهاب معي غدًا، وتجربة هذا المكان الرائع!

قالت ساندي موافقة:
-أنا أريد الذهاب معك، الكافتيريا هنا أصبحت مملة، الجميع يجتمع هنا، والمكان أصبح غير ممتع، الكل يجتمع هنا من أهل البلدة، والمكان يكون مكتظ، وخصوصًا في الوقت ما بعد الإفطار ووقت الغداء.

ثم أشارت بيديها إلى المكان، وأكملت قائلة:
-هنا الكل موجود من أهل القرية؛ وأصبحت لا أستطيع أخذ راحتي.


كان "جون" ينظر بملل إلى باب الكافتيريا، وقد شعر بالتململ من حديث "ساندي" الذي لا ينتهي.

ولكن فجأة لفت انتباهه ضوء أبيض، فرفع عينيه بتركيز، فأبصر فتاة بثوب نهاري من الحرير الأبيض، يكشف عن بشرة بيضاء رائعة، وكتفين رائعتين أسرت انتباهه بالكامل كما فعلت مع الجميع، وخصوصاً أصدقائه "مايك" و "روبن".

همس جون إلى صديقه مايك:
-هل شممت هذه الرائحة؟

أومأ مايك برأسه قائلًا:
-نعم، إنها رائحة تسلب الحواس، وتثير المشاعر، أنها رائحة مخدرة.

كانت تنظر حولها بارتباك، وهي تدخل لتجلس بسرعة على أقرب منضدة فارغة، وضوء الشمس يرمي ضيائه على شعرها الحريري البني اللون.

لم يتمالك الثلاث الرجال أنفسهم؛ وقالوا في نفس واحد:
-إنها فتاة رائعة، في قمة الجمال.

الثلاثة وكما المسحورين بهذا الجسد الرشيق الفاتن، ذهبوا إلى حيث تجلس تلك الفتاة الرائعة، وتجاهلوا هتاف صديقاتهن.

كانت "إيلي" تشعر بالغرابة ومرعوبة، خافت أن تذهب إلى منزل جدتها فترتعب مما حدث لها، وحدثت نفسها:

-هل أذهب إلى جدتي الآن أم لاحقًا؟ أكيد إن ذهبت إلى جدتي؛ فإنها سوف ترتعب إذا رأتني هكذا، أكيد لن تتعرف عليَّ، فأنا لم أعرف حالي حين نظرت إلى المرآة، أيكن هذا الرجل قد سلب روحي وأدخلها في جسد آخر؟

صمتت عن مخاطبة نفسها، وهي تتذكر امتلاكه لها، ثم همست:

-إنه شيطان؛ ويمكن أن يفعل أي شيء بكل سهولة، جسدي خير مثال على ذلك، السمنة، وزني الزائد اختفى، والنمش أيضًا، وشعري المجعد صار حريري، وعيناي أصبحت ترى بدون مساعدة النظارات الطبية، وهذا عجيب.

والأعجب من كل هذا انتقالي من تلك المدينة الثلجية الغريبة، وهذا المنزل إلى هنا، وظهور هذا الضباب الأبيض وكأنه رهن إشارتي.

وما كادت أن تفكر أكثر في تنقلها من مكان في أقصى العالم إلى هنا، حيث قريتها الدافئة، حتى شعرت بأحدهم قربها؛ رفعت رأسها لترى كل من روبن، ومايك، وجون الذين تجاهلوها بالأمس، ولكن ماذا يريدون؟

فسمعت أحدهم يقول:
-اسمحي لنا بالجلوس معك؟

لم تكد أن تجيب حتى جلسوا دون إذن منها، ليردف جون:
-يا إلهي، كم أنت جميلة.

ومد يده ليمسكها، ولكن صوت "ساندي" التي صرخت قائلة قبل أن يلمس شعرها:
-جون، حبيبي، أرفع يدك عن تلك.

وتوقفت عن الكلام وهي تضع يدها على فمها هي باقي صديقاتها، وقلن في نفس اللحظة:
-يا إلهي، إنها إيلي.

ولكن "جون" لم يستطع الإبتعاد ومد يده ولمسها؛ فسار في جسده شيء كما التيار الكهربي، أو الصاعقة المؤلمة، عندما لمس شعرها؛ مما جعله ينتفض من مكانه، ويقفز بعيدًا بألم.

الفتيات يصرخن؛ فقفزت "إيلي" من مكانها، مرتعبة من هستيرية الفتيات، وركضت خارج الكافتيريا بسرعة؛ حتى اصطدمت برجل، وما كادت أن تبتعد عنه حتى لا تؤذيه، إلا وأحاطهم ضوء أبيض بالكامل، وفجأة أصبحوا بالغابة، كما لو كانوا انتقلوا عبر الضوء لمكان آخر.

قالت له إيلي برعب:
- ابتعد عني، ماذا حدث؟ وكيف جئت بي إلى هنا؟

ابتسم لها، وقال الشاب الوسيم، الشبيه ببراد بيت:
-أنت من جئت بي إلى هنا تولين.

اتسعت عينيها وهي تقول:
-أنا من فعل هذا!

ثم صمتت عدة ثواني قبل أن تكمل قائلة باستيعاب:
-نعم، بالفعل أنا، وليست هذه المرة الأولى لي بالفعل.

نظرت حولها في المكان؛ واتسع فمها من الصدمة، وهي ترى روعة المكان، فقالت له:
-ما هذا المكان؟ أنا لم أرَ مكان بهذه الروعة قبل ذلك.

قال لها بهدوء:
-نحن في عالم الجنيات، حيث الأزهار والأشجار يانعة ومزدهرة طوال أيام السنة.

قالت بنبرة غير مصدقة:
-عالم الجنيات، هل هذا العالم موجود؟

رد عليها الشاب بابتسامة ساحرة:
-نعم، كل ما يخطر على ذهنك موجود.

سألت إيلي:
-حتى عالم الشياطين!

نظر إليها بتمعن قبل أن يجيب:
-نعم، فأنت تمتلكين طاقة القمر، وطاقة أخرى مجهولة، طاقة قوية جدًا، تمكنك من إنشاء بوابات زمنية، والتنقل بين الحاضر والماضي، والقدرة على تغيير ما يحدث في الزمنين.

كانت مصدومة مما تسمع، فقالت لها:
-إذًا، أنا أستطيع الانتقال من زمن إلى زمن، وأيضا التنقل من مكان إلى مكان في لمح البصر، وإنشاء بوابات زمنية كما فعلت الآن.

أومأ رأسه بالإيجاب:
-نعم، كل هذا أنت قادرة عليه، هذا الذي نعرفه عن قواك.

قالت إيلي:
-معنى ذلك أن لدي قوى أخرى خفية.

رد عليها:
-كلامك صحيح، قوى لا يعلم مجلس الحكماء عنها شيئًا.

فرفعت وجهها إليه؛ فأبصرت عيناه الزرقاء، تبتسم لها بحنان، وشعره الأشقر الجميل يلمع بضوء الشمس.

إنه رجل وسيم حقًا، وسامته خاطفة، وعندما حاول لمسها فقفزت مبتعدة، وقالت له:
-إبتعد؛ حتى لا أؤذيك أنت أيضًا.

وقفزت خطوة للوراء، إلا انه ابتسم وقال لها:
- لا تخافي، جسدك يبعد فقط الرجل الذى يلمس جسدك برغبة حسية. للأسف لا يستطيع لمس جسدك بشكل حميمي وحسي إلا مالكك.

يا "تولين"، فطاقة القمر التي تخرج منك؛ تبعد عنك جميع الرجال الا الذي يملكك.

نظرت له إيلي مندهشة لتحدث نفسها:
-ماذا يقول؟ لا يستطيع لمسي برغبة الا مالكي! ومن هي تولين تلك؟ ومن مالكها؟ هو أيضًا قال لي تولين، هذا الاسم أصبحت أسمعه كثيرًا.

كان هذا كثير على عقلها، وعلى قلبها، وبدون رغبة منها فقدت الوعي.

فقدانها للوعي أصبح واقع تفضل الهروب منه، بسرعة وبقوة؛ ولذلك وقعت مغشيًا عليها بالغابة.

للمرة الثانية تفقد وعيها خلال يومان، وهذا شيء لم يحدث لها من قبل.

رفعت "إيلي" رأسها الذي يؤلمها، وعنقها أيضًا وهي تشعر بارتباك قوي، ولكن ما أيقظها هو أنها تشعر بلمسة، مما أفزعها بشدة؛ فصرخت فزعة:
-ماذا تفعل؟ ولماذا تلمس فخذي؟

قال لها بهدوء:
-لا تخافي مني، أنا كنت فقط أرى وشم مالكك.

انتفضت وابتعدت عنه أكثر وهي تشعر بالرعب، ينخر في صدرها، وقلبها نبض برعب شديد وصدمة، فقالت له:
-ما فعلته الآن وأنا غائبة عن الوعي ليس من حقك.

قال لها بلهجة معتذرة:
-أنا آسف، حقًا لم أقصد إخافتك.



في معبد القمر وداخل مكتب كبيرهم، قال أزر:
-لقد تقدمت في السن يا جاك، وسرعان ما سأتقاعد من منصب رئيس المجلس؛ وستكون أنت القائد من بعدي.

قال جاك:
-نعم سيدي.

-وكما ترى يا جاك، عندما حدثت تلك الغارة من عشيرة الماينوتور، نعم، لقد واجهتهم وكنت في المقدمة، لكنني لم أكن في كل قوتي، أنا عجوز؛ وحان الوقت بالنسبة لي للتنحي.

قال جاك بنبرة رافضة:
لا، أنت لست عجوزًا، ما زلت شابًا وقويًا.

جاءت زوجة أزر، وهي سيدة جميلة جدًا في منتصف العمر، ابتسمت إليّ ابتسامة رائعة، ثم قالت:
-أخبره يا جاك، لقد حاولت إقناعه بأنه ما زال صغيراً، وفي ريعان شبابه.


نظر أزر إلى وجهها المحب وقال لها:
-في ريعان شبابي، كيف؟ وعمري ستون عامًا تقريبًا، يا عزيزتي الغالية.

اقتربت منه، ثم قبلت وجنته بلطف، وقالت بابتسامة:
-في رأيي ما زلت شابًا، وستبقى شابًا كما رأيتك في اجاكم الأول.

لمعت أعين أزر وهو ينظر إلى زوجته بمحبة، ثم قال لها بحب:
-أنا أيضًا.

ثم أخذها بين ذراعيه وقبلها، متناسيًا أن هناك شاهدًا على ما يفعلوه من مغازلة بعضهم مع البعض.

صاح جاك، قاطعًا مغازلة بعضهم البعض:
-أنا هنا، اذهب إلى أي غرفة وأفعل ما تريد فيها، الغرف كثيرة، وليس في مكتب الحكماء.

فابتسمت له أمه وقالت:
-عار عليك لأنك قلت هذا لوالديك.

أجاب بابتسامة:
-لقد نشأت على يد القائد، ولا أعرف أي عيوب، ولدي أخلاق سيئة أيضًا. سأذهب وأترك كلاكما لتكونا مرتاحين.

فكر أزر في زوجته قليلاً، وألقى نظرة فاحصة على ابنه، ثم قال بابتسامة ماكرة:
-لاحقًا سوف نتحدث معًا، بخصوص تولين والهالك، هيا الآن، أريد أن أكون وحدي مع زوجتي الجميلة والرائعة.

أومأ جاك برأسه، وأجاب على والده وهو يضحك بخفوت:
-حسنًا، سأذهب الآن، وسوف نتحدث لاحقًا.


في مكان آخر بالبلدة، بنفس اللحظة كان "كتياس" يمتص كل الدماء من عنق فريسته، حين شعر بنبض حاد في صدره، كما لو كان له قلب.

وكانت نبضة واحدة، مما جعله يتوقف عن شرب آخر قطرة دم الفريسة، مما أحالها إلى رماد بين يديه، وهذا ما يحدث حين يموت أحد مصاصي الدماء.

ولكن تلك النبضة أعلمته شيء واحد، فهتف قائلًا:
-تولين في خطر، نعم إنها تتعرض الآن للخطر والرعب.

وبأسرع قدراته على الحركة كان يتحرك، ويخرج من ذلك المكان إلى الشمس.

فهو الآن حصين ضدها؛ بعدما امتص دماء "مصاص الدماء" الشاب ذلك، ثم أخذ يشم رائحتها عبر الهواء، ثم قال:
- أين أنت يا تولين؟ أنت الآن ملكي، ولن أسمح لأحدهم أن يؤذيك.

في الغابة

حين تراجعت للخلف مرعوبة؛ أبعد هذا الرجل الأشقر يده عن فخذها الذي قام بكشفه أثناء فقدها للوعى.

بسرعه قامت بستر ساقيها كلها بطرف ثوبها، وهى تفكر قائلة:
-ماذا فعل بي أثناء فقداني الوعي؟

برعب أكثر تراجعت للخلف، فسمعت في عقلها صوت يقول:
-لا تخافي تولين؛ فأنا لم أفعل شيء.

نظرت له مرعوبة، وقالت:
-هل يسمع أفكاري؟

فرأت ابتسامة من نور تضيء وجهه الوسيم؛ مما جعلها تندهش، ولكن دهشتها زادت، وهو يقول لها برقة:
- نعم، أنا اسمع أفكارك، هذا شيء مشترك بين الساحرة وحارسها، حتى تمام بدرك.

فنهضت بروية، وهي تنظر له بدهشة، ثم قالت:
-حارس وساحرة! عما تتحدث؟ إنك تقول كلمات شبيهة بكلمات كتياس.

حين ذكرت هذا الاسم تنبه "" وقال بقوة:
-ماذا؟! "كتياس"، هل هو من يمتلكك هذا الشيطان؟! اللعنة، الوضع خطير.

سمعت إيلي أفكاره؛ فقالت له بدهشة:
-أنا أسمع أفكارك، وأنت تسمع أفكاري، يا للهول.

ولكن ما كادت أن تسأل مجدداً، وإلا وقد ظهر "كتياس"، محور أفكارهم بقوة، وسرعة أسرع من طرفة العين.

ثم جذبها بعيداً عن الرجل الأشقر،وقال لها:
-لا تتحركِ من خلفي، إلا عندما أقول لكِ.

ثم واجه هذا الأشقر بشراسة، وهو يكشر عن أنيابه التي ظهرت داخل فمه، وعيناه تتحول إلى لون غريب، وتحول وظهرت حقيقته، حقيقة الوحش.

مظهره الآن جعلها تصرخ قائلة:
-أنت فعلًا وحش حقيقي، وجهك الوسيم هذا مجرد لوحة زائفة، تخفي خلفه وحش مرعب الشكل.

تجسد أمامها كل ما حدث بالأمس، فصرخت من قلبها وبقوة ورعب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي