الفصل الثالث

توجهت جيوش ديلان إلى داديارو ( مقاطعة تضم معظم أصول العائلات الغنية والطبقة الحاكمة، تعد نعيماً لهؤلاء البرجوازيين).


إقتحام المقاطعة المحايدة وفي وضح النهار تعد إهانة للإمبراطور نظراً لكونه يود كسبها دون حروب، قال ماركو نائب الأرشيدوق:

"أيها القائد الأعلى ننتظر أوامرك"


تبسم ديلان بجنون ورد قائلاً:

"دعنا نتلذذ بتوسلهم ورجاءهم قبل نسفهم من الوجود، كما أنه يجب علي التأكد من أمر ما، أرسل الجنود إلى مقر الملك رافيال الثاني، أخبره أن يسلم مقاطعة داديارو لنا وإلا الحرب ستقام هنا والآن"



كان ديلان يجلس بفخامة على كرسيه، عندما وصلته رسالة من الإمبراطور، ابتبسم حيث أدرك أن توقعات زوجته صدقت بالفعل، فقال في ذاته:

"إذن فأنت تستغني عن خدماتي، أريد معرفة ما تخفيه وتحرص على حمايته داخل هذه المقاطعة، لا يهمنى إن عنى ذلك أن أثور على المملكة بأسرها"


ركض فارس بالكاد يتنفس وركع أمام ديلان الذي رمقه بنظرات تحسبها سم قاتل، قال الفارس:


"أيها القائد الأعلى ديلان، عندما بحثنا في المخازن التي دللتنا عليها و جدنا كم هائلاً من الأدوات السحرية الممنوعة، معظمها مستوردة من الخارج، كما أن مخازن الطوارئ ليست سوى مجازر ومشارح يساق إليها الضعاف من رجال الطبقة الفقيرة وكل من يعارض أوامر الملك رافيال الثاني، كما أن لدى الإمبراطور علما بما يجري"


وصل رد الملك رافيال، لقد قطعوا رأس الفارس الذي أرسل إليهم، فنهض ديلان مشيراً إلى جنوده بالتحرك.




بينما كانت المعركة مشتعلة، هناك في قلعة ديلان أرسل جلالة الإمبراطور كتيبة لتدمير القلعة و من فيها، ففي نظره هذا جرم لا يغتفر، نظرت إيلي إلى عشرات الرجال الذين يتوافدون صوب جدران القلعة، فقالت:

"هيا لنبدأ بالخطة الرابعة، أخبروا الأرشيدوق ديلان بما يجري هنا حالاً، سنتعامل مع الوضع هنا"

رفعت بوابات القلعة المعلقة، وتمركز رماة السهام في أماكنهم، هم لا يعلمون أن هذه الغابة ليست كأي غابة إنها تضج بوحوش سحرية من العصر السابق.

كانت الخطة الأولى إرسال الجنود إلى مملكة الياتيرا كتمويه، والهدف هو مقاطعة داديارو.

إن تمكن ديلان من السيطرة عليها سيكون قد قطع يد الإمبراطور التى يتباهى بها، ففي تلك المقاطعة يقوم بجرائم ضد الإنسانية، يقتل يُهرب و يَسلب من الضعيف كل ما يملك.


جلست على كرسيها ثم قالت في نفسها:
"أما عن المرحلة الثانية فقد نجحنا في قطع الطريق عليهم وحاصرنا المقاطعة، لا مفر للهرب أو إرسال الإستغاثة إليهم، وبشأن الخطة الثالثة أظن أن ديلان الآن يهتم بتنفيذها"


أخذت نفساً وبهدوء قالت:
"سأضطر لإستخدام الفنون السحرية إن ساءت الأوضاع، لست بارعة فيها و لكن... "


في وسط تفكيرها، دخلت عليها خادمة تبدو مرعوبة، قالت في خوف:
" إنه الأرشيدوق السابق إيانسون ( جد ديلان) هناك من اغتاله"

ركضت إيلي حاملة ثوبها، وصلت إلى الغرفة و الدماء تسيل على الأرض، تم طعنه من الخلف، وكان هناك آثار بقع سوداء على عنقه تنتشر بسرعة، قالت في ذاتها:

"جميع أبواب القلعة محصنة، لا مفر ليتسلل أحدهم إلى الداخل، هناك خائن في القلعة"

طلبت من الخدم إجراء المراسم اللازمة لتطهير ودفن جثته، ثم توجهت صوب البوابة مجردة من السلاح تنظر حولها كأنها تبحث عن شيء ما.






في الجانب الآخر لدى ديلان، اشتبك الجيشان، ولا فرصة للأعداء أمام بطش وحش الحرب الطاغية، فهو وحده يقاتل بقوة عشر كتائب، وحيث أصوات الإنفجارات الناجمة عن القنابل السحرية تصم الأذن تمكنت جيوش ديلان من إقتحام مقر الحكم في المقاطعة واستولوا على القصر.


أعلن القائد الأعلى ديلان نفسه الملك الجديد لهذه المقاطعة، فهي منطقة ظلت محايدة لبضع عقود، ولا سلطة للإمبراطور عليها، قال الأرشيدوق مخاطبا الشعب الفقير الذي تجمهر أمام بوابة القصر:

"من منبري هذا أعلن أن هذة الأرض صارت ملك لي، ومن له حديث مغاير فإن سيفي بتار ومدافعي لا ترحم"


الأغنياء من شعب تلك المقاطعة كانوا يترجونه ويطلبون منه أن يرحمهم، ولكن هو لا يعطي فرصة ثانية للمجرمين، وصلت رسالة من القلعة تقول فيها أن الإمبراطور هجم عليهم و قد تم إغتيال جده، تلك الأخبار هزت جدران قوة ديلان فصاح قائلاً:

"إيرانون أريدك أن تبطش بجرذان ذلك الإمبراطور، ستماطلهم إليزابيث ريثما تصل، أريدهم عظاماً بلا لحم"


انصرف القاتل المحترف إيرانون والذي ديلان لا يستعين به الإ إن بلغ الوضع أشده، هو لا يستطيع العودة إلى هناك فعليه إنهاء ما بدأه رغم أن خبر وفاة جده آخر فرد من عائلته أحزنه، إلا أن لا وقت لديه للإنهيار.


قال أحد رجاله:

"تم الإستيلاء على مخزن الأسلحة، وأطلقنا سراح الأسرى كما أمرت، إن النبلاء حالهم يرثى لها حاولوا الهرب لكننا طوقنا الحصار عليهم، وهؤلاء الذين قد أقدموا على التآمر ضدك الآن هم في تصرفك"


كانت عيون ديلان محمرة:

"تابع بدقة تفاصيل ما يدور في قلعتي، إن حدث مكروه لزوجتى صدقني سأجعلك تموت بأبشع الطرق، هم لن يتمكنوا من إختراقها، لا يدرون أن خدمي ليسوا مجرد خدم، فأنا لا أرضى إلا بالأفضل لخدمتي"





في ساحة القلعة وسط الإنفجارات على جدرانها المنيعة، كانت إيلي تقف وتحدق في اللامكان، إلى أن لمحت ظلال تحوم في سماء القلعة، فقالت في ذاتها:

"قرأت عن هذة الغابة وعن كيانات دايمان التي تسكنها، لديهم حساسية من الأصوات العالية وهالات الغضب تجذبهم، لقد خرجوا من جحورهم"

تمكنت جيوش الأعداء بصعوبة من كسر البوابة، فهم يستخدمون بضع سحرة محترفين، دخل الكثير من الجنود الذين منذ أن وطئوا عتبة القلعة إلا وقد قطعت رؤوسهم، فقالت إيلي:

"أليست هذه خادمتي الشخصية، بالكاد لمحت تحركاتها السريعة، ومن ذلك الرجل الذي قاتل معها؟ مهلاً إنه البستاني دوليف راو، لا أصدق أنني أراه يقاتل أمامي، لطالما أعجبني أسلوب قتاله تمنيت سابقاً أن أرى معاركه بدل القراءة عنها والآن تحقق الحلم"


كعزف سيمفونية سريعة الإيقاع كانت تحركاتهم متزامنة ورشيقة، كانت الخادمة ديب ديب تستخدم فقط خنجراً وأشواك سامة تردي بهم واحد تلو الآخر.

تقدم ساحر من المستوى (د) شق الأرض بضربة من عصاه، فحملت ديب ديب إيلي في آخر اللحظات فقد كادت تسقط في الحفرة التي أحدثها، تولى دوليف مقاتلته، تراجعت إيلي للوراء حتى وصلت بقعة تمكن من خلالها مراقبة الوضع بوضوح كانت تخطط لأمر ما، فقالت في ذاتها:

"أن يخفي ديلان مقاتلين بهذة القوة، وبجعلهم يقومون بأعمال الخدم، لا عجب أنه أكثر دهاءاً مما كنت أظنه."


حيث الغبار عم الأرجاء قال شاب وسيم يحمل مسدساً:

"تحياتي أنا كرستروف ( رئيس فرقة الطوارئ ساحر متقاعد) لقد تخلصت من جنود الإمبراطور في الجانب الشرقي من القلعة، لكن لدينا مشكلة سيدتي، إن كيانات دايمان تحيط بالجانب الأمامي للقلعة، لقد انقضوا على جيوش الأعداء مزقوهم إرباً إرباً، غير أن جزء منهم بدأ بالانسحاب، تلك الكيانات ستشكل خطراً على أمن القلعة، أطلب منك العودة للداخل أيتها الأرشيدوقة"



نظرت إيلي إلى يسارها فلمحت احد الكيانات يتجه نحوهم بسرعة فصاحت قائلة:
"هيا أطلق على يساري، هناك في المنتصف تماماً يجب عليك اصابة الجوهرة منتصف ناصيتهم، إستخدم إحدى تعاويذ النور لقبيلة اليناو"

أطلق هو النار(من سبابته فقد كان مستخدم سحر فائق) متفاجأ بما تقوله إيلي، كان يظن أن لا أحد في القصر غيره والبستاني دوليف يمتلكون قدرة رؤية كيانات دايمان.

كانت نبضات إيلي غير منتظمة، تشعر وكأنها ستسقط في أي لحظة من هول ما تشاهد، أحست بالدفء يجتاح جسدها كلما رأت تلك الكيانات، فعددها بات في إزدياد.

خطفت الرمح وبدأت بالتصويب عليهم، هذه المرة لم ترتجف يداها كما كانت تتدرب طوال تلك الأسابيع الماضية، تعلمت كيف تحرر جزءا من قوتها،فأي سلاحن تستخدمه مشبعة بطاقة غريبة أحس بها كريستروفر واقشعر جسده منها، فقال في ذاته:

"هل هذا معقول؟ لم أرى قط أحد يستخدم سحر النارون (إنها القوة الوحيدة القادرة على دحر كيانات دايمان) ألم يكن هذا النوع من السحر أسطورة؟"

كانت إيلي على علم بشأن قواها السحرية، هربت الوحوش عندما رأوا مقدار الإنفجار الذي سببته طلقت واحدة.




لم يكتفى الإمبراطور بما صنع من خراب في قلعة ديلان، بل واصل إرسال رجاله، كان يعزم على محوها من الخريطة، لقد خرج الوضع عن سيطرته.





في الجانب الآخر لدى ديلان، حال منتصف الليل ولم يغمض له عين بمجرد نزوله لأرض المعركه، جنوده يصلون أن يهرب الأعداء بجلودهم فهذا ليس برجل عادي، إنه وحش طاغية، قال قائد جيش الدعم من طرف الإمبراطور:

"كم انتظرت هذه اللحظة، أن أقاتلك حتى الرمق الأخير هذا ما كنت أتمناه"


تقدم ديلان بسيفه الأسطوري، ما إن يستل سيفه ذلك من غمده لن يرجعه إلا والدماء تلونه.

فرد عليه:

"أيها الكونت مامورا لا تعترض طريقي"

هاجمه مامورا بكل قوة غير مبالي بما يقوله ديلان، الذي كان يصد ضرباته دون أن تسقط منه شعرة، عشرات الرجال تجمعوا حوله ويلقون عليه ضربات من شتى الجهات.


لم يلبث الإ بضع ثوان حتى تمكن ديلان من جعلهم كرماد متناثر حوله، ثم جعل رأس مامورا معلقاً على رمحه، هزت هزيمة قائد العدو صفوف الجنود المنظمة، وباتت هزيمتهم مسألة وقت.

عندما رأى الإمبراطور أنه سيخسر جنوده هباءاً، تراجع مهزوماً في نقم، فالقلعة باتت صامدة،حيث قتل جميع رجاله، إنه ليس نداً لديلان وأعوانه.


مضت ثلاثة ليالي تولى فيها ديلان زمام الوضع في مقاطعة داديار، وإلى هذه اللحظة لم يتسنى له الوقت للعودة للقلعة التي أمر بنقلها ومن فيها إلى المقاطعة حيث سيتمركزون من الآن وصاعداً، فقالت ساميتا بحزن:

"إيلي الحمدلله أنك بخير، لقد خفنا عليك كثيراً أخبريني هل أصابك مكروه؟"

نظرت إيلي إلى الأرض ثم قالت:

"سننتقل إلى داديارو، إنها أوامر الأرشيدوق ديلان، كيف سأقولها؟ أنا حقاً لا أود الإبتعاد عنكم، لقد حاولت إقناعه لكنه لم يستمع إلي، كما تعلمين فقد سيطر على المقاطعة وأضحى هو ملك عليها"

تنهدت ساميتا وقالت:
"أجل أنا على علم بما يجرى، والدك لم يسر بهذه الخطوة التي أقدم عليها زوجك، هو يفكر بإعادتك إلى المنزل"

نهضت إيلي دون أن تشعر و بملامح لم ترى ساميتا مثلها قبلاً: "أقدر خوف أبي علي ولكن أنا أرفض العودة، أنا الآن زوجة الملك ديلان، لن أتخلى عنه"

فهمت ساميتا أن محاولة إقناع إيلي ستكون مستحيلة، لذا لم تتناقش معها لوقت طويل، ودعتها وأخبرتها أن ستتحدث مع والدها مجدداً لعله يعيد النظر في قراره.

..

أربعة أشهر كلمح البصر انقضت، شيد ديلان قلعة على نفس طراز تلك التي كان يعيش فيها، فهو بالكاد يتحمل البقاء في قصر الملك السابق.


هذه المرة لم تكن غرفهم منفصلة، كانت إيلي تجلس عند الشرفة تحتسي كوب قهوتها، فقالت في ذاتها:

"لقد أصبت في تلك المعركة بجرح في خاصرتي، لم أشفى منه تماماً فقد كان إثر هجمة سحرية، علي معالجته قبل أن يعلم ديلان بالأمر، منذ أن تولى ديلان الحكم ونحن نصبح أبعد أكثر فأكثر، ستفشل مهمة التقرب منه إن إستمر الوضع هكذا"


بقيت إيلي تفكر لوقت طويل جداً، لم تلمح ديلان عندما وصل، كان يناديها إلا أنها من شدة غرق وشرود ذهنها ما عادت تعطي إنتباه لما يدور حولها.

وقف أمامها ونزل على ركبته بالقرب منها ثم أمسك بيدها وقال:

"إليزابيث أنا أتحدث معك"

نهضت هي بعد أن رأته أمامها، ارتبكت وتلعثمت، ثم قالت بعد بضع لحظات:

"آسفة لم أنتبه لوجودك"


حدق ديلان بها مطولاً، وسحبها من خاصرتها نحوه فتألمت مغمضة عينيها إذ أحكم قبضته على موضع جرحها.


قال ديلان: "كما توقعت أنت مصابة"

حملها إلى الفراش وطلب حضور الطبيب في عجلة، لم يسمح لها بنطق حرف واحد، غير أن جرحها يحتاج لمعالجة وتطهير يستدعي ساحراً مختص بالشفاء.



أرسل ديلان بطلب (نادينان) معالجة كانت تعمل معه عندما كان في سن الخامسة عشر، لم يأخذ منها الأمر وقتاً إلا بضع دقائق لمعالجة إيلي.



يُتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي