الفصل الثاني

كان التساؤل عن المراحل التي صرح عنها صاحب الصوت، هو ما يثير الفضول في قلوب كل منهم، ولكن لم يجرؤ أحدهم أن ينطق ببنت شفة!

فقد كانت قلوبهم ترتجف رعباً من كلمات صاحب الصوت، فكل كلمة ينبس بها كانت تزيد خفقات قلوبهم حتى كادت تخترق القفص الصدري الذي يحويها.

ولكن لم تدم تلك التساؤلات كثيراً فقد بدأ صاحب الصوت يجيبهم عليها واحدةً تلو الأخرى:

-أنتم الآن محتجزون في مكان ناءٍ عن كل الناس، ستخضعون لعدة مراحل من لعبة قام فريق مختص بإعدادها مسبقاً، كل مرحلة تحمل في طياتها لغزاً محدداً يجب عليكم تخطيه.

أكمل صاحب الصوت الأجش عبارته محذراً إياهم:

-انتبهوا جميعاً عليكم بالتعاون معاً لتستطيعوا الخروج سالمين، فالأمر أكثر خطورة بكثير مما تتوقعون!

-كل شخص منكم يظهر على ذراعه رقمٌ ما، الرقم على ذراع ماثيو يمثل الساعة الخاصة بالتحدي، والرقم على ذراع ألبرت يمثل الدقيقة التي سيبدأ بها التحدي.

-أما عن الرقم الظاهر على ذراع صوفيا، فهو يمثل رقم الحجرة أو المكان الذي سيجري به ذلك التحدي.

عاد الصوت ليقول مجدداً:

-تلك الحجرة ستكون مرجعكم دائماً ستجدون بها كل ما تحتاجونه لتجاوز تلك التحديات، ستظهر لكم خارطة على الحائط الأيسر، ستجدون بها كل ما يدلكم عن غرفة التحدي وعلاقتها بذلك الرقم على ذراع صوفيا.

-ولكن كما سبق أن أخبرتكم، عليكم بالتعاون معاً لتجاوز التحديات القادمة، إنتبهوا فمن لا يخرج من تحد معين، فلن يكتب له الخروج من اللعبة كلها للأبد!

بدأت صوفيا بالبكاء فلم يخطر ما يحدث ببالها أبداً عندما وافقت على اللعبة عندما عرضت عليها، لم تتوقع أبداً أن تكون بخطر الموت!

ربت ألبرت على كتفها محاولاً تهدئتها فبينما قلبه كان يفيض بالرعب، فكيف سيكون حالها هي! 

عاد الصوت ليقاطع بكاء صوفيا مرةً أخرى ليقول:

-إن اتبعت التعليمات كما هي، فلن يصيبك المصير الذي تخافينه لا تقلقي، لا داعي أن أخبركم أنه لا يوجد أي نتاج لمحاولات الفرار، فلا مجال لكم لتخرجوا من هنا إلا بإنهاء تحدياتكم!

-ها هو العد التنازلي قد بدأ، أولى تحدياتكم قد ظهرت معلوماتها بالفعل على ذراع كل منكم، أمامكم نصف ساعة وحسب لتصلوا إلى مكان التحدي حينها ستجدون باقي التعليمات بانتظاركم فانطلقوا!

وقف ألبرت أمام زميليه ممسكاً بذراعيهما ليقرأ تلك الأرقام ثم قال مفسراً:

 -الساعة الثانية عشر ظهراً وربع الساعة هذا هو التوقيت الذي تدل عليه الأرقام، أما عن رقم الغرفة فقد أشار الرقم الظاهر على ذراع صوفيا إلى رقم سبعة وعشرون.

توجهوا إلى تلك الخارطة التي ذكرها صاحب الصوت الذي يتلوا عليهم التعليمات، باتوا يبحثون بها عن الرقم سبعة وعشرون وكيفية الوصول إليها، فقد كان ينبغي أن يصلوا إلى ذلك الدليل في أسرع وقت ممكن!

صاحت صوفيا وهي تشير إلى بقعةٍ محددة:

-لقد وجدتها، أنظروا إلى هنا هذه هي.

توقفوا بضع دقائق ليدرسوا تلك الخارطة، ليعلموا ما هو الطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه لكي يصلوا إلى الغرفة رقم سبعة وعشرون.

ما أن إنتهوا من التمعن في طرق تلك الخارطة حتى فتح ذلك الباب الوحيد في تلك الغرفة، ركض كل منهم بأقصى سرعة ممكنة لكي يصلوا إلى تلك الغرفة في الوقت المحدد، فلم يتبق من النصف ساعة غير نصفها فقط!

-تذكري معي الخارطة يا صوفيا أي سلم من الاثنين علينا أن نصعد لكي نصل؟

هتف ألبرت بذلك السؤال في وجه صوفيا عندما رأى أمامهم سلمين كبيرين كل منهم يتفرع إلى اتجاهات مختلفة تماماً!

نظرت صوفيا بتمعن ثم أجابت:

-على ما يبدو أنه السلم الأيمن.

-على ما يبدو؟ ألست متيقنة؟ لا مجال للخطأ هنا أبداً!

قال ماثيو متسرعاً:

-هيا بنا إذاً، فلا وقت لمحاولة التذكر أكثر.

ما أن أنهى ماثيو كلماته تلك حتى بدأ يصعد درجات السلم بعجلةٍ دون أن ينتظرهم حتى! فهو غير مستعد لكي يفقد حياته من أجل ترددهما الغير مبرر!

كادت صوفيا أن تتبعه فقد قارب ماثيو على الوصول إلى منتصف السلم تقريباً وها هو يكاد يصل إلى الغرفة المنشودة، إلا أن ما حدث لم يكن بالحسبان قط!

فما أن وضعت صوفيا أقدامها على أولى درجات السلم لكي تتبع ماثيو، قام ألبرت بجذبها من ثيابها ليدفعها للتراجع للوراء، فها هو السلم يتحرك ببطء ليعكس اتجاهه رغم اقتراب ماثيو من إنهائه!

ما حدث بث الرعب في قلب صوفيا فصرخت:

-ما الذي يحدث هنا؟ لماذا يتحرك السلم بتلك الطريقة العجيبة؟ لم يذكر ذلك الأمر في الخارطة أبداً.

رد عليها ألبرت بصوت قلق:

-الأهم من لماذا أو كيف هو أن نعرف ماذا سنفعل الآن؟

صاح ماثيو من الأعلى بخوف شديد:

-لقد علقت هنا، ساعدوني أرجوكم لا تتركوني، أنا لا أرى نهاية للطريق أمامي سوى حائط مسدود، أين الاتجاه الصحيح يا ترى!

صاح ألبرت ما أن سمع صراخ ماثيو:

-كيف سننقذه؟ إنه الآن في طريق غير طريقنا، يجب أن نصعد إليه ثم ننطلق جميعنا لمواصلة الطريق.

حينها اعترضت صوفيا على كلماته بخوف:

-لقد تقلص الوقت إلى عشر دقائق فقط لا غير! علينا أن ننطلق في الطريق الصحيح فوراً فلا مجال لإضاعة الوقت!

قال ألبرت محاولاً إقناعها:

-أعلم أن الأمر خطير و قد نفقد حياتنا في نهاية الأمر، و لكن لا تنسي كلمات صاحب الصوت الأجش، لقد نبهنا إلى التعاون و أنه سيكون وحده سر نجاتنا من هنا، لا يجب أن نتخلى عنه أبداً! نحن الآن بمناقشتنا للأمر بالفعل نضيع الوقت عبثاً!

حينها فقط أقنعتها كلماته فلابد أن صاحب ذلك الصوت يعرف الصواب أكثر منهم جميعاً، أمسك ألبرت حينها بيد صوفيا المرتجفة ليصعدا ذلك الدرج الأيمن للوصول إلى ماثيو في أسرع وقت فلم يتبق الكثير!

-تبقى من الوقت سبع دقائق فقط!

صاح ألبرت بتلك العبارة وهو ينظر إلى ساعته التي أعلنت أن الوقت قد أوشك على النفاذ وأن حياتهم جميعاً، وليست حياة ماثيو فقط من أصبحت على المحك!

ها هما قد وصلا إلى ماثيو، و أصبح الجميع في ذات المكان، حتى بدأوا جميعا بالركض محاولين الوصول إلى الطرف الآخر من السلم في تلك الدقائق المتبقية.

الخوف كان يمنع ماثيو من أن يخطو خطوة أخرى بدونهما مجدداً فقال:

-أنا شاكر لكم لأنكم لم تتركوني وحيداً، لقد أتيتم رغم أن الوقت قد أوشك على النفاذ بالفعل.

صرخ ألبرت في وجه ماثيو عندما قال تلك الكلمات:

-كل ذلك حدث بسبب تسرعك هذا، لو لم تتسرع وتسبقنا لما تأخرنا كل ذلك!

حاولت صوفيا أن تجعلهما يسرعان فالرعب يزداد في قلبها مع مرور الوقت، فقالت:

-يا أصدقاء، توقفوا عن ذلك الشجار الذي لا يجدي نفعاً، الوقت ضيق بالفعل فساعدوني لنجد طريقنا!

استمع ماثيو و ألبرت إلى ما تقوله وقاما بالنظر إلى الطريق معها، فكل منهما يعلم في قرارة نفسه أنها محقة، محقة تماماً!

بدأ اليأس يتملك قلوبهم فعلى ما يبدو أن الطريق الجديد أكثر تعقيداً مما يتصورون، إلا أن السلم قد عاد ليتحرك مرة أخرى بصورة مفاجئة تماماً!

كاد اليأس يغلبهم عندما تغير الطريق للمرة الثانية،  ولكن عندما توقف السلم عن الحركة كانت المفاجأة  الأكبر، صاحت صوفيا:

ها هو الطريق يظهر واضحاً يا رفاق،  هيا بنا لابد أنها تلك الحجرة المضيئة في آخر هذا الطريق يعلوها الرقم سبعة وعشرون، يبدو أنها هي أخيراً!

ما أن وصلوا إلى نهاية الدرج حتى اقتربوا من تلك الغرفة فتبينوا بالفعل أنها هي تلك الغرفة التي كانوا يحاولون الوصول إليها بشتى الطرق.

ركض كل منهم مسرعاً فباب الغرفة أمامهم يوشك على الإغلاق فلم يتبق سوى ثوان قليلة و حسب!

وصل الجميع أمام الباب فقام ألبرت بدفع الباب بقدمه بقوة ليعود مفتوحا على مصراعيه لهم من جديد!

تنهدت صوفيا ما أن وضعت أقدامها بداخل تلك الغرفة وتنفست الصعداء ثم قالت:

-حمدا لله يبدو أننا قد وصلنا في الوقت المناسب تماماً!

عادت صوفيا تتسائل و هي تضع سبابتها على جبهتها:

-ولكن هنالك ما يثير فضولي فلم تحرك السلم بتلك الصورة ليضللنا إن كان سيعود لإرشادنا مرة أخرى!

سكت ألبرت يفكر لوهلة ثم أجابها ألبرت على تساؤلاتها وقال:

-أظنه كان اختباراً بسيطاً لنا إن كنا سنتعاون أم سنفشل في ذلك قبل حتى أن تبدأ التحديات، حمداً لله أننا استطعنا الوصول قبل فوات الأوان و أننا قد تصرفنا بصورة صحيحة.

رد عليهما ماثيو والقلق يعتري ملامحه:

-لا تفرحا بسرعة هكذا، فرغم كل ما حدث و ما مررنا به، إلا أن التحدي الأول حتى لم يبدأ بعد!

هز ألبرت رأسه متفقا تماماً مع ما قاله ماثيو وأكمل مؤكداً والقلق في قلبه لم يختلف كثيراً عن زميله:

-نعم، فمن يدري ما الذي يحمله ذلك التحدي لنا وهل سنخرج منه سالمين أم أنها نهاية المطاف التي ستحل علينا قبل أن نبدأ رحلتنا حتى؟

ما أن إنتهى ألبرت من تساؤله حتى أغلق ذلك الباب ورائهم مرة أخرى، فعادوا لكونهم مساجين ولكن تلك المرة في حجرة أخرى وتحد مختلف عن كل ما مروا به في حياتهم حتى تلك اللحظة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي