الفصل الثالث

-ها هي بداية التحدي الأول قد أصبحت قيد أنملة منا، لقد أصبحنا سجناء مجدداً، فماذا نحن فاعلون؟

تساءل ألبرت بعد أن اعتراه القلق حينما سمع صوت الأزيز الذي صدر عندما أغلق ذلك الباب فور دخولهم للحجرة رقم سبعة وعشرون.

-يا إلهي! يالها من حجرة عجيبة حقاً!

هكذا وصف ماثيو تلك الحجرة التي قد وصلوا إليها بعد عناء، فردت صوفيا:

-يبدو أن التحدي سيكون مختلفاً كثيراً عن كل ما كان يدور في ذهني!

أضاف ألبرت وقال والحيرة تمتلك قلبه:

-إنها حجرة فارغة تماماً، فأين التحدي في ذلك؟

لم يكد ألبرت ينهي كلماته حتى إختفى الباب الذي دخلوا منه أيضاً وكأنه لم يكن أبداً!

حتى أن كل جدار من جدران تلك الغرفة ظهر عليه رقم باللون الأحمر كما لو كان مكتوباً على إحدى الشاشات الإلكترونية!

عقدت صوفيا حاجبيها وقالت مندهشة:

-ما هذه الأرقام؟ لابد أنها تمثل شيئاً مهماً بالتأكيد فلا شئ في هذه التحديات بدون هدف.

-بالتأكيد، ولكن ألن يخبرنا ذلك الصوت شيئاً كيف لنا أن نعلم هدف المرحلة وحدنا!

تسائل ماثيو فهو كان يتوقع أن يطلعهم صاحب الصوت الأجش عن تعليماتٍ جديدة، وبالفعل ما أن أنهى كلماته حتى ظهر الصوت مجدداً ليقول:

-مرحباً بكم في التحدي الأول، تهاني لكم فقد وصلتم في الوقت المناسب تماماً، كما رأيتم هنالك عدة أرقام، إكتشاف مدلولاتها هو سبيل الخروج من هنا، انتبهوا من يعلق في التحدي فلن يكتب له الخروج أبداً!

أنهى ذلك الصوت حديثه عند تلك النقطة دون أدنى توضيح آخر، أثارت كلماته القلق في قلوبهم إلا أنه لم يعد أحد منهم يملك خياراً آخر ففي النهاية هم محتجزون بالفعل!

  عاد الغضب ليملأ نفس ماثيو حتى أن عروقه قد نفرت من شدة العصبية فصاح بأعلى صوته:

-ألم تكن قادراً على إخبارنا بأي معلومة أخرى، ما قلته لا يكفي لحل شيء أيها الوغد.

تبادل ألبرت و صوفيا النظرات القلقة، فقد باتوا يخشون من نوبات غضب ماثيو تلك فوضع ألبرت يده على فم ماثيو محاولاً منعه من النطق بأي شيء  آخر وقال:

-اهدأ يا صديقي أرجوك، ستودي بنا نوباتك تلك إلى الهلاك في مرة من المرات.

نظر ماثيو حوله فوجد صوفيا توجه نظراتها المتوسلة إليه و تقول:

أرجوك دعنا نفكر في هدوء على أي شيء تدل تلك الأرقام يا ترى؟ أريد الخروج من هنا، لا أريد أن ألقى حتفي هنا أرجوك.

تأثر ماثيو بكلمات صوفيا كثيراً فأشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى وسار عدة خطوات ليصل إلى الحائط المواجه له و بدأ يفكر دون أن ينبس ببنت شفة.

لحظات من الصمت قد سادت المكان، فكل منهم كان يحاول التفكير في حل ما.

قطعت صوفيا هذا الصمت و قالت:

-أتراها أرقام سرية لقفلٍ ما مثلاً؟

سخر ماثيو منها قائلاً:

-أي قفل هذا يا ذكية ألا ترين أن الغرفة فارغة تماماً، لا تحوي أي أثاث على الإطلاق! ثم إن الأمر لن يكون بتلك السهولة بالتأكيد و إلا لما أسموه تحدياً!

أكمل ألبرت و قال:

-أنا أتفق معك هذه المرة، فحتى الباب الذي دخلنا منه قد اختفى فجأةً يجب علينا إيجاد مخرج آخر و لكن أين!

انزعجت صوفيا من حديثهما فعقدت حاجبيها وضمت يديها إلى صدرها بصورة طفولية وقالت بانزعاج شديد:

-من يملك حلاً أفضل فليتفضل بقوله أيها الأذكياء إذاً بدلاً عن السخرية مني.

رد عليها ألبرت وهو يربت على كتفها:

-اهدئي يا عزيزتي لا داع لهذا الانزعاج أبداً، نحن نعتذر منك أليس كذلك يا ماثيو؟

هز ماثيو برأسه مؤكداً على كلمات ألبرت و هو لم يكن يعره أدنى إنتباه قط، فقد كان يحاول التركيز على الأرقام محاولاً كشف سرها.

دقائق من الصمت قد مرت وكل منهم يحاول اكتشاف حل لهذا اللغز، فكيف لهم أن يخرجوا من حجرة لا تحوي أي غرض على الإطلاق!

قطع ألبرت ذلك الصمت وقال بحيرة:

-إن تلك الأرقام ليست مجرد ضوء أحمر فقط، بل هي بارزة بصورة غريبة كما لو كانت قد لزقت فوق الحائط عوضاً عن أن تكتب عليه!

تحرك ماثيو المتسرع كعادته لأقرب رقم له و قام بلمسه ليتفاجئ الجميع بأمر أغرب من الخيال!

فما أن قام ماثيو بلمس أول ضلع للرقم وضغط عليه حتى ظهر كرسي في الغرفة، ولكن ما أن رفع ماثيو يده عن ذلك الرقم فقد عاد للاختفاء في الحائط مرة أخرى كأن شيئا لم يحدث، اختفى فجأة كما ظهر من العدم تماماً!

صاحت حينها صوفيا و هي تقوم بفرك عينيها وقرص ألبرت:

يا إلهي، ماثيو اضغط مرة أخرى لنتأكد.

تأوه ألبرت وقال:

-ما الذي تفعلينه؟

ردت عليه صوفيا مازحة:

-أحاول التأكد من كوني لا أحلم.

-إذا عليك أن تقرصي نفسك لا غيرك، أنت غريبة الأطوار حقاً!

-ولكني سوف أتألم حينها كلا لا يمكن أبداً!

قاطع ماثيو حديثهما الجانبي عندما ضغط على ذات الضلع مرة أخرى فتحرك الكرسي و ظهر في ذات المكان و ما أن توقف عن الضغط حتى عاد كما كان!

قال ماثيو حينها باندفاعه المعهود:

-يبدو أن الأمر حقيقي بالفعل! هيا بنا يا أصدقاء نظهر المزيد من الأغراض إذاً!

لم يكد ماثيو ينهي كلماته حتى اندفع كل منهم ليضغط أحد أضلاع الرقم القريب منه، تارة يظهر كرسي وتارة أخرى تظهر طاولة وغيرها من الأشياء التي كان من المفترض أن تكون موجودة بالفعل في الغرفة.

بدأت صوفيا تدلي بملاحظاتها عن الأمر فقالت لرفيقيها:

-يبدو أن كل زرٍ من الأزرار مخصصٌ لغرض محدد من تلك الأغراض التي يتواجد كل منها في مكان منطقي لوجوده، ولكن رغم ضغطنا على كافة الجوانب إلا أن كل تلك الأغراض لم تكن لتفي بالغرض وحدها فكيف لنا بالخروج!

ففي النهاية لا يوجد هنا أي بابٍ أو نافذةٍ حتى فبم قد يفيدنا ظهور كل تلك الأغراض!

بدأ اليأس يتملك قلوبهم شيئاً فشيئاً، فها هو الوقت يمر ولم يجدوا شيئاً يساعدهم على الخروج من هذه الزنزانة الجديدة والجوع قد بدأ يتسلل إليهم فهم لم يتناولوا أي شيء منذ الصباح الباكر.

كل ما مر عليهم كان بدون أدنى فائدة أبداً، قام كل منهم بالجلوس في جانبٍ منفرد من الغرفة، محاولاً التفكير في أي شيء قد يساعدهم على النجاة من هذا التحدي.

عشر دقائق كاملة من الصمت قد مرت قبل ان يبدأ ألبرت بحديثه فقال:

- هل استسلمتما بمثل تلك السهولة إنه مجرد أول تحدٍ نمر به فكيف لكما أن تستسلما ألا تعلمان عاقبة الخسارة، إن لم نخرج من هنا فلن تكتب لنا الحياة مرةً أخرى، سنظل عالقين في هذا المكان للأبد.

رغم قسوة كلمات ألبرت إلا أنها قد قامت بدورها، الموت هو المصير الذي سيدفعهم لعدم الإستسلام له!

كل من ماثيو وصوفيا كانا يعلمان في قرارة نفسيهما أن ألبرت على حق تماماً!

حينها فقط قام ماثيو من مكانه وحاول الضغط على أحد الأضلاع مجدداً ليظهر سلم في هذه المرة، فهو لم يقم بالضغط على هذا الضلع مسبقاً!
قالت صوفيا بيأس مجدداً:

-ولكن ماذا ستكون فائدة هذا السلم إن لم يكن هناك مخرج نستخدمه فيه؟

لم ينبس أحدهم ببنت شفة للتعليق على كلمات صوفيا اليائسة، إلا أنهم قاموا جميعا من أماكنهم كما لو كانوا قد اتفقوا على هذه الخطوات مسبقاً.

بدأ كل منهم يضغط على أحد الأضلاع المجاورة له، محاولا أن يحفظ في ذاكرته عندما يضغط على أي ضلع ما الذي سيخرج له؟

بدأ ماثيو يفسر الأمر و يقول:

-هذا الضلع على اليمين هو الضلع الذي يؤدي الى ظهور الكرسي، أما ذلك الضلع في الرقم على اليسار فهو ما يؤدي الى ظهور تلك الطاولة في منتصف الحجرة.

أما عن الضلع الذي يمثل الضلع الأخير في الرقم الذي كان متواجداً في الحائط المقابل لهم فقط كان هو المسؤول عن خروج السلم أمامهم.

قالت صوفيا هي تضع يدها على خدها في علامة للتفكير العميق الذي كان هو الحال الذي تمر به:

-يبدو أن ذلك السلم سيكون له علاقة بخروجنا من هنا ولكن كيف يجب علينا أن نكتشف ذلك المخرج الذي سنستخدم فيه ذلك السلم.

أومأ ألبرت براسه متفقاً مع كلمات صوفيا وقال:

-نعم أنت محقة تماماً ولكن كيف؟

-لدي فكرة.

صاحت صوفيا والحماس قد ملأ قلبها، بينما الآخران كانا ينظران إليها بعيون متأملةٍ فأكملت:

-يبدو أن لا سبيل لنا سوى تلك الأغراض ذاتها، دعونا نتفحصها واحدة تلو الأخرى إذاً، علها تخفي عنا سبيل الخروج في طياتها!

و بالفعل ما أن أكملت صوفيا طرح فكرتها حتى بدأ التنفيذ،  ها هو ألبرت يضغط على زر تلو الأخر بينما ماثيو يتفحص الغرض الذي يظهر منه، إلا أن هذا البحث لم يسفر عن شيء حتى ظهر الكرسي.

ما أن جلس ماثيو على ذلك الكرسي وبدأ يتفحصه، مد يده على قبضتيه و قال:

-إن هذا الكرسي على الأغلب..

توقف ماثيو عن كلماته وعاد ليقول بحماس فجأة:

-يا إلهي ما هذا؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي