الفصل الرابع

إنتبه كل من ألبرت و صوفيا إلى كلمات ماثيو المفاجئة، فاقتربوا منه منتظرين منه إجابة تشبع فضولهم الذي أشعله بكلماته المبهمة.

إلا أن ماثيو لم ينطق بكلمة واحدة حتى، فحاول ألبرت استعجاله قائلاً:

-أنت تعلم أننا لا نملك الكثير من الوقت، لذا لا تقم بإضاعة وقتنا معك و قل لنا ما الأمر الغريب الذي وجدته؟

أشار ماثيو بصمت إلى قبضة الكرسي السفلى تحديداً إلى الجزء السفلي منه، حينها فقط اقترب كل من صوفيا و ألبرت ليلحظا ما كان ماثيو يحاول أن يريهما إياه.

لقد كان يشير إلى زر حديث الطراز يختلف مع كل ما ظهر حتى الآن! فكل الأغراض التي ظهرت مسبقاً كانت ذات طابع كلاسيكي.

وضعت صوفيا يدها على فمها باندهاش بينما قال ألبرت وهو ينظر لها بعينان يملؤهما الإعجاب بذكائها:

-يبدو أنك كنت على حق يا عزيزتي، هنالك العديد من الأسرار التي لم نكتشفها حتى الآن! حتى أنني أراهن أن هنالك المزيد من هذه المفاجآت، أنت شديدة الذكاء حقاً.

ردت عليه صوفيا بينما وجنتيها قد صبغهما اللون الوردي خجلاً:

-هيا بنا نكتشفها إذاً، فهذا الزر يحوي سبيل الخروج حتماً.

نظر إليها ألبرت بنظرات تحمل بدايات إعجابه بها فقد أضاف لها الخجل جمالاً نقياً لا يخفى عن الأنظار وقال في نفسه:

"ذكية وجميلة أيضاً".

نظرات ألبرت لصوفيا كانت تزيدها خجلاً فوق خجلها، حاولت إخفاء هذا فخطت عدة خطوات لتقترب من ذلك الكرسي، ثم قامت بالضغط على ذلك الزر بسرعة.

اتسعت عينا ماثيو وأشار إلى الحائط المجاور وصاح:

  -أترون ما أراه أنا!

بدأ ماثيو يفرك عينيه غير مصدق، فقد ظهرت فتحة أشبه بالنافذة على الحائط الذي كان يشير إليه منذ لحظات إلا أنها إختفت، تماما ككل ما كان يظهر لهم من أثاث في تلك الحجرة الغريبة!

-هيا بنا نحاول مرة أخرى إذاً.

قالت صوفيا تلك الكلمات بينما عادت لتضغط على نفس الزر مرة أخرى، إلا أن الكرسي نفسه قد عاد للإختفاء مرة أخرى!

قال ماثيو و الحيرة تملأ كلماته:

-ماذا يجب أن نفعل الآن! ليتهم صنعوا زراً أخر يمنع الأغراض من الإختفاء، أسنظل هكذا إلى الأبد!

لمعت عينا ألبرت بعد كلمات ماثيو وقال هو الآخر ولكن بحماس تلك المرة:

-ومن قال أن ذلك الزر الأخر غير موجود دعونا نبحث عنه علنا نجده،  فلابد أن أمراً كهذا لم يغفل عن ذهنهم أليس كذلك؟

دبت كلماته الحماس في قلوب رفيقيه،  و بدأت بالفعل عملية البحث التي استمرت وقتاً طويلاً بعض الشيء حتى قالت صوفيا:

-لقد قمنا بالبحث في كل الأغراض حتى الآن،  إلا أن بحثنا لم يسفر عن شيء لم يتبق لنا سوى تلك الطاولة لتكون أملنا الأخير اضغط على الزر لتظهر يا ألبرت.

وبالفعل قام ألبرت بإظهار تلك الطاولة، صوفيا و ماثيو كانا يبحثان في كل زاوية منها، بينما ترتجف أوصالهما خوفاً من أن ينتهي الأمر عند هذا الحد حتى صاح ماثيو:

-وجدتها!  وجدتها أخيراً ألبرت اترك الزر قليلاً لنقوم باختبار هذا الزر الجديد.

وبالفعل ما أن ضغط ماثيو على الزر حتى عادت كل الأغراض للظهور و لم يختف أحدها مجدداً!

صيحات فرحة قد ملأت المكان، فقد وجدوا أخيراً ما كانوا يبحثون عنه! حتى أن كل منهم بدأ يعبر عن فرحته بصورة مختلفة عن الأخر.

فها هو ماثيو يتقافز فرحاً ثم قام بوضع يده على كتف ألبرت ليقفز معه و لكن ألبرت كانت عيناه في مكان آخر.

لقد كان يراقب صوفيا التي كانت تتراقص فرحاً بينما عيناها تملؤهما دموع الفرح، ما أن لاحظت مراقبة ألبرت لها حتى عادت لخجلها مرة أخرى.

قال ماثيو مقاطعاً تلك اللحظات:

-المخرج هو الشيء الوحيد الذي لم يظهر كبقية الأغراض فلماذا، وماذا سنفعل؟

ردت عليه صوفيا و هي تسير في طريقها للكرسي:

-سنقوم بإظهراره مجدداً بالتأكيد، لا تق..

الأغرب من كل ما مضى هو ما يحدث الآن! فقد منع صوفيا من إكمال كلماتها.

  -إن هذا المخرج الأشبه بالنافذة يظهر في مكان مختلف كل مرة عن سابقتها!

قال ألبرت ملاحظته التي استمر الصمت بعدها عدة دقائق حتى قطعه ماثيو قائلاً بيأس:

-كأن الأمر ليس معقداً بالفعل، أكان ينقصنا لغز آخر!

قال ماثيو تلك الكلمات والقلق ينهش قلبه، فهو لم يعد متأكداً من نجاتهم من هذا المكان أحياء بعد كل  ما يحدث!

إندمجت صوفيا بالتفكير أكثر و أكثر حتى بدت أشبه بالتمثال الصامت من شدة تركيزها، محاولةً إيجاد حل لهذا اللغز يساعدهم على الخروج من هنا سالمين.

بدأت تضغط على ذات الزر عدة مرات و تحصي عدد مرات ظهور تلك الفتحة في كل جانب من جوانب الحجرة، حتى بدأت الأمور تضح لها بشكل كبير.

-وجدتها.

صاحت صوفيا عندما أدركت شيئاً جديداً فانتبه كل إلى صراخها و سألوها:

-أوجدت حلاً أخيراً؟ أخبرينا عنه إذاً.

بدأت صوفيا تشرح لهم:

-إن الأمر يأخذ نمطاً محدداً مشابه لتلك الأرقام الموجودة على جدران الغرفة، فالجدار الأيمن مكتوب عليه رقم 3 و بالفعل يظهر ذلك المخرج عليها ثلاث مرات!

-هكذا يستمر الأمر في الجوانب الأخرى مع مراعاة الترتيب التنازلي فذلك المخرج يظهر بالترتيب على الحائط الذي يحمل رقما أكبر ثم أقل ثم أقل.

ما أن أتمت صوفيا كلماتها و بدت الأمور تتضح أكثر فأكثر في أذهانهم جميعاً، حتى بدت علامات السعادة على وجوههم فها هو ماثيو يصفق جزلاً و هو يقول:

-أنت حقا ذكية يا صوفيا، ستكونين أنت صاحبة الفضل في خروجنا من هنا بالتأكيد.

بدأت صوفيا تغتر بنفسها قليلاً فقد أصبحت تثق بقدراتها أكثر فقالت مازحة و هي تشير إلى ذراعها الأيمن:

-لقد بدأت أحب تلك الشريحة حقاً!

قاطع ألبرت حديثهم المتفائل بعد أن أزعجه مدح ماثيو لصوفيا بعض الشيء:

-لا أريد أن أحبطكم و لكن حتى لو عرفنا أن ذلك هو المخرج بالفعل، فكيف سنصل إليه و من أي حائط بالتحديد يجب أن نخرج؟

بدأ اليأس يغلف قلوبهم مرة أخرى بعد كلمات ألبرت لهم، يا له من شخص متشائم، لابد أنهم يستطيعون حل ذلك اللغز أيضا.

رد عليه ماثيو وهو يدفعه في كتفه:

-يا صاحبي توقف عن ذلك التشاؤم، لم ينته الأمر بعد سنستطيع تجاوزها بالتأكيد.

-هيا بنا نخطو أولى خطواتنا إذا، فلا وقت أبداً لتلك المشاعر السلبية، يجب علينا نحن أن نتحكم بمشاعرنا ولا نسمح لليأس أن يغلبنا أبداً.

قالت صوفيا تلك الكلمات والعزيمة تكاد تقفز من عينيها، ما أن أنهت كلماتها حتى بات كل منهم يفكر في حل للأمر.

أخيراً بعد نقاش طويل توصلوا إلى أنه لا حل سوى المحاولة فلابد أن تصيب محاولاتهم في مرة من المرات على الأقل.

اتفقوا على أن يستخدموا السلم في الوصول إلى المخرج.

قالت صوفيا لتشرح لهما خطتها الجديدة و هي تشير إلى نفسها بمزاح:

أنا هي الأذكى بينكم على ما يبدو، لذا فسأذهب للجلوس على ذلك الكرسي لأقوم بالضغط على الزر الموجود في مقبضه، وأقوم بحساباتي النمطية تلك لتوقع أين سيكون المخرج الآن.

-أما ألبرت هو الأقوى بيننا، لذا فسيقوم هو بحمل ذلك السلم إلى الجدار المطلوب ليساعد ماثيو الذي هو الأسرع بيننا، سيقوم ماثيو بصعود السلم بسرعة على الحائط الذي سأشير إليه، لكي يحاول الوصول إلى ذلك المخرج في أسرع وقت قبل أن يختفي.

و بالفعل تحرك كل منهم إلى مكانه فصاح ألبرت قبل أن يحمل السلم:

-أأنتم مستعدون أيها الرفاق؟

-نعم بالتأكيد.

عندما رد عليه زميليه، إتجهت صوفيا للجلوس على الكرسي و قالت وهي تشير بسباتها قبل أن تضغط على الزر:

-إنه الحائط الأيسر يا رفاق،  هيا يا ألبرت احمل السلم إلى هناك، وأنت يا ماثيو استعد.

بالفعل ذهب ألبرت بأقصى سرعة حاملاً السلم إلى هناك، ثم أشار إلى صوفيا، عندما بدأ ماثيو يصعد السلم.

-واحد اثنان ثلاثة، سأضغط على الزر الآن.

التي ضغطت على الزر فظهر المخرج أخيراً، إلا أن ماثيو قد تراجع عن الدخول فجأة!

-ما الذي تحاول فعله يا ماثيو،  هيا أسرع!

إلا أنه لم يفعل!  تعجب كل من صوفيا و ألبرت من رد فعل ماثيو الذي قال:

-إن ذلك المخرج أشبه بتلك الحجرة تماما و لكنه أصغر، أي عند دخولي سأكون سجينا بالداخل في مكان أضيق بكثير و أنتم بالخارج وحدكم بالتأكيد إنه ليس هو فلا باب له حتى!  أستقومون بنقلي من سجن إلى آخر!

كلماته جعلت صوفيا تستغرق في التفكير مجدداً وفجأة لمعت عيناها و قالت:

-انزل انزل بسرعة يا ماثيو لقد وجدت الحل!

انتبه إليها كل من ألبرت وماثيو منتظران لقولها ذلك الحل فلم تدعهم ينتظران طويلا وقامت بالضغط على الزر ثلاث مرات.

-ماذا تفعلين بالتحديد؟ أنا أثق بك ولكن أخبرينا فمصيرنا بين يديك الآن!

قالت صوفيا مجيبة على تلك التساؤلات التي تملأ عينيهما والتي نطق بها ألبرت بالفعل هي تشير إلى جدارٍ محدد:

-إن الأمر أبسط بكثير مما كنا نظن، نحن دخلنا من ذلك الحائط، إذاً فالمخرج بالتأكيد سيكون هناك لقد قمت بضغط الزر عدة مرات، و الآن عندما أضغط عليه سيكون المخرج في مكانه المناسب بالتأكيد.

إستكملت صوفيا كلماتها و هي منكسة رأسها:

-ولكن هنالك أمر آخر لم ينتبه إليه أحد منا.

صاح ماثيو بتسرعه المعتاد:

-ما هو ذلك الأمر يا داهية مجموعتنا؟

ردت عليه صوفيا بيأس:

-أنسيتما أنني وألبرت نساعدك على العبور فحتى إن ظل السلم مكانه المخرج نفسه سوف يختفي سريعاً، إذاً فأنت يا ماثيو من سيستطيع الخروج منه، ونحن سنظل هنا حتى نجد حلاً آخر، أتراه موجود اصلاً؟

رد عليها ألبرت بسرعة محاولاً طمأنتها فنظراتها اليائسة تلك كانت تزعجه كثيراً:

-لا تيأسي يا عزيزتي، فأنا لن أسمح أن تعلقي هنا،  لابد أن هنالك حلاً لهذا أيضاً، دعونا نبدأ فقط.

وبالفعل حمل ألبرت السلم إلى  الجدار الصحيح تلك المرة وأسرع ماثيو بتسلقه خائفاً من المصير الذي ينتظرت و رفيقيه.

فقامت صوفيا بالضغط على الزر بأيد مرتعشة وهي تقول في نفسها:

"آمل أن تكون على صواب هذه المرة أيضاً يا ألبرت،  أنا أحاول الصمود ولكن التعب قد بات يتملكني،  والرعب يغزو فؤادي، أعنا يا الله على الخروج من هذا المأزق فقد استنفزت كل طاقتي و أوشكت قواي على أن تخذلي وتخور"

بينما ألبرت كان يفكر في قرارة نفسه مناجياً ربه:

"إمنحني القوة والجسارة يارب لتجاوز ذلك الأمر، أنا أحاول طمئنتها ولكن حالي لا يختلف عن حالها كثيراً".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي