الوجه الرابع

"أشعر برغبـة عارمة في أقتـلع قلبي تِلك المرة "

استيقظ مستاءًا من أشعة الشمس الحارقة التي تعكس ضوءها على عينيه البندقية، ونظر حوله ليجد النوافذ كلها مفتوحة وكل شيء.

ليس في مكانه الصحيح، لكن المكان أصبح فوضى عارمة، حاول أن يتذكر آخر شيء حدث بالأمس،  تذكر فقط وجود الفراشة الصفراء التي تدعي
"لينا" التي تدور حوله ورائحتها التي تنتشر في المكان كخيوط وهمية تلتف حول عنقه
لتسبب له الاختناق.

نهض، أغلق الستائر، أغمق الغرفة من الظلام، ذهب إلى آلة القهوة، أعد فنجاناً من القهوة، وجلس على الأريكة يشاهد المملكة الفينيسية من البلورة الزجاجية، لكنه كان مشتتًا بما حدث بالأمس.

وقد أخرج هذه الأفكار من عقله، كما أعاد طمأنة نفسه:
-كل ما حدث كان مجرد صدفة، ربما كان
جسدي مرهق قليًلا

نظر إلى الأجزاء المتبقية من صورتها، صارخا ببعض التعويذات؛ لجعلها تحترق أمام عينيه، كما لو كان يثبت لنفسه أنها سراب لا واقع له:
حسنا, فقط انتظر لبضعة شهور وستشعر
براحة الأبدية كما أتمني.

ولكن بعد تلك المملكة وشعور الحب الذي يسود شعبها كهالة ساطعة، تحميهم من بطشه، ويجعله يريد أن يصنع خلل بينهم جميعا،
حتى تنتهي المثالية والمحبة كالهواء.

سوف يبدأ ببعد "رسلان" عن الأميرة البندقية، ليجعل على يده تدمير المملكة، هو من يسعى لتوهجهًا مثل نجم في السماء، ولكن سيتم
تدميرها كـ نيزك

يبتسم بأنتشاء متخيلاً دمار المملكة، يلعنهم جميعاً، جميعهم مثاليون في الحب، لكنه يعلم أنه ليس أكثر من قناع مخادع، ومعظمهم لا يعرفون شيءعن
الحب
***
في جناح فينيسيا !

تململت من نومها بعدم الراحة كما شعرت بالعطش الشديد، حاولت النهوض أكثر من مرة وهي تحرّك قدميها، إلى أن تمكنت في النهاية من النهوض
ووضع قدميها على الأرض بعجز شديد الأمر بتأ مرعبًا لغاية.


نهضت لتاخذ كوب من الماء وهي تتحرك بخطوات ثقيلة توقفت امام الطاولة وهى تشعر بدوار يُلحقها لتضع يـدها على الطاوله وبـ اليـ د الأخرى سكبت الماء فى كوب.
فتنهض لتأخذ كأسا من الماء متحركا بخطوات ثقيلة، تتوقفت امام الطاولة و هي تشعر بالدوار يلحقها، لاضع يدها الى الطاولة، وتسكب الماء في كوب باليد الاخرى.

زادت وتيرة أنفاسها، حين رأت الدم ينهمر بدًلا من الماء، رمت الكأس على الارض بعيدًا عن يديها، وهي تنظر لدم المنتشر على الأرض بخوف، الدقائق شعرت بشلل بخلاياها حتى استطعت الصراخ مرة أخرى.

دلفت السيدة "لورا" سريعًا، وهي تهتف بخوف عليها:
-ماذا حدث أيتها الصغيرة؟

صرخت مرتعشة، متقلصة في عناقها:
الدم، رأيت الدم بدًلا من الماء، انظرِ هناك.

مرت بعينيها حول الغرفة، حتى وقعت عينيها على كوب الماء المسكوب على الأرض، وهتفت بهدوء:

-الأمر يزداد خطورة، عزيزتي، أنتِ الملكة هنا، عليكِ أن تفهمي ذلك سريعًا، بدلاً من التهيئوت، لا يأتي من خلفها إلا التنحي عن العرش، وفقد كل شيء بين يديكِ الآن.


ابتعدت قليلاً وأكملت مُردافًا:
-لماذا لا تصدقي ما أقوله اليكِ؟ لقد رأيت دمـاء بعيني.

-نعم، يا عزيزتي، أعلم وأصدقك، ولكن عليكِ أن تسعي حفظًا على العرش، لأنك آخر فرد من العائلة المالكة على قيد الحياة، فينيسيا، المملكة التي أنشأها اجدادك وأبناؤهم حافظوا عليها بعناية، لذلك عليك الحفاظ عليها، وتحاولي تحسين صورتك من أمام الخدمات.

جلست على السرير، ويدها على صدرها، حاولت أن تلتقط أنفاسها، لم تهتم بحديثها، وضعت يدها فوق أذنيها تستمع إلى الصرخات القادمة من مسافة بعيدًا، لكنها لم يكن الصوت وضحًا تشابكت الأصوات بصوت آخر، ضحك هستيري عال،
حتى سقطت فاقدا للوعي.

ليهتف بضرواة وهو ينظر إليها من خلال البلورة:
-كل هذه البداية، عليك أن تتحملي يا عزيزتي،
أكثر وأكثر.

لقد أنهى ضحكته، ومرر أنامله على الخنجر، الذي ما زال يحتفظ بأثر الدم، ازداد لهيب عينيه بنيران
كادت تحرقها.

دلفت فيرولين لجناح بعدما ذهبت لتبديل ملابسها لتجدها فاقدة للوعي هتفت بخوف وهي تركض نحوها :
-ما بها الأميرة لقد تركتها نائمة؟


قامت لورا، بمساعدة فيرولين، بتعديل وضعها على الفراش، ووضعت الغطاء عليها، وحاولت إيفاقتها بالعطر، وبعد عدة محاولات استجابة.

أكملت "ڤيرولين" بحنان، وهي تربت على خصلاتها:
-ماذا حدث فينيسيا؟ ماذا حدث عندما كنت في الخارج؟

تشنجت عضلات جسدها وهي تتذكر ما حدث لتمر بنظرتها في الغرفة خوفًا من القادم
هتفت بخوف:
أين "رسلان" أريده الآن بجانبي؟

أجابت ڤيرولين :
-حسنًا، سأخبره أنكِ تريدِ أن تراه الآن.

نهضت، لتتوجه سريعًا نحو غرفة الاجتماعات، حيث يتواجد رسلان منذ الصباح يحكم بين الناس في النزاعات، توقفت أمام القاعة، على يد جذبتها بعنف، هتف "چوزيف" من بين نواجزه:
-أخبرتك ألف مرة ألا تأتي إلى مجالس الرجال.

ابتلعت لعابها بصمت وهتفت:
-لا أقصد ذلك، لكن الأميرة تريد الملك
"رسلان" فـ جاءت إلى هنا.

-حسنًا، أذهبي وأنا سأخبره بذلك.

زمت شفتيها، لثوان وهزت رأسها بالموافقة، ودلفت لداخل، أما هو تنهد بعمق وهو يشملها بـ رُماديتهُ التي تبوح بمكنونها التي لا تعلمه، ولا أحد يعلمه، زفر وهو يخرج كل ما في صـدره من ألالام، وهو يعلم جيدًا بعودة ديفنسيا؛ ستعيد كل جروح الماضي وذلاته، ولكن يأمل بأن ينتهي كل شيء كما ينتمي.

**

في مكان آخر!
يقع بين شرق المملكة الفينيسية وغرب مملكة رسلان، وسط الغابة، تجلس في منزل مصنوع من الحجارة يتكون من عدة طبقات، تسود المنطقة السكينة والظلام نظرًا لبعدها عن البشر.

تجلس وعلى قدميها هرتها ذات الشعر رمادي
وعيون رمادية، تذكرها بعينيه، وهي تشاهد جمال الطبيعة من حولها وصوت الحيوانات بالقرب من المنزل تستمع إليها كترنيمة تعزف لم تشعر
بالخوف هنا عكس ما شعرت به في المملكة
تتذكر ما حدث منذ سنتين.

مُنذ سنتين !

في غرفة "ديفينسيا" دلفت "لورا" وهي غاضبة لتهتف:
- لا تنسى أنك هچينة، ليس لكِ الحق في الدخول في حكم المملكة، وأبتعدِ عن چوزيف، قصة الحب هذه ستنتهي هنا داخل تلك الغرفة.

وقفت ديفينسيا في فزع من دخولها بهذا الشكل وصرخت بانزعاج واعتراض:
-كيف تسمحي لنفسك باقتحام غرفة الأميرة في المملكة هكذا، انا لم أنسى أصلي، ولكن يبدو أنك أنت الذي نسيت من أنت هنا، أنتِ خادمة ولست حاكمة.

جزت على نواجزها بغضب وهي تهتف لجوزيف،
الذي دلف للتو:
-لا، قصة الحب هذه لن تكتمل أو سأفعل شيئاً سيقودكم إلى حافة الهوية.

وبثقة، تتقدم "ديفينسيا" إليها، وتنظر مباشرة إلى عينيها:
-أريدك، أن تفعلي ما تريدي أنا لن أخاف، حتى أخاف منك، وسأفعل ما أريده، وهذا وبتأكيد سيقودك
أنتِ بالتأكيد إلى الهاوية.

كان جوزيف مشوشًا عندما نظر إلى لورا، التي
نظرت إليه بنظرات فهمها جيدًا، وهتف متلعثم:
-أنتِ محقة يا "لورا"، هذه القصة لم تكتمل،
لن أتزوج هجينًا مُدنس دمها بالخطايا.

نظرت إليه بضعف ودهشة في نفس الوقت:
-ماذا تهتف، أيها الأحمق، بـ أي خطايا مدنسة،
كيف تقول هذا في وجهي وماذا عن وعودك؟

نظر إلى نظرتها، التي أربكته وأشعلت نارًا في
قلبه حزنًا عليها، وما سيفعله بها، وتابع حديثه مرادفًا:
-أَنا دمُ نقيُ، لذا هو لَيسَ مسموحاً لي أَنْ أَتزوّجَ هچينة، حتى لا تتلوث سلالتي مَعك.

إنها تشعر بالجنون حقا، هذا كثير على عقلها وقلبها، الذي تمزق إلى أشلاء بقوله لها، هتفت وهي تنظر
إلى عينيه رُمادية:
لا تقل ذلك، أخبرني أنك تمازحني فقط، قلبي يؤلمني يا "جوزيف"

تسللت لورا بابتسامة منتصرة، بعد أن رمقت "چوزيف" ابتسامة رضا، توتر أمام عينيها، اللتين كان أسيرة لها لسنوات، تبوح عينيه بالكثير لآجلها وردد:
-أنت كُنْتَ يوماً كُلّ شيءَ، لكن الآن أنت لا شيءَ، لتَقَبُّلي ذلك ديفينسيا، أنت هنا أميرة بالدمِّ
المختلطِ لا أحد يَقْبلُ ماضيَكَ.


خفضت مقلة عينيها بإنكسار وتابعت بضعف بعدنا انتهت من الاستماع إليه ليهبط على قلبها كـخنجر مسموم:
-لم أنتظر أن يقبلني أحد سواك، لماذا إذًا كل تلك السنوات التي كنت بجانبي ولا تريدني بجانبك، أصبحت كل شيء، أصبحت أكثر أهمية من أنفاسي التي أستنشقها.

فرت دمعة هاربًا من عينيه، ليمحيها سريعا واتجه نحو الخارج، حتي لا يجذبها ويخفيها دخل ضلوعه، أما هي تشعر بنيران تحرقها، لتقطع الغرفة ذهابا وإيابا، وهي تبكي بنحيب لم تصدق كل ذلك
هتفت بين نواجزها:

-إنه كاذب، لا تراه غير ذلك، استغل مشاعرها لسنوات، ولن يكتفي بذلك بل حطم قلبها وآمالها بدون شفقة، ولكنها تحبه حتي الآن

مرت أيام وما زالت أسيرة غرفتها تجلس في الظلام، حتي أستطعت أخيرا الصمود والخروج منها، ولكن كلما رأيته أمامها تشعر بقلبها ينتفض من موضعه بعنف لتقرر الهروب بعيدًا عن مكان وجوده

حتي لا تشاركه نفس الهواء الذي يستنشقه وتقع في حبه لمرة المليار في نفس اليوم چوزيف أنفاسها وقلبها بل حياتها بأكملها.

قررت السفر نحو منزل الغابة حيث يشبها في سكونه ووحدته مكان متطرف بعيد عن البشر يشبها تمامًا

عودة لواقع !

نظرت لهرة ولعينيها التي تشبهُ، بدموع وبكاء صامت يُصدر من أعماق قلبها ستعود مرة أخرى لقصر منذ سنوات شعرت بأنها ليست لها حق في المكوث به ولكن ستعود الأجل فينيسيا أبنة عمها التي تعتبرها بمثابة شقيقتها صغيرة.

هتفت بخفوت وصوت يُكاد لا يسمعه أحد : كل شيء سيكون على ما يرام كما اتمني، ربما سيعتذر ويعود إليًّ مرة أخرى ليدواي ذلك القلب الذي كسره

تذكرت قسوته عليها اخر أيامها في القصر لينطوي ذلك إلامل وتعود في نوبة بكاء مرة أخرى

مرت ساعات وهي تنظر إلى الغيوم التي كانت تختفي، وظهور أول شعاع شمس في السماء تضيء السماء بعد الظلام، فقامت لتتوجه إلى الحديقة، متسلقة خيلها ومعها قطتها، وانطلقت نحو القصر بقوة، عكس تلك الكسرة والضعف الذي تخفيهم بداخلها.

أخطاء الماضي وذلاته تبقي عائق أمام حياتك، ولكن لماذا اخطاء الآخرين تقيدك، بأي حق أن تعيش حياتك كمنبوذ لأنك ابن لعائلة ما؟ كل هذا هراء ولكن هذه العاهات، التي تتدعي تقاليد وعادات، ليست سوى لعنات تتدمر آلاف القلوب والأرواح.

❈-❈-❈
في جناح فينيسيا..

تجلس منكمشة في حضن رسلان،
الذي يربط على خصلاتها بحنان لتهدأ
قليلاً هتف چوزيف :
-اطباء الممالك المجاورة في طريقهم نحو المملكة كما أمرت، وديفنسيا في طريقها لقصر خلال
ساعات ستكون هنا.

-وماذا حدث في حرب المملكة الجنوبية؟

أجاب چوزيف بعملية :
-الامر كما هو لا يوجد جديد، تظل الحرب قائمة، ولكنهم خسروا الكثير من الجنود.

-حسنًا، جهز أمر بجيش من مملكة رسلان وعلى كل محارب يتقدم في الحرب من الممالك المجاورة سيحصل على خمسة الالف عملة ذهبية حان الوقت بضمهم الينا.

-حسنًا سـ بدأ في كتابة الخطابات من اليوم.

نظر لهدوء ڤيرولين ومكوثها في طرف الغرفة بعيد عن الأنظار بشغف وحُب لا يعلم كيف حبه لديفنسيا اختفي من قلبه ليمتليء بحب تِلك الفتاة التي تخشي وجوده أمامه الأمر يقوده لجنون ولكن يعلم بأنه خسر ديفنسيا حبه الاول بسبب الخوف والجبن ولكن سيدفع الاخر أنفاسه عن حبه لڤيرولين تِلك الفتاة التي عشقها ويحمد الله عن ابتعاد ديفنسيا حتي يتيح له الفرصه بحبها ليهتف بهمس

" لقد أنتهي حُب ليبدأ محله عشق يتخلل قلبي"
انتبه لنظراته أمام لورا، ليحمم بخشونة
وهو يهرول لخارج

هتفت ڤيرولين بخوف لرسلان :
-هناك انفاس شخص آخر في الجناح لقد شعرت
به الآن.

هتفت لورا بغضب:
-يبدو بأن مكوثك بجوار فينيسيا سـ يصيبك أنتِ الأخرى بالجنون، لا تعبثي بتلك الأمور ڤيرولين.

انتفضت فيرولين وهي تبكي :
-أقسم لكِ بذلك، هناك شخص آخر بيننا.

تشبثت فينيسيا برسلان عندما شعرت هي الأخرى بتلك الانفاس لتدفن وجهها في صـدره أكثر
وأكثر بخوف وهتفت بهمس ضعيف:

-ڤيرولين، تهتف بصدق، أشعر بتلك الانفاس أنا الأخرى

عقد حاجباه بدهشة من قول ڤيرولين ولكن من حالتها هذه تبدو بأنها لا تكذب هي ترتعش من الخوف.

***

في ذلك المنزل المتطرف!

إتسعت ابتسامته بإنتصار، حيث حصل على كافة الخيوط، التي يمكن أن يعبثها وجود ديفينسا، رسلان ويوسف، ستسقط المملكة على إيديهم، وكأن جنودها، الذين كانوا يحمون المملكة على مر
السنين، سيكونوا أساس خرابها.

وضع الساعة الرملية أمامه وقال:
-لقد بدأ الزمن قرب النهاية، ونهاية الجميع ستكون على أيديهم، وأنا لن أفعل أي شيء، إنهم هم الذين سيفعلون كل شيء.

شعر باللذة لمجرد تِلك الفكرة فقط، ستكون المتعة الأكبر عندما يشاهد سقوط تلك الممالك ومعها الملوك

ـ نهاية الفصل ـ

أقتباس من الفصل القادم!
شعرت بدلو من الماء المثلج، يسقط عليها في عز ديسمبر، عندما رأته يضم "فرولين" له بكل هذا
الحب وحتى أخفاه تقريبا داخل أضلاعه!

شعرت بلهيب الغيرة تحرقها وتساقط دموعها التي تهبط دون توقف عن فقدان حبها من يدها، لتهتف من بين نواجزها:
-أقسم لكِ، أنني لن أترككِ فيرولين، وسترى ماذا سأفعل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي