الفصل الثاني حشرة دراكولا

الفصل الثاني: حشرة دراكولا


كان (ستيفن) يقف أمام المرآة وهو يتمعن في انعكاسه، لقد كانت بشرته صلبة للغاية كالحجر، عندما سقطت أشعة الشمس من فتحة النافذة التي بجواره على جلده ظل يتلألأ كالألماس، ذهل ستيفن من بريقه وأخذ يتحسس على وجهه وهو يتمتم:

- ما الذي يحدث معي؟! كيف أصبحت وحشًا وفي ذات الوقت أبدو في منتهى الجمال والوسامة؟! كيف يتغير لون عينيا بهذه السهولة؟ لقد أصبح جلدي أملس للغاية وفي ذات الوقت يتحول لجلد وحش عندما اقتات! حتى نبرة صوتي تتغير كتغير لون جلد الحرباء، أخشى أن أذهب إلى المشفى فيتم احتجازي كفأر التجارب، ما العمل يا إلهي؟ كيف أتصرف؟ لا بد...


قطع تمتمته طرق باب المنزل، التفت نحوه وهو يحاول منع نفسه من مص دماء الزائر، نظر من عين الباب السحرية فرأى شخص يبدو عليه الثراء والوجاهة، لم يتمالك نفسه وقرر أن يروي عطشه، فتح الباب في لمح البصر وعندما أراد أن يصيد تم اصطياده أي خطفه إلى قصر عائلة سلفاتور، حاول المقاومة لكنه فشل لقد كانوا يفوقونه قوة وعددا.


في إحدى الغابات الإثيوبية كانت الطبيبة جاكلين مع رجلين أحدهما مرشدها والثاني يحمل سلاح لحمايتها، لقد كان الوضع مزري في الغابة فهناك جثث حيوانات في كل مكان كأنها مذبحة، ولكن الطبيبة جاكلين شعرت بالخوف من هيئة الجثث لقد تم تجفيفهم من دمائهم تمامًا، ظلت تأخذ عينات لعلها تتوصل إلى شيء، وفجأة صرخت صرخة مدوية وهى تشير إلى شيء قائلة:

- هناك جثة بشرية..

اقترب الحارس الشخصي لجاكلين من الجثة فوجدها لأحد المرشدين، وهناك آثار عض على رقبته، ويبدو من هيئة الجثة إن هناك حيوان مفترس قد هجم عليه، التفت الحارس نحو الطبيية جاكلين قائلًا:


- هناك أمر محير، لماذا لم يقم الحيوان بالتهامه؟ لماذا اكتفى بعضه وامتصاص دمه؟

تمعنت الطبيبة جاكلين في الجثة وهى تشعر بالتقزز، فالجثة في حالة تعفن، يبدو إنه قد مر على قتله أكثر من يومين، صاحت الطبيبة جاكلين قائلة:

- قم بإبلاغ الشرطة الآن، ماذا تعتقد؟ هل هذا بفعل حيوان مفترس أم هناك شيء أخر؟

أجابها الحارس وهو يرفع منكبيه قائلًا:

- لا أعلم يا سيدتي.. ولكن هذا غريب للغاية، فالحيوان حينما يفترس ضحيته يلتهمها ولا يترك منها سوى بعض البقايا، ولكن ما أراه أمامي غريب للغاية...

قاطع حديثهما المرشد قائلًا:

- أنا أعتقد إنه نوع من أنواع القربان لدى بعض القبائل، فهم يقدمون الدماء للتقرب من المعبود، لقد رأيت طيلة فترة عملي جثث لحيوانات وبشر أيضًا في مثل هذه الحالة، ولكن للأسف الشديد تؤيد القضية ضد مجهول، فلا دليل على تورط أي قبيلة في الأمر.

أردفت الطبيبة جاكلين وهي في قمة غضبها قائلة:

- قربان ماذا؟! كيف تسمحون بوجود هؤلاء بينكم؟ هل وصلت بهم الجرأة أن يضحون بالبشر في سبيل معتقداتهم؟ أنا لن أصمت على هذا سأصعد الأمر للمسؤولين.


(قصر كلاوس سلفاتور..)

في لمح البصر وجد ستيفن نفسه أمام قصر أقل ما يقال عنه إنه تحفة فنية من العصور الوسطى، يقع القصر في عمق الغابة، تحيطها أشجار ذات أدواح ضخمة وتلال وطيئة، دلف ستيفن لداخل القصر وهو يتلفت حوله في محاولة منه لإكتشاف ما يحدث حوله، ولما تم جلبه لهذا المكان؟
سمع صرير الباب الضخم وهو يفتح، وصوت بداخله يقول:

- تفضل بالدخول يا ستيفن، لا تخف فأنت في أمان.

دلف ستيفن بخطوات بطيئة وهو يخشى المجهول، وجدها أشبه بالقاعة الضخمة وفي نهايتها أربعة أدراج، يقبع فوقها كرسي ضخم من العاج، يجلس عليه رجل ذو هيبة ووقار للوهلة الأولى تشعر بالرهبة أمامه، أشار له بالجلوس بالقرب منه قائلًا:

- أهلًا بك بيننا ستيفن، نحن عائلتك الجديدة الآن، أعلم أن هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في خلدك، ولكن لا تقلق.. هنا ستجد جميع ما تبحث عنه، سنحقق لك جميع ملذاتك واحتياجاتك، هنا سيكون اوامرك مجابة.

- من أنتم؟ ولما أنا هنا؟ ماذا تريدون مني؟ أنا أريد العودة إلى منزلي الآن، لا احتاج منكم شيئًا.

ابتسم كلاوس وهو يطرق بمخالبه على مقبض الكرسي قائلًا:

- احذرك من فعل ما تفكر به، هل تعلم ماذا نكون؟ وما الذي نستطيع فعله؟

اندهش ستيفن من معرفته فيما كان يفكر، وشعر بالارتباك والحيرة قائلًا:

- أنا لا أحب الألغاز، صدقني إذا لم تخبرني بكل شيء سأتصرف بطريقة ستحزنك للغاية، أنت لا تعلم بمقدار قوتي، فقد انهي حياتك في لحظة.

ضحك كلاوس مقهقهًا قائلًا:

- ماذا؟! هل ستمتص دمائي؟ لا أنصحك بذلك.. فأنا ذو دم نقي، ستلقى حتفك إذا مصصت قطرة واحدة من دمي، أنا سأخرجك من حيرتك، مهما بلغ تساؤلاتك فإجابتها عندي.

أردف ستيفن والحيرة قد تملكته قائلًا:

- أرجوك أخبرني ماذا يحدث لي؟ أشعر بأنك تعلم جيدًا ما آل إليه حالي، لقد أصبحت وحشًا بين ليلة وضحاها، ما علتي؟ أرجوك أخبرني.


نهض كلاوس من مقعده وهو ينزل الدرج ببطئ شديد حتى اقترب برأسه من أُذن ستيفن قائلًا بصوت كالفحيح:

- دراكولا.. أنت أصبحت مصاص دماء، تملك قوة لا يملكها غيرك، سرعتك تفوق سرعة الرياح، تشم رائحة فريستك من بُعد أميال، تستطيع الرؤية في الظلام كوحوش الليل، جمالك، ورائحتك حتى صوتك يجذب البشر لك؛ ليقعون تحت أسرك حتى تمتص دمائهم بكل سهولة ويسر، أنت أشرس وحش على وجه الأرض، لقد منحت الخلود الدائم، قد ترى ذلك نعمة أو نقمة.. لا يهم أعتقادك للأمر بل المهم وجودك بيننا كعائلة واحدة، فبدوننا ستهلك لا محالة، بالمناسبة أنا أدعى كلاوس أكبركم عمرًا، في الليل سيتم تنظيم مأدبة عشاء على شرفك، للتعرف على عائلتك الجديدة.


أومأ ستيفن رأسه إيجابًا قائلًا بصوت حزين:

- لدي أسئلة تشعرني بالحيرة، لماذا لا أشعر بحاجتي إلى النوم؟ وكيف أصبحت هكذا؟ وهل من علاج لحالتي؟

ضحك كلاوس حتى كاد أن يسقط من شدة الضحك قائلًا:

- علاج ماذا؟! هل تعتقد إنك تعاني من مرض ما؟! أنا لا أصدق مدى سذاجتك! للعلم مصاص الدماء لا ينام، وعندما يشعر بحاجته للراحة الأبدية يرقد في تابوت خاص به في سبات يصل لآلاف السنين، أما عن سبب تحولك فهو نتيجة قرصة حشرة دراكولا، إنها نبوءة سأخبرك بها في الوقت المناسب، أما الآن ستجد من يدلك لغرفتك وهناك ستجد ما يروي عطشك.


في الطرف الأخر من الغابة تقبع عائلة كولين في منزل مكون من طابقين على الطراز الحديث، هم مصاصين دماء ولكن يتغذون على دماء الحيوانات، وأكياس دماء بشرية يحصلون عليها من المشفى التي يعمل بها رب هذه العائلة الذي يدعى إدوارد كولين، هو طبيب مشهور في المنطقة يتعامل مع البشر كأنه واحد منهم ولا يعلم أحد بحقيقته، يقوم بترويض أفراد عائلته؛ حتى لا يقومون بإيذاء البشر، وفضح هوياتهم بين العامة، أثناء قراءة إدوارد للجريدة قامت زوجته كاثرين بالجلوس جانبه قائلة:

- هل سمعت ما حدث؟ لقد عاد دراكولا، فالبداية لم أصدق ما تردد عبر مسامعي، ولكن تم تأكيد المعلومة من مصدر موثوق منه.

ترك إدوارد الجريدة وهو يستمع بعناية لكاثرين قائلًا:

- كيف سيعود دراكولا؟! لقد تم قطع رأسه وزرع وتد في قلبه من قبل (أبرهام فان هلسينج) هذا مستحيل، ربما كانت إشاعة لتثير البلبلة بين العشائر.

أردفت كاثرين وهى تضع إحدى الساقين على الأخرى، وتشرب كأس من الدماء الدافئة قائلة:

- إن هذا الخبر منتشر بين عشيرتنا كانتشار النار في الهشيم، فالجميع يردد إن نبوءة دراكولا قد تحققت.

ربت إدورد على ساقها قائلًا:

- هل تعلمين إذا تحققت هذه النبوءة ما الذي سيحدث؟ سيهلك البشر جميعًا لا محالة، لا بد من منع ذلك بأي طريقة كانت، لن أسمح لعصر الظلام أن يعود مرة أخرى...

قطع حديثهما دلوف ابنهما بالتبني (كيفن) قائلًا:

- اليوم سوف أحضر صديقتي البشرية (صوفيا) لكي تتعرفا عليها.

أردفت أمه كاثرين قائلة بصوت محذر:

- هل أخبرتها بماهيتنا؟

أجابها (كيفن) وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا قائلًا:

- بالطبع لا.. فأنا أخشى أن تلوذ بالفرار مني عندما تعلم حقيقتي.

قال إدورد وهو يربت على كتف كيفن:

- الحب يفعل المعجزات، إذا كان حبها لك حقيقي ستتجاوز عن الأمر، ولكن السؤال هنا هل حبك لها حقيقي أم مجرد نزوة عابرة؟

أردف كيفن وهو يشعر بالحيرة قائلًا:

- لا أعلم.. ولكني أشعر تجاهها بانجذاب فهي مختلفة عن الباقيات غامضة، وهادئة، أعجز عن فهمها أو حتى قراءة أفكارها، في البداية شعرت بالكره تجاهها لإن رائحة دمائها كادت أن تفقدني صوابي، وعندما حاولت البعد عنها أشتقت لها كثيرًا، فالبعد تحول لقرب.


ضحكت كاثرين قائلة:

- أنت لا تحبها بل تعشقها كثيرًا، سأقوم بعمل طعام لها ففي النهاية البشر يختلفون عنا، ولا تقلق فخطيب أختك (مادلين) غير موجود اليوم فهو في رحلة ما مع أختك.

زفر كيفن قائلًا:

- حتى الآن لا يستطيع التحكم في عطشه للدماء.

أردف إدورد وهو يبتسم قائلًا:

- في البداية سيكون صعبًا ولكنه سيعتاد على ذلك لاحقًا.

(في منزل الطبيبة جاكلين)

في ظلام الليل شعرت جاكلين بالرعب والفزع عندما أحست بحركة شخص ما في منزلها وقررت النزول للطابق السفلي؛ لتفقد ما يحدث، ولكنها فجأة صرخت بأعلى صوتها...



..يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي