الفصل الثالث حشرة دراكولا

الفصل الثالث: حشرة دراكولا

كان قلب (جاكلين) ينبض بشدة حيث كانت ممسكة بعصا وهى تتسلل للنزول للطابق السفلي، وفجأة رأت ظل شخص ما وهو يخرج من النافذة، صرخت بأعلى صوتها لتستغيث، طرق الحارس باب المنزل بشدة عندما سمع صرختها، هرولت (جاكلين) تجاه الباب وعندما فتحته وقفت خلف الحارس وهى تقبض على قميصه بشدة من الخلف، قائلة بصوت مرتعش:

- يوجد شخص ما في منزلي..

أخرج الحارس سلاحه من الجراب المخصص له والموضوع في حزام على خصره، تقدم لداخل المنزل وهو يتلفت حوله يمينًا ويسارًا، أخذ يتفقد جميع الغرف في الطابق العلوي والسفلي ولكنه لم يجد شيئًا، ولكن لفت نظره نافذة مفتوحة في الطابق السفلي وعندما أراد إغلاقها سمع جاكلين وهى تنادي عليه بصوت مرتعش وتشير نحو الحائط قائلة:

- أنظر نحو الحائط..

التفت الحارس برأسه تجاه ما تشير إليه الطبيبة جاكلين فرأى كتابة على الحائط بالدم فقرأه بصوت مرتفع قائلًا:

- هذا تحذيرنا الأول والأخير، إذا كنتِ تريدين أن تظلين على قيد الحياة فمن الأفضل لكِ أن تبتعدين عن جلب المصائب، ارحلي عن البلدة للأبد، وإلا سيكون الجحيم هو مصيرك.

رجع الحارس برأسه تجاه جاكلين قائلًا:

- إنه تهديد واضح يا سيدتي، من الأفضل لك أن ترضخين لهم، فمثل هؤلاء لا يمزحون، لقد سمعت عنهم الكثير من القصص المخيفة التي يشيب لها شعر الرأس من الفزع والرعب.

جلست (جاكلين) على الأريكة وهي تتناول كوب الماء من على المنضدة وتشربه، حتى يخفف من شدة فزعها قائلة:

- لا بد من أخبار الشرطة؛ حتى يتم القبض على الفاعل، فأنا لا أسمح بتهديدي، لن أرضخ لهؤلاء مهما بلغ قوتهم وجبروتهم.

هز الحارس رأسه يمينًا ويسارًا قائلًا بصوت محذر:
- لا تفعلي ذلك يا سيدتي، ستتعرضين للخطر.. فهؤلاء لا يوجد في قلوبهم رحمة ولا شفقة، سأخبرك بسر لا يعلمه سوى القليل، لقد تم قتل من سبقك في العام السابق، كان يدعى (جون) لم يهتم لتهديداتهم وكانت النتيجة مأسوية وجدناه في حالة شنيعة، لقد تم تصفية دماءه لأخر قطرة، ولم يترك مكان في جسده إلا وأثار العض به.

شعرت الطبيبة (جاكلين) بالرعب وفي ذات الوقت بعث بداخلها روح التحدي وأرادت استكمال ما بدأته، فقالت:

- لن أقبل بالخضوع والاستسلام، ما ذنب هذه الحيوانات؟! كيف يقتلوها بطريقة وحشية في سبيل أخذ دمائها لممارسة شعائرهم؟! أنا لن أسمح لهم بذلك سأبقى هنا رغمًا عنهم، هل تسمع ما قولت جيدًا؟ أريد أن يعلم الجميع بإنني لا أخشاهم.


(منزل عائلة كولين)


كانت (صوفيا) تتأبط ذراع (كيفن) وهى تنظر بدهشة شديدة لمنزله الذي يقع في الغابة بعيدًا عن المدينة قائلة:

- أنا لا أصدق ذلك.. لماذا تعيشون في الغابة وسط الوحوش والسباع؟! ألا تخشى على نفسك؟! قد يهجم عليك وحش مفترس أو تقع صريعًا نتيجة طلقة طائشة من الصيادين.

أجابها (كيفن) وهو يقبل ظهر كفها قائلًا:

- أبي يعشق الهدوء والسكينة بعيدًا عن زحام وضوضاء المدينة، فهو كطبيب يريد عندما يعود للمنزل أن يشعر بالاسترخاء والراحة بعد مشقة العمل، ولا تقلقي من أمر الصيادين، فهم يصطادون بعيدًا عن هنا، أما بشأن الحيوانات المفترسة، فهم لا يتواجدون في الأماكن التي بها أنوار وحركة كثيرة.

أومأت (صوفيا) برأسها إيجابًا قائلة:

- معه حق.. فالزحام يشعرني بالضيق، ولكن خذ حذرك من الوحوش فلا تستطيع أن تأمن غدرهم.

تم استقبال (صوفيا) بحفاوة، وقدموا لها أشهى الأطباق والمشروبات، ولكنها استغربت من عدم أكلهم معها، في البداية ظنت أنهم يمقتون مشاركة الطعام معها، ولكن لفت نظرها أن مطبخهم بسيط للغاية ولا يوجد به العديد من الأواني، ولا أي شيء يدل على استخدامهم للمطبخ إطلاقًا، فضلت السكوت وعدم التحدث في الأمر، خشية ظنهم أنها شخصية فضولية، قام (كيفن) بإمساك يدها مهرولًا بها للطابق العلوي تجاه غرفته قائلًا:

- سأريكِ منظرًا رائعًا للغابة من شرفة غرفتي سيعجبك للغاية، لقد لاحظت حبك للمناظر الطبيعية خاصة عندما ذهبنا لرحلة إلى سنغافورة، هل تعلمين بأنني ما زلت احتفظ بصورنا، لقد كانت من أسعد الأوقات التي قضيتها في حياتي.

ابتسمت (صوفيا) له قائلة:

- أنا أعشق الخضرة وصوت حفيف الأشجار، هل تعلم أنا بدأت أشعر بالغبطة تجاهك، لأنك تنهض وتنام على جمال الطبيعة الخلابة، بمناسبة رحلتنا لقد أخبرتني صديقة لي بأنها رأت صورة لك بين صور قديمة لجدها، هل تصدق ذلك؟!

ضحك (كيفن) مقهقهًا ثم قال:

- اعتبري منزلي ملكًا لك، لقد قرأت في مجلة ما أن الإنسان يملك أربعين شخصًا يشبهون له، ربما كانت تلك الصورة لواحد منهم، والآن هيا لنجلس في الشرفة.

لاحظت (صوفيا) أن غرفة (كيفن) لا يوجد بها سرير، فقط مكتبة كتب عملاقة، وأريكة جلدية، ومكتب على الطراز الحديث، وجهاز للأسطوانات، كان في غرفته أسطوانات أكثر ما يجده المرء في محلات الأسطوانات الموسيقية، لم تعلق صوفيا على الأمر حتى لا تزعجه، قام (كيفن) بتشغيل موسيقى هادئة وهما ينظران من الشرفة، كان المنظر بديع للغاية، قطع (كيفن) هذه اللحظة الدافئة قائلًا:

- لقد قرأت رواية الجميلة والوحش، رغم جمال الرواية إلا أنها لا تصدق، لقد أحببت قصة حبهما على اعتبار أنها أسطورة، لو كنتِ بدلًا من البطلة هل ستعشقين الوحش؟

صمتت (صوفيا) برهة من الوقت وهي تفكر، شعر (كيفن) بالتوتر والقلق من رأيها في الأمر، كان يحاول أن يستشف رد فعلها من خلال لغة جسدها وتعابير وجهها، ابتسمت (صوفيا) قائلة:
- بالنسبة إلي الجمال الداخلي أهم من الجمال الخارجي، ولذا إذا أحببت وحش لن أهتم لمظهره، لأنه بالتأكيد يتمتع بجوهرة في قلبه.

أردف (كيفن) وهو يمعن النظر بها قائلًا:

- قد يكون الشكل الخارجي مخادع كزهرة الفينوس الجميلة، حيث تجذب الحشرات والحيوانات الصغيرة بجمالها، ولكنها فجأة تقوم بالتهامهم دون أن تشعر بتأنيب الضمير، لو اكتشفتِ أنني لست الشخص الذي تعتقدينه، ربما قد أكون وحشًا، ماذا سيكون رد فعلك؟ بالطبع ستفرين من أمامي من الخوف والفزع.

ضحكت (صوفيا) حتى ظهرت نواجذها قائلة:

- ماذا حدث لك اليوم؟! ألهذه الدرجة تأثرت برواية الجميلة والوحش؟! دعنا من هذا الحديث، هل تعتقد أن والديك قد أعجبا بي؟


تنهد (كيفن) وأجابها بصوت ودودًا قائلًا:

- بالطبع.. لقد أحبتك أمي بشدة، فأنتي شخصية مرحة للغاية، رغم أنني شعرت بتوترك المبالغ فيه، لا بأس فهذه أول مقابلة لكما ربما شعرتِ بالحرج، ولكني أعدك بأنها لن تكون الأخيرة.

نظرت (صوفيا) لساعة يدها قائلة بصوت حزين:

- لقد تأخر الوقت.. لا بد من عودتي للمنزل الآن، لقد قضيت معكم أحلى الأوقات، أنت محظوظ بوالديك، فهما ودودان للغاية، لا تنسى إعداد مشروع البروفيسور (مارك) فغدًا أخر موعد للتسليم.


ابتسم (كيفن) ولكن قلبه حزين لعدم سماع ما تمنى سماعه من حبيبته قائلًا:

- لا تقلقي سأتم إعداده للغد، لا أدري لما تعجب به الفتيات في الجامعة، رغم شخصيته الكئيبة والغامضة؟!

تمعنت (صوفيا) في ملامح (كيفن) كأنها تريد أن تقول له بأنه يشترك مع البروفيسور (مارك) في صفاته قائلة:

- الغموض يدفع المرء إلى الاقتراب، هل تعلم أن أكثر ما يجذبني نحوك هو غموضك، لدي العديد من علامات الأستفهام حولك، ولن استسلم حتى أجد إجابات لأسئلتي.



(في قصر كلاوس سلفاتور..)

زمجر (كلاوس) زمجرة أوقع في قلب الجميع الرعب والفزع قائلًا:

- منذ متى تتصرفون بدون علمي؟ كيف جرأتم على عصيان أمري؟! ألم أقم بتنبيهكم بألا تقتربون منها؟! هل تعلم ماذا فعلت أيها الغبي؟! كيف تتهور هكذا؟


قطع حديثه (ديفيد) قائلًا بصوت مهزوز:

- يا سيدي لم اقترب منها.. فقط قمت بتهديدها بطريقة غير مباشرة عبر الكتابة على الحائط، أنا لم أعص لك أمرًا، صدقني لم أكن سأفعل شيء بدون علمك، أنت تعلم جيدًا بأنني رجلك المطيع.


كان (ستيفن) يتابع ما يحدث في صمت، فهذا العالم غريب عليه، يحاول أن يتأقلم مع وضعه الجديد رغم كرهه له، فأبشع أحساس قد يشعر به المرء أن يصبح وحشًا.

صاح (كلاوس) في غضب قائلًا:

- أمري كان واضح وضوح الشمس بأن لا يقترب منها أحد، ولكنك لم تنفذ ذلك الأمر وقمت بالتصرف بمفردك دون الرجوع لي، ولذا وجب أن تكون عبرة لمن يعتبر؛ حتى لا تسول لغيرك إتيان مثل ذلك الفعل مستقبلًا.


ارتجف (ديفيد) كالقصبة من شدة الفزع وهو ينظر حوله أملًا من أن ينقذه أحد، ولكن لا حياة لمن تنادي، لقد تخلى الجميع عنه فلا أحد يستطيع أن يعارض أوامر (كلاوس) صعق (ستيفن) عندما شاهدهم يهجمون على (ديفيد) ويقطعون أطرافه ويلقون بجثته في المحرقة، كان صراخه لا يزال يتردد صداه في أذنيه وهو يستغيث ويطلب الصفح، لقد تأكد (ستيفن) بأنه سقط في بئر لا قاع له.


أمر (كلاوس) بإحضار الطبيبة (جاكلين) للقصر على وجه السرعة قبل قيامها بتبليغ السلطات، فقد يتسبب هذا في فضح أمرهم، أومأ الجميع طاعة له، كان (ستيفن) يراقب في صمت، ولم يعلم من هي تلك الطبيبة التي يتحدثون عنها، والذي قتل من أجلها ديفيد؟ لم يمضي الكثير من الوقت حتى وجدهم يحملون الطبيبة وهي مغيبة عن الوعي، نظر لها (كلاوس) قائلًا:

- ضعوها في الغرفة الغربية، ولا يقترب أحدكم منها أو يمسها بسوء، لن أعيد تحذيري مرة أخرى، ماذا فعلتم بحارسها؟

أجابه أحدهم قائلًا:

- لا تقلق لن يتفوه بكلمة واحدة، لقد تم تهديده بالقتل هو وأسرته إذا تجرأ وفتح فاه عن الأمر.

أردف (كلاوس) وهو ينظر تجاه (ستيفن) قائلًا:

- فليخرج الجميع.. ابقى يا ستيفن أريد التحدث معك.

خرج الجميع وهم يهمهمون، اقترب كلاوس من المقعد الذي يجلس عليه ستيفن، ثم جلس بجواره قائلًا:

- أعلم بأن لديك الكثير من علامات الأستفهام عما حدث اليوم، ولقد لاحظت صمتك بدون أن تحاول أن تستفسر عما يجري، من حقك أن تعلم ما حدث، هذه الطبيبة تدعى جاكلين من هؤلاء الذين ينادون بمنع الصيد الجائر، وذاك الغبي ديفيد قام بتهديدها حتى تبتعد عن هنا، مما أثار ريبتها وقد يصل بحثها إلى الوصول لعشيرتنا، فكان لا بد من تصرفي على هذا النحو وإلا فلت لجام الجميع.


هز (ستيفن) رأسه إيجابًا رغم عدم اقتناعه قائلًا:

- وماذا بشأن الطبيبة؟ هل ستقوم بقتلها؟

- بالطبع لا.. لن نستفيد من قتلها لأنه ببساطة شديدة سيأتي غيرها، لا بد أن تظل هنا، فأمامها خيارين إما أن نعطيها مبلغ كبير من المال حتى تسجل تقريرها بعدم وجود تجاوزات في الصيد، أو سنقوم برهبتها حتى تخضع لنا بكامل إرادتها.

- بالتوفيق لكم.. فالأمر لا يعنيني، متى ستطلقون سراحي؟ أشعر بالاختناق والملل.


تعجب كلاوس من اللامبالاة التي يشعر بها ستيفن قائلًا:

- أنت لست محتجزًا هنا.. يمكنك الخروج والتجول كما تشاء، ولكننا نخشى عليك التصرف بتهور قد يعرضنا للخطر، فأنت حديث التحول لا يمكنك التحكم في عطشك، أو القدرة في تحمل رائحة الدماء، اذهب لغرفتك فهناك فتاة بانتظارك للتمتع بها، وبعد ذلك قم بامتصاص دمائها حتى تروي عطشك.



خرج ستيفن من القاعة وهو لا يشغل باله سوى بوجبته اللذيذة التي تقبع في غرفته، ولكن حدث ما لم يتوقعه...


...يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي