30 يومًا زواج

Mervat elbeltagy`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-11ضع على الرف
  • 40.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

وقفت شيرويت مسمرة في مكانها تراقب انسحاب باسل مع عروسه وكأنه مشهد بالتصوير البطيء...
استطاعت خداع نفسها أنها داخل أسوأ كوابيسها على الإطلاق, وبعد لحظات ستستيقظ لتجد نفسها في بداية اليوم وكل هذا لم يحدث أبداً.. ولن يحدث.
أفاقت على هزات على ذراعها ولكنها لم ترغب بالخروج من هذه الحالة, لو خرجت سترى حولها نظرات الشفقة المغموسة بنظرات التحسر واللوم والشماتة... اخترق صوت أمها القلق حاجز القوقعة التي صنعتها حول نفسها:
ـ شيري... حبيبتي... دعينا نذهب, وقوفك هكذا سيشمت بنا الأحباب قبل الأعداء...
بدون أن تنظر ناحيتها وبكل ما تشعر من ضغط وقهر كزت على أسنانها ودهشت لأنها لم تتفتت:
ـ أليس هذا ما سعيت له, ماما؟... ألم تكن هذه خطتك من البداية؟... دعيهم يشمتون... دعيهم يمصمصون شفاههم ويتعجبون, وربما يتهامسون... أسمعهم يا ماما... أسمعهم يقولون لبعضهم.. انظروا لتلك المسكينة التي تركها خطيبها في ليلة زفافها... أسمعهم يتنابذون, تُرى لماذا هرب منها العريس!!.. قبل أم بعد أن نال مراده منها...
شهقت ناريمان:
ـ يا إلهي... شيري.. أتوسل إليكِ يا حبيبتي... تعالي معي..
قاومت شيرويت يد أمها التي تحاول جذبها ودفعتها حتى كادت تسقط وهي تصرخ:
ـ لن أذهب معكِ... المسرحية لم تنتهِ بعد.. المشاهدون ما يزالوا يصفقون للعروس... سأحييهم يا ماما.. لقد دفعوا الكثير ليحصلوا على عرض مميز..
اشتد ذعر ناريمان عندما بدأت فلاشات الكاميرات تومض لتصوير العروس المنهارة فتلفتت حولها لتقع نظراتها على المنقذ فهتفت تنادي:
ـ شاهين.. تعال بسرعة...
وكأنه بانتظار هذا النداء الذي طال أمده, فاقترب في خطوات سريعة واسعة من ناريمان ولكن عينيه لم تبتعدا لحظة عن شيري المنهارة ودموعها تحفر أخاديد من الكحل الأسود على وجنتيها..
انحنى باحترام بجوار ناريمان التي همست في أذنه:
ـ احملها أرجوك وأبعدها عن هذا المكان, وأنا سأنهي هذه المهزلة وألحق بكما..
ألقى نظرة خاطفة مركزة وتكلم بصوت منخفض:
ـ عفواً يا هانم... ولكنني أعتقد أنها بحاجة لمعاينة طبيب ما...
شهقت ناريمان:
ـ لا.. ألا تكفي الفضيحة التي حدثت!!.. أتريد أن تمتلئ جرائد الغد بخبر العروس التي فقدت عقلها بعد أن خذلها عريسها؟... احملها يا شاهين وخذها للشاليه في العين السخنة, لا أحد يعرف طريقه...
أومأ رغم عدم اقتناعه... اقترب من شيرويت التي كانت تبتسم للناس حولها وكأنها ترد التهاني, نظرت له وهللت:
ـ شاهين!!.. أنت أيضاً جئت لتبارك لي...
حاول إمساك يدها فأفلتت منه وعيناها تتقدان بالكره:
ـ أنت أيضاً تريد إبعادي عن باسل حبيبي.. أليس كذلك؟؟ ابتعد يا شاهين.. أحذرك..
نظر لناريمان فشجعته للتصرف...
أخرج زفرة بتنهيدة طويلة ثم لف ذراعه حول خصرها ليجذبها بقسوة متعمدة, حاولت الفكاك ولكنه أحكم الطوق حول خصرها, همت بالصراخ فاقترب منها ليهمس معتذراً:
ـ سامحيني...
لم تفهم سبب اعتذاره عندما ضغط بأصابعه على عنقها بطريقة محترفة مدروسة فإذا بها تفقد الوعي بين ذراعيه..
حملها بثوبها الأبيض مخترقاً الجموع الملتفة حولهما ما يزال الفضول يدفعهم للمزيد....
أمدته ناريمان بالمزيد من التشجيع وهي تربت على كتفه:
ـ اذهب بها كما أخبرتك.. هيا أسرع, لا تدع أي صحفي يعرف طريقكما...
أومأ شاهين وهو يبتعد بحمولته الخفيفة...
وضعها برفق في المقعد الخلفي للسيارة.. وضع حولها مساند لتحفظ رأسها, ثم أخرج بطانية كان يحتفظ بها في حقيبة السيارة لليالي الباردة التي يكون فيها ساهراً للحراسة... ودثرها وإذا بها... تتمتم:
ـ باسل... باسل...
مسح دموعها السائلة على وجنتيها وعض على شفتيه غير شاعر بأي ألم وهو يجر نفسه بعيداً عنها مرغماً...
قاد السيارة في عتمة الظلام وظل يدور بها في دوائر لمدة ساعة قبل أن يتخذ طريقه للعين السخنة.
***********
بعد أسبوع....
دخلت ناريمان غرفة ابنتها بدون أن تطرق الباب لتجدها جالسة في مكانها على الفراش كما كانت منذ أسبوع... قابعة بين الأغطية كالشبح, حمراء العينين, منكوشة الشعر.. وقد أغلقت الستائر القاتمة لتحجب عنها ضوء الشمس.
زفرت بعصبية وهي تتحرك بأناقتها المعهودة مصدرة صوت طقطة بكعبيها العاليين وأزاحت الستائر لتغمر الشمس بضيائها الظلام الحالك للغرفة ثم فتحت النوافذ الزجاجية غير عابئة بصرخات ابنتها المعترضة:
ـ لا.. لا... أغلقي النوافذ... أرجوكِ ماما.. لا أريد الشمس...
عادت لها ناريمان لتقف فوق رأسها وتزيح الوسائد التي وضعتها على رأسها قائلة بحدة:
ـ انهضي أيتها المتكاسلة... ابنة كاظم وناريمان لا يمكن أن تختفي أسفل الوسائد في غرفة مظلمة باكية على رجل كنتِ تشكين من البداية في ولاءه لكِ.... لماذا تتظاهرين أنكِ فوجئتِ بما حدث؟.... أفيقي وانهضي.. قفي على قدميكِ.. ولا أي رجل في هذا العالم يستحق لحظة واحدة تهدريها من حياتك باكية عليه.
شهقت شيرويت منتحبة:
ـ أحببته.. أحببته.. أليس لكِ قلب؟!... ألا تشعرين؟!.. ألا تحسين؟!...
شمخت ناريمان بذقنها قائلة بعينين متحجرتين:
ـ هذا الشعور الذي تسمينه بالحب ليس إلا حالة من الضعف... لو كنتُ تركت لنفسي العنان لها في الماضي لما كان لأسم ناريمان كاظم مالكة لأكبر مجلة نسائية في الوطن العربي أي ذكر... وأنتِ لابد أن تخطي على خطواتي.. أعملي حذف لهذا الشعور المقيت من حياتك.. انهضي وقفي على قدميك واصنعي مستقبلك بنفسك.. ولا تدعي المجال لأي رجل ليقرر عنكِ ما يجب أن تفعليه بغدك... غدك ملكٌ لكِ وحدك يا شيري.. وأنتِ أكثر من قادرة على إعادة تشكيله وفق هواكِ..
سألتها بصوت مهتز:
ـ ألن أتزوج أبداً؟؟
ـ بالطبع ستتزوجين.. كما تزوجت أباك... علاقة عمل وحسب.. انظري لي... قلت أنظري لي.. وتأمليني.. لو كنتُ استسلمت مثلك لأحزاني مع أول علاقة حب فاشلة لما وصلا لما وصلت إليه...
غمغمت شيرويت:
ـ أخبرتني هذا من قبل..
ـ وسأعيده على مسامعك مرات ومرات حتى تحفظينه عن ظهر قلب وتعملي به... هيا انهضي واغتسلي وارتدي ملابس أنيقة, أظهري للعالم أن شيرويت كاظم لم تنكسر ولا يوجد رجل في العالم قادر على تحطيمها... وباسل هذا مجرد دمية من ضمن ألعابك الكثيرة التي تنتوين تحطيمها في المستقبل..
نظرت لأمها بأمل:
ـ هل تظنين أنني قادرة على فعل هذا يا ماما؟؟
ـ وأكثر يا شيري.. أنتِ ابنة أمك.. وسترين..هيا ...
نهضت تدفع عنها أغطيتها الثقيلة لتدخل الحمام تنفذ أوامر أمها رغم الفراغ الهائل الذي تشعر به في ذلك التجويف المنهك في صدرها.. مكان القلب..
**********
انتفض شاهين من مكانه عند خروج السيدتين... وازداد تحديقه لشيرويت بملابسها الأنيقة والخالية من الحشمة على غير ما اعتاد منها..
بحدة نادته ناريمان:
ـ ماذا بك تحدق بهذا الشكل وكأنك لم ترى شيرويت من قبل؟
غض شاهين بصره محرجاً:
ـ عفواً سيدتي.. الآنسة لم تغادر منذ أسبوع ولم أظن...؟؟
بزفرة ساخرة صاحت ناريمان:
ـ ومن أنت لتظن أو لا تظن؟!... أسرع وافتح باب السيارة لشيرويت... ولا تفارقها لحظة واحدة... هل فهمت يا شاهين؟.. لو حدث لها أي مكروه.. و تعرض لها أي صحفي فضولي سأحملك أنت كافة المسؤولية... اسبقاني وسألحق بكما في سيارتي...
أومأ باحترام يكتم غيظه من تلك المتعجرفة التي تعلم تمام العلم مدى كفائته في أداء وظيفته.. كما تعلم أن فتح باب السيارة لابنتها لم تكن ضمن متطلبات تلك الوظيفة.. راقبها تقبل شيرويت على وجنتيها:
ـ أراكِ في وقتٍ لاحق.. ولا تنسِ موعدنا مع المحامي لنبحث عن مخرج في وصية والدك هذه...
ـ أوك ماما... كما ترغبين.. أراكِ لاحقاً...
انزلقت داخل السيارة ثم أغلق شاهين الباب خلفها.. أشار للسائق فاحتل مكانه خلف المقود بينما ركب شاهين جواره... وقفت ناريمان تشيعهم بنظراتها حتى غابا عن الأنظار...
اختلس لراكبة المقعد الخلفي نظرات من خلال المرآة الأمامية.. كان يعرفها كما يعرف كفي يديه.. تحاول أن تبدو قوية وهي بهشاشة زهرة ناعمة عطرة تحارب عاصفة هوجاء لا قبل لها بها... اعتصر قلبه بوجع مؤلم عندما لاحظ دمعة حاولت اخفائها وهي تتابع بشرود المناظر من نافذة السيارة.. أكثر من مرة حاول محادثتها, ثم يتراجع في آخر لحظة...
رغم أنها غارقة في بحر أحاسيسها المحبطة, ولكن بطريقة ما وصلها الذبذبات المترددة من حارسها الخاص... لطالما تلذذت بذلك الشعور بالحماية الذي يحفها به, لم يكن مجرد حارس خاص يؤدي عمله الذي يقبض عليه راتباً, كانت تشعر بإحساسها كأنثى أنه أكثر من ذلك بكثير.. لم يتجرأ يوماً ويتجاوز معها الحدود, رغم كل الأحاسيس التي تراها في عينيه...
قاطع أفكارها صوت أمها الحاد يخرق طبلة أذنيها:
"لا يوجد شيء يسمى إحساس... ولا وجود للحب... يوجد أنتِ شيرويت... التي ستصنع نفسها.. وكل من يكن لكِ أي إحساس وظفيه لمصلحتك.. مصلحتك وفقط"
ظلال ابتسامة ذابلة سخرت من إحساس حارسها الخاص, متأكدة أنه يحبها حب يائس.. مثل حبها لباسل تماماً...
وعند تذكرها لعريسها الهارب وكلماته المعتذرة قبل أن يهرب من حفل زفافها.. يهرب لامرأة أخرى... عادت الدموع تسيل من عينيها كالفيضان مما دفع شاهين ليتدخل أخيراً:
ـ آنسة شيرويت.. أترغبين أن نتوقف في استراحة قصيرة.. آنسة؟!!...
ولكنها لم ترد... لم تسمعه...
التفت للسائق:
ـ لتتوقف في أول استراحة يا أسطى محمد لو سمحت..
أومأ السائق بتفهم...
أخيراً لاحظت السيارة متوقفة والباب بجوارها مفتوح وشاهين راكعاً جوارها يراقبها بمزيج من جملة مشاعر كثيرة.. تجاهلتها وهي تسأله منتفضة من مكانها:
ـ ما هذا؟!!.. هل وصلنا بهذه السرعة؟؟
ـ لا.. لقد توقفنا في استراحة.. شعرت أنكِ متعبة..
صرت على أسنانها بحدة:
ـ ألم ترى حضرتك أنك كان يجب أن تسألني أولاً... أم أن لا رأي لي و...
قاطعها بصبر:
ـ سألتك يا آنسة... ولكنكِ لم تجيبي.. فاتخذت القرار بدلاً عنكِ...
نظرت لساعتها وشهقت:
ـ لقد تأخرنا بالفعل.. ألم تسمع ماما وهي تقول...
ـ سمعتها... ولكنني لا أوافقها.. أنتِ ما زلتِ بحاجة للراحة.. ما مررتِ به كان أكبر من احتمالك..
هتفت بعينين مغرورقتين بالدموع:
ـ وما شأنك أنت؟!!.. أنت لست سوى..
ـ حارس خاص أقبض راتب على عملي...
زفرت بعصبية:
ـ كف عن إنهاء كل جملة لي...
أومأ بهدوء:
ـ كما تشائين يا آنسة... هل ترغبين أن نكمل رحلتنا؟...
اهتزت عندما غمرها بكل هذه المشاعر المتدفقة من عينيه بدون حساب وكأنه يحتويها.. يضمها برموشه, يهيمن عليها برجولته, يطمئنها أنه هنا من أجلها... ولكنها تعلمت من درسها...
رفعت ذقنها قائلة بنبرة آمرة:
ـ نعم يا سيد شاهين.. وفي المرة القادمة أفضل أن تسألني أولاً قبل أن تقرر قراراً يخصني... هل أنا واضحة؟..
ـ تمام الوضوح...
نهض واقفاً بشموخ منادياً بصوته الجهوري:
ـ أسطى محمد... لو سمحت نكمل رحلتنا.. الهانم لا ترغب بالراحة... هذا خطئي بالكامل...عفواً يا هانم لن يتكرر هذا الخطأ مرة أخرى..
ثم صفق باب السيارة بقوة أجفلتها ولكنها تماسكت كي لا يرى تأثيره عليها:
جلس مكانه بجوار السائق يجذب طرفي بذلته بحده وكأنه سينتزعها من فرط غضبه..
رفعت أحد حاجبيها باستهانة متلذذة بشعورها بالتفوق, بهذه الطريقة كان باسل يعاملها, هل كان يشعر بالتفوق المنتصر عندما يعاملها كأنها قمامته؟!.. عندما كان يتهرب منها وهي تلح عليه بالاتصالات التليفونية؟..
كم كان يهزأ منها وهو بصحبة تلك السارقة.. وسيدفعان الثمن غالياً..
ثم التفتت بحدة لشاهين الجالس أمامها وفكرت بحقد..
"بل سيدفع هو الثمن, ثمن حبه البائس, وثمن تلك المشاعر التي أهدرها على ثمرة محرم عليه حتى النظر إليها".....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي