الفصل الثالث

أخرج شاهين منديلاً من جيبه واستمر بتجفيف عرقه وهو يدور بعينيه باحثاً في الظلام الدامس عن أكياس الطعام التي كان قد وضعها جانباً لحظة دخوله... وأخيراً بعد بحث مضنٍ بالتخبط في المكان عثر عليها...
وعلى الضوء الحثيث القادم من ناحية المطبخ توجه ناحيته وقلبه يكاد يصرخ من جنون دقاته... سخر من نفسه.. هو الحارس الخاص المدرب تدريبات عالية جداً ومهارية ليستحق نيل رخصته, كما أنه مدرب تدريباً احترافياً لصد أي هجوم أو محاولات اغتيال لعميله... ترتجف ركبتيه لمجرد أن شرويت طلبت منه الانضمام لها في المطبخ ليتشاركا وجبة طعام... أحد أحلامه الخيالية يتحقق.. ولكن ليس مع شرويت هذه... صاحبة النظرات المغوية والصوت الناعم الذي يفقده كل حواسه وعلى وشك أن يفقده عقله...
ندم أشد الندم على أمنياته السابقة أن يأتي اليوم الذي تنظر له شيرويت بطريقة مختلفة عن نظرة صاحبة العمل لحارسها الخاص.. فهو لا يستطيع التعامل مع هذه الــشرويت الجديدة أبداً ولا يعرف ماذا تنتوي..
أجلى صوته لحظة دخوله... فوجئ بأضواء الشموع تملأ المكان وقد بددت ظلام المطبخ, لابد أنها أشعلت كل الشموع الموجودة ليبدو المطبخ بكل هذه الرومانسية..
كانت عيناه تجولان بالشموع الموضوعة في كل مكان حتى وصلتا إليها.. تقف مستمتعة بانبهاره تعلو شفتيها الشهيتين ابتسامة جميلة جف لها حلقه, وخياله يجمح به ليصور نفسه يلقي بكل ما في يده ويقترب منها في خطوتين فقط لينهال على تلك الشفاه المغوية بقبلاته حتى يخضعها لسلطانه...
عبأ صدره بالهواء كي يستفيق من أحلامه... ليفاجئ بها لا تزال تقف مكانها ترتدي ما جعل العرق يمطر من جبينه من شدة الاحراج.. وفكر أنها لا يمكن أن تكون واعية أبداً وهي تقف أمامه بهذا الثوب الشفاف... هي الفتاة الخلوقة المحتشمة لم يرها يوماً تساير بنات جيلها في ارتداء كل ما هو ضيق وشفاف...
تراجع خطوة للخلف يبحث حوله ثم وضع الأكياس على الأرض وأمسك بمفرش المائدة وهرع ليغطيها به وهو يغض البصر عنها:
ـ لا يصح يا آنسة أن تقفي هكذا.. بهذا الثوب الــ...الــ...
نزعت مفرش المائدة وألقته بعيداً بسأم:
ـ أنت لا تفهم شيئاً يا شاهين.. هذا الثوب الــ..الــ... الذي لا تجد له وصفاً.. ارتدت تلك السارقة لمى مثله كي تسرق مني باسل.. ونجحت في فعلتها...
هز رأسه قائلاً بهدوء:
ـ ولكنكِ لست مثل أي امرأة أخرى..
صرخت بحدة:
ـ بل أنا مثل أي امرأة أخرى... ولكن.. أنت على حق.. أنا مختلفة عن أي امرأة أخرى... فأنا فاشلة لم أستطع أن أحافظ على خطيبي... سرقته مني تلك المختالة بملابسها الفاضحة وتصرفاتها الفاجرة... لم لا أصبح مثلها... بماذا أفادني احتشامي؟؟
تنهد قائلاً بنبرة هادئة:
ـ باسل لم يحبك أبداً يا شيرويت..
صرحت بصوت حاد مرتفع:
ـ ولا أي رجل آخر سيحبني.. ما لم أغير جلدي... ما لم أصبح مثل لمى وغيرها.. ولكنني لن أعود أبداً لشرويت الخانعة الناعمة الخجولة...
أردفت بنبرة أكثر هدوءً حتى بالكاد سمعها:
ـ هل لنا أن نغلق هذا الموضوع ونتناول طعامنا...
أطرق رأسه بتنهيدة طويلة ثم انحنى ليحمل الأكياس ليضع محتواها على المائدة.. بينما جلست كالأميرة مرفوعة الرأس حتى أنهى وضع كل الأطباق.. وظل واقفاً فهتفت بحزم:
ـ اجلس يا شاهين...
تردد لحظة ثم جلس ولكن بدون أن يشعر بالراحة.. شيء ما يعوق أنفاسه.. الهواء يدخل ويخرج بصعوبة شديدة... بينما شرعت تتناول طعامها بتلذذ واضح.. غير عابئة بنظراته الصامتة مدركة تماماً ما يختلج داخله من مشاعر متضاربة..
ـ أمممم... هذا الكباب لذيذ جداً... والكفتة أيضاً... أما السلطة... كيف عرفت أنني أحب الكول سلو؟...
ـ أنا حارسك منذ خمس سنوات... كيف لا أعرف كل ما تحبين... وما تكرهين..
ـ هل تحفظ عادات كل من عملت معهم قبلي؟...
تردد لحظات قبل أن يجيب:
ـ لم تتجاوز فترة عملي لدى أي عميل سابق عدة شهور...
صرخت بحماس:
ـ أي أنني أول عميل تقضي معه كل هذه السنوات.. تُرى... لماذا يا شاهين؟؟!!
تنحنح بنفس عميق:
ـ ناريمان هانم تدفع لي جيداً..
سألته بصوت لعوب:
ـ فقط؟؟!!
ـ نعم.
ـ لماذا لا تأكل يا شاهين؟؟
ـ لا شهية لي..
ضمت شفتيها بإغراء شديد:
ـ تؤ.. تؤ.. تؤ.. حتى أنا لم أفتح شهيتك؟!!.. أنت تجرح إحساسي يا شاهين..
كتف ذراعيه عل صدره:
ـ أنا حارسك الخاص يا آنسة..
ـ ناديتني منذ قليل باسمي..
أجاب بنبرة رسمية:
ـ كان خطأ.. أعتذر... لا يجوز أن أرفع الكلفة بيننا.
تنهدت بانزعاج محاولة التحكم في انفعالاتها.
ـ سمحت لك برفع الكلفة.. نحن وحدنا ولا أحد سيعرف..
ـ أنا أعرف.. ومن الخطأ أن أخلط بين العمل والــ....
قاطعته لتكمل بنبرة ناعسة:
ـ المتعة!!.. أهذه الكلمة التي كنت تبحث عنها؟..
انتفض واقفاً وقد فاقت قدراته على الاحتمال:
ـ شيرويت.. أقصد... يبدو أنكِ ثملة.. ما رأيك أن أوصلك لغرفة نومك حتى تنالي قسطاً من الراحة.. أنتِ بحاجة لها.. أنا متأكد أنك ستندمين على كل تصرفاتك هذه عندما تستعيدين رشدك...
قهقهت بمياعة:
ـ أنت واثق!.. لا أدري من أين جاءتك هذه الثقة؟!.. ما رأيك أن تعيد لي باسل من أحضان تلك الساقطة وأنا سوف... سوف....
انهارت دفاعاته دفعة واحدة عندما اغرورقت عيناها بالدموع وتحشرج صوتها, فاندفع إليها يمسك بكتفيها ليرفعها إليه يتأمل ملامحها الباكية أسفل أضواء الشموع والتي أضفت عليها نعومة فائقة وهشاشة كادت تفقده سيطرته على أعصابه:
ـ شيرويت.. لا تفعلي هذا بنفسك.. أرجوكِ.. لا تنهاري.. لابد أن تصمدي...
تبدلت ملامحها المتكسرة بالبكاء في ثوان لتحل محلها ابتسامة مغموسة بالدموع:
ـ ومن قال لك أنني سأنهار!... أنا شيرويت كاظم... سأجعل باسل يلعق أسفل حذائي لأسامحه.. ولن أفعل... هل سمعتني يا شاهين؟... لن أفعل...
دفعته لتستقيم لتثبت كلامها ولكن ساقيها تخلخلتا فكادت تهوي لولا أنه كان مستعد لانهيارها الوشيك فتلقاها على صدره وأجهض مقاومتها الضعيفة وهو يحملها بين ذراعيه:
ـ سأحملك لغرفتك.. وفي الصباح يمكنك أن تفكري من جديد في كل ما ترغبين في فعله ولم يُتح لكِ الوقت من قبل...
ـ هل ستساعدني يا شاهين؟.. أم أنك ستقول لي كالمعتاد أنك مجرد حارس خاص..
تنهد بصعوبة:
ـ سأساعدك.. لو كان بإمكاني.. ربما سأكبل باسل مختار بالأغلال وأجلبه ليركع تحت قدميك طالباً الصفح..
هتفت بحنق:
ـ وتلك السارقة أيضاً..
ـ رغم أنني لا أستعمل القوة مع النساء.. ولكن من أجل خاطرك سأستثني لمى من قائمتي..
أصرت على أسنانها:
ـ تدعى السارقة..
ـ حسناً.. كما تشائين.. السارقة...
كلن قد وصل لغرفتها.. دفع الباب بقدمه ووضعها على فراشها قائلاً:
ـ هل ستكونين بخير حتى أجلب لكِ أحد الشمعات؟
تمسكت بملابسه بقوة:
ـ لا.. أرجوك.. شاهين لا تتركني.. أنا أخاف الظلام.
حاول نزع يديها المتشبثة بملابسه:
ـ اهدئي.. هي ثوان فقط لن أتأخر.
ازداد تشبثها بملابسه بخوف شديد:
ـ لا.. ولا ثانية واحدة... اجلس جواري حتى أنام.. وإياك أن تتحرك...
رضخ مهدئاً:
ـ حسناً.. كما تريدين.. اهدئي الآن واتركي ملابسي.
وكأنها انتبهت لما تفعل ففتحت أصابعها المتشبثة لتتركه باعتذار:
ـ آسفة... لن تتركني أليس كذلك؟
ـ لا.. بإمكانك النوم وأنتِ مطمئنة.. سأكون جوارك هنا...
على ضوء هاتفه الجوال رآها تغمض عينيها بسلام كطفلة صغيرة تشعر بأمان...
انتظر خمس دقائق محطمين للأعصاب قبل أن يلكزها برقة ويناديها باسمها.. وعندما لم تستجب تنهد براحة وغادر الغرفة على عجل ولكن ليس قبل أن يترك لها جواله بإضاءة الكشاف كي لا تفزع لو استيقظت في الظلام...
أغلق الباب بهدوء ولم ير تلك الابتسامة الشيطانية المنتصرة على ثغرٍ كان يتغنى منذ لحظات ببراءته...
انتفضت شيرويت جالسة في مكانها تنظر للباب المغلق بغيظ شديد:
ـ اللعنة!... أنت ماذا؟!.. جبل من الجليد!!...أراهن أن باسل لم يصمد كل هذا الصمود أمام تلك السارقة... وأنت لم تحاول لمسي ولو مرة واحدة...
بهذه الطريقة سنستغرق شهوراً لتنفيذ الخطة يا حضرة الحارس.. وأنا لا أملك كل هذا الوقت... لابد أن ألجأ لخطة تسريع الأحداث... وإلا ضاع مني كل شيء!...
نزلت مسرعة أسفل الغطاء عندما سمعت خطواته تقترب مرة أخرى ويفتح الباب ليدخل بالشمعة في يده... وضعها في مكان بعيد عن الفراش ثم أطفأ كشاف هاتفه ووقف حائراً... هل يذهب.. أم يبقى؟....
ماذا لو لم تتذكر أي شيء مما حدث _عارض من عوارض ما بعد الثمالة_.. واستيقظت لتجده بجوار فراشها.. واتهمته أنه....
لم تستطع أفكاره أن تتوغل أكثر وهو ينسحب بهدوء...
فتحت عينيها دون أن تتحرك محدقة في سقف الغرفة وخيالات تراقص شعلة الشمعة ترسم أشكالاً متمايلة..
في الصباح... طرقات على الباب أيقظتها...
تمتمت بدون أن ترفع رأسها:
ـ أدخل يا شاهين...
أجلى صوته ولم يفتح الباب:
ـ هل أنتِ محتشمة؟؟
رفعت رأسها بتنهيدة ضيق ثم استوت جالسة تنظر لنفسها بثوب نومها المفتوح الشفاف...
شيرويت التي يعرفها باسل مختار يبدو أنها ماتت بالفعل داخلها... أنزلت أحد أكتاف الثوب ولعبت بأصابعها في شعرها ليزداد هياجاً..
وأجابته بتثاؤب:
ـ أدخل يا شاهين.. لن ترى أكثر مما رأيته بالأمس...
ولكنه ظل خلف الباب:
ـ أحمل معي صينية الإفطار يا آنسة.. أرجو أن تضعي شيئاً من الملابس حتى أستطيع الدخول.. وإلا سأترك صينية الطعام أمام الباب وأذهب...
زفرت بسأم صارخة:
ـ حسناً.. حسناً... وكأنك لم تر امرأة شبه عارية من قبل!...
رفعت الغطاء حتى عنقها وصاحت:
ـ تفضل.. أدخل يا شاهين بك... أنا محتشمة..
أدار مقبض الباب ودخل ليراها في ضوء أشعة الشمس المتسللة من شيش النوافذ.. وكان يتساءل إن كان سحرها الغامض ليلة أمس قد بدده ضوء النهار... وكتم أنفاسه...
كان شعرها الأشقر متطايراً في كل مكان وكأنها وضعته في خلاط... وذراعيها الناصعتا البياض يحكمان الغطاء حتى ذقنها الدقيقة.. وهي ترمقه بتلك النظرات الخليط من براءة تملكها بالفطرة... وأخرى شيطانية لعوب.. لم يدر بعد كيف حصلت عليها.. ولكنها على وشك أن تفقده ما تبقى من سيطرته على نفسه...إن لم يحذر
أخفض نظراته وهو يضع صينية الطعام:
ـ تفضلي فطورك.. وبعدها تأخذين حماماً منعشاً.. وترتدين ثياباً لائقة.. لأنني اتصلت بالكهربائي وهو على وشك الحضور..
هبت بحدة:
ـ ماذا تعني بتعليماتك تلك؟!... أتظن أنني....
ثم توقفت فجأة وأفكار جديدة تتلاعب بخيالها... ثم أطبقت فمها قائلة بعد اختمار الفكرة:
ـ كما تأمر شاهين بك.. سأتناول فطوري.. وسآخذ حمامي.. وسأرتدي ثياباً لائقة.. هل من أوامر أخرى؟..
رد من بين أسنانه:
ـ نعم.. عودي شيرويت كاظم التي أعرفها...
قال جملته وانصرف بخطوات تكاد تحفر الأرض في طريقها...
تركت الغطاء ليسقط وأمسكت قطعة تفاح تقضمها بحواجب مرفوعة وعينان تبرقان بأفكار بعيدة تماماً عن البراءة...
أمسكت هاتفها لتتصل بأمها... التي أجابتها على الفور وكأنها كانت بانتظارها:
ـ ألو... ماما... وقع الطير في الفخ... سنكون بانتظارك بعد... ثلاث ساعات ليأتي دورك...ماما ثلاث ساعات بالضبط وتكونين أمامي هنا...لا تتأخري وإلا....
تنهدت ناريمان والهاتف يكاد يتحطم في يدها:
ـ هل أنتِ واثقة؟.. بهذه السهولة!!... لمى استغرقت عشرة أيام ليسقط باسل في أحضانها.. وأنتِ.. تحتاجين ثلاث ساعات فقط!!...
قاطعتها شيرويت وقد ازدادت عصبيتها لدى سماعها اسم سارقة خطيبها:
ـ كنت ألعب في السباق الخاطئ من البداية يا ماما.. أما الآن فقد عرفت طريقي... ربما لو كنت عرفته من البداية لاستطعت الحفاظ على خطيبي.. ولكنني لم أفقد الأمل بعد... ما أن ننتهي من تنفيذ ما اتفقنا عليه... وأحصل على الخلاص بعد ثلاثين يوماً... سأعود لأستعيد باسل...
زفرت ناريمان:
ـ رغم أنني لا أوافق على خطتك هذه.. لا في البداية ولا في النهاية.. ولكنها تخدم مصلحتنا المشتركة... وهذا أكثر ما أهتم به... سأكون عندك بعد ثلاث ساعات...
نظرت شيرويت للهاتف.. ثم ألقته قائلة لنفسها..
"وأنا أيضاً يا ناريمان هانم... الخطة تخدم مصلحتي أنا.. للحصول على باسل مختار مرة أخرى... ولن أتركه يفلت من يدي هذه المرة"...
****
استقبل شاهين فني الكهرباء وشرح له الموقف بإسهاب.. فسأله الرجل:
ـ أين أجد صندوق التغذية الخاص بالفيلا؟...
ـ إنه خلف الفيلا... تعال معي...
تلفت شاهين حوله يبحث عن شيرويت ولكنه لم يعثر لها على أثر... تبعه فني الكهرباء عبر حديقة الفيلا الخلفية.. حتى أشار له شاهين على الصندوق.. ولكنه لم يجد الرجل خلفه!...
أطال بنظره يبحث عنه ليجده واقفاً مسمراً في مكانه وكأن مشهداً مثيراً استحوذ على انتباهه..
ناداه شاهين:
ـ يا أسطى حمودة... يا...
وانقطع صوته وكاد أن يسقط مغشياً عليه عندما احتبست أنفاسه ولم تخرج أو تدخل أمام منظر شيرويت مستلقية على الشيزلونج أمام حمام السباحة ترتدي قطعتين صغيرتين لا تكاد تترك للخيال مساحة!!....
بفضل تدريباته على ضبط النفس استطاع أن يجبر أطرافه على التحرك ليمسك بملابس الرجل ليوقظه من أحلام يقظته:
ـ يا أسطى حمودة... صندوق التغذية من هنا.. تفضل لو سمحت..
رفع حمودة رأسه وكأنه أيقظه من حلم جميل وكان جسده ينتفض من الحمى وشاهين يكاد يجره جراً...
وقف أمام صندوق التغذية.. شعر شاهين أن الرجل فقد جزئاً من ذاكرته وأنه لا يكاد يعرف ما يفعل:
ـ هل أنت بخير يا حمودة؟... سأصنع لك كوباً من الشاي.. لحظات فقط..
أومأ حمودة دون أن ينطق بكلمة..
وبخطواته التي تكاد تتسبب بزلزال... انطلق للمستلقية أمام حمام السباحة... لتفاجئ بيدين كبيرتين تنتزعانها من هدوئها المزيف..
صرخت بفزع:
ـ ما هذا؟.. شاهين!!... هل جننت؟..
نظر حوله ليبحث عما يسترها قبل أن يقول بصرير من بين أسنانه:
ـ حتى الأمس فقط.. كنت على وشك!.. ولكن الآن... أنتِ أفقدتني عقلي.. أين ذلك الشيء اللعين الذي تسترين به نفسك؟!..
أجابته بشجاعة رغم ذراعها التي لا تزال معلقة بين أصابعه:
ـ مئزري نسيته في غرفتي!...
ازدادت قبضته وهو يهم بخلع ذراعها وحاول مراراً أن يرد عليها ولكن في كل مرة تفقد الكلمات معانيها أمام الغضب الذي يكاد يعميه....
حتى واتته فكرة فانتزع مفرش المائدة غير عابئ بسقوط كوب العصير الذي كانت تتلذذ منذ قليل ببرودته المنعشة... ولفه بها دون أن يستمع لاعتراضاتها... ثم حملها لداخل الفيلا رغماً عنها.. ولم يتركها إلا داخل غرفتها... تماماً كما خططت...
ألقاها على الفراش تتلوى من الغضب ثم نهضت لمواجهته:
ـ أنت.. من تظن نفسك لتعاملني بهذه الطريقة؟!
عقد ذراعيه على صدره قائلاً ببرود:
ـ أنا حارسك الخاص.. المستقيل...
بهتت:
ـ أنت لا تستطيع.. أنت لا يمكن...
ـ بل سأفعل.. فقط راقبيني...
ـ أنت مكلف بحراستي...
ـ نعم.. من أي اعتداء خارجي.. أما من نفسك.. فهذا خارج نطاق عقدي... سأتصل بناريمان هانم لأبلغها بالوضع.. كان كل شيء تحت السيطرة حتى خرجت عارية أمام رجل غريب..
سألته بنبرة ملاوعة:
ـ أمممم.. رجل غريب!!.. أتقصد نفسك... أم فني الكهرباء؟
احمر وجهه بشدة واشتد فكه وبرزت عروقه الزرقاء... وللحظة صغيرة جداً شعرت بالخوف من الغضب الذي رأته في عينيه الداكنتين..
إحساس صارم من الشعور بالواجب حثه على تجاهل أفكاره.. فبعد كل شيء هي ما تزال مخدومته..
فاجأها بالسؤال:
ـ هل ترغبين بالحصول على رجل لمداواة أنوثتك الجريحة... أهذا ما تسعين إليه؟؟
استوعبت معنى السؤال بسرعة.. ضغطت على شفتيها معاً محاولة كبح دموع الغضب..
وهزت رأسها:
ـ هل أنت على استعداد لتكون هذا الرجل؟
ـ وعلى أساس إجابتي ستكون....
أكملت جملته الناقصة:
ـ سيكون على أن أسعي للحصول على واحد آخر... وآخر... و..
لم يحتمل فجذبها ومن شعرها الخلفي بقوة مؤلمة:
ـ أنتِ مجنونة!!...لابد أن يتم إيداعك مستشفى الأمراض العقلية..
ضحكت رغم الألم الذي أخذ يتجذر في فروة رأسها:
ـ يا له من مكان.. أراهن أنني سأحصل كل يوم على رجل يقدر جمالي..
مدت يدها لتمسد على بشرته السمراء برقة شديدة:
ـ إلا.. إذا.. كان لديك عرضاً أفضل...
أمسك مرفقيها ليبعدها:
ـ أنتِ غير واعية يا شيرويت.. ستندمين...
ـ ألم تسمع المثل؟!... تمتع الآن واندم على مهل!...
شبت على أطراف أصابعها لتلثم لحيته الخشنة بأنفاسها...
ازداد توتره وقلت مقاومته... كانت تتعمد الاحتكاك به ويداها تتسلل أسفل بذلته التي لا يخلعها أبداً... ومن بين أزرار قميصه بدا يشعر بأناملها الصغيرة تغوص حتى وصلت لجلده... كان شعوره التملكي يزداد بشراسة... لقد انتمت له من اليوم الذي عينته فيه ناريمان حارساً لها...
كانت الإثارة تتجمع داخله باطراد تدفعه نحو ما تتوق إليه.. فبدأت يداه تتلمسان منحنياتها بجرأة... وفمه يتحرك تاركاً آثاراً حارقة على عنقها فتقوس جسدها يدعوه ليستكشفها...
وعندما بدأت الحواجز بالاختفاء الواحد تلو الآخر.. بدأت تعي ما يحدث لها برعب... خاصة وجزء منها يتألم توقاً للاستلقاء معه وأن تترك نفسها لمشاعرها الحسية... وجزءً آخر ينفر من ملامسة أي رجل غير باسل لها...
همت بالتراجع ولكن شفتيه تملكتاها بحرارة وإثارة.. كانت قبلاته مثله متقدة.. فظة... وصادقة.. حملت كل إحباط شعر به منذ خمس سنوات.. كانت قربه وبعيدة عنه بعد السماء عن الأرض...
اجتاحها كإعصار جارف انساها حتى اسمها... شئ واحد كان يشغل عقلها.. أن تستلقي معه لتشبع من المد الجارف من هذه الأحاسيس التي لم تتذوق مثلها أبداً... وكأنها سمع أمنياتها فبدأ بالتنفيذ فوراً...
*******
ملابس رجل ملقاة قطعة.. قطعة... بامتداد من خلف الباب..
تابعت عيناها القطع المتفرقة حتى وصلت للفراش وهنا لطمتها صدمة قاسية, لقد وصلت متأخرة... متأخرة كثيراً...
اللعنة على زحام المرور... كان المنظر على الفراش متوقعاً أكثر من اللازم.. فمن المفترض أن تصل في المرحلة الأولى.. ولكن...
أخرجت نفساً حارقاً من صدرها وهي تصرخ بحدة:
ـ يا إلهي!!.. ما الذي يحدث هنا؟؟؟...
رفع شاهين رأسه وكأنه أفاق لتوه من غيبوبة لذيذة.. بينما ظلت شيرويت تتمطى على صدره كقطة التهمت لتوها طبقاً من الحليب الدسم...
لم يجد أي أعذار يقولها... لم يعرف ماذا يقول... كان مخطئاً من جميع النواحي.. مخطئاً في حق نفسه... وفي حق مهنته.. وقبل كي شيء مخطئاً في حق شيرويت.. حبيبته..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي