الفصل 4

كان الصمت مطبق في أرجاء الفيلا... على الفور انتاب ناريمان شعور مرعب بحدوث خطأ ما.. وقفت في ردهة الفيلا تحاول رصد أي صوت صادر من أي مكان...
تسارعت دقات قلبها وهي تنظر لأعلى حيث غرف النوم... وبدأت بساقين متراخيتين من الخوف تصعد على الدرجات المبطنة بالموكيت الأحمر وهي تلعن الزحام المروري الذي تسبب في تأخيرها عن الموعد المحدد... وأخذت تدعو بصمت ألا تكون الأمور قد خرجت عن الحدود...
عاتبت نفسها لموافقتها على هذه الخطة المجنونة... من كانت تظن نفسها شيرويت كي تعتقد أنها تستطيع أن تتلاعب برجل مكتمل الرجولة كشاهين...
تمتمت بحنق وهي تصل للدرجة الأخيرة:
ـ كم كنت غبية لأعتمد عليكِ يا شيري!... لابد أن شاهين فر بجلده من خطتك الغبية ولابد أن نعيد حساباتنا من البداية.. ونحن لا نملك هذه الرفاهية في الوقت... من أين سنعثر على رجل آخر في هذا الوقت الضيق؟!...
أخذت نفس عميق لتستعد لعراك طويل وهي تمسك بمقبض الباب.. ثم أدارته لتفتح الباب على مصراعيه لتقف مذهولة صارخة للمنظر الذي لم تتوقعه في أكثر خيالاتها خصوبة:
ـ يا إلهي!!... ما الذي يحدث هنا؟؟؟
كانت أفكارها تحترق بسرعة البرق في رأسها لتتذكر الاتفاق المبرم بينها وبين شيرويت والذي بالتأكيد لم ينطوي بين بنوده على النوم في الفراش مع حارسها الخاص...
وعلى الفور دار بخيالها في لحظات كل ما حصل عندما أخذتها من الفيلا في اليوم السابق لتقابل المحامي...
كان اتفاقها أن تلحق بها في سيارتها إلا أنها وصلت قبلها وظلت قلقة عن الأسباب التي دفعتها للتأخير... وعبثاً حاولت الاتصال مراراً بهاتفها الخلوي وهاتف شاهين.. حتى هاتف السائق... ولكنهم كانوا جميعاً خارج نطاق الخدمة.... ظلت تغلي في حالة من القلق حتى أقبلت عليها بملامحها المتجهمة..
استقبلتها ناريمان بقلق:
ـ شيري حبيبتي.. لماذا تأخرتِ قلقت عليكِ كثيراً؟... وهاتفك وهاتف شاهين مغلقان.
أجابتها شيرويت بصوت ملول:
ـ أنا بخير.. هاتفي مغلق ولا أدري عن هاتف شاهين... أين المحامي؟؟
ـ هنا بانتظارك يا آنسة... هيا بنا لقد أخرناه على أعماله بما فيه الكفاية..
نهض المحامي لدى دخولهما غرفة مكتب أمها ليستقبلهما باحترام.. وبعد ديباجة التحيات المعتادة أجلى صوته بطريقة لم ترق لناريمان:
ـ كنت أود لو أحمل معي أخباراً سارة لكما سيدتاي... ولكن مع الأسف... بنود الوصية واضحة وضوح الشمس ولا لبس فيها... الآنسة شيرويت لن تتسلم ميراثها قبل أن تصل لسن الثلاثين, أو تتزوج قبل ذلك فتتسلم ميراثها فوراً..
هتفت ناريمان بغيظ:
ـ هذا ما سبق وأخبرتني به... ولكنني أملت أن تجد حلاً ما... كما ترى شيرويت لن تتزوج, ونحن في حاجة ماسة للتوسعات, وهذا لن يحدث إلا إذا تسلمت ميراثها..
ـ عفواً ناريمان هانم... هذا صوت القانون الذي يعلو فوق رغباتي ورغباتك.. كنت أظن أنني قد أجد ثغرة ما في الوصية يمكنني التلاعب بها لتحصل شيرويت هانم على ميراثها, ولكن اتضح لي خطئي بعد فحصها, إما أن تتزوج أو لا تحصل على ميراثها قبل أن تصل لسن الثلاثين... اسمحا لي..
راقبته ناريمان بغل شديد حتى أغلق الباب خلفه ثم نظرت لابنتها:
ـ هل سمعتِ ما قاله هذا الأحمق؟... لابد من وجود حل ما... لا يمكن أن ننتظر ست سنوات... شيرويت!!... فيم شرودك؟!.. ألن تفكري معي في حل لهذه المصيبة؟
أجابتها شيرويت بنبرة هازئة:
ـ لو لم تلعبي لعبتك على باسل لكنت زوجة له الآن وكنت حصلت على أموالي.. وكنا كلنا في غاية السعادة.
أخرجت ناريمان تنهيدة حارقة:
ـ أمازلت تفكرين بهذه الطريقة بعد أن رأيتِ بعينيكِ خيانته لكِ؟...
صرخت شيرويت بانفعال:
ـ الخيانة التي كنتِ سبباً في صنعها.. أنتِ السبب في كل مصيبة وقعنا فيها... أنتِ التي وضعتِ سارقة الرجال هذه في طريقه وأنتِ تعلمين مدى ضعفه تجاه النساء..
تكلمت ناريمان بصوت منخفض:
ـ لقد أحبها, ولم يُكن لكِ يوماً إحساساً صادقاً... ما كان هذا حالك لو كان...
قاطعتها شيرويت بحدة:
ـ انتهينا يا ناريمان هانم... كنتِ دائما ترغبين بصنعي نسخة منكِ.. أهنئك.. نجحتِ... سأكون مثلك...وسأفكر بعقلي وأعمل حذف لقلبي.. لم يعد له وجود... بإمكاننا أن نفكر الآن بكل هدوء في حل لمشكلتنا الصغيرة...
أومأت ناريمان:
ـ نعم.. لنفكر.. من رأيي أن نبحث عن محامي قدير حتى لو تلاعبنا بالقانون...
هتفت شيرويت بصوت جاد:
ـ لن نكون بحاجة للتلاعب بالقانون.. بإمكاننا التلاعب ولكن.. بشيء آخر... أو.. برجل آخر..
ضاقت عينا ناريمان بتساؤل:
ـ ماذا تعني؟؟
ـ ما أعنيه هو... طالما بابا رحمه الله كان مُصر ألا أتسلم ميراثي إلا وأنا متزوجة.. فلم لا أحقق له أمنيته الغالية!!...
زفرت ناريمان بتنهيدة:
ـ مرة أخرى يا شيري...
ـ كلا يا ناريمان هانم... ليس مرة أخرى... هذه المرة سأفكر بعقلي... بما يخدم مصلحتي.. أبحث عن رجل نضع اسمه في خانة الزوج في قسيمة الزواج... وبعد أن أتسلم ميراثي... أركله خارج حياتي.. هكذا بكل بساطة..
تساءلت ناريمان بإعجاب:
ـ ومن هذا الرجل الذي سيرضى بهذه المهمة؟
أجابتها شيرويت باستخفاف:
ـ ما من أحد سيرضى بالطبع... أما أن يكون طامعاً بأموالي, فيلغي الاتفاق.. أو يطمع ببقاءه زوجاً لشرويت كاظم فيرفض الطلاق... وهناك بند في الوصية يمنعني من الزواج والعصمة في يدي.. يبدو أن والدي كان شديد الحذر من كل الحيل الممكنة التي قد تفكرين فيها.. لذلك فالحل الأخير..
أكملت ناريمان ببريق شيطاني:
ـ توهميه بحبك... ثم تتخلصين منه!!
أومأت شيرويت:
ـ في ثلاثين يوماً فقط.. هذا أقصى ما يمكنني تحمله... وهي المدة اللازمة لإنهاء كل الإجراءات لتسلم ميراثي أيضاً...
ـ وكيف ستفعلين ذلك؟
ـ الخطة بسيطة للغاية... أي امرأة تضع رجل برأسها تستطيع أن تجعله يكره اليوم الذي ولد فيه, بإمكانها أن تفعل ذلك بكل سهولة خاصة لو كان هذا الرجل مغرماً بها لحد الجنون!
ـ أمممم يبدو أنكِ تتكلمين عن شخص ما بالتحديد؟؟!!
ـ نعم.. هذا العاشق هو المناسب من كل النواحي لتكتمل خطتي..
ـ ومن يكون سعيد الحظ؟.. أم أقول تعيس الحظ الواقع في غرامك!!
سرحت شيرويت بأفكارها للحظات قبل أن تقول:
ـ شاهين... شاهين حافظ..
شهقت ناريمان:
ـ شاهين.. حافظ... من يكون شاهين حا.... لاااا.. مستحيل... تقصدين شاهين خاصتنا... الحارس؟؟!!!!!
أومأت شيرويت:
ـ وقبل أن تعترضي.. أذكرك أنه سيكون كالألعوبة بين يدي.. كالخاتم في إصبعي.. وسيسهل التخلص منه فيما بعد...
ـ وتقولين أنه واقع في غرامك.. وكيف عرفتِ؟؟
ـ عرفت.. مثل أي امرأة تعرف بهذه الأمور...
ـ اللعبة خطرة يا شيري.. وشاهين هذا.. رجل ليس سهلاً أبداً..
ـ هي مغامرة لابد أن أخوض غمارها.. ولابد أن أنجح فيها أيضاً لأستحق اسمي.. شيرويت كاظم...
ثم أردفت في نفسها..
"ولأنتقم منك يا باسل في شخص كل رجل يقترب مني"
التفتت لوالدتها:
ـ انتظري مني مكالمة هاتفية لأخبرك بالوقت الذي يجب أن تتواجدي فيه لنحكم الفخ على فريستنا...
هتفت ناريمان بقلق غريب استغربته شيرويت:
ـ شيري... هل أنتِ واثقة من قدرتك على التلاعب به من دون أن تتأذي؟؟
هتفت باستخفاف:
ـ ماما.. محور حديثنا هو شاهين.. شاهين الذي لو طلبت منه أن يلقي بنفسه في النيل من أجل خاطري لن يتردد لحظة واحدة..
ردت ناريمان بامتعاض:
ـ أتمنى أن تكوني على معرفة جيدة بكل خطوة من خطواتك.. وحافظي على نفسك..
اغتمت عينا شيرويت:
ـ لا تقلقي يا ناريمان هانم... أنا ملك لرجل واحد.. ولن يلمسني سواه... إلى اللقاء.. لعبتي ستبدأ للتو.. أتمنى ألا يفيق المسكين من ورطته إلا بعد فوات الأوان...
وضعت ناريمان يدها على فمها لتمنع صرخة نبهت النائمين بسلام.. فالتفت شاهين محرجاً...
ضربت ناريمان بكعبها الرفيع في الأرض مصدرة صوتاً مزعجاً:
ـ أنت وهي... ضعا شيئاً من الملابس وإلحقا بي...فوراً
ـ ناريمان هانـــ...
قاطعته:
ـ صه.. ولا كلمة واحدة.. لقد رأيت ما يغني عن أحاديث طويلة لا طائل لها..
بعد خروجها صافقة الباب خلفها بقوة جعلت شيرويت تتململ بكسل ممرغة أنفها كقطة ناعسة بصدره:
ـ ما هذا الإزعاج!!... من صفق الباب بهذا الصوت المزعج؟..
أجاب بصوت جاف:
ـ أنها أمك يا عزيزتي... ناريمان هانم...
وكأن الاسم رصاصة اخترقت طبلة أذنها فانتفضت قافزة من مكانها تحملق فيه...
ثم حدقت بجسدها العاري فرفعت على الفور الغطاء لتخفي عريها عن عينيه.. وملاييين الكلمات تتزاحم في عقلها فإذا به يحذرها مهدداً:
ـ لو أدعيتِ أنكِ لا تتذكرين ما حدث وأنني أرغمتك بأي طريقة سأقتلك بيدي المجردتين...
أخرجت زفرة طويلة مطرقة الرأس عندما أجهض محاولتها الأولى للتملص من المسؤولية... ولكن عقلها أخذ يعمل بسرعة أحصنة كثيرة تركض كلها في سباق بلا خط نهاية...
"كيف وصل بها الحال إلى... إلى أن..."
نظرت لشاهين لتسأله سؤال إجابته بديهية.. ولكنها كان لابد أن تسأل:
ـ هل.. هل حدث بيننا شيء؟؟
لم يجيبها.. ولكنه ألقى نظرة لبقعة أسفلها... فطارت عيناها إلى حيث يشير... لتغمض عينيها بقوة...
نهض من جوراها يتجه للحمام الداخلي..
ـ عندما تفيقين من الصدمة سأكون انتهيت من حمامي... أمك بانتظارنا بالأسفل...
أوقفته:
ـ وماذا ستقول لها؟؟
ـ لا تقلقي.. لن أخبرها أنكِ حاولتِ إغوائي بالأمس.. وعندما فشلت أغويتِ الكهربائي.. ثم خضعت أنا أخيراً كي لا تحاولين إغواء كل رجل يقابلك كما هددت... ببساطة سأحدد معها موعد لزواج سريع... إلا إذا كانت لديك خطط أخرى؟؟...
همت بالاعتراض ولكنها قضمت لسانها... أومأ باحترام ساخر وأغلق الباب خلفه..
نهضت مسرعة للحمام الصغير في نهاية الردهة... اغتسلت على عجل وارتدت ثيابها لتحلق بأمها قبله...
التفتت ناريمان بحدة.. ازدادت بريقاً عندما رأتها:
ـ صباحية مباركة يا عروس!!...
بدأت شيرويت بالهجوم:
ـ أخبرتك أن تكوني هنا بعد ثلاث ساعات.. انظري لساعتك واخبريني أنتِ...
هتفت ناريمان بغضب:
ـ لم أتأخر بخاطري... يوجد حادث على الطريق فظل مغلقاً لساعة كاملة...
ـ لا تلومينني... كنت قد خططت لتضبطينا معاً قبل أن... ولكن... لا أدري!... لا أعرف ما حدث!!... لم أعي لنفسي إلا على صوتك!...
ـ وما هو الحل الآن يا شيرويت هانم؟؟
ـ لا شيء.. الخطة ستسير كما هو مخطط لها...
ـ وستطلقين منه بعد شهر أيضاً؟...
قلبت شفتيها:
ـ لم يحدث شيء ليغير خطتنا...
ـ ماذا لو حدث حمل من...
شهقت شيرويت:
ـ ماما.. لا تقوليها.. لن يحدث من مرة واحدة...
سألتها ناريمان ساخرة:
ـ كيف ستتأكدين أنها ستكون مرة واحدة؟
زمجرت من بين أسنانها:
ـ أنا لا أكرر خطأي مرتين... اصمتي.. أسمع صوت خطواته تنزل الدرج...
على عكس ما ظنت دخل شاهين مرفوع الرأس في نظراته عنفوان لا يلين...
بادرته شيرويت:
ـ لقد أخبرت أمي بكل شيء يا شاهين... وهي موافقة على أن نعقد زواجنا في أقرب وقت...
ـ ناريمان هانم.. أعرف أنكِ مستاءة لما حدث... ولكن.. الخطأ خطأي وحدي.. لقد أخللت بواجباتي.. عذري الوحيد الذي أتمنى أن تتقبليه أن عشقي لشيرويت لا علاج منه... كوني واثقة أن نسبي سيشرفك... والدي عمدة في بلد قرب محافظة الفيوم.. ويعتبر من أعيان بلده... وقد أبلغته بالفعل منذ قليل ليعد لنا زفافاً ستتحاكى به كل المديرية... أعلم أن قلب شيري لا يزال معلق بباسل مختار.. ولكن بعد ما حدث بيننا أعتقد أنني سأستطيع الوصول لقلبها...
وليقرن القول بالفعل أمسك بيدي شيرويت وقبلهما بقوة.. .ثم تركها وأمها يتبادلان النظرات الذاهلة واستأذن ليعد لهما السيارة للسفر للفيوم...
وكان صوت أمها الذي أيقظها:
ـ هل سمعتِ يا عزيزتي؟... أبوه من أعيان الفيوم... ليس رجلاً بسيطاً مقطوع من شجرة كما تهيأ لكِ... ستلعبين به لبعض الوقت, ثم ستلقينه جانباً يقبل التراب الذي تسيرين عليه...
أخرجت شيرويت زفرة احتبست طويلاً في صدرها:
ـ الرجال خلقوا ليكونوا ألعوبة امرأة... آدم كان لعبة في يد حواء.. وباسل لعبت به تلك السارقة التي تجرأت عليه بفضلك أنتِ يا ناريمان هانم.. وشاهين حافظ... ليس إلا رجلاً كبقية الرجال... ربما قواعد اللعبة اختلفت قليلاً.. ولكنه ما يزال رجل..
حدجتها ناريمان بنظرة قاسية:
ـ رجل قادر على سلبك كل دفاعاتك في لحظة لتكوني في فراشه بدون أن تتذكري حتى كيف وصلتِ لهناك!..
ـ ربما هذا خطأي.. كنت بريئة وساذجة أكثر من اللازم... كما أن كوب البيرة لابد أنه السبب فلم أعتد على شرب الكحوليات كما تعلمين... كل يوم أتعلم جديد.. ولن أخطئ الخطأ ذاته مرتين...
هزت ناريمان رأسها بأسف:
ـ تحاولين التشبه بي.. وكلما حاولت أجدك تقتربين للشبه بأبيكِ أكثر فأكثر...
دخل شاهين بحماس:
ـ السيارة جاهزة.. تفضلا...
سألته ناريمان بترفع:
ـ وكم ستستغرق الرحلة؟
ـ ساعتين ونكون في العبابدة...
توقفت شيرويت وكأن فكرة طرأت برأسها:
ـ ولكن... كيف سأتزوج بدون ثوب زفاف.. ولا أي ملابس..
طمأنها شاهين:
ـ لقد أعددت كل شيء وتم شحن دولاب كامل من الماركات التي تفضلينها.. أما ثوب زفافك فوالدتي محتفظة به منذ سنوات لهذه المناسبة... أنا واثق أنه سيروق لك...
نظرت شيرويت لأمها:
ـ ماما.. من فضلك اسبقينا.. أرغب بالإنفراد بشاهين للحظات قبل السفر أن كنت لا تمانعين...
هزت ناريمان أكتافها وغادرت بدون أي كلام... التفتت شيرويت لشاهين:
ـ أشكرك على محاولاتك المستمرة لحمايتي.. حميتني من نفسي... ولم تفضحني أمام أمي وتخبرها بسوء تصرفاتي.. تحملت المسؤولية رغم أنني أنا الملامة فيما حدث... ولكن.. اسمع أنت لست مضطراً للاستمرار في حمايتي.. قرار الزواج...
وضع يده على شفتيها ليمنعها من التكملة:
ـ هذا يكفي... أنا على عكسك.. كنت واعٍ لكل ما يحدث بيننا... ومسئول أكثر منكِ للتطورات التي آلت إليها الأمور... أعلم أنني لست مجبر للزواج منكِ.. ولكنني رغم كل ما حدث... أحقق حلمي.. حققت أول جزء منه منذ وقت قليل... والآن الجزء الأكثر أهمية الذي سيربطنا للأبد...
ـ شاهين.. لا أريدك أن تندم...
ـ أعلم أنكِ مترددة.. فمازال باسل مختار يعشش في تفكيرك.. ولكننا في الفيوم لنا طرقنا الخاصة للتسلل لقلوب نسائنا... وستجربين بنفسك.
ـ هل ستسحرني يا شاهين؟!..
ـ ما تزال لدي طرقي التي لم تختبريها بعد.. أمامنا العمر كله لأعلمك حبي...
غمغمت وهي تلحق به:
ـ بل ثلاثون يوماً فقط... ستقرض بعدها أظافرك ندماً لأنك لم تستغل الفرصة التي أعطيتها لك لتنسحب يا شاهين حافظ..
وقف شاهين فاتحاً باب السيارة بانتظارها... ولكنها وبدون النظر نحوه اتجهت للباب الخلفي وفتحته وجلست بجوار أمها التي رمقتها بابتسامة انتصار شامتة...
أغلق شاهين الباب بإحباط ثم اتجه ليجلس مكانه خلف عجلة القيادة... نظر للأم وابنتها جالستين باسترخاء في الخلف... وبدأ يقود السيارة بحنكة.. وبدون أن يبدو عليه أي انزعاج من تصرف شيرويت.. المفترض أنها خطيبته...
طوال الطريق حافظت الأم وابنتها على لغة الصمت المشتركة.. وكل واحدة منهما تشعل زناد أفكارها بالخطوة المقبلة وما سيليها...
ناريمان تفكر بالتوسعات الكبيرة التي تفكر فيها للمجلة, والقرارات الإدارية المصيرية التي على وشك اتخاذها....
وشيرويت تفكر بباسل مختار.. وتتخيله في تلك اللحظات بالذات يضم بين يديه تلك السارقة الحقيرة يبثها غرامه.. ويضحكان معاً على البلهاء التي سلمته لها ببساطة في لعبة سخيفة....
اصطدمت عيناها بعيني شاهين من خلال المرآة الأمامية.. ارتعشت عندما ضاقت عيناه بغضب مستعر.. وكأنه قرأ أفكارها وأدرك أنها تفكر بباسل... لم تعرف كيف.. ولكن عينيه ازدادت بريقاً بطريقة مختلفة وكأنه يذكرها بما كان بينهما... فإذا بوجنتيها تحمران بقوة وذاكرتها اللعينة تمحو كل أثر لباسل لتسرد عليها التفاصيل الحميمة التي جمعتها بشاهين...
حاولت الصمود أمام جرأته الوقحة.. وفي النهاية جبنت.. فلم ترد تذكر كيف سلمته حصونها تماماً وبإلحاح منها بعد أن كاد يتراجع..
أمسكت ناريمان يدي ابنتها وصاحت بقلق:
ـ يداكِ مثلجتان يا شيري..هل تشعرين بالبرد؟.. أدر التكييف يا شاهين..
غمز بعينه بابتسامة:
ـ أنا واثق أنها ستكون بخير... ربما ما تزال تعاني من سهرة البارحة...
رمقتها أمها بتساؤل:
ـ وما الذي حدث في سهرة البارحة؟...
هم شاهين بالكلام فهتفت شيرويت:
ـ لا شيء هام.. الكهرباء انقطعت عن الفيلا... وتناولنا الطعام على ضوء الشموع..
أشاحت ناريمان بوجهها للنافذة قائلة بتبرم:
ـ يا لها من سهرة رومانسية!!...
زغرته شيرويت من خلال النظرات المتبادلة في المرآة.. ثم أشاحت بوجهها في الاتجاه الآخر:
مر وقت طويل قبل أن يوقف السيارة على جانب الطريق... فتبادلت الأم وابنتها النظرات المتسائلة مع نظرات للمكان المحيط.. الذي يبدو كطريق زراعي:
ـ هل وصلنا؟..
ـ أوشكنا على الوصول.. ولكنني لن أدخل بلدي مع عروسي وأنا أبدو كالسائق أمام أهلي... سأكون مزحة البلدة... وأنتم لا تعرفون عادات الأرياف...
عادت الأم وابنتها تتبادلان النظرات مرة أخرى وكأنهما لا تفهمان.. عندها صاح شاهين بصوت صارم:
ـ شيرويت.. لو سمحتِ تفضلي بالجلوس جواري... أعتقد أنها أبسط حقوقي..
همت بالاعتراض عندما ربتت ناريمان على ركبتها وأومأت لها لتنفذ ما يريد....
خرجت من السيارة لتفتح بنفسها الباب الأمامي وتجلس بجواره قائلة بنبرة منزعجة:
ـ هل أنت مرتاح الآن؟؟
ـ نعم.. إلى حد كبير... فقط لو تتذكري من الآن أنني خطيبك وعلى وشك أن أكون زوجك... سأكون كثير الامتنان...
هتفت بنبرة ساخطة:
ـ حاضر يا شاهين بك... تحت أمر حضرتك.. كل طلباتك أوامر!..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي